اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رواية "عبير أيام قديمة" للروائي صلاح ياسين تقنية استرجاع آلة الزمن السردية

خالد جودة أحمد
رغم أن عنوان رواية "عبير أيام قديمة" للروائي صلاح ياسين، يحيل مباشرة إلي تقنية الاسترجاع بتشغيل آلة الزمن السردية، بعودة الذات السادرة إلي الإبحار في أفق الذكريات، حيث ظهر هذا الشأن باستعمال تعبير "أيام قديمة" تضوع بالعبير، لكن الرواية في حقيقتها تدور بين قوسين، الأول يبدأ بسرد خطي زمني من الأيام العبير ذاتها "أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين الذاهب"، فكانت "النسمة"، والقوس الأخير هو الآن الماثل، في زمن خطي مع تشبيك ومجاورة المشاهد الروائية، إذن لم يكن التشغيل في الأساس علي انزياح الخط الزمني في الرواية، بل قائمًا علي النص السردي المفرع، وكأنها قصص في متوالية شبكية، باستعمال كاميرا تنتقل مع الشخصيات الروائية بالتناوب في نفس روائي ممتع وطويل، والآن إلي تفصيل.


اشتغلت الرواية على سرعة تجهيز البنية السردية الروائية الأساسية، تحقيقًا لمقولة "إن على الكتاب محاولة أن يقولوا فورًا ما يتوجب عليهم قوله فورًا"، أي أمسك بتلابيب قارئك من جملتك الأولي ولا تفلته، وتشمل هذه البنية تقديم الشخصيات الروائية وملامحها المادية والنفسية وظروفها، وتقديم عبارات لنوافذ كاشفة تشكل مفاتيحَ للتداول القرائي واكتشاف مرامي العمل السردي.

وفي الرواية المشكّلة من (300) صفحة، شرع الراوي في بنيته السردية المفرعة بعد التجهيز الأولي اللازم من صفحة (50)، ونموذجًا، ص (41) نبذة عامة عن الثلة "الشلة" وميثاقهم غير المكتوب، وبواعث وتحليل أسباب الصداقة الخالصة للثلة، وزمان تأسيس الثلة ومكان انعقادها (مائدة كينج سايز بكافيتريا الربيع)، وص (45) طبيعة الثلة وطقوس بداية السهرة ...، إلى آخره في خمسين صفحة، مما يمنح فكرة وجدها الباحث وأكدها الأديب نفسه في إحدي حلقات المناقشة للرواية، أن تكنيك الكتابة لدي الروائي قائم علي وعيه التام بخطته في الكتابة، يؤسس لها ويعرف تمامًا متي يضع نقطة النهاية في روايته، وهذا ما أكده لاحقًا النص السردي المفرع.

تتكون الثلة من تسعة أعضاء، قدمها الراوي العليم، حتي وقف القارئ ملمًا "بشلتهم الحلوة"، وطبيعتها والصلات التي ترتبط بين أعضائها العزاب في أغلبهم، ثم قام بالتشغيل على تقنية النص المفرع "المتشعب" والذي يقوم على ترابط شبكي يحيل لمسارات متعددة، بمعنى أنه يوجد ما يسمى "عقدة نصية" بالنقر عليها ينفتح باب للتفصيل في مسار محدد، ثم ننقر عقدة نصية أخرى فينفتح مجال لحكي جديد ومسرد لقصة أخرى وهكذا.

ونموذج: ص (20) يقول طبيب الأسنان (حسيب سيف الدين):

"وخرج من العيادة وليس بذهنه إلا لقاء الأصدقاء، حيث مكانهم المفضل .. كافتيريا الربيع، بذلك الشارع المأهول دومًا بالمارة".

فكافتيريا الربيع عقدة نصية بالنقر عليها نجد أننا أمام ص (21) والراوي يقوم بالرواية: "كافتيريا الربيع ... تشغل كامل المساحة الأرضية لإحدي تلك العمائر القديمة الجميلة بوسط القاهرة ...."، وتعبير "الشارع المأهول دومًا بالمارة" يحيل إلى مجتمعنا بشخوصه وتفصيلات الرواية الزاخرة، وص (56) المستر كاميللو عضو الثلة الواقف يقول للدكتور حسيب عندما سأله متلهفًا ".. أيه حكايتها الست دي..!؟. أجابه منصرفًا .. بس يروق الجو شوية وآجي واحكي لك عن مدام إيفون الحكاوي".

حكاوي مدام إيفون عقدة نصية تفتح ص (65)، ومثال ثالث: عماد نبيل سوكة يلتقي أثناء قيامة بالمراجعة الحسابية بالمكتب الهندسي الحديث لأدوات المطابخ والمطاعم بالأستاذة نبيلة نجيب، ويخطر في باله أنها زوجة مناسبة لعضو ثلته لويز جبرة يقول في نفسه وفي خاتمة اللقاء وقراره بالتوجه لشركة لويز: ".. فالأمر جد هام. ويعرف، بل متأكد من انه سيسعد صديقه لويز، ثم هناك وصف كامل لما رأى وسمع منها، وما زالت كلماتها بذاكرته يود تسليمها للويز .. طازجة ساخنة".

تعبير (وصف كامل) تلك عقدة نصيدة يتم نقرها وفتح الباب خلف تفصيلات أخرى ص (95)، وهكذا علي مدار الرواية يتم التشبيك بين عدد من القصص تضمها صفحة أو واجهة رئيسة ممثلة في الثلة.

وهنا أمران الأول، أن النص الروائي ذاته نص مفتوح بمعني أن هناك وجوه عابرة في الرواية أو عقد نصية لم يتم النقر عليها روائيًا، (مثال: الرجل الجوال ما هي حكايته ص 26، وعياش)، فتصبح مثل الحياة نلتقي بأناس يتركون في وجداننا أبلغ الأثر، وآخرون لا نكاد نشعر بهم داخلنا.

الأمر الثاني هو السؤال حول الرواية هل هي رواية شخصيات أم رواية أحداث؟ وهي قضية معروفة في النقد الأدبي، يرى الفريق الذي يريد دائمًا أن يمسك العصا من المنتصف أنه لا يوجد هذا التصنيف، فيرون أن الحدث الروائي يعني الشخصية وهي تعمل، وهنا في رواية العبير نجد جماعية البطل أو البطل الجمعي (الماسة ذات الوجوه المتعددة من الشخصيات الروائية)، فالبطولة في ضمير الرواية طبقًا لتاويلي يمكن إسنادها إلى الضمير "نحن" وهم رواد كافتيريا السعادة، فهم جميعًا معًا صناع الرواية ومؤشر أحداثها الدافقة، فالكتل السردية موزعة بينهم بالتناوب لإبانة الحدث، ليقول لنا بلسان الحال: البطولة هنا للزمن الجميل بشخوصه وأبطاله وأماكنه، لذا لم يكن غريبًا أن تتآكل الثلة بمضي الزمن أن تبدأ في التلاشي مع نفاد صفحات الرواية.

والرواية في نهجها وضميرها الجمعي تقدم تأريخًا للنحر الجمالي الذي استعر بيننا، وتقدم صفحات من الذاكرة الاجتماعية الجمالية باستعمال خطابين، الأول قائم على الوقفات الوصفية لشأن المكان والخصال، يقول الرواي ص (50): "فبعد منتصف الليل، يصبح لشوارع القاهرة مذاق خاص متفرد ومتميز، مهما كان مناخ الموسم ومهما كانت الحالة الجوية، صحوًا مطرًا حارة باردة لا يهم، كما لا يهم كم معك من النقود، فما في جيبك يكفي وزيادة، ولو كانت قروش قليلة .. فالحياة رخية ناعمة، والنفوس راضية هنية، والأخلاق لينة، والشمائل حلوة، تمتزج بالظرف ونعومة الحياة".

وبعدها بقليل ص (51): "فينتابك شعور بالإطمئنان التام المتناغم مع الحياة المعيشة لمجتمع القاهرة العامر بكل الخير"، وأيضًا: "لحياة بهية وافرة نابضة بالصحة المجتمعية المتسعة للجميع ..!"، وهنا نجد ثيمة مركزية في الرواية وسر من أسرار بهاء الزمن الجميل، وهو التنوع الثقافي القائم علي المواطنة المستقرة والمتسامحة، والرواية زاخرة بهذه الفكرة على مستوي الإضمار بالحدث الروائي، وعلى مستوى التصريح.

يقول الراوي عن صاحب الكافتيريا المستر كاميللو وهو يحكي ذكرياته ص (27): "كان يسعد برواية تلك الذكريات، ويضيف حالمًا .. لقد كانت الحياة سهلة رخية هنية، تستوعب الجميع، بدون فوارق تذكر من تلك التي تشيع الفرقة أو التضاد، وإن لاح شيء من ذلك العارض، كانت سهولة الحياة تحتويه مباشرة بعامل الطبيعة السوية".

وفي ص (132) نجد عبارة كاشفة حول إنسان الزمن الجميل: ".. بما اكتسبه من السمات المصرية .. العفوية السهلة والبساطة المحببة والأريحية الأصيلة"، وهذا الغزل يكشف ويستدعي فكرة تجريف الشخصة القومية المصرية تحت طائلة مطارق الزمن وسطوة التغيرات اللاهبة والأعاصير المستحدثة.

وفي ص (27) نجد إمتزاج مدام إيفون السيدة اليوغسلافية والتي عاشت خياتها بمصر تعتز بمصريتها "وتتحدث اللهجة العامية القحة، بالألفاظ الصحيحة والكلمات المعبرة دونما خطأ ... وتعبيرتها الدراجة النابضة بالحياة والحكمة، ممتزجة بالفكاهة وخفة روح رائقة ..!".

ونجد سعي كلٍّ من المسلم والمسيحي من أعضاء الثلة لهناءة الآخر، وحل مشاكله وتزويجه ممن يليق به ويحقق سعادته، واستعمل الروائي التفصيلات الروائية، حيث تحقق كما يقول النقد الأدبي "الإظهار لا الإخبار من خلال دوالها وإيحاءاتها"، وأكثر التشغيل بالتفاصيل أتي حول التنويعات الاجتماعية بالزمن الجميل، وباستعمال دال المكان نموذجًا حيث جمالية العمارة القاهرية وارتفاع الأسقف وتجدد الهواء ... إلى آخره، أما الخطاب الآخر للتأريخ المر فجاء ضديًا عبر طائفة من الشواهد تقدم الآني من نحر "الأصول" اجتماعيًا، والتلوث، وتبخر الإنسانية، وعادة التفكر التي تلوح بذهن البطل الجمعي "موجعة مؤلمة" بتعبير الرواية.

ولا يتركنا الروائي في روايته الشيقة دون إلقاء طوق النجاة بعد الشروح والمقابلة، حيث يري أن "الصداقة الصادقة" كانت الجذر أو قارورة ذاكر ذات عطر يبقي يضوع في الحياة، والحل الآني يتشكل في العاطفة الأسرية العذبة، وفي الدفاع وإعادة الرواء للأصول باعتبارها العماد المجتمعي.

يقول "سوكه" ص (154): ".. ولكن تقاليد العائلة أمر هام جدا .. اليس كذلك ..؟ قال جاد مؤكدًا .. طبعًا ولا بد من اعتبارها بقيمتها الحقيقية، وإلا ينفرط عقد المجتمع .. وعندها وبالتأكيد سيختلط الحابل بالنابل كما يقولون وتضييع الأصول بما يضر المجتمع كله".

وعلي مستوي التفاصيل قدم تنويعات حول محبة الابتسامة ودورها في رفع نسبة جمال المرأة من 50% إلي 80% و 90% كما جاء الإضمار الروائي نموذجًا ص (150)، مما يؤكد أن التزين بالابتسامة سر من أسرار السعادة.

كما نجد الثراء المعرفي عبر المفارقة الاجتماعية، وشروح سمات الأزمنة والسلوك، ومعارف مهنية خاصة حول أصول مهنة "المراجعة الحسابية"، وأصول اللغات (ص 32)، ومعرفة نفسية حول المنطقة الوعرة عمريًا بتعبير الرواية "منتصف العمر"، ومشاهد من طغيان زوجات معاصر واستلاب الرجل في أيام قاحلة "السيدة مصرية عباس" زوجة حسين حمودة "بالوظة" نموذجًا ... إلى آخره.

والرواية المائجة بالحيوية، والحركة الدائمة عبر قبيلة من الشخصيات الروائية، تشكل بطلا جمعيا يشير إلى خارطة طريق للسعادة الأسرية والمجمعية عبر المفارقة ونص سردي مفرع من بؤرة قاروة عطر يبقي ذهابًا وإيابًا مثل موج حياة ومد وجذر يشكل مسارات روائية نابهة، هذا جميعه إضافة إلى البراعة الروائية والمذاقات المنوعة لأعمال الروائي صلاح ياسين يشير إلي وجوب وقوف الدرس الأدبي ليتأمل هذا المنجز الروائي جميعه ويشمله بالبحث، وهذا ما أرجو أن يقوم به الباحث.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...