⏫⏬
تقديم لكتاب "عشق الزمرد " قصص قصيرة جدُا لـ رائد الحسْن
عِشْقُ الزُّمُرُّدُ هي مجموعة القاص رائد الحسْن جمعت شتات السرد الحكائي في عقد كل حباته قصص قصيرة جدا.. اشتغل عليها
طويلا وكثيرا إيحاءَ وتكثيفا ومفارقة ودهشة بالغة.. الكاتب رائد الحسْن مهووس بالسردية والحكي عاشق للغة والحكاية.. النص عنده لون مغاير " للقصة الخبر "وكأنه يأخذ منها" ومختلف عن" القصة التاريخ " ولكنه يتعلق بها "ومتباين مع" النادرة "وكأنه متناص معها " ويأخذ عن "الحكاية الشعبية " ولكنه ينزاح عنها ويركن الى "قصص الحيوان "ولكنه يؤسطرها " ويتدافع مع أفكار القصص الفلسفية "ولكنه يتميز عنها " فإنك لابد واجد بين سطورها نتف من كتاب {{ البخلاء }} للجاحظ ، وبعض المرامي من كتاب { الفرج عند الشدة } للتنوخي ، وكثيرا ما تعثر على نتف من { مصارع العشاق } لابن سراج.. تدخل نصه تجد نفسك كأنما تتردد على إحدى حجرات شهرزاد بألف ليلة وليلة أو أنك على مقربة من قصص { مصنع الأكاذيب }..ومع أشهر رواد الحجرة "" بوتشيو "" تقرأ طرائفه بكتابه [[ الفاشيتيا ]] أو تردد قصص [[ الديكا ميرون ]] أو [[ المائة قصة ]] للكاتب الإيطالي " بوكاتشيو ".. الكتابة
|
رائد الحسْن |
القصصية عنده فن رائق محدث ففي حين نراه يصمم معماره الفني قبل أن يبدأ.. فهو يولي مسألة الصيغة أهمية كبيرة ، و يؤكد على أحكام البناء ووحدته العضوية فتجد " إدجار ألان بو " أب القصة القصيرة يتجول بين دفات نصه، يبني الجانب الجمالي من قصصه على الهدوء و على تنمية الفكرة ويحلق بها إلي عالم صاخب حافل بالتوتر و البؤس حدَّ الصفاء والوضوح.. من يقرأ قصصه يميز بين الحقيقة الواقعية و الحقيقة الجمالية الفنية ، قد بنى أحجار قصصه ولغتها على الاصطفاء ونقاء السلالة.. قصص قصيرة جدا إنها(تَجديدٌ)حين تقرؤها تشدُّك حينا (فُرْجَةٌ) بين (تمثيلية) و(موقف)و(تهمة) أبطالها (أرواحٌ عارية) ليس يغطيها غير (ثوب خِيانة) تشتبك بـ( قصاصات وردية) لتكوِّن (أَرْشيفَ) نصٍ ساخرٍ بالقص القصير يــ(توارُد) فيه (اعتِذار) (الشيطان) الرجيم. وحينا آخر تدفعك إلى (لِقاء) (حُب جديد) و(عِشق) بـ (ذكرى ميلاد) أو ( ولادة) فتهتدي بالميتاسرد بالقصة القصيرة جدا إلى (نصر مَزعوم) بعد (وِشاية) وربما تهتدي إلى أن تعقد (اتِّفاق) (التِباس) مع (مسؤول) بالنقد الأدبي أو بالتحكيم فتصيبك (لعنةُ الأجنحة) من لدن (طيف) رحيم.. تلك مجمل عناوين النصوص القصصية القصير جدا عند رائد الحسْن .تسعى إلى التوهج والإبهار وإحداث اللحظات اللامعة المشرقة، من خلال تقنية بنائية تتمثل في إحداث طريق التأرجح بين صور المشابهة وصور المجاورة والصورة الرؤيا. والتي اشتغلت متونها النصية على الفكرة المبهرة الفارهة المنطلقة من واقع مشهدي يتعالق مع الباطن وأحواله.. وعلى مبحثين أساسيين هما التجديد والتجريب من ناحية والسخرية والباروديا من ناحية ثانية.. تطالعنا المجموعة بعنوانها الذي يمثل إحدى القصص القصيرة جدا بذات العنوان : (عِشْقُ الزُّمُرُّدُ) بعدَ وجْدٍ التقيا.. انطلقتْ سِهامُ نظراتِهما المُتلادِلة لتخترِق العيونَ.. و تتسلَّل لتمدُّ دِفئًا إضافيًا إلى دمِهما الفائر المُنتفض داخل قلبيهما.. انجذبتْ شفاههما.. والتحمَتْ وغفَتْ على إغماضةٍ.. لم يوقِظها غير طَرَقاتٍ على أبوابِ ذاكرة الأمس، لسُؤالٍ (لا يَخلو مِن الفلسفةِ) كان محور حِوارِهما، لِتحديدِ إطارِه. في حركة مفارقة للسرد المطّرد على تقاليده البلزاكية او الموباساينية او المحفوظية، لينكسر هذا الأسلوب، تجديدا وابتكارا ليشمل التحفيز بما هو إدراج حوافز جديدة أساسية مبرّرة ومقبولة بصلب القصة.. نصطلح عليها بالنص الميتاسردي بين مكاشفة الباروديا والسخرية . يكتب رائد الحسْن نصا مفتوحا تتخلله بياضاتٌ وأقواس تمكِّن من التسلل عبر ثقوبه إلى الكشف عن سحر ألحكي وبلاغة الخطاب، الذي يتأسس على أزواج حالمة من الثنائيات الضدية المتصارعة، تتبادل الأدوار فيما بينها محدثة جلبة واضحة، تنسج معالمها مبانٍ لفظية عاكسة لضوء هارب من بؤس الواقع، منفلت من معظم اللحظات التي يكسرها أفق الانتظار، في حركة سردية ومسار يبتغي حلحلة رتابة الحياة المحمولة على أكتاف التناقض الفلسفي، وهذا التداول على ممارسة ألحكي يؤسس لرؤية طلائعية للنظر من زاوية مختلفة للقصة القصيرة جدا.. ولن يعتب أحد إن عددنا القاص رائد الباروديا والسخرية بالقصص القصيرة جدا.. إذ الصورة والمشهد يرسمها باللفظ المنتقى والكلمة الموحية بالكثير من التقشف، كي تكون قادرة على توليد المعاني في الكون الميتالغوي.. فالكتابة القصصية عنده لعبة خطرة .. ففي حين تمسك بتلابيب الواقع فإنها تنفلت منه إلى عوالم الإنسان بالوقت والزمن انها لعبة الباروديا والسخرية من ناحية وهي التجريب الميتاسردي من ناحية أخرى.. فالقصة والحكاية عرس للعين والأذن ومكاشفة للبواطن وحاضنة للظاهر.. ان الحكاية عند رائد الحسْن جنون مُعقلن لكيفيات سبك التخييل وراهن الواقع.. والميتاسرد عنده، قائم على قصدية الكتابة التخيلية التي تتناول بوعي ذاتي أدوات السرد لتكشف عن خدع النص الداخلية عبر حكي يتحدث عن الهموم السردية داخل فضاء السرد. //نَصٌّ// تفاجَأ حينما ظهرتْ نتائج المسابقة و هو يقبع في المؤخرة. قرّرَ التعامل مع مثيلاتها حسب استنتاجه. قدّم النص للذين يفضّلونه فنال مرادهُ.// فالنص الميتاسردي بكتاباته واقع وانحراف بلاغي ..فما من نص إلا وتجده.. لا يخرج عن عبارات كل دلالتها عن الكتابة النثرية (مثلا: نَصٌّ/ نتائج المسابقة/ ورقة / قلم / صفحة/ نص/ عبارة / كلمة .....) أما التجريب عنده فهو انحراف Deviation .. إنه بمعنى ما خروج على نسق ثابت ومعياري له أسسه وتقاليده وآلياته. والتجريب عند رائد الحسْن صياغة أخرى بل أكثر انه تقنية فمن حيث هو انكسار داخلي للمعهود فأنه لا يظهر إلاّ انحرافا عن نسق سابق معرف به، تحديثي إنه عملية التأثر بالأنموذج السردي ( العربي/العالمي ) الذي قد يكون تجريبياً، وهذا النص القصصي القصير جدا نموذج نستدل به.. على تكسير نمطية الكتابة.. قصة// وِشاية// كسرَ شرط منع قبول النصوص المشتركة بمسابقة سابقة، لتيقّنه أنها لم تأخذ استحقاقها. سعد واستمتع بتتويجه الجديد، الذي لم يدم.// وهذا الملمح الإبداعي التجريبي نجده بجل القصص القصيرة جدا إذ يعتمد على جمالية التحديث الذي اتخذ من مظاهر لسانية وأسلوبية وبلاغية أطرًا إبداعية له.. وهذا النص القصصي القصير جدا نموذج فاره بديع يواكب جمالية مخصوصة .. //مُسابَقةٌ// في البدايةِ اندهشَ مِن تسلسلِ درجات الفائزين التي تبعثرتْ على جدولِ النتيجة بشكلٍ غير مَنطقي، لمّا عَلِمَ بوجودهما ضمن لائحة أسماء المُحكّمين، بَطَلَ عَجَبَهُ.// فاللغة القصصية ترتكز على حركة الأفعال اذ تبرز بدوامتها الحركية بعيدة عن الجمل الإخبارية ( اندهش / تبعثر/ علم / بطل ) // فحينا تأتي هذه أفعال متحركة عن سكون بأصل الفعل لكنها متحركة داخل النص وتأتي على أوزان مختلفة فاعلة أو بغير ذاتها تفاعلية وحينا تمتزج لتحدث بنفسها حركة مغايرة فيلجأ الكاتب إلى المركبات من مثل المركب الإضافي كما ورد بالمتن [// درجات الفائزين// ] الذي يتشظى داخل متن النص لتتكون فيه تلك الألفاظ ذات الملفوظ الترقيعي او الفهرسي أو لترسم إطاراً للتبعثر الذي يعبر عنه النقاد ب (لفظ ميتاسردي فهرسي/ لفظ ميتاسردي للبعثرة/ لفظ ميتاسردي لترقيع لفظ ( وفي ذلك كله يُلبِس القاص بطله قناعا يمارس من خلاله نوعا من الاعتراف الطهراني، وما يمكن تسميته بـ(اعتراف التعرية) حيث يتشظى النص ويصبح له تاريخ وقضية، فمن كونه تاريخ وأفكار، إلى رهابات للمسكوت عنه من القول داخل الكتابة.. يستعمل الكاتب رائد الحسْن في ذلك كله أسلوبا كأنما يضع للمخطوطة سياقاً قرائياً، اعتمادا على تقنية الشكل الذي يحرره من المباشرة.. ويصل به إلى نهاية الدهشة والإرباك.. يريد لها معنى بعينه.. انها الجمالية الميتاسردية التي تكمن في جوهر التجريب الذي انتقاه الكاتب للسرد واللغة والحكاية.. وحتى يؤسس بالقصة القصيرة جدا تلك البوليفونية التي ترمي إلى تعدد الرؤى والمواقف من خلال تقنية سردية تختص بها كتاباته القصصية وتجنح إلى حد كبير إلى التماهي مع السرد الأوتوبيوغرافي - السيري الذاتي او السير غيري (حين يتحدث عن هو الراوي الذي يسرد قصته أوسيرته الكتابية ) وهذا ما يجعل الكثير من النقاد يعتبرون رائد الحسْن مِن المجددين بالمدونة السردية للقصة القصيرة جدا بمنشط التحديث خاصة.. ولقد تجاوز القاص رائد الحسْن ما ذهبت إليه كتابات عديدة بمفهوم الحكائية / القصصية اذ أنه حوَّلها من قضية بالأصل السردي إلى محاكمة للنص السردي من خلال جماليته ووضوحه بعيدا عن التعمية والغموض وهي معادلة الفن الأدبي البديع الحداثي . التي لا تتأتى للجميع حقيقة. ونتحقق مما سلف حين تفحص هذا النص : // تقييم// وضعَ النصَّ أمامه وأربعة عيون تتفحّصه وتنقل رسائلَ مشوّشة إلى مُخِّه، قلّبَها وثنّاها عسى الضباب يتلاشى عن كلماته. عدم وضوحها أقنعَه بغرابتهِ وجمالِ طلاسمه، تحرَّكت أناملُه لتهبه ما يستحق.// أما الجانب الثاني لكتابات رائد الحسْن ..فتتمثل في إذكاء القصة القصيرة جدا بمحامل السخرية والباروديا ..تصديقا لقول الكاتب الساخر محمد الماغوط: «كل من يُجيد الكتابة الساخرة يُجيد زعزعة الظلام». أو مثلما يقول زكريا ثامر عن الأديب الساخر: «إنه ينجح في الجمع على أرضٍ واحدة بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز».. وما استحضار الباروديا والسخرية إلاّ شكل مِن أشكال استحضار صورة مختلفة تتسلل مباشرة إلى المعنى لتقشره من أغلفته اللغوية وتكسوه ثوبا خفيفا ليشف عما تحته من جمال وحسن صياغة.. وهنا قدرة القصة القصيرة جدا المذهلة في مجال التكثيف التي تتيح قول أشياء كثيرة في سطور قليلة.. ولتحقيق درجة من درجات الصدق الفني، وإذكاء ذائقتنا الأدبية بنوع من النضج الأدبي لا ينفك رائد الحسْن يصفي نصه الإبداعي و ينأى به عن مهماز استغلال القارئ واستدرار عواطف المتلقي أو استحلاب عينيه بالألم وفائض الرومانسية والمبالغة في نثر الأحاسيس على الأثر النصي..فيصوغ القاص منطقه النصي من مفهوم طلائعي تجديدي تحديثي يتمثل في توليد السخرية لذلك ينشئ نصوصه على الدوام من عدم الرضا عن الخطاب الرسمي الذي يستشعر الفرد/ المتلقي هنا أنه يخفي ما هو جوهري ليشيح اللثام عن المنطق اليومي السائد .. حيث نلاحظ بالقص القصير أن الكاتب حين استعماله للسخرية يورد النص ملفوفا بالملفوظ الكلامي الذي يقوم بتبني الساذج لما يُقال اجتماعياً خياراً وارداً ومن ثمة يشعر الشخصية بالخيبة والميل إلى السذاجة والغباء.. ولعل أدل نص ما جاء بالقصة القصيرة جدًا: //مَملَكةٌ// ظَلَّ المَنصَبُ شاغِرًا، سحَبوهُ مِن هُناك، ألبَسوهُ حلّةً ما تعوّدَ عليها. بعد مدةٍ، أَلِفَ الأجواءَ الجديدة، ساءتِ الأحوالُ في عهدِهِ. فقط زئير الأسد الذي ملأ الآفاق، أرغمَهُ على التقَهْقُر، ونهيقُه يسبقُهُ إلى حظيرتهِ.// حيث يعمد الكاتب بهذا النص إلى الهزء والسخرية والفكاهة والضحك بما هي خرق وتجرؤ [ونهيقُه يسبقُهُ إلى حظيرتهِ.] //. إذ لم يكن أسلوب ” الباروديا” أو المحاكاة الساخرة، نافلة من الكتابة الأدبية عنده وإنما هي أعمق أثرا و أبقى تأثيرا من غيرها في القصة القصيرة جدا. فقد يأتي اصطيادا للمفارقات المؤثرة بالدهشة ، وتصويرا للأضداد ساخرة هازئة (فمن أسد يزأر إلى حمار ينهق)، إنها إدراك لمجمل الحقائق التي نحياها و لا نلتفت إليها، ومن هذا المنطلق يصوغ رائد الحسْن القصة القصيرة جدا كي تبدوَ في قالب ساخر ممتع و عميق وتظهر مرآة صادقة لعمل رائق استئناسا بكتابات أسلافنا كالجاحظ .. وبكثير من مقولات إميل حبيبي ، أو أيضا برنارد شو ، ومن قبله و غيرهم كثير. المجموعة القصصية لرائد الحسْن مفعمة بالكتابة التحديثية الساخرة الناقدة.. تزخر بتعبيرات عاكسة لوضعية تجاذب الشخصيات حين تتعدد بصماتها وأنماطها الجنسية المختلفة، وسياقاتها الاجتماعية المتباعدة، على محك البياض في مقابل السواد، إذ يرحل اللفظ باحثا عن بنية تركيبية منسجمة، ليقدم شخصيات تختلف في منظورها السيكولوجي .. فالابتسامة والضحك والوجه المقطب، دلالات أصيلة تعد مدخلا هاما للكشف عن الهويات الثقافية للأفراد والمجموعات.. جنس القصة القصيرة جدا بحث متواصل في مضمرات ألحكي عن تيمات الأضداد والألوان وتجلِّياتها الخارجية للبحث عن الاطمئنان النفسي، حيث يصوغها القاص رائد الحسْن منضدة أشكالا وألونا كاشفة من خلال اشتقاق البياض والسواد من ألوان أخرى للعذابات الإنسانية عبر مستلزمات ألحكي التي تؤثثه شخصيات النصوص المنفلتة من القهر والظلم .. كل هذه المواضيع التي تصوغها الشخصيات ترتهن إلى فعل الكتابة بنفس تحرري، يروم صوغ حالة المختلف والمؤتلف مع الآخر فيصير النص امتدادا للواقعي من خلال المتخيل المنظور.. ويصير النص تخيّلا يوهم بالواقع أو يكاد.. ذلك هو النص الأدبي الحداثي الذي امتهنه رائد الحسْن الكاتب المجدّد.
*حمد حاجي
_____________________________________________
الأستاذ: حمد حاجي
أستاذ الأدب المقارن
م. كلود برنار الخامس
السربون ..باريس. فرنسا
- توأمة مع معهد كليمنصو صوفيا بلغاريا
أستاذ زائر قسم الألسنية ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق