⏫⏬
كل مساء يجلس خلف النافذة يحدق في السماء، فيرى القمر والنجوم تنير الأرض،والكائنات بالضياء، لكن هذا التحديق لم يكن يمنعه من النظر إلى نجمة كان يراقبها بين الحين والآخر،رقيقة المبسم حلوة المعشر لها شامة على خدها الأيسر ،ترافقه منذ مدة في أحلامه، كما لو أنها حورية من حوريات ألف ليلة وليلة الخيالية، ولكن رغم خجله الشديد من نفسه ،قرر أن يشكوا لها همومه ويعزف وحشته على أوتار قلبها ، فهو يعرف من حديثه الطويل
معها أنها تنصت له بكل اهتمام،وتنتظره بفارغ الصبر ،لتضيء مساءه بالحب والاشتياق .
ذلك النهار حين زاره أحد الأصدقاء في بيته ورآه منتفخ العينين! ، قال له معاتبا:
_ لماذا تورط نفسك السهر في الليل والنظر إلى النجوم ؟! ، كل النجوم متشابهة من حيث الشكل والضياء والخواص! لكنه لم يحفل بكلامه،تمرد وتبع قلبه وطرز وجودها بخيوط من العشق وتنهدات الشجن،ساهرها في الليل ،وكتب لها أجمل القصائد متغزلا بطلتها وجمال عينيها الناعستين، ليغرف السعادة من شفتيها المكتنزتين بعنب
الخليل،وهي أمامه تحكي له عن الماضي والحاضر،وارتعاشات روحها، وتبدو له كما لو أنها منومة مغناطيسيا، لكنها من حين لآخر كانت تأفل خلف غيوم رمادية، وتختفي.
في إحدى الليالي اعتلت صحته وتفاقم مرض الزهايمر ،جاءته في الحلم ترتدي أجمل الثياب ،وتضع على وجهها الألوان والمساحيق! قالت له وهي تمشط شعره الأشيب وتعانقه:
_ أحبك ياأغلى الناس،فشوقي لرؤيتك لا حدود له!.
في الصباح راح يجوب أرجاء المنزل ،يبحث عنها لتشاركه أنفاسه وسعادته،بحث عنها على الشرفة،بين نباتات الزينة،في غرفة النوم،فلم يعثر لها على أي أثر، تكور في زاوية منعزلة
يلهث رماده و يبكي سنوات الغياب ،نظر إلى صورتها المعلقة على الجدار منذ عشرين عام فطق عقله ومات.
*ناديا أبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق