ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية الفنانة التشكيلية القديرة والنحاتة جمانة الحسيني، التي رحلت في العاصمة الفرنسية باريس، مخلفة وراءها تاريخاً طويلاً من تجيير الفن لصالح فلسطين عامة والقدس خاصة، حتى تحصلت على لقب "أيقونة القدس".
وأشارت الوزارة في بيان لها إلى أن الحسيني المولودة في القدس العام 1932، بقيت طوال سنيّ حياتها مشغولة بالقدس، بل جيرت أحداثاً عالمية لتحاكي فيها قضية بلادها، هي التي حينما زارت هيروشيما اليابانية، ربطت في لوحة شهيرة ما بين مأساة المدينة التي نكبت بالقنبلة النووية، والقدس المدينة التي نكبت بالاحتلال الإسرائيلي، واستحضرت المكان باللوحة والصورة، ومن ثم بنمائم مكتوبة وأشكال لا تخلو من غموض هو تعبير عن غموض مصير القدس، وكأنها تسعى باستمرار للقبض على ذكرياتها وعالمها الطفولي الحميم في المدينة المقدسة.
و المشهد الثقافي الفلسطيني عامة، والفني على وجه الخصوص، خسر أيقونة فنية كبيرة، كرست كل أعمالها لصالح فلسطين والقدس، برحيل الفنانة القديرة جمانة الحسيني، التي جذرت عبر أعمالها القدس، وانتمائها للمدينة روحياً وفنياً، حتى جعلتها رأس هرم إنتاجها الفني.
والحسيني، فنانة تشكيلية ونحاتة فلسطينية من مواليد القدس، شاركت في معارض جماعية عدة، درست الحسيني الرسم والخزف أثناء دراستها للعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، وبدأت بإنتاجاتها الأولى من داخل منزلها، حتى أقامت معرضها الأول في العاصمة البريطانية لندن العام 1965، وكانت جميع أعمالها تتمحور حول فلسطين والقدس بأحيائها الشعبية، لتدرس في وقت لاحق فن الزجاج الملون بالعاصمة الفرنسية، وهو ما انعكس في هندسة لوحاتها، حيث باتت متناسقة متوازنة متأثرة بالفنون الإسلامية على وجه الخصوص.
ويكتب الناقد والكاتب العراقي فاروق يوسف عن الحسيني على صفحته الالكترونية: وما يلفت الانتباه في أعمال جمانة الحسيني، هو ذلك التوازي ما بين رهافة العصافير والفراشات والزهور، وقوة وثبات الأحصنة والنمور والفهود وشجرة الصبار كرموز للمقاومة والصمود والبقاء.
ولا تحمل جمانة الحسيني عبء اللقب العائلي وحده، فجدّها هو أمين الحسيني، مفتي القدس الذي قاوم الاحتلال البريطاني، بل وأيضا إرث مدينة هي واحدة من نفائس الروح البشرية.
ابنة القدس أدركت منذ اليوم الأول الذي شغفت فيه بالرسم أن ملعب ريشتها الحقيقي هو ذلك المكان الذي تحلم بالعودة إلى تنفس هوائه. فصارت بيوت القدس بمثابة النبع الذي تنبعث منه الصور والأصوات والرؤى التي تمتزج في ما بينها لتصنع حياة ممكنة في الفن.
لقد ألّفت جمانة الحسيني جملتها الموسيقية الطويلة من بيوت القدس. نزعت من تلك البيوت طابعها الواقعي وصنعت منها مفردات جمالية، يمكنها من خلالها أن تقيم عالما فنيا، يأسر العين بسحر الإيقاعات الخطية واللونية التي تنبعث من سطح اللوحة.
ترسم جمانة لتتذكر. تفيض لوحاتها بالذكريات. ولكن ما معنى أن يؤلف الرسام معجما لذاكرة المكان البصرية؟ تضع جمانة أمامنا ما يشبه الوليمة البصرية، ليس من اليسير أن يزاح المكان من فضائه ليكون لوحا هائما يسجل عليه المنفيون أحلامهم. غير أن ذلك الشيء الصعب استطاعت جمانة الحسيني أن تنجزه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق