اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

شهيق في المُنْحدَر ...*د. شميسة غربي

في المخزن الكبير؛ حيث تكدّستْ أنواع كثيرة من الألبسة والأغطية الخفيفة؛ اجتمع صاحب المتجر بأعوانه وكلَّفهُم بعَملية الفرز، والتصنيف وتجهيز أكياس بلاستيكية كبيرة؛ تُطوى داخلها هذه المكدّسات؛ ثمّ تُحْمل في شاحنة المتجر وتكون الوجهة: “محلات البيع
بالتقسيط” على أطراف المدينة الشاسعة.

الحاج إدريس؛ تاجر من تجار الجملة؛ عُرف في المنطقة بالتصدير والِاسْتيراد لِأجود الملابس والأقمشة منذ سنوات، فباتَ مقصد كل التجار الصّغار الذين يتنافسون على التعامل معه في جميع الفصول وفي كل المناسبات يجدون فيه المورد الذي لا ينضب: ألبسة شتوية، أخرى صيفية، ألبسة ربيعية، موضات الخريف لكل الأعمار والأذواق. إكسسورات تخطف الأبصار، وإن كانت ترهق الجيوب أيام الأعياد والحفلات.

اقتسم الأعوان مهّمة الفرز؛ وتكلّفَ “بشير” -قريب صاحب المخزن- بالمُرَاقبة الأخيرة للأكياس قبل شحْنها؛ ثمّ أعْطى إشارة الِانْطِلاق بعد أن قفز إلى الشاحنة واتخذ له مكاناً في زَحْمة السّلع. مسافة مُعتبرة؛ ستقطعها الشاحنة، برْدٌ قارِس يتسللُ من أسْفل باب الشاحِنة، يسْتشعرُه بشير وُيحاول جرّ أحدِ الأْكياس؛ يُدحْرِجه إلى أسْفل الباب؛ تنغلق منافذ تسرُّبِ الهواء البارد. يشعر بشير بأريحية؛ ترتخي مفاصله، يسْبح في هذا الحيّز المُتحرّك. تهتز به الشاحنة مرات ومرات؛ فالطريق غير مُعبّد، والحُفرُ تسْتأنسُ ببعْضها وتتوطد علاقاتها وتُفَكرُ في خلقِ نِظام للتناسُل؛ يحْفظ سُلالتَها من الاِنْقرَاض.

الجالس أمام مقود الشاحنة؛ يتأفف من الضباب الكثيف؛ الذي يؤثر على الرؤية، بينما مُرَافِقُه يُكرّرُ عملية مسح الزُّجاج الأمامي دون كلل. يتضاعف الضباب، يُخفِّضُ السائق السرعة؛ يحاول مواصلة الطريق؛ غير أنه يفاجَأ بِعُطلٍ؛ يُحتّمُ عليه التوقف للفحص والتدقيق. ينزلُ العوْنانِ والبرْدُ يلسعُ وَجْهَيْهما. ينْدهشُ بشير من توقف الشاحنة؛ يفتح الباب الخلفي ويُطلّ على رفيقيْهِ مُسْتفسِراً.

يكتشف الثلاثة أن الأمر يتعلق بإحدى العجلات. يتعاونون على استبدالها؛ بينما التساقطات الأولية للثلوج؛ تُزرْكش الحُفر، وتعِدُ بِتمْدِيدِ رِداء البياض على الرّطب واليابس؛ إنه عُرْسُ الطبيعة؛ وهي تُجهِّزُ للفرَح في ذاكرة الشجر، وعلى قشرْة البَلح، وفوق زُهيْراتِ الأغصان النّدِيات، وبين القِمَم؛ حيث تغدو الثلوج تيجاناً تزهو بها الجبالُ الشامِخات.

وقتٌ مُعْتبر؛ يقتضيه استبدالُ العجلة. فرغم الخبرة الطويلة للثلاثة رجال في هذا المجال؛ ورغم حرص الحاج إدريس على تكليفِ عُمّال الصِّيانة بتفقد متعلقات الشاحنة قبل الانطلاق؛ إلا أنه وفي بعض الأحيان؛ يحدث ما من شأنه تأخير الوصول إلى الوجهة المطلوبة. هذه المرّة؛ تَهاطلُ الثلوج يُعرْقلُ المهمّة. يُحاوِل السائق الاِنطلاقَ من جديد؛ تكسو وجْهه علاماتُ الحُبور والِمقودُ مِطواعٌ بيْنَ يديْه. يسوق ويسوق. حتى إذا ما بقيتْ بضعة كيلومترات فقط على الوصول؛ أصدرت الشاحنة صوتاً مثل الشخير، ثمّ توقفتْ بعد أنِ اهتزّتْ؛ وكأنها تُصارِعُ سكرات الموْت الأخيرة. لمْ يعد بالإمْكان فهْمُ العُطل. الشاحنة هامدة، تغطى نِصْفُها برِداءٍ أبْيض؛ تموّجتْ انكساراته حسب هيكل المرْكبة فبدَا المنظرُ؛ وكأنّهُ خرْبشاتُ رسّامٍ على لوْحةٍ منقوشة بلونِ الذاتِ المُشَتَّتة على أجنحة الطيور المهاجرة.

حاول بشير الاتّصال بالحاج إدريس؛ مرات عديدة؛ غير أنه لم يُفلحْ لِانْعِدام التّغطية وكان الاقتراح: المشي على الأقدامِ طلباً للمساعدة؛ بيْنما يظلّ بشير إلى جانب الشاحنة لحراسة البضاعة.

وقتٌ طويل؛ ولم يعُدِ الرّجلان. قلقُ بشير يتزايد، الطبيعةُ المزْهوّة بِوِشاحِها الأبْيض؛ تتدلّلُ على صمْتِ المكان، تنْسج ملامحَ مُشاكسة على جبين يوْمٍ؛ تمَاهَى شرُوقُه بِغُرُوبِه، وقفزتْ مفاجآته على أسراب فراشاتٍ هاربة من قيد القنديل إلى عتمة المتاهات. يطول الاِنتظار بالرجل، يتغلغل البرد في مفاصله، تغزو ذهنهُ وقلبَهُ الوساوس، تتجمّد أصابعُه؛ يقفز إلى الشاحنة باحثاً عن قفازاته الصوفية، يتذكر أنه تركها على مكتب قريبه؛ يحاول الاِتصال مرة أخرى بصاحب المتجر؛ لكن لا يفلح. تعْصِرُ الحيْرةُ فؤادَه، ينْتابُهُ الضّجَر، يهْتدي إلى السّيجارة والوَلاّعة.

ساعات النهار؛ تبدأ بمصافحة الساعات الأولى من الليل وكأنها تُجهّزُ الطبيعة لِاسْتبدالِ رِداءٍ برِداءٍ آخرَ.. لا حرَكة؛ في هذا المُنْحدر أيْن شهقتِ الشاحِنة شهْقتَها الأخِيرة. ما بَالُ الناس؛ وكأنَّهُمْ أضْرَبُوا عنِ المُرُورِ بهذا الطريق. ساعاتٌ ثقيلة؛ دَقّ اليأسُ فيها أوتاده، وهرَسَ الفزَعُ سُبُلَ التّفكير، ولم يعُدْ بالإمْكان؛ سوى الاِسْتسلام. دُخانُ السّجائر يتصاعد في خيلاء؛ سيجارة بعد أخرى، بشير يرمي العُلبة الفارغة بعد أن فتح باب الشاحنة وأخرج رأسه ليُطلّ على قطعة ليلٍ دامس، وبرد قارس، وأمَلٍ دارِس؛ يُلغي سانِحَة الاِنْفلاتِ مِنْ وَضْعٍ منحوس. يتكوّمُ بشير بين أكياس السلع؛ طلباً للدّفء، يُغمض عينيْه. لحظاتٌ، ويطيرُ بهِ سُلطان الوَسن إلى تُخومِ المُحال..

وساوس قبّعة

قبّعاتٌ جَميلة، للنِّساء والرِّجال للصِّغار والكبار بِأشْكالٍ مُختلفة: المُستديرة، المُستطيلة، المُربّعة، المُتدرِّجة. آخر صيحات المُوضة؛ لِلزِّينة. للتّغطية للوِقاية منْ لسعات البرْد، صُنِعَتْ من أجْود أنوَاع النّسيج، وتشكّلتْ على أيدي أْمْهرِ المُصَمِّمِين الذين وضعوا في حِسابِهم: أمْزِجة النّاس فتفنّنوا وأبْدَعوا، وحمّلوا القبّعاتِ وِزْرَ المِزاج. قبل قناعة الِاخْتيار.

عند قدمَيْ بشير؛ كيسٌ كبير يتململ حركة غريبة داخله؛ تُكثِّفُ مَخاضَهُ الأخير! يتدحْرجُ الكيس. ينْتفض. يتمزّق. تقْفِزُ القبّعات بأشْكالها المُختلفة؛ وَاحِدة بعْد الأخْرى؛ وكأنّ هناك مَنْ يُلاحِقها. يَفْرُغ الكيس؛ وتتكوّمُ القبّعاتُ فوْق جسد بشير المسافر في تخوم الخيال.. إحْداها؛ تعْتلي رَأسَه، تنشر خيوطها على وجهه؛ وكأنها تقرأ طقوس تخْديرِه، بيْنما تتأهبُ الأخريات لِسمَاعِ الحكي، فتنْتظِمُ على جَانبَيْ الجَسَد، وتُؤسِّسُ لمَشْهدٍ تأبِيني؛ صادقتْ عليْه الأكياسُ المُكدّسة في زَوَايا الشّاحِنة الهامدة، والشاهدة في نفس الوقت؛ على تفاصيلِ مُحاكمَةٍ حالِمَةٍ بِزرْعِ النُّورِ في أدْغالِ النفس الهاربة من الفيء؛ إلى أتون الجمر.

صفقة مع الاستثناء

لم يكن بالإمكان أن تهدأ القبعة. وهي التي خبِرتِ الرّؤوسَ الآدَمِية؛ وتَكشّفَ لها تبايُنُ الأمْزِجَة ومقاييس البشر؛ في رِحْلة الغِطاء التي تقودُها منْذ آلافِ السِّنين هي تحاول اللحظةَ أنْ توقف الرّحلة، أن تخلق مشهداً للفُرْجة على ضفاف رُؤوسٍ أنْهَكتْها التّناقُضات، فسلبتْ بعْضَها ميزتها؛ وطوّحتْ بها في جَحيم الترّهات. وستخلق مشهداً آخرَ لِلاِقتداء برُؤوسٍ؛ حبَتْها الطبيعة مَباهِجَ الفِكْر، فتتلَمذَتْ على نواميس السُموّ الإنْساني، وترقّتْ في سلاليم المجد الروحي؛ فإذا النفحاتُ جذلى، تُبارِك الرُّؤوسَ في مَشهدِ مُعايَدَةٍ جميلة؛ إنها مُعايدة العقول السليمة وهي تصْنعُ عبيرَ الحياة بنواةِ الخيْر وبِذرَة الأمان في جوف غيمٍ؛ يتطلع إلى أعْتاب نجْمٍ ساطع، وصُبحٍ مُفْلق يلثم الخمائل ويحْتضنُ المعمور في حكاية أزلية؛ تُرَتّلُ فُصولَها حيواتُ الأزْمنة المَسْقية بِعبق الوجدان المتعالي عن كل نقيصة.

كم كان صعباً على القبعة؛ أن تتمرّد على الرّحْلة، أن تُمزِّق الأشْرِعة؛ أن تخدش سحر الرّذاذ؛ وهو يعانق خيوطها ويلتفُّ على عيونها، في دلالٍ يبهر الرياح. اليوم؛ تلجأ القبعة إلى المُحاكمَة العلنية. صُويْحباتُها يُطوِّقن جسد بشير المُتجمِّد داخل الشاحنة المشلولة. قرّرتِ القبعة أن تعقد صفقة عاجلة مع عنصر من عناصر الطبيعة فاستدعت إليها الرياح وقصّتْ عليها الحكاية.

غداً؛ يومٌ بلا قبعات. غداً ستهبّ ريح عاصفة، ستُعرّي كل الرّؤوس.. غداً سيتحلّلُ ويتبخّرُ جليدُ الرّؤوس. سيتسلل البُخارُ إلى العُروق، سيُخرِج ما تخثّرَ فيها رِهانُ حمْلةِ نظافةٍ واسعة. تُطهّرُ الخلايا، تُنقّيها منْثِقل العتْمة، منْ أدْرَان الهمَجية، المُتلذّذة بأوجَاع البشر. نحْن؛ نريد رؤوساً نظيفة وعقولاً نيّرَة. ومن عبق الإنْسانِية؛ سنُبْدِعُ تِمْثالاً؛ يُغنّي للحبّ في جحيم الكُرْه! يغنّي للسلام في ذرْوة العَدَاء. يطربُ للحياةِ في عزّ الموت. يغرس الصّفْح في أتون الحقد. يشدو مع طيور الغاب، شدْوَ الأمل على أكتاف الكادحين؛ وقد قُدّتْ ضلوعهم من أشواك المحن وسالت آلامُهمْ على أتربة الحقول، وارتسمتْ على أفوَاهِ الزّهْر؛ ترْتشفُ مذاق الحسرة عبر الأزمنة المتناسلة من زمْهَرِير البرْد، وقيظ الهجير.

نحن القبّعات. اليوم يومنا. أوْزارُ الخَلق أثقلتْ كوَاهِلنا، أرْبَكتْنا، مزّقتْ نسيجنا، شوّهتْ رُسوماتنا اخترْنا التمرّد ولو إلى حين. لا نريدُ أن نظلمَ الخيِّرين ولكنّها جريرَة الكثيرين.

لحظات قليلة؛ هبّتْ بعدها ريح عظيمة؛ فتعرّتْ كل الرّؤوس في المدِينَة اندهش الناس وهم يلاحظون طيران القبّعات إلى فضاء بعيد؛ يستنجدون بأيديهم للإبقاء عليها لكنها تتطاير إلى أبْعَد مدى يخشون على رؤوسهم غضب الريح وتناثر التراب؛ تحولت السماء إلى جحيم أحمر. هرع الناسُ إلى أماكنَ مُغطّاة؛ علّها تقيهِم، ريثما تتوقف الغضْبَة أمّا القبعات فكانتْ نشوى؛ تراقب المشهد في حُبور وارْتياح.

غرفة من نور

سريرٌ أبْيَض على جانبيْه؛ اصطفّ أشخاصٌ بمَآزِرَ ناصِعة البَياض، بين أيديهم قراطيس وأقلام، يُدوّنون تعاليمَ المتحدّث الوَاقِف قُبالتهم. المتحدّث يمدُّ أصابعه إلى المصل؛ يُركزُ نظره عليْه يهزُّ رأسَه وعلاماتُ الاِرْتياح؛ تتدفق على وجْهه الوقور يخرج من الغرفة، ويتْبعُه السِّرْبُ الأبيض في خفة ونشاط كان بشير يرى البياض مِنْ حَوَاليْه يتعجّب من تواجده في هكذا غرفة. ضوءٌ مثل كُرَيات النّور يغْمُرُ المكان، ومُعِدّاتٌ غريبة على طاولة ضخمة؛ موصولة بجسمه؛ يحاول أن يتحرّك، لكنه يستشعرُ ثِقَلاً. بعد برهة يدخل عليه الحاج إدريس؛ وجماعة من أعوان المتجر يهنئونه على النجاة. يرفع إحدى يديْه إلى رأسه؛ وكأنه يبحث عن شيء. تصطدم يدُه بضمادٍ خشن؛ يلُفُّ كل الرأس لا يفهم لماذا هذا الضماد؟ يربّتُ الحاج إدريس على كتف بشير ثم يجلس على مقعدٍ جانبي؛ يفرك جبهته. يهمس للأعوان “الحمد لله كانتْ حروقه خفيفة. ليته انتبه إلى أعقاب السّجائر”. يعلّق أحد الزوار؛ وهو يتأمّلُ المصاب:

لا شك أن إحداها وقعتْ بين الأكياس؛ فتسبّبتْ –على مهل– في اندلاع نار؛ تزامنتْ -لِحُسن الحظ- مع وصول فريق المساعدة بصحبة العوْنيْن اللذيْن غادرا الشاحنة منذ ساعات؛ طلباً للنجدة.

أغلق بشير عينيْه؛ علهُّ يُتابعُ مُخطّط القبَّعات. تمنى لو أنه لمْ يصْحُ تمنّى لو أنه طار معها وكتب قصّتها تمنّى لو أنّها تسْمعه؛ ليقترِح عليْها: نُكَرِّسُ يوماً عالمِياً دون قبّعات. تتجدّد الِاحْتفالية به كل سنة. حملة وِقائية لتهْوِيَة العُقول، ونفض بعْضِ الرُّؤوس.

*شميسة غربي

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...