اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

بَقَايَا الجَريمَةِ المُحَنَّطَة ــ قصة قصيرة ...**عبد الحكيم قويدر ـ الجزائر

وقفَ مُتَّكِئًا على عُكَّازه، والحيرَة تَسكُنُه، تَسْتنفِر قَلبَه وعقلَه في آنٍ واحِد.
يَخيطُ الذِّكريات لِيصنع بها الحَقيقة، ويَنفَض مَكْنوناتِه المُتَراكِمة، والمُتَكُوِّمَة في زَوايا ظِلِّه، ويَجعَلَ مِنها مَعلَمًا ومَزارًا يَعودُهُ كُلَّمَا ضَاقَتْ بِه السُّبُل وآَلَمَهُ وجعُ السِّنين.
أَكثر مِن خَمسين عامًا وهو مُنتَشي بِرؤيةِ هذِه البَراعِم المُورِقَة والمُعَطَّرة بماضٍ تَحتَويه خَوابي السِّنين.
تحتَ سَقفِ هذا المَنزِل العَتيقِ، تَجتَمِع مَعَه عِدّة أَشياء..
تَسكُنُ غَياهِبَ نَفْسِه، وتَمْنَحُهُ إحْساسًا جَميلاً، تُدغدغُ رُوحَهُ، وتَعودُ بهِ إلى مَحَطَّاتٍ، تجعله أشدّ اِرتِباطًا بِتاريخِهِ، لا يُمكنُه أنْ يَتَّخِدَ مَلجَأً دونَهُ.
رَوائحٌ مُخَمَّرةٌ بِفَضَلات الحَيوَاناتِ المُمْتَزِجَة بالتِّبنِ المُتَعفِّن، تَنبَعِتُ مِن الإِسْطِبلِ اللَّصيقِ من الجِهَةِ الخَلْفِية لِلمَنزِل، وخَمُّ الدَّجاج مِن الجَانِبِ الآخَر..
هذه الأمْكِنة، والرَّوائح هي جُزء مَن تاريخِهِ، الّذي يَجمَعُ في حَلَقاتِه عَدة أَشياء. تَظهرُ كَدُخان نارٍ تَحترقُ في أَعماقِه، وهمّ دَفين يَربو..ويتخمَّرُ في وِجدانِه..
لِيقذفَ هذهِ الحَقيقَة، لِتَسْتَقِر على مَلامحِ وجههِ المُتَلَألئ بِنور الصِّدق والوَفاء.
هذا الصِّدقُ والوَفاءُ تَراهُ في مُحَيَّاه المُشْرِق كُلّ صَباحِ، وهوَّ يُودِّع زوجتَه و وَلَده الوَحيد والَّذي يُعاني مِن اِضْطِراباتٍ عَقليَّة.
يَسوقُ قَطيعَ غَنَمِه وأبقارِهِ إلى المَرَاعي المُجَاوِرَة..والقَريةُ ماتَزَال نَائمَة..
يَسلكُ بِقَطيعهِ مَمَراتٍ ضيِّقَة..
تُحَدِّدُها مِن الجَوانِبِ شُجيرات الصبَّار الشَّامِخَة بِمِزهَرِياتِها الأَنيقَة، وأشجَار الصَّنوبَر المُستَقيمَة والمتَراصَّة علَى خطٍّ وَاحدٍ. تَتَخَلَّلُها أغصَانُ شُجِيرات وأحرَاشٍ مُختَلِفَة، تَجعلُ القـَطِيعَ يَمشي عَلى مَسَارٍ حَصْريّ.. في تَراصُفٍ مَهيب.
مُحدِثا صوتا يَشبِهُ التَّاريخ..
يُشْبِهُ المَكَان..
تاريخ الَّذينَ مَروْا مِنْ هُنَا...
أصواتٌ مازالَتْ تُوَشْوِشُ وتُتْعِبُ أُذُنيه..
رَغمَ مُرورِ عَشِرات السِّنين...
مِن هُنا عَبرَ المُجاهِدونَ إلىَ مَراكزِهِم.. تَخْتَبِئُ فِي صِدرِه مَلحَمَةُ: "مَنْ يِزرَع الرِّيحَ يَجْني العَواصِفَ" كان يُرَدِّدُها دوما..
تَأخُدُه بَعيدًا أُغنية: "الجُنْدي خُوْيَا" لـ: "بَڨَّارْ حَدَّة".
يَصِلُ بِقَطيعِه إلَى المَراعي..
ولا يُعودُ مِنها إِلَّا والجِبالُ تَبْتِلُعُ الشَّمسَ فِي مَغرِبِها..
يَجُرُّ البَراري، والمُروجَ وَمَا تُنبِتُ الأرضُ من حَشَائِشِها وبُقولِها لِلْمَبيتِ مَعَ قُطْعانِه..
لا يُحِبُّ أنْ يُخَلِّفَ شيئًا ورَاءَهُ، هَذهِ من سُنن الرُّعاة.
كُلّ يُومٍ قَبلَ دُخولِه إلى مَنزِلهِ، يَقصِدُ ساحَةً صَغيرَةً، في الجِهَةِ الخَلفيةِ لِلمَنزِلِ.
حيتُ نَصَبَ هُناكَ مُنذُ أكثر مِن خَمسينَ سنَة عَمودينِ مُتَعانِقِينِ. عَلى شَكلِ مُثلث بقاعِدةٍ صَغيرةٍ إلى الأسْفَلِ من جِهة الأرضِ، على اِمتداد إلى الأعلَى بِزاويةٍ حادَّة، بِعلُوٍّ يُقاربُ المِترين، حَزَّمَ العَمود الأول بِحزام جِلديّ قَديم، والثَّاني رَبطَ نِهايَتَهُ العُلْوِيّة بِقِطعَةِ قُماشٍ حَمراء..
غِيرَ بَعيد عَن قاعِدَةِ العَمودين، وَضَعَ على صَخْرةٍ مُسَطَّحَةٍ آَنيةً فُخَّارية مُتآكلة الحَواف، حَلَّقَها بِمَلاعِق خَشَبيّة قَديمَة جدا.
صَفّفَ أَحْجارا بِشَكلٍ مُستَدير..يَتَناوَبُ عَليها جُلوسا..
يُحَدِّثُ نَفسَهُ: الأماكِن لا تُساوي شيئًا، إذا كانتْ خاليةً مَمَّن نُحب..
المكان ليسَ خاليا تَماما.
أَطلَقَ الكَلْبُ نَبْحَتين غير مُتَقَطِّعَتين..
كَأنَّه يُوافِقُه الرَّأي، لِيَعود إلى مَكانِه مُسْنِدا رَأسه على رِجْليهِ المُمَدَّدَتين إلَى الأَمامِ..
هذا المَكان المَسْكون بالدَّمِ والنَّار، يَرتَجِفُ مِنه اللَّيلُ الطَّويل هَلعًا..
لا يُعظِّمُ الأَمْكِنَة إِلا مَنْ يَعرِف تاريخَها.
تُهاجِمُه ذِكْرَياتٌ حَزينَة جِدًا، مُحنَّطة في ذاكِرَتِه..تَنزَلِقُ إلى مَجاهِل جَسَدِه كَالجَمْرِ.. لِتُحُوِّلَ وجَعهُ إلى قَوَّةٍ رَهيبَة..
تَعودُ إليهِ ذِكْرى اِغتيال خُطوات إنسَانٍ، في دَواماتٍ مِن الحِقد.
حِقدٌ سَلَخَ أَشجارَ البَلُّوطِ مِن لِحَائِها..وتَركَها عارِية..
لِتَشْهَدَ على أرضٍ مَسقية بالدَّمِ، لَمْ تَشْبَعْ مِن طُعمِه ولونِه..
وتَشهَد أيضًا على جَرائِمِ ومَجَازِر الصَّباحاتِ والمَساءَات..
بِالقُربِ مِن هَذين العَمودين المُتَعَانَقِين، تَعالَتْ زَغاريدُ نِسْوَةٍ وأُمَّهات.. على الفَرح المَختُوم بالحُزنِ..
في هذا المَكَان رُوَّعَت الطُّيور وشُرِّدَت من أبراجِها...وبُلِلَتْ مَنادِيل الحَنّاء بِدَمعٍ غَزيرٍ..عُصِرَ مِن مُقْلِ الأُمَّهات..
مِن هذا المَكان تَحامَلَ الموتُ على الحَياةِ.
هُنا.. أُقِيمَ عُرس علَى شَفِيرِ الموتِ.
لا تكادُ تَبْرَحُه مَشَاهِد العُرسِ، الَّذي مَرَّتْ عَليه عُقودٌ وأعوَام.
يَتَذَكَّرُ مُوكِبَ العُرسِ.. يَنحَدرُ بِصَخَبِه عَبرَ المَسالِك الضِّيِّقَة..
يَصِلُ إلى السَّاحَةِ.
لَمَّةٌ مِن النِّساءِ يَتَحَلَّقْنَ بالعَروسِ يُرَدِّدْنَ أغاني قَديمَة..صِياحُ الأطْفالِ..رَعيلٌ مِن الخِيْلِ يُزيِّنُ الموكِب، رائِحَةُ الكُسْكُسِي تُعَطِّرُ المَكانَ وَتُشَهّي الحاضِرينَ...
لَمْ تَدُمْ الفَرحَة في ذاكِرَتِه طَويلاً، لِتَقْتَحِمَهُ مَشاهِد الخَلفِيّة الدَّاكِنَة..المُحْزِنَة..
صُوّر الموتِ..الدَّم..الرُّعْب والدَّمار..
طَائرَةٌ حَربيةٌ فرنسِية، تَقْضي على الحُلمِ..
على الفَرَحِ..على العَروسِ والعَريس.. الأطفال..وأَغلَبِيَّة الحَاضِرينَ.
اِختَلَطَ دَمُ البَشَرِ بِدَمِ البِغالِ والخَيْل..
هَذِه الحَملَة الفرنسية اللَّعينَة، لِلقَضَاءِ على البِغالِ بِحُجَّةِ نَقل المَؤونَة "لِلفلاڨة" في مَراكِزهِم، تَقْضي على إبنِهِ جمال الدين وعَروسه الَّتي لَمْ تَدخُلْ بيتَها.
اِسْتُشْهِدَا في ثوبِ الفَرَحِ...زُفَا إِلى عَالَمٍ جَمِيل..إلى فَرَحٍ لا يَنْتَهي..
يَصْعَبُ عليه النِّسْيان.
النِّسْيانُ نِعمَةٌ لو أنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بالتَّاريخِ.. تاريخُ الإنسَان والمَكان..
لو أنَّهُ لا يَعْني مِحْرَقَة..مَجزَرَة..جَريمَة في حَقِّ الإنسان وحتَى الحَيوان.
ِ يُدَنْدِنُ بِصوْتٍ حَزينٍ: "الطَّيَارَة الصَّفْرَاء حَبْسِي مَتَضَرْبِيشْ....."
وهو غارِقٌ في ذِكرَياتِه المُتَراكِمَةِ..
تَقَدَّمَتْ نَحْوَهُ زوجَتَهُ "سَكينة" مُنْحَنيَّة الظَّهْرِ، تَتَمَايَلُ بِدَلْوِ مَاءٍ..
تُنادِي بِصوتٍ مَبْحوحٍ..:
هَيَّا يا رَجُل لِتَتَوَضَأ، لَقد حانَ وقتُ صَلاة المَغرِب.
تَوَضَّأ وأُطفِئَتْ نارُ الحُرقَةِ المُخْتَبِئَة في دَهَاليزِ نَفسِه.. وَلو مُؤقَّتًا.
صَلَّى المَغرِبَ في طُمأْنينَة، وراحَة بَال.
وسكينة تُحيطُه مِن كُلّ جَانِبٍ بِنظرة اِحتِرام واِكبار..
أَنهَى صَلاتَهُ، سَلَّم..
قَامَ.. وتَوَجَّهَ نَحو العَمودين المُتَعانِقين. يُواسِي نَفسَه بالنَّظرِ إلى ما تَبَقّى مِن مِحرَقَةِ العُرسِ:..
حِزَامُ إبنهِ الشَّهيد "جمال الدين" الجِّلدي المُحَزَّم في وسطِ العَمود الأَوَل.
وقِطعَة القُماش الحَمْراء الَّتي كَانت تُغَطّي شَعرَ عَروسِه الشَّهيدة المَرْبوطَة في نِهايةِ العَمود الثَّاني.
ومُسْتَأنسا بِبَقايَا أَدَوات وأَواني الوَليمَة المُلْغَاة..
يَتَناوَب بِالجُلوس علَى الكَراسِي الحَجَرِية المُتَحَلِقَة حولَ آَنِيَّة الفخَّار المُتآكِلَة الحَوافِ.
مَاسِكًا بِيَدِه اليُمْنَى مِلعَقَةً قَديمَة جدًا.. وكَلبُه بَاسِطٌ ذِراعِيهِ على الأَرضِ، يَشُمُّ رائِحَةَ تُربَة غيرُ قابِلَة لِلبيعِ.
سَرَحَ بِبَصَرِه بَعيدًا..فَرَأي شَجَرةَ المِسْكِ تزهرُ وَتَفوحُ عِطرٍا..
وقَدْ صَارَ القَمَرُ بَدْرًا. 

_*عبد الحكيم قويدر_____________________________
: *"الجُنْدي خُوْيَا": أغنية ثورية
*"بڨار حدة": مغنية جزائرية اشتهرت بالأغاني التراثية.
*"الفَلَّاڨَة" :إسم أطلقته السلطات الفرنسية على المجاهدين ويعني الخارجون عن القانون.
*"الطيارة الصفرا حبسي ماتضربيش...":أنشودة شعبية ثورية عن تكشف فضاعة وشناعة الجرائم التي قام بها المستعمر باستخدام هذه الطائرة التي تسمى عند الجزائريين إبان الثورة:"الطيارة الصفراء".

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...