"الجرة" رواية مكونة من (128) صفحة من القطع المتوسط من اصدار دار النسر للنشر والتوزيع في عمان – عام 1997 ،،، للاديب نازك ضمرة - أديب فلسطيني من بيت سيرا - رام الله ، مقيم في احدى الولايات الامريكية
اثناء قراءتي للرواية شعرت اني اعرج وبشكل ادبي انيق على ماض عريق يزخر بالكثير حيث تحكي الرواية قصة شاب فلسطيني في مقتبل العمر ،،،على ادق تقدير ،،،لا زال في سن المراهقة (كما درجنا على تسميته) تخالجه افكار وهموم الفقر والعوز كما تراوده افكار كثيرة من واقع الحال في فترة الاربعينات من عمر قضيتنا ،،، أي في بدايات الاحتلال الاسرائيلي لارضنا واغتصابها ،،، ونهاية الانتداب على فلسطين وانسحاب الانجليز منها ومنحها لليهود كوطن قومي ،،،
تبدا الرواية من حكاية صبية فلسطينية تدعى سماهر ,وحكايتها نقل المياه للشرب والغسل من البئر البعيدة عن القرية مسافة ليست بسيطة بل تكاد تحتل وقتا لا بأس به من يومها مستخدمة وعاء معروف من القدم في فلسطين وهو "الجرة " عنوان الرواية ،،، حيث الصبية مفعمة بالحياة معتدة بذاتها وواثقة من نفسها ،،، وجمالها ،،، ونظرة الاخريات لها ،،، واحساسها بالمسؤولية اتجاه اسرتها ،،،
تعاود في كل يوم تعبئة جرتها من بئر حفره الانجليز ليروي القرية النائية ،،، ومعاناة تلك الصبية وتعبها اليومي في الحصول على الماء ،،، وخلال السرد تظهر شخصية ساهر شقيقها الاصغر ،،، ببراءته وحلم الرجولة المكتملة في جوارحه ،،، لا يخاف ،،، ولا يجدر به ان يقول ذلك ،،،يريد مساعدتها ليخفف عنها عبء المسؤولية ،،، يخالجه شعور رغم صغر سنه بانه مسؤول عنها وعن اسرته كما هي عادة الصبية في هذا العمر ،،، الاديب يجسد طموح الفتى اليافع ،،،وتعامله بعقل رجل مسؤول وبين مكنونات نفسه من مخاوف وشرور واحداث تراكمت في مخيلته عن واقع الحال المعاش ،،،
وخلال احدى رحلات الجرة من البيت الى البئر وملأها بالماء ،،، حيث ينزل الفتى الى عمق سحيق ليملأ الجرة بالماء عبر دلو (رشا) تنزله شقيقته اليه،،، يحاور الاديب ذاكرة الفتى بكل ذكاء فتارة يخيل للطفل انه شجاع يعاون اهله ليكونوا في حال افضل وتارة تعاوده خرافات عاشها او سمعها من سكان القرية النائية ،،، يتخلل ذلك ذكريات قاسية ومؤلمة وخيالات حول الانجليز واستخدامهم الرأفة المصطنعة لتحقيق حلم يراودهم في ارض فلسطين بشان اقامة دولة لليهود ،،، ومنح عصاباتها اليهودية "هاجانا وشتيرن " الحق في ارتكاب افظع الجرائم بحق سكان فلسطين ،،،وتنكيلها بهم وتخويفهم للنزوح عن اراضيهم ،،، وبين خيالات وقصص خرافية تطفو على سطح تفكير الفتى فتؤلمه ،،، حيث تظهر جلية أكثر عندما يطول به المقام في قعر الجب المظلم ،،،تظهر جلية في اكثر من حادثة ،،،
في البداية يسيطر على الطفل احساس بالخوف من الموت ،،،يظهر ذلك جلياً ص(50) عندما يحاور ذاته فيقول " هل الخوف موت؟ هل الموت خوف ؟! هل يخاف الانسان بعد موته؟! هل يبدو على وجهي شيء غير طبيعي كالخوف مثلاً!... لو كان النور كافياً لقلنا أن الطفل والارنب لاحظا أن وجهي بلا لون . وبعض القشعريرة التي تفاجئني حينا بعد حين.ها هو يطل برأسه ثانية ! لا يمكن أن يكون أرنباً ،،، مشكلتي هو ذاك الارنب! يتمدد مرتاحاً دون مبالاة خلفها ،،، " ،،، هنا تتضح ملامح الخوف من الاماكن المعتمة وتخيل صور لحيوانات او اشخاص ،،، نجح الاديب في تصوير المخاوف في هذا السن من العتمة والظلام الحالك في أسف قعر البئر.
وفي مواضع اخرى تراود الطفل أفكار حول وطنه وارتباطه بجده لامه وعيادته له في مشفى في مدينة يافا فيقول: ص(55) "زرنا جدي كان مريضاً بمستشفى مدينة يافا، سلمت على جدي والد امي، بكى وضمني، رأيت البحر يهدر من شباك غرفته المطلة عليه بينما كلن يحضنني بضعف، كنت أسمع هدير الأمواج، ودقات قلب جدي الضعيفة تصل الى اذني، نسيت نفسي ارتخيت قليلا على صدره ، غامت عيناي وهما تسرحان مع الامواج العالية الصاعدة النازلة ....الخ"
وفي خلجات اخرى للطفل وهو يتذكر كيف سمع امه في حوار مع والده وهي تتحدث عن تنكيل الانجليز بهم فتقول : ص(101) " ادعو الله أن يبتليهم في أجسدهم و؟أولادهم ! قتلو ولدي ! وماذا فعلنا لهم ؟ كنا هادئين مرتاحين في بلادنا ، لم نهاجم بلادهم ولم نحاربهم ، فلماذا يضيقون علينا ويريدون أن يأخذو أرضنا ، أو يشاركوننا فيها ؟ قتلو ولدنا مراد ! مراد البطل الشجاع ! لو كان مرا حياً لما أحسسنا بالضيق والخوف من الفقر، ..."
احيانا تشعر أن الاديب يجسد أحداث جسام أثرت على تركيبة ذلك الطفل وصقلت شخصيته بالكثير من الألم كما هم أطفال فلسطين يولدون وفي حلوقهم ملعقة من أسى على ما ألم بفلسطين وأهلها فترى الطفل يستمع بشغف لحديث أمه عن أخيه الشهيد ،،،ووصف أالامهات لبطولات أبنائهن وهي عادة تكاد تكون عامة في أغلب الفكر الثوري الذي تبثه الام في اطفالها تلقائيا وبلا ادراك منها لصغر سنهم فهو يذكر جيدا ما قالته امه عن اخيه الشهيد مراد بعد سؤاله لها والحاحه عليها أنه لا يعرف أخاه : ص(122) لماذا ؟أخبرتني يا أمي عن مقتل أخي ، انني لا أعرفه ولا أدري كيف شكله ولونه."
فتقول له دون وجل وبفخر أيضاً كانها تريد أن يقتدي به : " (أخوك كان شابا قوياً يا ولدي ! يحبه جميع الشباب ويهابونه، تعلقت به جميع الفتيات ، أصبح مضرب مثل ، في السنة التي ولدت بها حدث ما حدث . نصحناه أن لا يتهور لكنه قال : ما الذي تقولينه يا أمي !؟ إذا تقاعست أنا وتقاعس الشباب الآخرون فمن سيقارع الانجليز والاجانب؟!"
في نهاية الرواية تنتهي شقاوة الطفل ساهر في حضن أمه مرتعداً خائفا من عقاب والده على كسر الجرة الجديدة والغالية،مستغلاً عطف امه وبحثها عنه مطولاً، وخشية ان يبيت ليلة أخرى في الظلام وفي اطراف البلدة ان عاقبه والده بشدة ،،، فيقول : ص(128) "سامحيني يا امي ! أمي ! اسمعيني يا أمي ! سامحيني ، لم أقصد أن اكسر الجرة يا أمي !..." ،،،
كأن الأديب المفعم بحب الوطن يريد أن يركز على اهمية المياه في حياة العائلة وأن الجرة ما كانت الا اداة لتجذير الانتماء للأرض بكل ما تحمله في جوفها من ألم ومعاناة.
اثناء قراءتي للرواية شعرت اني اعرج وبشكل ادبي انيق على ماض عريق يزخر بالكثير حيث تحكي الرواية قصة شاب فلسطيني في مقتبل العمر ،،،على ادق تقدير ،،،لا زال في سن المراهقة (كما درجنا على تسميته) تخالجه افكار وهموم الفقر والعوز كما تراوده افكار كثيرة من واقع الحال في فترة الاربعينات من عمر قضيتنا ،،، أي في بدايات الاحتلال الاسرائيلي لارضنا واغتصابها ،،، ونهاية الانتداب على فلسطين وانسحاب الانجليز منها ومنحها لليهود كوطن قومي ،،،
تبدا الرواية من حكاية صبية فلسطينية تدعى سماهر ,وحكايتها نقل المياه للشرب والغسل من البئر البعيدة عن القرية مسافة ليست بسيطة بل تكاد تحتل وقتا لا بأس به من يومها مستخدمة وعاء معروف من القدم في فلسطين وهو "الجرة " عنوان الرواية ،،، حيث الصبية مفعمة بالحياة معتدة بذاتها وواثقة من نفسها ،،، وجمالها ،،، ونظرة الاخريات لها ،،، واحساسها بالمسؤولية اتجاه اسرتها ،،،
تعاود في كل يوم تعبئة جرتها من بئر حفره الانجليز ليروي القرية النائية ،،، ومعاناة تلك الصبية وتعبها اليومي في الحصول على الماء ،،، وخلال السرد تظهر شخصية ساهر شقيقها الاصغر ،،، ببراءته وحلم الرجولة المكتملة في جوارحه ،،، لا يخاف ،،، ولا يجدر به ان يقول ذلك ،،،يريد مساعدتها ليخفف عنها عبء المسؤولية ،،، يخالجه شعور رغم صغر سنه بانه مسؤول عنها وعن اسرته كما هي عادة الصبية في هذا العمر ،،، الاديب يجسد طموح الفتى اليافع ،،،وتعامله بعقل رجل مسؤول وبين مكنونات نفسه من مخاوف وشرور واحداث تراكمت في مخيلته عن واقع الحال المعاش ،،،
وخلال احدى رحلات الجرة من البيت الى البئر وملأها بالماء ،،، حيث ينزل الفتى الى عمق سحيق ليملأ الجرة بالماء عبر دلو (رشا) تنزله شقيقته اليه،،، يحاور الاديب ذاكرة الفتى بكل ذكاء فتارة يخيل للطفل انه شجاع يعاون اهله ليكونوا في حال افضل وتارة تعاوده خرافات عاشها او سمعها من سكان القرية النائية ،،، يتخلل ذلك ذكريات قاسية ومؤلمة وخيالات حول الانجليز واستخدامهم الرأفة المصطنعة لتحقيق حلم يراودهم في ارض فلسطين بشان اقامة دولة لليهود ،،، ومنح عصاباتها اليهودية "هاجانا وشتيرن " الحق في ارتكاب افظع الجرائم بحق سكان فلسطين ،،،وتنكيلها بهم وتخويفهم للنزوح عن اراضيهم ،،، وبين خيالات وقصص خرافية تطفو على سطح تفكير الفتى فتؤلمه ،،، حيث تظهر جلية أكثر عندما يطول به المقام في قعر الجب المظلم ،،،تظهر جلية في اكثر من حادثة ،،،
في البداية يسيطر على الطفل احساس بالخوف من الموت ،،،يظهر ذلك جلياً ص(50) عندما يحاور ذاته فيقول " هل الخوف موت؟ هل الموت خوف ؟! هل يخاف الانسان بعد موته؟! هل يبدو على وجهي شيء غير طبيعي كالخوف مثلاً!... لو كان النور كافياً لقلنا أن الطفل والارنب لاحظا أن وجهي بلا لون . وبعض القشعريرة التي تفاجئني حينا بعد حين.ها هو يطل برأسه ثانية ! لا يمكن أن يكون أرنباً ،،، مشكلتي هو ذاك الارنب! يتمدد مرتاحاً دون مبالاة خلفها ،،، " ،،، هنا تتضح ملامح الخوف من الاماكن المعتمة وتخيل صور لحيوانات او اشخاص ،،، نجح الاديب في تصوير المخاوف في هذا السن من العتمة والظلام الحالك في أسف قعر البئر.
وفي مواضع اخرى تراود الطفل أفكار حول وطنه وارتباطه بجده لامه وعيادته له في مشفى في مدينة يافا فيقول: ص(55) "زرنا جدي كان مريضاً بمستشفى مدينة يافا، سلمت على جدي والد امي، بكى وضمني، رأيت البحر يهدر من شباك غرفته المطلة عليه بينما كلن يحضنني بضعف، كنت أسمع هدير الأمواج، ودقات قلب جدي الضعيفة تصل الى اذني، نسيت نفسي ارتخيت قليلا على صدره ، غامت عيناي وهما تسرحان مع الامواج العالية الصاعدة النازلة ....الخ"
وفي خلجات اخرى للطفل وهو يتذكر كيف سمع امه في حوار مع والده وهي تتحدث عن تنكيل الانجليز بهم فتقول : ص(101) " ادعو الله أن يبتليهم في أجسدهم و؟أولادهم ! قتلو ولدي ! وماذا فعلنا لهم ؟ كنا هادئين مرتاحين في بلادنا ، لم نهاجم بلادهم ولم نحاربهم ، فلماذا يضيقون علينا ويريدون أن يأخذو أرضنا ، أو يشاركوننا فيها ؟ قتلو ولدنا مراد ! مراد البطل الشجاع ! لو كان مرا حياً لما أحسسنا بالضيق والخوف من الفقر، ..."
احيانا تشعر أن الاديب يجسد أحداث جسام أثرت على تركيبة ذلك الطفل وصقلت شخصيته بالكثير من الألم كما هم أطفال فلسطين يولدون وفي حلوقهم ملعقة من أسى على ما ألم بفلسطين وأهلها فترى الطفل يستمع بشغف لحديث أمه عن أخيه الشهيد ،،،ووصف أالامهات لبطولات أبنائهن وهي عادة تكاد تكون عامة في أغلب الفكر الثوري الذي تبثه الام في اطفالها تلقائيا وبلا ادراك منها لصغر سنهم فهو يذكر جيدا ما قالته امه عن اخيه الشهيد مراد بعد سؤاله لها والحاحه عليها أنه لا يعرف أخاه : ص(122) لماذا ؟أخبرتني يا أمي عن مقتل أخي ، انني لا أعرفه ولا أدري كيف شكله ولونه."
فتقول له دون وجل وبفخر أيضاً كانها تريد أن يقتدي به : " (أخوك كان شابا قوياً يا ولدي ! يحبه جميع الشباب ويهابونه، تعلقت به جميع الفتيات ، أصبح مضرب مثل ، في السنة التي ولدت بها حدث ما حدث . نصحناه أن لا يتهور لكنه قال : ما الذي تقولينه يا أمي !؟ إذا تقاعست أنا وتقاعس الشباب الآخرون فمن سيقارع الانجليز والاجانب؟!"
في نهاية الرواية تنتهي شقاوة الطفل ساهر في حضن أمه مرتعداً خائفا من عقاب والده على كسر الجرة الجديدة والغالية،مستغلاً عطف امه وبحثها عنه مطولاً، وخشية ان يبيت ليلة أخرى في الظلام وفي اطراف البلدة ان عاقبه والده بشدة ،،، فيقول : ص(128) "سامحيني يا امي ! أمي ! اسمعيني يا أمي ! سامحيني ، لم أقصد أن اكسر الجرة يا أمي !..." ،،،
كأن الأديب المفعم بحب الوطن يريد أن يركز على اهمية المياه في حياة العائلة وأن الجرة ما كانت الا اداة لتجذير الانتماء للأرض بكل ما تحمله في جوفها من ألم ومعاناة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق