اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

حُضنُ رجل ... * وليد.ع.العايش

⏫⏬
كان الطريق مكتظّاً بالمارّة ، مشاةٌ من الرجال , والنساء , والأطفال ، سيارات تعبرُ دون هوادة ، الريحُ تصفِرُ في هذا الصباح الكانوني ، أمطارٌ غزيرةٌ لم ترحم أحداً ممنْ لم يستطيعوا الاحتماء منها ، البردُ وصل إلى ذروته .

يقف تامرٌ وحيداً على منعطفِ الطريق المؤدية إلى العاصمة ، يُقاومُ كل قساوة الصقيعِ , والمطر الذي بدأ يتحول إلى ندَفٍ من الثلجِ بجسده النحيل المتقوقع بثوب وكأنهُ حضرَ حروباً عدة ، لم يتجاوز الفتى الثانية عشرة من عمره يومذاك ، فَقْدَ والديه منذ أكثر من سنةٍ ونيف ، أخاهُ الأكبر تركهُ وأخته الصغيرة ( رهف ) ذات الخمسة أعوام مُهاجراً إلى حيثُ لا يدري ، كان يقضي نهاره في هذا الطريق , أو في جارهِ الآخر ، رهفُ تنتظرهُ في مدخلِ بنايةٍ قديمة ، اِتخذاَ منهُ مأوىً لهما ، ترك المدرسة العام الماضي , كي يلتقطَ شيئاً من هنا , وآخر من هناك كي يبقى وأخته على قيدِ الحياة ...
هل كانَ ذلك الصباح مختلفاً عن غيره ؟ لا أحد يعلمُ إلاّ الله ، نوافذُ السيارات مُغلقة ، المارّة يخفون أيديهم في جيوبهم اِتقاءً للبرد القارس ، قلما تُفتحُ نافذة , فيجري تامر نحوها ، يتشبثُ باليدِ التي مُدّتْ لهُ ، أحياناً كان يلتقطُ كلمات موجعة ، يأكلُ الطُعْمَ ثُمّ يُعاودُ إلى مكانهِ مُبتعداً عنها .
توقفت سيارةٌ بيضاءَ اللون ، انفرجتْ النافذةُ قليلاً : ( تعالَ أيُّها الفتى ... تعال ) ... سارع تامر بيدهِ الممدودة نحو النافذة ، كان هُناك رجل أربعيني أشقر الهيئة ، بجوارهِ تجلس امرأة جميلة تصغره قليلاً رُبما : ( اصعدْ ... اصعدْ إلى السيارة ) ... اِرتجفَ تامر للحظةٍ ، فتحتْ المرأة الحسناء الباب الخلفي ، صعدَ الطفلُ هذه المرة دون أن ينبسَ بكلمة واحدة ، عاودت عجلات السيارة الدوران ، مسافة قصيرة انقضتْ , ومالبثتْ أن انزوت إلى اليمين , وتوقفت ...
نظر الرجل إلى تامر : ( لِمَ أنتَ هنا يا بني ... أينَ أهلك ) ... صعدتْ الدمعة المحبوسة من زمنٍ إلى عينيه الصغيرتين : ( لقد ماتوا ... ماتوا ... لم يبقَ إلاّ أنا وأختي الصغيرة رهف ) ... عاجلتهُ المرأة بسؤالٍ آخرَ : ( أختك ؟ أين هي ) ... ( إنّها هناك في مدخل البناية يا سيدتي , حيثُ نعيش ) .
ساد الصمتُ هنيهة ، كان المطر مازالَ يتقاطرُ على دفعات ، يالهذا الزمن اللعين : ( دلّنا على ذلك المكان ... هيا ... صحيح ما اسمكَ يافتى ؟ ) ... ( تامر يا سيدتي ... تامر ... وأختي رهف ) ... اتجهت السيارة إلى حيثُ أشار الطفل ، لم يكن المكان بعيداً ، دقائق قليلة فقط تمرّ مُهرولةً ، كانت كافية لينْعُمَ تامر بالدفء : ( هنا ... هنا ... ) ... توقف الرجل الأشقر ، هبطَ الجميع من السيارة ، الصغيرةُ رهف كانت مطوية على نفسها ك شرشفٍ بالٍ ، نائمةٌ هي رغمَ البرد الذي يخترق جسدها ، سمِعَ الرجل أنيناً خلفهُ , نظرَ إلى مصدره , كان يظنّ بأنهُ صوت الفتى ، لكن زوجته كانت تبكي بصمتْ : ( لا عليك يا زوجتي لا عليك ) ...
جمع تامر وأخته أشياءهما الرثّة ، صعدا إلى المقعد الخلفي حسبما طلب الرجل ، ثُمّ انطلقَ الجميع .
هناك في زاويةٍ مُهملةٍ منَ العاصمة توقف الرَكْبُ : ( ستسكنُ هنا أنتَ وأختكَ يا تامر ... سوفَ أمرُّ عليكم بين فترةٍ وأخرى ، لن تحتاجوا شيئاً بعد اليوم ) ...
غرفةٌ صغيرة فيها مستلزمات الحياة ، دافئةٌ جداً ، راقتْ للفتى فجرى مسرعاً نحو الرجل ، حاولَ أن يتناولَ يده ليُقبلها , فسحبها بشدة : ( لا يابني ... لا ... أنت وأختك في عهدتي بإذن الله ) ...
أخرجَ من حقيبةِ زوجته رزمةً من المال وناولهُ إياها ، كانت كبيرة : ( أنا أبو ابراهيم ، وهذه زوجتي ثراءْ ... ) وأردفَ : ( سأكتب لكَ رقم هاتفي وعنواني ، غداً اشتري هاتفاً واتصلْ بي ) ...
غادرَ أبو ابراهيم مع زوجته ، تحادثا طِوالَ الليل عن ذاكَ الطفل وشقيقتهُ الصغيرة ، وعن قصص كثيرة تشبههما إلى حدٍّ بعيد .
في اليوم التالي اشترى تامر هاتفاً صغيراً واتصلَ مع الرجل الأربعيني : ( هذا رقمي يا ... أبتي ) ...
لم يشأ أن يعود إلى الشارع مرةً أخرى ، اشترى عربة صغيرة ، حمل عليها بعض الخضار وأصبح يبيعها كل يوم .
كبُرت رهف ، دخلت الصف الأول في المدرسة ، لم ينقطع أبو ابراهيم وزوجته عنهما طيلة تلك الفترة ، استأجرَ تامر محلاً لبيع الخضار والفواكه ، نسي الماضي القاسي الذي عاشه منذ سنوات .
ذات يوم اتصل مع أبو ابراهيم ، كان هاتفه خارج نطاق التغطية ، وكذلك كان هاتف زوجته ثراء ، عاود الاتصال في اليوم التالي لكن لا جديد ...
مرّ شهر وأكثر ، اختفى أبو ابراهيم وزوجته في صيفٍ ساخن , بكى تامر كثيراً ، بكت شقيقته أكثر : ( أين أبوينا يا رهف ) ...
خمسة عشر عاماً مرت وكأنّها لحظات فقط ، تزوج تامر ، أصبح يمتلكُ محلاً فخماً لبيع الخضار والفواكه ومواد أخرى ، أصبحت رهف في السنة الثالثة بكلية الحقوق في جامعة العاصمة ، اشترى سيارة بيضاء كتلكَ التي كانت لدى أبو ابراهيم ...
في أحد أيام أيلول خرج تامر مع زوجته في نزهة قبل حلول الشتاء ، كان يرتدي بذّة أنيقة مع ربطة عنقٍ رمادية ، بمصادفةٍ غير محسوبة مرّ من ذات الطريق الذي التقى فيه بأبو ابراهيم وزوجته في ذاك الصباح الكانوني ، عند المنعطف لفت انتباهه رجل أشعث الشعر ، يجلس على الرصيف وأمامه خرقة بالية عليها بعض النقود ، توقف بمحاذاته ، أخرج ورقة نقدية وقذف بها على الخرقة : ( هذا كثير , كثير يا تامر ... مائة ليرة تكفي ... ) ...
رمقها بنظرة استهجان ، لم ترقْ لهُ كلماتها اللئيمة ، فتحَ النافذة مرة أخرى مصوباً نظراته إلى الرجل القابع بخنوع ، فتح الباب هذه المرة , قفز من السيارة البيضاء , رمى بنفسه في حُضنِ الرجل الذي جاوز الستين ...

*وليد.ع.العايش

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...