انعكس أول شعاع شروق الشمس على النافذة القبيحة ، وللتو بدأت الساعة تعلن بصوت منفرد متوحش تمام الخامسة ، مغرقة الغرفة برجع ضجيج أبهر عينيه المنفلتتين من النعاس ،تردد عدة مرات قبل أن ينهض بالتدريج ، هكذا جلس تاركا ساقيه تتدليان في الهواء ،إن الذين يسابقون الشمس يموتون في حين قبل حينه .
الأمر يشبه الاستنزاف ،فكان من الضروري أن يشعر بدوامة ألم اليقظة ، وفي النهاية وقف وسط فوضى الغرفة التي اعتاد عليها جملة وتفصيلا ،والتي كان يتباهى أنها جلوس كل شيء في مكانه الطبيعي ،نقل نظره عدة مرات بين جانبي الغرفة لاشيء إلا القذارة والفقر،كأس المتة منقلب على الطاولة تاركا بقعا خضراء ،تغط عليه مستعمرة من الذباب ،رائحة غريبة من مجهود النوم، فردتا جوربيه المبعثرتين كجيفتين، والآن أيضا يسأل نفسه :
- ماذا سأفعل اليوم
سؤال يحمل مصيبة ،بداية للقلق ،يؤدي إلى دوامة مؤرقة.
تتابع الساعة دقاتها الحمقاء ، شعر بثقل أسفل معدته ،هي إشارة لتخليص جسده من الخمول ،ومهما سبب امتلاء المثانة من ألم ، يبقى فعل انعكاسي ينتهي بالقرفصاء في المرحاض ،ليس إلا ، لا يقارن بالشلل الروحي المرعب ، في سعيه للانخراط في الحياة .
مرق بجانب الطاولة ، طنت ثلاثة ذبابات ،اثنتان حطتا على شريط المصباح اللزج والثالثة أسرعت مختبئة تحت الطاولة ،أي شيء يصدق في هذا العالم الإنسان أم الذباب.
"ذباب وإنسان " لا شك أنه يهذي ،مفارقة عجيبة لأنها إحدى التوافه النادرة التي يبدو فيها الذباب أروع من الإنسان ،وكلما أمعن النظر فيها أزداد احترامه لهذه الفكرة ،وأيقظت شعور ضرورة امتلاك نذالة الذبابة من أجل أن يعيش بكرامة .
قال موجها كلامه لنفسه :
- في هذا الذباب ما يخصني
راقت له تلك الأفكار ،لأنها في غاية البساطة ،ويجب تقبلها مع كل عيوبها ، لكن من يجسر أن يقوم بدور الذبابة متخليا عن فرادة عزته ،رفع بنطال بيجامته وشاهد بأم عينه كيف تجمع الذباب ثانية حول بقع المتة المحلاة ،
ذهب إلى المغسلة ورشق وجهه بالماء ،وغسل شعره تحت الصنبور ، فشعر بمتعة سيلان الماء على ظهره ،فتنفس الصعداء وفكر " ثلاث سجائر وكأس متة تمكنك من تحمل الأهوال "
وضع الإبريق على الغلاية ،ونقع عشبة المتة في الكأس ،فغزت وجهه ابتسامة هي مزيج من نجاحه في الخروج من حالة الحرمان ،في الوقت الذي يخشى فيه طوابير الإستشقاء خارج الغرفة ،يفتك بهم الجوع والمرض في كل غرفة من غرف الشقة .
عندما جلس على الطاولة في تلك الرغبة أن تبسط يد الرحمة ظلها عليه ،كان يقاوم في نفس الوقت الأفكار المزعجة ،حمل كأس المتة بين أصبعيه ،وحرك قدميه ،فطارت الذبابة من تحت الطاولة وحطت على اللحاف ،تنظر إلى آدميته ، الذبابة تقرأ تعبير وحركات وكل تفاصيل وجهه التي "تتكلم "على سبيل المثال : أنا على حافة الانفجار من الضحك على هذه الطرفة الغريبة التي اسمها سوء الحظ
أنصت لها حتى نهاية الجملة ،ثم التقط بشفتيه عقب السيجارة وأخذ يمصها بقوة ،وهو يركز نظره من قبيل الفضول، لا تتأمل الماضي ..لا تتطلع إلى المستقبل ..لا عائلة تخصها ...ليس لديها وقت متأخر .. لا تسمع حتى طنينها .. قوية رغم عجزها كم هي متناسقة بدون غرور ،هذا ما خطر بباله وهو يكشها بعيدة عنه ، لقد كان مندهشا ومفتونا في قدرتها على الاختفاء والظهور بطريقة خيالية ،وكأنها كائن ساحر خلاب .
النظام مرتب وهو في تبعثر .
والفوضى متنافرة وهي في انتظام
إن الأفكار من هذا النوع تجتذبه ، لكنه لا يحب الحوار فيها ،والآن حصلت فيها عسر فهم ، فحدق في الذبابة وفكر في نفسه :
- شكرا جزيلا لقد ساعدتني
بدا الرجل وكأنه انزلق بسوء حظه إلى حل رائع ،ربما كانت الساعة الثامنة صباحا ،في مثل هذا الوقت يميل الإنسان للحركة ، انتقل نحو النافذة ، انتقلت إلى الطاولة ،ملأت الفراغ بغريزتها،رفعت قائمتيها الخلفيتين ،تبرزت ،خبيرة تعلم بغريزتها أن الفوضى هي ملء الفراغ ، ولم لا ؟؟؟
دخل في المعبر الضيق ،فاقترب من الذبابة ،أما هي فطارت لأنها تؤمن مثله أن المكان لا يتسع كلاهما في غرفة واحدة ،لكن بداهتها تملكت عينيه
دون أن يسأل أي سؤال وإنما قال :
-لا يساورني أي شك،هذه ليست تهيؤات ،لا بل إنها حقيقة واقعية ، العراك في منطقة واحدة يفتك بالضعيف ، دائما عند العجز تجتاحني رغبة أن يكون كل شيء فيني يشبهك ،أن أخرج من المزبلة البشرية التي أتخبط فيها ،وأتزحلق على خيط انشغالي بالتعرجات المذهلة التي يرسمها الذباب ،وأحرق من خلفي كل ما أسميناه أخلاق .
أخرج رأسه من الفكرة ،كم هو غبي من يحسد الذبابة لأنها تمتلك جناحين ،فعلى ما يذكر وهو متكئ على حافة الطاولة ،متطلعا في عيون تلك الحشرة الضخمة ، أنه جفل ،قوية ،مبصرة ، مناورة ، تلتصق على سطح الغرفة ولا تقع ، تلمس فرصة الاقتراب منها فهربت ،ليس من السهل أن تقرأ ورقة لا تحوي كلمات ،وضع كأس المتة جانبا ،حاول أن يبتسم ،لكنه لم ينجح ، هناك شيء غير متزن ، مبهم ، سوء فهم ،تلاعب بالألفاظ ،ولكن لماذا نضطر أحيانا أن نقول " أنا أحب ذلك "
*فؤاد حسن محمد
الأمر يشبه الاستنزاف ،فكان من الضروري أن يشعر بدوامة ألم اليقظة ، وفي النهاية وقف وسط فوضى الغرفة التي اعتاد عليها جملة وتفصيلا ،والتي كان يتباهى أنها جلوس كل شيء في مكانه الطبيعي ،نقل نظره عدة مرات بين جانبي الغرفة لاشيء إلا القذارة والفقر،كأس المتة منقلب على الطاولة تاركا بقعا خضراء ،تغط عليه مستعمرة من الذباب ،رائحة غريبة من مجهود النوم، فردتا جوربيه المبعثرتين كجيفتين، والآن أيضا يسأل نفسه :
- ماذا سأفعل اليوم
سؤال يحمل مصيبة ،بداية للقلق ،يؤدي إلى دوامة مؤرقة.
تتابع الساعة دقاتها الحمقاء ، شعر بثقل أسفل معدته ،هي إشارة لتخليص جسده من الخمول ،ومهما سبب امتلاء المثانة من ألم ، يبقى فعل انعكاسي ينتهي بالقرفصاء في المرحاض ،ليس إلا ، لا يقارن بالشلل الروحي المرعب ، في سعيه للانخراط في الحياة .
مرق بجانب الطاولة ، طنت ثلاثة ذبابات ،اثنتان حطتا على شريط المصباح اللزج والثالثة أسرعت مختبئة تحت الطاولة ،أي شيء يصدق في هذا العالم الإنسان أم الذباب.
"ذباب وإنسان " لا شك أنه يهذي ،مفارقة عجيبة لأنها إحدى التوافه النادرة التي يبدو فيها الذباب أروع من الإنسان ،وكلما أمعن النظر فيها أزداد احترامه لهذه الفكرة ،وأيقظت شعور ضرورة امتلاك نذالة الذبابة من أجل أن يعيش بكرامة .
قال موجها كلامه لنفسه :
- في هذا الذباب ما يخصني
راقت له تلك الأفكار ،لأنها في غاية البساطة ،ويجب تقبلها مع كل عيوبها ، لكن من يجسر أن يقوم بدور الذبابة متخليا عن فرادة عزته ،رفع بنطال بيجامته وشاهد بأم عينه كيف تجمع الذباب ثانية حول بقع المتة المحلاة ،
ذهب إلى المغسلة ورشق وجهه بالماء ،وغسل شعره تحت الصنبور ، فشعر بمتعة سيلان الماء على ظهره ،فتنفس الصعداء وفكر " ثلاث سجائر وكأس متة تمكنك من تحمل الأهوال "
وضع الإبريق على الغلاية ،ونقع عشبة المتة في الكأس ،فغزت وجهه ابتسامة هي مزيج من نجاحه في الخروج من حالة الحرمان ،في الوقت الذي يخشى فيه طوابير الإستشقاء خارج الغرفة ،يفتك بهم الجوع والمرض في كل غرفة من غرف الشقة .
عندما جلس على الطاولة في تلك الرغبة أن تبسط يد الرحمة ظلها عليه ،كان يقاوم في نفس الوقت الأفكار المزعجة ،حمل كأس المتة بين أصبعيه ،وحرك قدميه ،فطارت الذبابة من تحت الطاولة وحطت على اللحاف ،تنظر إلى آدميته ، الذبابة تقرأ تعبير وحركات وكل تفاصيل وجهه التي "تتكلم "على سبيل المثال : أنا على حافة الانفجار من الضحك على هذه الطرفة الغريبة التي اسمها سوء الحظ
أنصت لها حتى نهاية الجملة ،ثم التقط بشفتيه عقب السيجارة وأخذ يمصها بقوة ،وهو يركز نظره من قبيل الفضول، لا تتأمل الماضي ..لا تتطلع إلى المستقبل ..لا عائلة تخصها ...ليس لديها وقت متأخر .. لا تسمع حتى طنينها .. قوية رغم عجزها كم هي متناسقة بدون غرور ،هذا ما خطر بباله وهو يكشها بعيدة عنه ، لقد كان مندهشا ومفتونا في قدرتها على الاختفاء والظهور بطريقة خيالية ،وكأنها كائن ساحر خلاب .
النظام مرتب وهو في تبعثر .
والفوضى متنافرة وهي في انتظام
إن الأفكار من هذا النوع تجتذبه ، لكنه لا يحب الحوار فيها ،والآن حصلت فيها عسر فهم ، فحدق في الذبابة وفكر في نفسه :
- شكرا جزيلا لقد ساعدتني
بدا الرجل وكأنه انزلق بسوء حظه إلى حل رائع ،ربما كانت الساعة الثامنة صباحا ،في مثل هذا الوقت يميل الإنسان للحركة ، انتقل نحو النافذة ، انتقلت إلى الطاولة ،ملأت الفراغ بغريزتها،رفعت قائمتيها الخلفيتين ،تبرزت ،خبيرة تعلم بغريزتها أن الفوضى هي ملء الفراغ ، ولم لا ؟؟؟
دخل في المعبر الضيق ،فاقترب من الذبابة ،أما هي فطارت لأنها تؤمن مثله أن المكان لا يتسع كلاهما في غرفة واحدة ،لكن بداهتها تملكت عينيه
دون أن يسأل أي سؤال وإنما قال :
-لا يساورني أي شك،هذه ليست تهيؤات ،لا بل إنها حقيقة واقعية ، العراك في منطقة واحدة يفتك بالضعيف ، دائما عند العجز تجتاحني رغبة أن يكون كل شيء فيني يشبهك ،أن أخرج من المزبلة البشرية التي أتخبط فيها ،وأتزحلق على خيط انشغالي بالتعرجات المذهلة التي يرسمها الذباب ،وأحرق من خلفي كل ما أسميناه أخلاق .
أخرج رأسه من الفكرة ،كم هو غبي من يحسد الذبابة لأنها تمتلك جناحين ،فعلى ما يذكر وهو متكئ على حافة الطاولة ،متطلعا في عيون تلك الحشرة الضخمة ، أنه جفل ،قوية ،مبصرة ، مناورة ، تلتصق على سطح الغرفة ولا تقع ، تلمس فرصة الاقتراب منها فهربت ،ليس من السهل أن تقرأ ورقة لا تحوي كلمات ،وضع كأس المتة جانبا ،حاول أن يبتسم ،لكنه لم ينجح ، هناك شيء غير متزن ، مبهم ، سوء فهم ،تلاعب بالألفاظ ،ولكن لماذا نضطر أحيانا أن نقول " أنا أحب ذلك "
*فؤاد حسن محمد
جبلة- سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق