مقدمة / المضاهاة نهجا والتفرد بغية
لا يخفى أن أدب الحكمة وضرب الأمثال غرض اهتم به العربي قديما وقد قال فيه الكثير… ” ويعود الاهتمام بالتأليف في كتب الأمثال إلى أوائل عهود دولة بني أمية “
وانطلاقا من مسلمة” أن الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات التأثير والتأثر على الرغم من اختلاف اللغات التي كتبت بها ذلك لان الأفكار والتعبيرات كثيرا ما تتناظر وتتكافأ في معظم اللغات وإلا لما تيّسرت الترجمة ..” فإن الأدباء الفرس قد تأثروا ومنهم ابن المقفع ـ في ترجمته لكتاب كليلة ودمنة ـ بأخبار العرب الماضين وامثالهم.
وكتاب كليلة ودمنة عبارة عن حكايات قصصية ذات غايات وعظية تعليمية تسرد بطريقة التنضيد على لسان راوٍ غائب ينتقي شخصياته من عالم الحيوان ويلعب كل من كليلة ودمنة اللذين هما ابنا أوى دور محوريا وقد” كانا ذوي دهاء وأدب وكان دمنة أشرهما نفسا وأبعدهما همة وأقلهما رضا بحاله” ..
ويحفل الكتاب بحوارات خارجية ومونولوجية فيها من التشبيهات والاستعارات ما يجعل الكتاب ذا طابع رمزي غايته تحفيز الأذهان على التأمل لبلوغ الحكمة عبر ضرب الامثال.
وهذا ما جعل أبا عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني يوجه عنايته الى الامثال في هذا الكتاب مبتكرا منهجا فريدا اطلق عليه( المضاهاة) ليكون متفردا في تطبيقه اذ لم يسبقه في ذلك احد كما لم يتبعه فيه أحد بعده شأنه شأن الآمدي الذي كان قد تفرد في ابتكار منهج الموازنة في دراسة الشاعرين أبي تمام والبحتري ..
والمضاهاة منهج فني مقارن يقوم على مضارعة اللاحق من النصوص الأدبية بالسابق منها ومشابهة ما هو متأخر من الأدب بما هو متقدم منه وبيان السبق للأدب الأول على أدب الآخر والغاية من وراء ذلك تحديد المؤثر من المتأثر وبيان أيهما الآخذ وأيهما المعطي أصلا وصورة.
وهذا مما يتداخل مع التناصية التي نظَّرت لها الناقدة جوليا كرستيفا وأكده قبلها الناقد رولان بارت من ناحية” أن يُقرأ هذا النص لوحده(كنص) لاحق، بالمقارنة مع (نص سابق) داخلي. .. ويستطيع هذا النص اللاحق بالنسبة إلى النص السابق الاحتفاظ به أو إلغاءه، أو تعديله أو تحويله أو تطويره “
ولما كان الأدب المقارن” هو دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها” ، فإنَّ المضاهاة ستغدو شكلا من أشكال دراسة الأدب المقارن كونها لا تكون داخل الأدب الواحد بل تكون بين أدبين مختلفين تتوافر بينهما صلات تاريخية في التشابه بين هذين الأدبين توكيدا للانفتاح على الآخر وتحقيقا للتوازن في المقابلة بين النصوص الابداعية النثرية أو الشعرية من ناحيتي الفكر والجمال.
وقد زعم المحقق الدكتور محمد يوسف نجم أن اليمني قد” استوحى خطة الكتاب من تلك النقول التي أوردها ابن قتيبة عن كليلة ودمنة في عيون الأخبار وشفعها بما أشبهها من أقوال منظومة ومنثورة”
ولكننا نرى ان شرح اليمني لمنهجه وبيان حدود عمله؛ انما يدلل على رؤية علمية لما أراد بلوغه ومن ذلك إشارته الى أنه سيضع إزاء كل مثل ما يماثله من شعر لمتقدم جاهلي أو عربي إسلامي مبينا اسمه ونسبه خشية أن يذهب الظن أن بيت الشعر منحول تعصبا أو احتجاجا بالكذب ، متوخيا استقصاء الفكرة مراعيا أسلوب الصياغة وبلاغة التعبير، وهو ما عدَّه المحقق قولا يحمل في طيه دليل الاتهام بالنحل والوضع ..لكن لماذا اهتم اليمني بأمثال كليلة ودمنة ؟!
إن المثل كلمة تسوية تعني المشابهة والمقايسة والمناظرة والمماثلة والمساواة والامثال بوصفها لوحات ادبية يجتمع فيها البعدان الاجتماعي والفني عادة ما تكون نثرا وقد تكون شعرا ، ويختلف المثل عن الحكمة التي هي غرض فني يصاغ لكي يعبر عن خبرات الحياة مباشرة في صيغة تجريدية تضيف على المثل معنى مجردا أو فكرة فلسفية..
ولقد أشاد أبو عبد الله اليمني بالحكمة وضرب الأمثال في المقدمة” وحق على المرء أن يكثر المقايسة وينتفع بالتجارب فإذا أصابه الشيء فيه مضرة عليه حرَّه وأشباهه وقاس بعضه ببعض حتى يحذر الشيء بما لقي من غيره” ، منبها إلى حقيقة أن الإنسان في كل الأمم والحضارات مميز بالعقل وان الأدب هو الجامع بين الذين” اتفقوا بفطرة العقول في معاني ما وضعوه من الأصول في الحكم والآداب وشرحوه لأولي الألباب”
وإذا كانت كل أمة قد تميزت بإبداع ما عن غيرها فان أمة العرب قد تميزت بالبلاغة والفصاحة التي عدّها اليمني فطرة لا تعلم ولا تؤدب، فقال:” وافرد الله تعالى العرب باللسان الفصيح والمعنى الصحيح والبيان المعجز واللفظ الموجز والكلام المقفى واللفظ المصفى الذي حوى جميع الحروف وائتلف أحسن التأليف بلا أول يؤمها ولا كتاب يدلها ولا ملك يطهر عقول الناس لها لا يتأدبون ولا يتعلمون نحائز مؤدبة وعقول عارفة “
وتنبثق فحوى تأليف اليمني لكتابه المضاهاة من أن العرب امتازت بالفطرة الصحيحة والبنية القويمة والأفكار الصافية والأذهان الحادة لذلك صارت أعقل الأمم كما أن لها من الحكمة ما يجعلها في مصاف الأمم القائلة للحكمة والمصدِّرة لها بعد أن كان نبيها قد خصه الله تعالى بالقران الكريم معجزة ” فما تكاد تجد حكمة تؤثر ولا قولا يسطر إلا وللعرب مثل معانيه مسطورا في قوافيه مخترعا لها ومنسوبا إليها فشركها الله بعقولها في حكمة من سبقها ووهب لها من البيان ما به افردها كرامة لنبيه وصَفيه المبعوث من أنفسها وأوسطها وليتم المعجزة له بإعجازها لما جاء به من التنزيل بلسانها عن أن تأتي بمثله ببيانها”
ولهذا كله ادرك اليمني اهمية الا تغفل العرب عما لديها من حكمة شعرا وتنبهر بما لدى غيرها من أمثال ، مصرا على تأثر العجم بما نظمته العرب
وعلى الرغم من أن عبد الله بن المقفع قد ترجم كليلة ودمنة من اللغة الفارسية الى العربية إلا إن اليمني شكك في نسبة كليلة ودمنة إلى الفرس عادا ابن المقفع” هو واضعه وناسبه إلى الفرس تشييدا بذكرها وتنبيها على مآثرها لعنايتها بنقل حكم الأولين”
ولم يكن اليمني قاصدا الطعن بأمثال كتاب كليلة ودمنة، بل أراد بيان الفضل للعرب في ذلك على الفرس” ولم أعمل ذلك طعنا على ما تضمن كتاب كليلة ودمنة من الأمثال والحكم وإنما أريد تبيين فضله في ذلك لمن ظن أن كتاب كليلة ودمنة يجري مجرى كتاب الله جلَّ وتقدس أو ظن أن العجم انفردت بذلك دون غيرها وانه لا حكمة لها قبل ظهور نبيها ولو كان ذلك لما كانت المعجزة بتحديها بسورة فلا تقدر على مثلها معجزة”
ومن هنا جاء مصنف اليمني ليقارن أمثال كتاب كليلة ودمنة بما لدى شعراء العرب المتقدمين من أمثال وحكم من منطلق أن الدراسة المقارنة تهتم” بدراسة الصلة بين الكتّاب أيا كان مظهرها سواء أكانت بالترجمة أم بالتقليد أم بإنتاج شخصي تظهر فيه ألوان التأثير من خضوع للكاتب المؤثر أو تحويرها بما يتفق وذوق الكاتب أو ميول العصر أو من تمرد عليه ومقامه له” ولاسيما اذا علمنا ان” التأثير العربي في الأدب الفارسي الحديث كان أقوى من التأثير الإيراني القديم في الأدب العربي”
وجدير بالذكر أن أسلوب صياغة حكايات كليلة ودمنة وتوظيف الكلام على لسان الحيوان لم يكن من ضمن أهداف أبي عبد الله اليمني بل كانت الحكمة هي مبتغاه كون” الحكمة عصارة خبرة في الحياة وفهم لأسرارها يدبجها ذهن ذكي فطن”
ويقوم منهجه على مقارنة المتشابهات في المضامين الحكمية بين أمثال كليلة ودمنة من جهة والشعر العربي من جهة أخرى بما يدلل على أن” الشاعر العربي كان مقتدرا على التعبير عن نوازع النفس الإنسانية بنفس الغنى والعمق”
وقد اتخذ اليمني أسلوب الاستخراج والاستقصاء أساسا للمضاهاة، كأن يأخذ مثلا معينا من كتاب كليلة ودمنة ليقارنه ببيت أو بيتين أو أكثر من شعر العرب المتقدمين جاهليين ومخضرمين وإسلاميين، أي أن عملية المضاهاة إنما تتم عبر النظر في ما قاله صاحب الكتاب(ابن المقفع) أولا ثم بما يستحضره اليمني من أشعار العرب في المثل والحكمة.
ويبدو أن دارسي الأدب المقارن لم يعيروا هذا الكتاب الاهتمام المطلوب إذ لم يشر اليه الدكتور محمد غنيمي هلال وهو في معرض دراسة تأثير كتاب كليلة ودمنة في الأدب العربي
وربما كان إغفال ذكره مرده إلى أن الكتاب استقصاء واستخراج حسب أو لان مؤلف المضاهاة عدَّ كليلة ودمنة من صنع ابن المقفع وليس ترجمة عن أصل فارسي ..
او لعل السبب أن الدكتور غنيمي من أنصار المدرسة الفرنسية التي لا تعد دراسة المتشابهات الأدبية عند الأمم من الأدب المقارن بعكس المدرسة الأمريكية التي ترى” أن دراسة المتشابهات الأدبية لا تعد من صلب الموضوعات التي يهتم بها الأدب المقارن ولكنها ذات فائدة جمة في دراسة تصورات أمتين أو أكثر حول موضوع ما وان دلَّ هذا النوع من الدراسات على شيء فإنه يدل على أن ردود فعل البشر واحدة مهما اختلفت الأمم في مدارج الحضارة أو المدنية” وهكذا درس المقارنون المتشابهات كتأثر عمر الخيام بالمعري وتأثر سعدي بالمتنبي وهكذا..
وعلى الرغم من ان اليمني هو واحد من الذين ألَّفوا في الامثال؛ الا ان الدكتور محمد توفيق ابو علي قد أورد حديثا مقتضبا عن كتابه ولم يهمه المنهج الفريد الذي اتبعه؛ بل كان مشككا في الامثال الشعرية كما شكك في اسمه ذاهبا الى أن” تاريخ وفاته غير محدد بشكل دقيق إنما يشار إليه انه يقع في أواخر القرن الرابع الهجري” لكنه عاد في موضع سابق ليؤكد ان اليمني من رجال القرن الخامس الهجري
وليس هذا فحسب بل وجد أن الكتاب” يختلف عن كل الكتب السابقة في أن كل امثاله جاءت شعرا وقد اشار المحقق الى وجود اخطاء فادحة في نسبة هذه الاشعار الى اصحابها والتي قد تصل احيانا الى درجة اختراع اسماء وهمية “
بيد ان المحقق الدكتور محمد يوسف نجم لم يقل ذلك صراحة وانما قال:” اذا كان هذا الشعر الذي نسبه الى هؤلاء الشعراء لا يوجد في دواوينهم ولا في المصادر اذن فان ما ينسب الى غيرهم ممن ليس لهم دواوين او من المجاهيل الذين لم نستطع الاهتداء اليهم حري بان يؤخذ مأخذ الريبة والحذر” واضاف نجم قائلا:” على انني بعد هذا كله لا استطيع ان اقطع بان الشعر كله موضوع فكتب اليمنيين كالتيجان والاكليل تحتوي الكثير من الشعر المنسوب الى مشاهير الشعراء والذي لا نجده في ما وصلنا من شعرهم …الا ان اتهام المؤلفين بالوضع من الخطورة بحيث لا يصح ان نقطع به إلا اذا وقعنا على الدليل وهذا ما لا نزعم أننا اهتدينا اليه”
ومن الغريب ان الدكتور محمد توفيق ابو علي سيدحض لاحقا ما كان قد أورده حين يعالج قضية صورة الشعر الجاهلي في كتب الامثال كقوله:” أن الأمثال التي تضم أشعارا متضمنة تلك الأمثال ربما اعتبرت شاهدا على صحة الشعر الجاهلي”
وكان اليمني قد وثَّق للشعر بذكر قائله ونسَبه وقصة البيت أو الأبيات ولم يفعل مثل ذلك في إيراد الأمثال النثرية اذ لم يشر إلى صفحات كتاب كليلة ودمنة ولعل ذلك عائد الى أن تلك الامثال كانت معروفة عند أهل زمانه ولا مجال فيها للدحض أو الإنكار..
علما انه حين يذكر المثل فانه يسبقه بعبارة (قال صاحب الكتاب) ولا يقول ابن المقفع في إشارة ضمنية إلى أن هناك اختلافا في منشأ الكتاب وأصله وهذا دليل تحرٍ علمي ودقة موضوعية..
وإذا كان اليمني قد اقتصر على النسخة العربية لكليلة ودمنة ولم يكن آبها بالترجمة التي قام بهما ابن المقفع بل حصر اهتمامه ببيان المؤثر والتعريف بالمتأثر؛ فانه كان مقارنا موضوعيا اتبع مواضعات محددة ومعايير واضحة بعضها يتصل بالموضوع وبعضها له صلة بالشكل وبناءاته الاسلوبية وبعضها الاخر يتصل بالسياقات الثقافية وعلاقتها بالمحمولات الفكرية للمثل أو الشعر مضارعة أو مشابهة أو مجاراة..
واذا كان” لتحليل الخطاب تحديدات متنوعة ويوجد تحديد واسع جدا هو تحليل استعمال اللغة” فان تحليل تراكيب المضاهاة خارجيا وداخليا يستدعي دراسة النواحي الموضوعية والفنية والثقافية من خلال ثلاثة محاور وكالاتي:
المحور الأول: المضاهاة الخارجية على مستوى الموضوعات /
إن لكل مثل شعرا كان أو نثرا فكرة ما أو موضوعة معينة يعرضها قائل المثل ويوجزها الشاعر في عرض مكتمل غير ناقص فليس للمثل أن يوصل رسالته إلا باكتمال المعنى..
وغالبا ما تتخذ البنية الموضوعية للأمثال بعدا أخلاقيا يستحصل من الخبرة الحياتية والممارسة الواقعية ولقد تباينت الأبعاد الاخلاقية التي حملتها استخراجات اليمني للأمثال من كتاب كليلة ودمنة وطبيعة الاشعار التي قابلها بها وضاهى على أساسها وهي تتأرجح بين تقويم السلوك وتصحيحه والعمل على التحلي بالصفات الرفيعة والمناصحة وابداء المشورة والوعظ .
ومن أهم الموضوعات التي شملتها المضاهاة وتعاملت معها تعاملا خارجيا على مستوى الفكرة والمعنى والدلالة صفات العاقل واعماله وقد افتتح المؤلف كتابه بهذا المَثل من كليلة ودمنة يحض على التحلي بصفات الوقار والقناعة والبعد عن الشهوات” يقال من صفة الناسك الوقار والاستتار بالقنوع ورفض الشهوات للتخلي عن الأحزان وترك إخافة الناس لئلا يخافهم” وقد ضاهاه بما قاله الشاعر عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان في ثلاثة أبيات وهو يصف رجلا وقد تحلى بالورع والقنوع والبعد عن الشهوات:
نقيٌّ للدنيئة ذو اجتناب يخاف الله ذو فعل سديدِ
تستَّر بالقنوع فكان أبهى من الملك المؤيَّد بالجنودِ
وأقصى اللهَّو والشهوات عنه فلم يحزن على عَرَض فقيدِ
وهنا تكمن المقارنة الموضوعية في مضاهاة المثل النثري بالحكمة الشعرية في ألفاظ (القنوع ، الشهوات، الحزن، الخوف)، ولان هناك جزءا من المثل لم يُوفَ حقه مما يتعلق بترك إخافة الناس لذلك عمد اليمني إلى إضافة بيتٍ لشاعر آخر هو الاشجعي الحروري :
إذا أمِن الجميعُ المرءَ أمسى على أمنٍ وبات على مهادِ
لتستكمل عملية المقارنة للدلالات التي حواها المثل آنفا. وعن فضل العمل ونفع الناس المثل( ويقال من عاش غير خامل ذا فضل على نفسه وأصحابه فهو وان قلَّ عمره طويل العمر) وقد قابله ببيت واحد يوجز ما تقدم وهو قول بشر بن أبي خازم الاسدي:
لئن إضتَ ميتا لم تُعَمِّرْك َ مدةٌ لأنت الذي يحييك في الغابر الذكرُ
وعن استشارة الحكماء وذوي الرأي والأمر حتى وان كانوا أعداء ساق اليمني هذا المثل(ويقال العاقل لا يدع استشارة عدو إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه في ضره أو نفعه ) مقابلا إياه بقول الطعان:
شاور عدوك ذا الرأي الأصيل إذا ما خاف خوَّفَكَ في سر وإعلان
وهذا البيت ينطبق تمام الانطباق مع المثل أعلاه إذ تتقابل الفاظ استشارة بالفعل شاور والضر والنفع بالسر والإعلان.
وعن تجنب طلب المعروف من اللئيم المثل( ومن طلب معروف اللئام فلم يهن) الذي قابله اليمني بقول عوف الضبي:
أهنتُ نفسي لمَّا أنْ طلبتكمُ وكنتُ ظالمها في حينِ أعْروكا
لتتقابل ألفاظ( طلب/طلبتكم ويهن/أهنت) في حين أبدل( اللئيم بالظالم والمعروف بالإعارة) وقد بدأ بما كان المثل قد انتهى به وهو الهوان مع ملاحظة أن المثل قد سيق بضمير الغائب/هو في حين سيق البيت بضمير المتكلم/أنا..
ومن الأمثال التي نهت عن الخلق السيء ما جاء في سوء مصاحبة الأشرار إذ يقال( مصاحبة الأشرار تورث صاحبها سوء ظن الأخيار) وهذا ما كان ابن عون القرشي قد طرقه في قوله:
وصاحبت أشرارا فما لومك الذي يزُّنك بالسوْآء إن كنت طاهرا
ويقال عن تجنب الرخص في طلب الأمور( من التمس الرخص من الإخوان عند المشاورة ومن الأطباء عند العلة ومن الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي وازداد علة ومرضا) وقد رأى اليمني أن سعد الغنوي كان قد طرقه في قوله:
لا تُرخص لمستشير فيخطي الر رأي فما أتاك في كل أمر
وكذاك الطيب أن عالج المع تل رخصا أناله كل ضر
وعن ترك العاقل البطر أورد المثل( ويقال العاقل لا يبطر لمنزلة أصابها وان عظم ذلك كالجبل الذي لا تزلزله الرياح وان اشتدت وعظمت عليه والسخيف تبطره ادنى منزلة كالنبات الغض تحركه أدنى ريح) وقد ضاهاه بقول المرار الاسدي يمدح والي البصرة :
ولو كنت ذا عقل رجحت ولم تكن لتبطر بالنعما ولو نلت مرغبا
مضاهيا بلفظتي( البطر والعقل) وعن حسن النسب والقنوع والصبر المثل( لا حسب مثل الخلق ولا غنى مثل القنوع وأحق ما صبر عليه ما ليس إلى غيره سبيل) مضاهيا به ثلاثة أبيات لامرئ القيس بن حُجر:
ذريني انما حسبي فعالي وحسن تجملي في كل حال
وصبري للذي لا بد منه اذا كاع الصبور من الرجال
واني ذو الغنى بقنوع نفس تعاف الضيم في ذل السؤال
وقد تلاقت مع المثل الفاظ (حسب وصبر وقنوع ) في البيت مضافا لها ياء المتكلم. وعن كلام العاقل وانه( يقل الكلام ويبالغ في الفعل ويعترف بالزلة ويتأتى في الأمور قبل الإقدام عليها ويستقيل هفوة غفلته كالذي يعثر بالأرض وعليه ينهض ويستمر) فقد اختصر ذلك المعنى قول أعرابي من ثقيف بالقول:
وأقررت بالذنب الذي قد نُحلته وراجعت بالفعل الذي هو أصوب
واقللت لا إني غبي ومفحــــــــــم وبالغت فعلا كل ذلك اعتب
ثم أضاف إلى ذلك بيتا لجندب بن زهير:
هفا هفوة ثم استقل بعقله وذو العقل لا تخفى عليه المخارج
وعن دلالة الكرم وصفات الكريم استخرج اليمني هذا المثل( الكريم لا يكون إلا شكورا غير حقود تنسيه الخلة من الإحسان الكثير من الإساءة) وقد قابله بثلاثة أبيات تضمنت الدلالات كلها لشيظم النميري وهو يشكر الحجّاج ومنها هذا البيت :
وجدتك توليني وتشكر مفضلا لأنك أولى بالتكرم والفضل
وقد قابل مفردتي الكريم والشكور بـ(تشكر/ التكرم) وكذلك لفظتي حقود وإساءة بـ( إساءتي/حقد/الردى)
أما خِلال الخلق الحسن التي جمعها هذا المثل( ويقال خلال من لزمهن بلغنه ما يريد وقربن له البعيد وآنسته في الوحشة وعرفته في الغربة ولين له المعيشة واكثرن له الإخوان كف الأذى وحسن السيرة وسعة الخلق وحسن الأدب والاقتصاد في العمل ومجانبة الريب)؛ فقد جمعتها ستة أبيات لمرداد الأيادي تضمنت دلالات المعاشرة والمعاش والأخيار والحاجات وكفِّ الأذى واجتناب البخل ومجانبة الفحشاء والريبة
وغالبا ما يكون الشعر مكثفا المعاني الكثيرة التي تحملها الأمثال بكلمات قليلة موجزة باستثناء هذا المثل( ويقال من عمل بغير العدل والحق انتقم منه وأديل عليه) اذ ضاهى بضع كلمات نثرية بثلاثة أبيات لضمرة بن ضمرة:
تعدى ولم يعمل من الحق بالذي به أمر الحكام جهلا وافسدا
فدالت عليه بانتقام وخزية دوائل أيام فغودر مقصدا
وأصبح مرجوما وبالأمس قبله يشير إليه الناظرون محسدا
ومن الأمثال ما يكون نصحا وإرشادا على صيغة الأمر تحذيرا وطلبا على شاكلة المثل( ألزم ذا العقل واسترسل إليه وإياك وفراقه ولا عليك أن تصحب العاقل وان كان غير محمود الكرم ولكن احترس من سيء أخلاقه وانتفع بعقله ولا تدع المواصلة للكريم فان لم تحمد عقله فانك تنتفع بكرمه وتنفعه بعقلك وفر الفرار كله من الأحمق اللئيم) وهو ما كان العرزمي قد طرقه :
آخي الفتى ذا العقل والكرم الذي تزاد به في حيث تذكره نبلا
وان كان ذا عقل ذميم خلائق فجانبه للأخلاق لا رأيه الجزلا
ولكي يقابل المعاني النثرية كلها فانه ضاهى هذا المثل بأربعة أبيات لعلي بن الخليل تناولت المعاني السابقة طارقة ايضا معنى دناءة الحمق واللؤم
وعن المناصحة والتحذير جاء هذا المثل في كيفية معاملة العدو( قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك إليه ولا تقاربه كل المقاربة فتهون عليه ويجترئ عليك فان مثله مثل العلم المنصوب في الشمس إذا أملته قليلا زاد ظله فان جاوزت الحد في الإمالة انتقص) وقد ضاهاه بأربعة أبيات لمرداد المازني وعلى الرغم من أنها لم تكن على الصيغة الامرية ذاتها إلا إنها قاربت دلالات المثل باستثناء التشبيه الذي لم تطرقه الأبيات
وعن خصال تزداد فيها مودة الإخوان هذا المثل( خصال ثلاثة يزداد بها ما بين الإخوان لطفا واسترسالا: منها الزيارة في الرحال والمؤاكلة والنظر إلى الحشم والأهل) وكانت أبيات أربعة لمطيع بن إياس قد اشتملت المعاني كلها وزاد عليها اليمني البيت الرابع الذي جمع الشاعر بصاحبه روحا ومهجة:
ازور أخي في رحله ويزورني ملاطفة منا وحُسن وصال
ونطرح فيما بيننا حشمة الآلي تعاطوا ودادا لا يتم بحال
فيأكل من أكلي ويشرب مشربي ويسعى بسعيي ناصرا ويوالي
فروحي له روح ومهجة نفسه كمهجة نفسي في جميع خلالي
ومن المعاني الخلقية الأخرى التي استقصتها الأمثال المستخرجة خصال الكريم ورداءة اللئيم( ويقال الكريم يود عن لقائه مرة واحدة ومعرفة يوم واللئيم لا يصل أحدا إلا عن رغبة أو رهبة) وهو ما كان زياد بن عصام الكلبي قد طرقه كاملا:
وداد الكريم عن لقاء وموقف ابر وأزكى من إخاء لئيم
وان كان لا ينفك خدنا مساعدا فما مثله لي بالوفاء زعيم
وتناولت بعض الأمثال المستخرجة موضوعة المال وسرعة زواله كهذا المثل( ويقال المال وسائر متاع الدنيا سريع إقباله اذا اقبل سريع ذهابه إذا ذهب مثل الكرة التي هي سريع ارتفاعها سريع وقوعها) وكان الراعي قد طرق الحكمة عينها ولكن ليس بالتشبيه عينه:
إذا اقبل المال السوام وغيره فتثميره من لحظة العين أسرع
وان هو ولى مدبرا ففناؤه وشيكا من التثمير ارجى وانجع
وعن آداب التصرف بالمال( لا يعد غنيا من لم يشارك في ماله ولا يعد عيشا ما عيش في بِغضة وسوء ثناء) وهو ما فصَّل القول في المعنى الشاعر جرير بن الخطفي:
اذا كنت ذا مال ضنينا يبذله فانت فقير حيث زُلت من الارض
وان كنت في عيش فليس بعيشة اذا كنت مشؤوم الخلائق والعِرض
اما موضوعة ادب صحبة الملوك ومعاداتهم فإنها احتلت حيزا ليس بالقليل من كتاب كليلة ودمنة والسبب ان كليلة كان في الاغلب ناصحا لدمنة محذرا اياه من صحبة السلطان ومن ذلك المثل( معاداة الملوك كالسيل بالليل لا تدري من أين يأتيك ولا كيف تتقيه) وقد قابله اليمني بقول بعض التغلبيين في جسّاس بن مرة بأبيات أربعة فصلت المعنى مشبهة الملك بالبحر لا بالسيل واتخذت صيغة الهجو والوعيد بعكس المثل الذي صيغ على سبيل النصيحة والاعتبار:
ستعلم من عاديت اذ انت جاهل وأي فريقينا أعز وأقدم
ألسنا كالبحر فاض ليلا كمثل ما ليالي قابوس يجور ويظلم
فلم يدر من أي النواحي رمت بنا اليه النواحي وهو خزيان مفحم
وان لم ينلكم مثلها غب مصدر فنحن اذاً منكم اعق واظلم
ويبدو أن الأمثال في موضوعة الصداقة والإخوة كثيرة إذ شغلت مساحة لا بأس بها من الأمثال المستخرجة من كليلة ودمنة ومن ذلك المثل( من اتخذ صديقا وأضاع رب صداقته حرم مسرة الإخاء ويئس من منفعة الإخوان) وهو ما قال فيه مسكين الدارمي لا على مستوى العموم ولكن على مستوى الحكاية عن صديقه:
أخذت صديقا طارفا وأضعتني تليدا وهل يزكو الطريف ويثمر
فمن ذا الذي بعدي يرجيك نافعا ولم يبد يأسا منك في حيث تصدر
وعن الإخوة قيل( نعم العون على تسلية الهموم وتسكين النفس عند البلاء لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل منهما بسره إلى صاحبه) وضاهاه بقول ابن ميادة وقد اشتمل على ألفاظ قريبة من هذه الدلالة مثل( أخي/ التقينا/ افشي/ السر/ تسكن/ نفسي/ عونا/ تسلية)
ومن الموضوعات التي تناولتها المضاهاة ايضا النساء وصفاتهن كهذا المثل( قلما ظفر أحد ببغي وقلما حرص على النساء فلم يفتضح) فالجزء الأول من المثل ضاهاه بقول عمرو بن مالك الفزاري في حرب داحس، في حين عالج بيت ركاض الدبيري الجزء الآخر من المثل
وعن التصرف في معاملة النساء( من الخرق والحمق ..أن يطلب الفوز بالرياء ومودة النساء بالغلظة) فقد وجد اليمني ان الراعي الربعي كان قد تناوله في ثلاثة أبيات منها هذا البيت :
وتحوي ود غانية بعسف ألا حاولت غير مدى الطريق
وقد أورد اليمني مثلا آخر( ويقال أشياء لا ثبات لها ولا بقاء ..مودة النساء) وقد قابله بقول اسعد بن راشد ونلحظ أن المثل قد وسم ود النساء بعدم البقاء في حين قابل البيت الشعري النساء بالغانيات ووسمهن بعدم العهد:
متى دام ود الغانيات لصاحب فتطمع في الذلفاء أن تحفظ العهدا
ومن الموضوعات الخلقية الاخرى التي تناولها اليمني بالمضاهاة أيضا صلاح الناس وفسادهم والمودة بين الناس وعلامة الصديق والمروءة والثقة بالآخرين وعقوبة الغادر وكتمان السر وتكلف الأعمال وإنزال الناس منازلهم وحسن اختيار الأصدقاء ذوي الأصل وخير الأعمال وخير الإخوان وخير الأخلاق وترك الدنيا ولذائذها وقد انتهج فيها جميعا منهج المضاهاة عينه
ولعل من نافلة القول إن موضوعات الامثال النثرية قد تستدعي اية قرآنية او حديثا شريفا او حكاية وفي التناص الشعري قد يستدعي المثل بيتا او شطرا او جزءا من شطر او مقطوعة او قصيدة ..
المحور الثاني: المضاهاة الداخلية على مستوى الابنية الاسلوبية/
لا يمكن أن تكون الأمثال والأشعار ذات فكرة متأطرة خارجيا من دون بناء داخلي رصين يسند تشكلها ويضمن وصولها إلى المتلقي.
وإذا كانت المضاهاة الخارجية للأمثال بالأشعار من ناحية البناء الموضوعي تتفق في الأعم الأغلب معنى ودلالة؛ فان المضاهاة الداخلية تتفاوت في طبيعة الأبنية الأسلوبية للمباني الشكلية التي تصاغ بها الأشعار المضاهية للأمثال.
وهذا مرده إلى أن الاحتكام في الأصل مخصوص في الأفكار ودلالاتها وليس في الصياغة والبناء إذ أن المهم هو توصيل العظة وتقديم الدرس أما مسألة الصياغة الشكلية فأنها تأتي عرضا لا قصدا وبشكل عفوي عابر بعيدا عن المقصدية مبتغى ومنتهى .
ومن الاساليب التي تحرى اليمني إيراد الأشعار على وفقها مضاهيا بها أمثال كليلة ودمنة أسلوب حصر المعنى وتضييقه بحدود معينة كأن يكون حدين أو ثلاثة أو أربعة في سبيل توصيل المعنى، ومن ذلك المثل( يقال الصديق صديقان: صديق طباع وصديق اضطرار وكلاهما يلتمس المنافع ويحترس من المضار. فإما المطبوع منهما فموثوق به على كل حالاته وأما المضطر إليه منهما فله حالات يسترسل إليه فيها وحالات يتقى فيها فلا يزال يرتهن منه بعض حاجاته ببعض ما يبقى من الحاجة إليه) اذ ضاهى ذلك بقصيدة مسكين الدارمي الذي حصر الأصدقاء في أنواع اربعة: أصفى الأصدقاء وأكذبهم وأثبتهم وبينهم المضطر:
تعلّم بان الاصدقاء ثلاثة وما كل من آخيته بصديق
واصفاهم ودا اخو الطبع منهم واثبتهم في وحدة وفريق
فذلك موثوق به في اموره وفي كل ما حال اعز وثيق
واكذبهم ودا اخو الكاس انه صديق صبوح دائم وغبوق
وبينهما المضطر يلتمس التي جميعهم فيها بكل طريق
فذاك تدانيه فتدنيه مرة وتجفوه اخرى منك فعل رفيق
تكافيه في الحالات ما كان يرتجى وتحذر منه القرب عند مضيق
وكلهم في طبعه يحذر التي تضر ويرجو النفع كل شروق
ومن الحصر أيضا حصر الأمور في (أمور ثلاثة لا يجتزئ عليها إلا الأهوج ولا يسلم منها إلا القليل: صحبة السلطان وائتمان النساء على الأسرار وشرب السم للتجربة) وكان البيت الشعري الذي ضاهى المثل عينه:
مصاحب سلطان وراكب لجة سواء إذا حصَّلتَ والشاربُ السما
وقد بني على أسلوب التسوية بين الأشكال الثلاثة وليس على الحصر. وقد يكون مع الحصر التفصيل رغبةً في التوضيح للمعنى وتقريبه إلى المتلقي كما في هذا المثل( الرجال ثلاثة حليم وحازم وعاجز فالحليم إذا نزل به الأمر من البلاء لم يدهش ولم يذهب قلبه شعاعا ولم يعي برأيه وحيلته التي بها يرجو المخرج والحازم الذي يتقدم في العدة للأمر يتخوفه قبل نزوله به والعاجز لا يزال في تردد وتحير والتباس حتى يهلك) وقد ضاهى اليمني هذا المثل بثلاثة أبيات أُوجزت القول الكثير باللفظ القليل وهي لابن زياد الحارثي ذكر فيها الحليم والحازم والعاجز:
يزداد ذو الحلم حلما حين يدهمه من معضل الأمر ما يُعيي ويجتاح
والحازم الأمر يُعنى قبل مبعثه بفادح منه إمساءٌ وإصباحُ
والعاجز الرأي لا ينفك يشغله طول التردد أو يلقاه مجتاح
ومن الحصر تحديد خِلال أهل الدنيا تفصيلا لا اجمالا( ويقال أهل الدنيا يتعاطون فيما بينهم خلتين يتواصلون عليهما: ذات النفس وذات اليد فالمتعاطون ذات النفس هم الأصفياء المتخالطون وأما المتعاطون ذات اليد فهم المتعاونون المتعاضدون الذين يلتمس بعضهم الانتفاع ببعض) والأبيات التي بها قابل اليمني المعنى المتقدم هي ثلاثة لابن معقل الأشعري التي جاءت بصيغة المتكلمين لا بصيغة الغياب وقد تكررت فيها ألفاظ(الصفاء والتعاطي وذات النفس وذات اليد والتعاضد) :
تلاءم شملنا عن ذات نفس وصحة نية وصفاء ود
ولم نك كالذين لغير ود تعاطوا ذات ايديهم بحمد
يعاضد بعضهم بعضا رجاء لنفع حين يعضد لا لعهد
وقد يكون الحصر في حد واحد كما في هذا المثل( ليس احد اعلم بما في نفس الموجع الحران ممن ذاق مثل ما به) الذي ضاهاه بقول المؤمل بن اميل المحاربي وقد جاء الحصر على شكل استثناءات أصابت المطلب لكنها كررت فذكرت الى جانب موجع القلب الطبيب والمتيم والمغرم وكان بالإمكان الاقتصار على بيت واحد:
وصفت الذي بي للطبيب من الهوى فما كان من جهل بما قلت يفهم
وما وصف الأوجاع قبلي متيم فيعرف ذاك الوصف الا متيم
كما ان هذا موجع القلب مغرم كذلك هذا موجع القلب مغرم
وقد يحصر المثل المعاني الكثيرة التي تجعل المضاهاة تستوجب الاستشهاد بأكثر من بيت يتناوب على التمثيل بها ففي المثل( أشياء لا ثبات لها ولا بقاء: خلة الأشرار وظل الغمام ومودة النساء والثناء الكاذب والتخلق) فكانت المضاهاة مبتدئة من آخر خلة وهي التخلق ببيت ابن سلمة الثقفي:
عليك بالقصد فيما أنت قائله ان التخلق يأتي دونه الخلق
ثم ضاهى خلة الأشرار بقول شاعر لم يذكر اسمه واستشهد بقول اسعد بن راشد في مودة النساء وقول اخر في الثناء الكاذب في حين اغفل التمثيل ببيت شعر على ظل الغمام
ومن الأساليب أيضا القصر( لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا في الصدفة إلا مع النية) وهو ذات التوظيف شكلا ومحتوى في قول العنزي:
الفقه لا يصلح إلا بالورع والقول بالفعل اذا المرء وزع
وكان المثل قد ورد في كليلة ودمنة على هذه الشاكلة( لا خير في الكلام إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا خير في الكلام إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا في الصدقة إلا مع حسن النية)
واعتمدت بعض الامثال أسلوب الترتيب كهذا المثل الذي حدد مكانة العاقل بأمرين: أما مع الملوك مكرما وأما مع النساك في مساجدهم متبتلا وكان ابن الرقيات قد رتب القول في ذلك لا على أساس العلاقة بالملوك أو الكرام بل على أساس مجالسة الأتقياء ومسامرة الكرام :
اعيذك أن أراك جليس من لا يكون من التقى فيه سقام
وان لم يؤت ذاك فكن سميرا لقيل أو تجالسك الكرام
ومن الاساليب البيانية التي حرص اليمني على تتبعها في أمثال كليلة ودمنة أسلوب التشبيه فالمثل( المال وسائر متاع الدنيا سريع إقباله اذا اقبل سريع ذهابه اذ ذهب مثل الكرة التي هي سريع ارتفاعها سريع وقوعها) وقد ضاهاه بقول الراعي ولكنه لم يعر بالا الى عدم استخدام الشاعر للتشبيه نفسه
ومن التشبيه الذي يراد به التمثيل على حسن انتقاء الأهل المثل القائل( الجامع للأهل والأقارب بغير اقتصاد كالدخنة تحترق ويذهب بريحها غيرها) فضاهاه اليمني بقول شبيب الاشجعي الحروري الذي وظف دلالة الحرق والدخان نفسها لكن ليس كتشبيه مركب بل على سبيل التشبيه التمثيلي :
وجمعت من شتى حراما وغيره حلالا لأعداء لدي أقارب
فكنت يلنجوجا أصاب بطيبه رجلا وأرداه حريق اللواهب
ومثله الامثال التي شبهت الدنيا بتشبيهات عدة فمرة هي الملح الذي كلما ازداد منه صاحبه شربا ازداد عطشا وهو ما كان عدي بن زيد العبادي قد سبق القول فيه وبالتشبيه عينه إذ قال:
مطالب دنياه بإتعاب نفسه كوارد ماء من أجاج مكدر
فما ازداد شربا منه الا اثابه به عطشا يرويه في كل مصدر
والدنيا هي ايضا كالعظم الذي يصيبه الكلب فيجد فيه رائحة اللحم فيطلبها فتدمي فاه فلا يزداد لها طلبا الا ازداد لفيه إدماء وقد أصاب الحويدرة الذبياني ـ وهو من حكماء العرب ـ المعنى نفسه لكن بأسلوب الاستبدال الاستعاري لا التشبيه التمثيلي:
اذا النابح العاوي اصاب معرَّقا من اللحم انحى بطلب اللحم بالجد
فيدمي به فاه ويطلب جاهدا فيزداد ادماء لفيه ولا يجدي
فلا تجهدن النفس في ما زواله وشيك على قرب من الدار او بعد
وقد تشبه الدنيا باللعقة من العسل وفي أسفلها سم ذعاف وكان أبو قابوس العبادي قد تناول المعنى استعارة لا تشبيها فلم يذكر المشبه به اللعقة من العسل كله ولكنه ذكر جزءا وهو الحلاوة :
واحذر حلاوتها فان وراءها سما ذعافا
اما تشبيه الدنيا كدودة الابريسم التي كلما ازدادت على نفسها لفا ازدادت من الخروج بعدا وكان عدي بن زيد العبادي قد استعمل هذا التشبيه ببيتين فيهما المشبه هو الزمن والمشبه به صانعة القز التي هي دودة الابريسم:
ولا تك في الالحاح في إثْرِ فائت تحاول منه فائتا ليس يطلب
كصانعة القز التي كلما ارتدت بصنعتها كانت الى اللبُث اقرب
ومثل ذلك تشبيه ابن اساف لضعة المنزلة بانحطاط الحجر الثقيل من المعالي:
رقيك من دنيء الامر تسمو الى شرف تحاوله عسير
كمثل الانحطاط من المعالي الى ضعة فمطلبها يسير
الذي ساقه اليمني لمضاهاة التشبيه في المثل القائل( الارتفاع من ضعة المنزلة الى شرفها عسير والانحطاط من شرفها الى ضعتها يسير ومثل ذلك مثل الحجر الثقيل الذي رفعه من الارض الى العانق عسير)
أما تشبيه السلطان بالجبل الذي فيه جميع الثمار الطيبة فقد سبق ابو مسكين القول به وقد كانت جملة (سموت إلى أمر يعز طلابه) هي التي بها قابل اليمني لفظة السلطان التي لم يكن الشعراء العرب يكثرون استعمالها بعكس لفظة السمو والملك التي كانت ترد في اشعارهم :
سموت الى امر يعز طلابه كما عزت الاثمار في جبل وعر
وتشبيه التعامل باللين مع العدو بالريح العاصف( لن للعدو ..فان مثل ذلك مثل الريح العاصف لا تضر الصغير من النبات وتقصم العظيم من الشجر) فقد تناوله الشاعر المرار الاسدي لكن على سبيل الاستعارة التي حذف منها المشبه توسيعا للمعنى واستزادة من الايحاء والترميز :
الريح تعصف بالبقل الرطيب فلا يخشى هلاكا وتردي الجذع ذا العظم
وان تشبيه الادب الذي يُذهب غي السكر بالنهار الذي يزيد المبصر بصرا والخفاش عمىً هو ذات التشبيه بالأداة والمشبه والمشبه به في قول العرزمي في ثلاثة ابيات
وجدير بالذكر ان المثل كان قد ورد في كتاب كليلة ودمنة على النحو الاتي( واعلم أن الأدب يدفع عن اللبيب السكر ويزيد الأحمق سكرا كما أن النهار يزيد كل ذي بصر نظرا ويزيد الخفاش سوء النظر وذو الرأي لا تبطره منزلة أصابها كالجبل الذي لا يتزلزل وان اشتدت الريح وذو السخف ينزقه أدنى أمر كالحشيش الذي يميله الشيء اليسير)
وهذا التشبيه الأخير هو ما وقف عنده اليمني في موضع لاحق مستشهدا عليه بقول المرار الاسدي في ثلاثة أبيات وهو يمدح محمد بن منصور التميمي الذي كان واليا على البصرة وقد ساق المعنى استعارة لا تشبيها مبدلا لفظة الجبل بعدل الطود ولفظة النبات الغض بغض النبت:
ولو كنت ذا عقل رجحت ولم تكن لتبطر بالنعما ولو نلت مرغبا
فيا غض نبت حركته من الصبا نفيــــــــــحة ريح فالتوى متقلبا
متى كنت عدل الطود من آل مالك وهل ضرعٌ شخْتٌ يعادل اغلبا
وتشبيه الصحبة للأخيار أو الأشرار بالريح( التي إذا مرت بالنتن حملت نتنا وإذا مرت بالطيب حملت طيبا) فقد وجدها اليمني قد قيلت عند بن أسيد الهمداني وهو يقابل بين ما يورثه الأخيار لأهلهم وبين ما يورثه الأشرار لأصحابهم :
لئن أورث الخيرات من هو أهلها لقد أورث الأشرار صاحبهم شرا
ولما لم يجد البيت قد أدى الدلالة كلها التي حملها المثل اعلاه ساق بيتا آخر لرجل من بني عبد القيس مكملا الدلالة جاعلا البيت الثاني ممثلا تمثيلا مجازيا للمعنى الحقيقي في البيت الأول:
فهبني الريح أدت ما أقلت انتنا كان او طيبا ذكيا
وفي كليلة ودمنة مثل يشبّه تذكر الأحزان بالجرح المندمل الذي تصيبه الضربة فيجتمع على صاحبه ألمان ألم الضربة وألم انتقاض الجرح وهو ما قد تناوله ابو كبير وقيل انه لهشام أخي ذي الرمة بصيغة التشبيه التمثيلي :
فلم تنسني اوفى المصيبات بعده ولكن نكء القرح بالقرح اوجع
وعلى الرغم من ان هذا البيت قد ادى الدلالة معنى وصياغة الا ان اليمني آثر ان يدلل اكثر على ثيمة الأحزان بان يسوق ثلاثة ابيات اخرى لشاعر اسمه حذافة الجنابي مستهلا بتوضيح لفحوى الأبيات فقد كان غازيا بخراسان مع قتيبة بن مسلم وقدم عليه من أهله رجل بالشام وقد أصيب قبل ذلك بابنه فنعى الى حذافة كبارا من اهله… وليس في الابيات تشبيهات بقدر ما فيها من استعارات
ولا اعتقد أن في هذه الاستزادة الشعرية مضاهاة بقدر ما فيها من استطراد تمثيلي باعتبار ان الشيء بالشيء يذكر كما يقال ولعل اليمني أراد ان يقول أن لا مجال للمقارنة بين مقدار المشاعر التي يمكن ان يوصلها الشعر قياسا بإمكانات النثر في ذلك.
ومن الاساليب البيانية ايضا الاستعارة كما في المثل( لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم ولا تعالجن تأديب من لا يتأدب فأن الحجر لا يجرب بالسيوف والعظم لا يعالج انحناؤه ولا تقويمه) وكانت العرب قد تناولت ذلك في قول الازلم الفقعي :
أراني فيه قد أتعبت نفسي أقوم منه ما لا يستقيم
لقد اعيي على الماضين قبلي وكيف يقوم الضلع القديم
ثم أضاف اليمني تشبيها آخر في قول احدهم :
لا تجهلن كذي سيف أراد به كسر الصلود فآض السيف مفلولا
ومن المجاز استعارة الماء للعدو في المثل( فان الماء لو اسخن فأطيل أسخانه لم يمنعه ذلك من اطفاء النار) وهو ذات التمثيل المجازي الذي طرقه أبو الأعور السلمي في قوله:
فان الماء يطفئ وهو آن شديد الحر سامية اللهيب
اذ ان الاصل في الماء انه يطفيء النار سواء أكان حارا او باردا فكذلك حال العدو فهو خطر سواء ائتمن جانبه أم لا .. وأما استعارة الاشتعال للحقد في المثل( الحقد إذا وجد فرصته اشتعل ولم يطفئه كلام ولا رفق ولا لين) فقد سبق أن طرقها حجل بن نضلة بالاستعارة عينها في خمسة أبيات منها قوله:
والحقد يكتن ما لم يلق فرصته على تطلعه من خفية الفكر
جد اشتعالا فلا رفقٌ ولا ملقٌ يطفي تضرمه ما جد في الأثر
ومن التمثيل المجازي على علاقة الضعيف بالحشيش( ويقال لا تتهاون بالضعيف من أمر العداوة فان الحشيش الضعيف يجمع فيفتل منه حبل وثيق لو شد به فيل مغتلم اوثقه) وكان قد قال شمخ الفزاري:
لا تستهن بضعيف الامر تحقره من العداوة في حال من الحال
فكم ضعيف تأتى مثله نفرا فاستنزلوا صاغرا ا قوة عال
وهو ما أدى الدلالة المعنوية لا الصياغة الاسلوبية فقد خلت الأبيات من مجاراة التمثيل بالحشيش وهو ما لم يعره اليمني اهتماما !!
ومن الأساليب الفنية التي وظفت في الأمثال توظيف الكناية لغرض الإيحاء والاختصار ومن ذلك المثل( ويقال الضرس المأكول لا يزال صاحبه منه في ألم حتى يقلعه) وكان معمر الاسلمي قد ضاهى هذا المثل معنى لا صياغة، ففي الوقت الذي اتخذ المثل من الضرس رمزا للأمور التي لا مجال لتناسيها إلا بإزالتها فان البيت الشعري اتخذ من الثوب الذي لا فائدة ترجى من لبسه رمزا للمظاهر التي لا تستطيع أن تخفي البواطن في قول الاسلمي:
إذا كنت ذا ثوب تشان بلبسه فعريان منه أنت في الناس اعذر
فكما أن الضرس المنخور لا فائدة ترجى منه كذلك الثوب المشين لا طائل من لبسه فهو والعري سواء. وبذلك يتلاقى المثل والبيت في الإيحاء بأمر واحد وان اختلفت أساليب الترميز.
ومن الترميز أيضا المثل( إذا لم تقو على العدو فالفدية أمثل) في دلالة على موازنة الأمور واتخاذ القرار المناسب فأما المواجهة وأما الاستسلام وقد قابله اليمني ببيت لأسعد وهو في مواجهة الذلفاء فأما أن يقف بوجهها وإما أن يضرع لها وبذلك اتفق الإيحاء ولكن اختلف الرمز وقرائنه:
أخاف بان أحاربها فأردى فترضى حين اضرع مستكينا
كون المثل قد ساق المعنى على محمل القتال والحرب أما البيت فقد ساق المعنى على محمل الصبابة والوجد.
ويرمز المثل( العدو المخوف دواؤه فقده) إلى أن لا سبيل لمغالبة الخوف إلا بالمواجهة وهو ما كان الشاعر الجاهلي ابن غزية الضبي قد طرقه فبُعد الخصم خير من قربه:
دواؤك إذ قربتَ وأنت صلٌّ بعادُك أن أراك وان تراني
ومن الأساليب ايضا استعمال الإيجاز اختصارا للألفاظ وإجمالا في المعنى ومن ذلك المثل” خير الإخوان اقلهم مصانعة في النصيحة” الذي كان أكثر إيجازا من البيت الشعري الذي قاله بعض المتقدمين:
وخير الإخلاء الصحيح إخاؤه ومن لم يصانع في نصيحة صاحب
إذ بالإمكان الاكتفاء بالشطر الأول لإيصال الدلالة ومثله( خير الأصدقاء من ترك المزاح) ولما ضاهاه اليمني بقول أبي كدام أورد ثلاثة أبيات فكان مفصلا لا مجملا ومسهبا لا موجزا كون الشاعر قد استدعى حادثة عن مزاح مع صديق له بعكس المثل الذي جاء مكثفا
ومن باب الاختصار والإيجاز أيضا التوظيف لصيغ التفضيل كالمثل( أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا) لكن بيت عبيد الله بن عمر قد أصاب المعنى المتمثل في أن القناعة غنى بصيغة الاخبار لا التفضيل:
غنيت فما أصبحت للحرص غانيا بحسن قنوع والقنوع هو اليسر
ومن التفضيل أيضا المثل( وأغبط الناس أكثرهم مستجيرا وسائلا منجحا) الذي كان جرير بن الخطفي قد قاله في خارجة بن عيينة في بيتين :
ولمَ لا تكون الفرد والسيد الذي إليه تناهى الجود والبأس والفخر
وسائلك المعتر انجح سائل وجارك في امن يجير به الدهر
فقد ورد التفضيل في الشطر الأول من البيت الثاني بعبارة( أنجح سائل) ولا بد من التوكيد أن في كتاب كليلة ودمنة أمثال أخرى وظفت التفضيل لكن اليمني لم يقف عندها ومن ذلك هذا المثل( أفضل البر الرحمة ورأس المودة الاسترسال وانفع العقل المعرفة بما يكون وما لا يكون) او( ووجدت ركوب الاهوال الشديدة وتجشم الأسفار البعيدة في طلب الدنيا أهون على المرء من بسط يده بالمسألة)
ومن الأساليب البلاغية الموظفة أيضا في الأمثال حسن التعليل( ويقال العاقل حقيق ان لا يغفل أمر آخرته والتزود لها فان الموت يأتي بغتة وليس بينه وبين احد اجل معلوم) وقد ضاهاه اليمني ببيتين للمتلمس وواحد منهما فقط قابل الجزء الأول من المثل مجملا لا معللا:
واعلم علم حق غير ظن وتقوى الله من خير العتاد
لحفظ المال أيسر من بُغاه وضرب في البلاد بغير زاد
في حين ضاهى البيت الثاني للمقنع الكندي الجزء الثاني من المثل فبدا وكأنه تعليل لقول الشاعر الأول وفي ذلك مداراة ذكية وإلماحة فنية ابتكرها اليمني تحقيقا لمنهج المضاهاة التي تقتضي تعادل كفتي المقارنة بين النثر والشعر لتكونا على مستوى واحد:
أرى الموت لا يأتيك إلا فجاءة فلا موعد من قبل ذلك يعرف
ومن حسن التعليل لمخاطر صحبة الملوك المثل( من سكرات السلطان الرضا عمن يستوجب السخط والسخط عمن يستوجب الرضا ولذلك قيل خاطر من لجَّج في البحر واشد منه مخاطرة من صحب الملوك بغير أدب) وهو ما كان يزيد بن الطثرية قد قال مثله في أربعة أبيات وقد استحضر صحبة الملك ومقابلته بالبحر معللا أهمية ترك تلك الصحبة والسبب ان لا أمان لها:
سخطت ولم أذنب وترضى مخالفا كأني اخو ذنب ففعلك معجبُ
فلو زرت ملكا كنت غير مخاطرٍ وان كنت أدنى واصلا واقربُ
ولو أنني لججت في البحر عائما على خطر في لجة اتسرب
لكنت على وديِّك فيما تسومني مخاطرة في الناس من ذين اعجب ُ
ومن حسن التعليل ايضا المثل( لا تحقرن رجلا صغير المنزلة فان الصغير ربما عظم وبلغ كالعقب من الميتة يؤخذ فيعمل منه القوس والوتر والترس فيحتاج إليه الملك في بعض حالاته من لهو او باس) وهو ما تناوله مولد بن جوين في ثلاثة أبيات سائقا التعليل عينه متقدما بذلك على قائل المثل:
ومستصغر مثلي بجهل تملك وقلة علم بالرجال وبالصـــــــــــــــــحب
وربما يحتاج ذو الملك صاغرا إلى عظم ميت في السرور وفي الحرب
إلى مدية لولا النصاب لما أتت هواه إلى جد من الأمر أو لعب
ومن الأساليب الإنشائية استعمال الاستفهام الإنكاري كما في المثل( من هذا الذي بلغ من الدنيا جسيما فلم يبطر) وقد تناوله ابن براقة الهمداني لا على محمل الاستفهام استنكارا ؛ بل على محمل التوبيخ والتهكم:
اذا نال من دنياه حظا رأيته اخا بطر زاه كثير التطاول
وكذلك الاستفهام ب(من) في المثل( من تبع الهوى فلم يعثر؟ ومن جاور النساء فلم يفتن؟ ومن صاحب الأشرار فسلم؟ ومن خدم الملوك فلم يعطب؟) الذي ضاهاه اليمني ببيتين لعدية العدواني كانت فيها (من ) حرف اشتراط لا استفهام ومع ذلك فان دلالات المثل كانت حاضرة لم يغب منها شيء فقد ذكر المتيم والنساء والاشرار ولكنه استعمل لفظة الجبار لا الملك :
ومن تبع الاهواء لا زال عاثرا ومن صحب الاشرار يوما سيندم
ومن جاور النسوان طال عناؤه ومن خدم الجبار خاطر بالدم
ومن الأمثال التي وظفت اسلوب الاستفهام ايضا( من صحب الملوك فدام له منهم الإحسان؟) الذي قابله ببيت الغنوي الذي وظف فيه الاستفهام الإنكاري بمتى بدل( من) فقال:
متى دام إحسان الملوك فارتجي ثبات مكاني منك إني لجاهل
ومن الاساليب الانشائية ايضا اسلوب النهي كما في المثل( لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم ولا تعالجن تأديب من لا يتأدب) واذا كان المعنى قد طرقه الازلم الفقعسي الا انه لم يعتمد اسلوب النهي بل استعمل صيغة الاستفهام الانكاري ب(كيف):
أراني قد اتعبت نفسي اقوَّم منه ما لا يستقيم
لقد اعيي على الماضيين قبلي وكيف يقوم الضلع القديم
واما المثل( لا تأمنن عدوا رجع إليك بنفسه) فقد تمت مضاهاته ببيت استعمل الاستفهام بالهمزة لا النهي وهو قول أبي الاعور السلمي :
أتدنيه وكان عدو سوء لما أصبحت فيه بالمصيب
ومن أسلوب الطلب( اصبر من غيرك على مثل ما صبر عليه غيرك منك فانه يقال كما تدين تدان) والبيتان اللذان ضاهيا المثل كان الأول بالجناس الناقص(صبرت/الصبر) اما الثاني فكان تناصا تاما:
صبرت عليك لما اقتستُ امري بحسن الصبر حين جهلت أمري
لقد قيل في الأمثال اصبر لحرها بما دنت فاعلم حيث كنت تدان
ومن الطلب ايضا( يقال قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك اليه) لكن بيت مرداد المازني لم يكن على الشاكلة الاسلوبية نفسها بل اعتمد رد العجز على الصدر بالجناس غير التام ( قاربته/ التقارب) :
فقاربته لا أنَّ في ذاك حاجة اليه فيستعلي لبعض التقارب
ومن اسلوبية الاشتراط المثل( من اتخذ صديقا واضاع رب صداقته حرم مسرة الاخاء ويئس من منفعة الاخوان) وقد قابله اليمني بما كان مسكين الدارمي قد قاله على شاكلة الاستفهام الانكاري:
أخذت صديقا طارفا وأضعتني تليدا وهل يزكو الطريف ويثمر
فمن ذا الذي بعدي يرجيك نافعا ولم يبد بأسا منك في حيث تصدر
وقد تميل الأمثال والاشعار معا إلى التفصيل لا الإجمال كما في المثل عن تنقل الناس في المنازل والطبقات وقد قابله اليمني بتفصيل في قصيدة من ثمانية أبيات من البحر الطويل لابن مناذر وقد تناول فيها ذات المعاني التي طرقها المثل
وقد يتعدى التفصيل إلى الإسهاب كما في المثل عن أمور الملك ومن يحتاج إليه فيها من العمال والأعوان ومن يجتمع فيه منهم النصيحة وأصالة الرأي والعفاف وكيف يتفقد أعمالهم وأمورهم وكيف يتعامل مع المحسن والمسيء والعاجز..وقد ضاهاه بثمانية أبيات كان قد قالها سليمان بن هشام بن عبد الملك في الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين استخلف
والإسهاب بلا زيادة او حشو جاء في المثل الذي فصل ست خصال بها يؤتى الملك وقد قابلها اليمني بقصيدة من ثلاثة عشر بيتا للأبرص شارحا مناسبة القصيدة فالشاعر يعدد خصال حجر بن عمرو أبي امرئ القيس بن حجر ويحرِّض بني أسد على قتله وقد طرق المثل اغلب المعاني التي طرقتها القصيدة في إسهاب غير مخل وتفصيل بلا حشو
وقابل اليمني سبعة أسطر نثرية بسبعة أبيات شعرية فيها تفصيل لأولئك الذين ليس على السلطان الاسترسال إليهم أو الثقة بهم والائتمان لهم
ومن الاساليب اللفظية استعمال المجانسة والمشاكلة في المثل” من لا مال له لا اخوان له ومن لا إخوان له لا أهل له ومن لا أهل له لا ولد له ومن لا ولد له لا ذكر له ومن لا ذكر له لا عقل له ومن لا عقل له لا دنيا له ولا آخرة له ..” وقد سبق لعرام بن منقذ السكوني ان قال في المعنى ولكنه استعمل صوت الدال باطراد
ومن أسلوب المقابلة لثلاثة أشياء بأربعة المثل( ويقال صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء أما الثلاثة…) ويمضي في تفصيل الثلاثة وبعدها يشرح الأربعة، ولكي يقابل هذا التفصيل النثري بتفصيل شعري فانه أورد أولا ثلاثة أبيات لامية بن أبي الصلت طرق فيها ثلاثة أشياء بها يطلب الأربعة من الأمور ثم اتبعها بأربعة أبيات لامية أيضا تناول فيها الأمور الأربعة التي بها تدرك الأشياء الثلاثة ثم تلاها بخمسة أبيات لسابق البربري في الإنفاق والإمساك وبعدها ثلاثة أبيات للمتلمس الضبعي وهو يقارب بعض المعنى وقد زاد فيه بتسميته التبذير فسادا
ومن التضاد المعنوي الذي يقارن بين الغني والفقير حمدا وذما( ليس في الغني من خلة تحمد إلا وهي في الفقير تذم فان كان الفقير شجاعا قيل أهوج ..) وهو ما كان ابن رعلاء الغساني قد تناوله على ذات الشاكلة فقال:
يشان القليل الوفر في الناس بالذي يزان به ذو المال وهو ذميم
فيمدح من قول وفعل بكل ما يذم به ذو الفقر وهو كريم
ومن التعجب المثل( والقلب على القلب اعدل شهادة من اللسان) وهو ما كانت قد تناولته أعرابية وهي تكذب منتحلا حاول كسب ودها في ثلاثة ابيات على سبيل الهجاء لا التعجب:
نبي لسانك عن ود الضمير بما لم يزكُ عندي وان اطنبت في الحلف
القلب يعرف ما في قلب صاحبه بشاهد منه زاك غير ذي قَرَفِ
والقلب عدل على قلب المحب له لا البث بالزور عن سوء امرئ صلف
ومن التعجب المثل( ويقال نعم العون على تسلية الهموم وتسكين النفس عند البلاء لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل منهما بسره إلى صاحبه) وهو ما كان ابن ميادة قد تناوله في ثلاثة ابيات على سبيل الفخر والانتشاء وليس التعجب:
اعين اخي في كل امر يريده اذا ما التقينا في الذي هو ذاكره
وافشي اليه السر فيما ينوبني فتسكن نفسي حين فيه أناظره
فيا لك عونا ما يكون التقاؤنا على الهم تسليه الطويل يخامره
وبذلك تكون الابنية الاسلوبية جزءا لا يتجزأ من منهج المضاهاة الذي يقارن بين المتقدم والمتأخر والسابق واللاحق واذا كان اليمني متوخيا المقابلة الاسلوبية قدر الامكان فانه لم يلزم نفسه بذلك الزاما تاما بل بقي ذلك رهنا بما تسعفه به ذخيرته الادبية وذائقته الفنية.
المحور الثالث / المضاهاة على مستوى المحمولات الثقافية
كانت الاستخراجات الشعرية التي قام بها أبو عبد الله اليمني بمثابة استقصاءات موضوعية وفنية ودلالية لما في التراث العربي القديم من أمثال شعرية تضرب مثلا وحكمة، لكنه لم يولِ المضاهاة بالكلام النثري العربي خطابة أو رسالة أو سجعا شأنا بل اقتصر على اشعار المتقدمين منزها كتاب الله عز وجل عن المضاهاة.
وإذا كان اليمني قد قصد الشعر من دون النثر فذلك لان ابن سلام كان قد ضاهى كتاب هزار افسان بأمثال العرب نثرا .. وقد توزعت الأمثال التي استخرجها من كتاب كليلة ودمنة بين الانفراد بالحكمة أو الجمع بين الحكمة والمثل.
وقد سار على أساس علمي محدد ذي حدود موضوعية وفنية شعرا ونثرا متأملا الصلات موضوعا وأسلوبا ورؤية، عالما بالحقائق التاريخية للأجيال الشعرية التي وقف عندها واضعا الإنتاج الشعري في محله الصحيح تاريخيا مستدلا بالمضاهاة على تأثر الأدباء الفرس ومنهم ابن المقفع بالشعر العربي في الجاهلية والإسلام توجها ومجرى..
ولم تكن مضاهاة الأمثال بالأشعار آتية من فراغ؛ بل كانت منطلقة من عقل مقارن يدرك أن المضاهاة لن تكتمل دلاليا ما لم تكن قد بنيت على محمول ثقافي وسياق موضوعي يفترض أن اختلاف الأمم والألسن لا يمنع من أن تتشابه في أنساق ثقافتها أو محمولات وعيها الفكري وتداعيات مقولاتها اللفظية وهي فضلا عن ذاك لا تقتصر على شكل فني دون آخر أو على فن أدبي دون غيره، ذلك ان القراءة انما تتعدد” بتعدد القراء، وبتعدد الأهواء، وتعدد الثقافات، واختلاف الأزمنة، وتباعد الأمكنة.. كاللوحة الزيتية العبقرية التي تظل قابلة للقراءة على وجه الدهر بحيث يمكن أن يقرأها كلٍّ حسَب مستواه وهواه؛ دون أن يستطيع أحد أن يزعم أن قراءته وحدها هي الأمثل”
ومن هنا تمت المضاهاة بين الامثال والاشعار عبر تفحص النسائج السرديّة لنصوص الأمثال من ناحية، وتلمس سياقات القول الشعري من ناحية أخرى.
ولا شك أن الاعتقاد بان” الأدب استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية للوطن وللقومية وموضوعهُ تغذية هذه الحاجات” لا يلغي التفاعل الحضاري بين الأمم على مرِّ العصور ومن هنا نتفق مع الدكتور محمد غنيمي هلال أن فكرة الأدب العالمي مستحيلة التحقيق لكن عالمية الأدب ممكنة كونها تعني” خروج الآداب من حدودها القومية طلبا لكل ما هو جديد ومفيد تهضمه وتتغذى به واستجابة لذروة التعاون الفكري والفني بعضها مع بعض”
والعرب عرفت الأمثال” بوصفها صورَ معرفةٍ .. وأطياف التجربة الإنسانية وهي تنعكس أبنيةً وانساقاً على مرآة العقل” وهكذا اندرجت الامثال في خانة الأجناس الأدبية النثرية التي موضوعها أدب السلوك.
و” الجاهليون قد اعتمدوا على قصص شعرية مغرقة في القدم قد يكون لها أصل تاريخي أحيانا واعتمدوا على بعض قصص الحيوان وارتفعت بعض شخصياتهم في الشجاعة والكرم والصبر ..إلى مستوى المثل والقصة .. أما الشعراء الإسلاميون فقد استخدموا كل هذا إضافة إلى ما جاء به القران الكريم من قصص ديني وما حدث في تاريخ العرب في عصر الفتوحات من أحداث كبيرة أصبحت مجالا للتمثيل والإيحاء”
وكان اليمني قد صنف كتابا لأمثال القران الكريم التي يستعان بها في الرسائل والمخاطبات والكتب والخطب سماه” التنبيه على بلاغات القران”
وفي كتاب المضاهاة تجاوز عدد الأمثال التي استخرجها اليمني من كليلة ودمنة أكثر من مئة وخمسة وستين مثلا أما عدد الأشعار المنتقاة من المتقدمين فبلغت أكثر من مئتين وعشرة بيتا وقد ساقها بحسب مقاييس، موزعا إياها بين البيت والبيتين والمقطوعة والقصيدة..
فأما الاشعار الجاهلية فإنها ترد مسبوقة بذكر أسمائهم كاملة أو مختصرة كأن يقول:” قال المتلمس واسمه جرير بن عبد المسيح الضبعي” أو يذكر الاسم متعالقا بسياق البيت أو الأبيات مثل قوله:” قال ابن زياد لأخيه الربيع حين كان منه إلى قيس بن زهير ما كان…” أو يقول” قال الحويدرة الذبياني وكان من حكماء العرب….”
وأما الاشعار الإسلامية فيتبين زمنها من ارتباط ذكر سياق قول البيت بحادثة معروفة أو واقعة شهيرة أو شخصية دينية أو تاريخية مهمة في العصرين الإسلامي أو الأموي ومثال ذلك قوله:” قال أبو مسكين مولى عبد الله بن الزبير” أو قوله:” قال سوار الغنوي وكان من عمال الحجاج فعزله” وهكذا
وهو إذ لم يذكر شاعرات العرب إلا في ثلاثة مواضع أخفى في الموضع الاول والثاني اسم القائلة مكتفيا بقوله: قالت أعرابية وذكر في الثالث اسم ليلى الاخيلية وهي تخاطب عبد الرحمن بن الأشعث في محاربته الحجاج بثلاثة أبيات
وهذا يدل على انه لم ينسَ الشاعرات ولم يفضل الشعراء الرجال على النساء وان كان في الأغلب الأعم لا يخفي اسم شاعر من الشعراء الرجال الذين استشهد بأشعارهم منطلقا من حقيقة ان الشعر القديم لم يكن نتاجا فرديا بقدر ما كان ابداعا جماعيا واجتماعيا كنتاج للسليقة العفوية عند العرب.
وإذا وجد حاجة إلى ذكر مناسبة البيت في سياق المضاهاة الخارجية أو الداخلية فانه يذكرها مختصرا أو مفصلا كقوله:” وقال أوس اليشكري في بنيه ويذم بني أخيه طفيل..”
وقد لا يذكر البيت أو الأبيات إلا بعد بيان سبب القول مثل” قال سلمة بن الوليد الكلبي في قسطنطين الرومي مولى معاوية لعنه الله وهو الذي كان معاوية بعثه فاذَّن في قسطنطينة وكان يلي غزوا في البحر”
وقد لا يقابل اليمني البيت الشعري أو أكثر بالمثل إلا بعد أن يسرد حكاية تبين مناسبة القول تدعيما للمعنى وتعضيدا للشعر بالسرد ومن ذلك انه لما اراد ذكر أبيات ثلاثة لابن درماء العبدي بن غطفان تضاهي المثل( الغادر مأخوذ بغدره وان قصرت عنه عقوبة العاجل لم تقصر عنه عقوبة الأجل حتى أن العقوبة قد تدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب)، نراه قد سبقها ببيان مناسبة قولها فقد كان حصن ومحصن قد وافيا سيابة بن سيابة الذي كان متخلفا عن ركب فيهم فقتلاه واخذا منه ما كان معه فاثريا به وأورثاه عقبهما حصن بن عامر بن محصن وكان ذا نِــدام وأخوان فقعد به الدهر حتى ضرب به المثل ولذلك قال ابن درماء:
أتعجب مما قد رماك به الدهر وانك بعد اليسر عاد بك العسر
الم تنب عن جديك والغدر منهما بسيابة في حين خلفه السفر
فنالا به حظا وأدركت بالذي أصاباه من غدر إلا قبح الغدر
وذلك امر طبيعي عند العرب قاطبة فقد حرصوا” على إيراد الحادثة الواحدة بأسانيد مختلفة كل سند منها ينتهي إلى شاهد رأى بنفسه الحادثة أو عاصرها وهم يرون في إيراد مختلف الروايات على هذا النحو ضمانا آخر لصحة ما يرون وقد انتقل هذا الطابع الديني للتاريخ من رواية الأخبار إلى رواية الأدب والأشعار”
وتجدر الإشارة إلى أن اليمني في الوقت الذي كان حريصا على بيان سياق القول والسبب الذي من أجله قيل الشعر الإسلامي فانه لم يفعل ذلك مع الشعر الجاهلي الذي كان كثيرا ما يتغاضى عن الخوض في سياقات قوله ومتعلقاته .
ويبدو ان ما جعل المحقق يشكك في صحة نسبة بعض الابيات الى قائليها أن اليمني لم يكن متوخيا الدقة في تحديد نسبة البيت أو الأبيات إلى قائلها وتدعيم الاستشهاد بالبيت أو الأبيات بسياق القول أو مناسبته والغرض الذي لأجله قيلت الأشعار.
ولولا ذلك لكان الكتاب بمثابة معجم يضم الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين الا ان همَّ المؤلف لم يكن منصبا حول الشعراء بقدر ما كان منصبا حول الاشعار التي قيلت كأمثال..
بعبارة ادق أن تركيزه على الشعر الاموي لا الجاهلي انما هو نوع من انحياز عقائدي أو سياسي لتلك الحقبة التي كان فيها الشعر وثيق الصلة بالخلافة وتعدد الأحزاب التي كانت لها” مواقف سياسية عمدت في بعضها إلى التعبير شعرا على لسان شعرائها ولجأت في كثير منها إلى الحرب والقوة ” هذا فضلا عن كون الإمعان في الوقوف عند شعراء إسلاميين بعينهم انما كان يخدم توجهاته وميوله فمثلا نجده يكثر التمثل بأشعار مسكين الدارمي الذي عرف بمديحه لبني أمية في حين تجاهل الكميت الذي كان من خصوم بني أمية.
وقد بلغ تعداد الشعراء الجاهليين والمخضرمين الذين ضاهى بهم اليمني أمثال كليلة ودمنة 37 شاعرا في حين بلغ عدد الشعراء الإسلاميين اكثر من 45 شاعرا ..
والى جانب هذا الميل الانطباعي التأثري الذي أساسه التعصب للأهواء والمزاج فان هناك تحاملا نقديا آخر، بدا واضحا في إغفال اليمني الخوض في دور ابن المقفع في الترجمة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية لاسيما إشارة الاخير في مقدمة كتاب كليلة ودمنة” وإنّا لما رأينا أهل فارس قد فسروا هذا الكتاب وأخرجوه من الهندية إلى الفارسية ألحقنا بابا بالعربية ليكن له أسسا ليستبين فيه أمر هذا الكتاب لمن أراد قراءته وفهمه والاقتباس منه” ، لاسيما اذا علمنا ان ابن المقفع قد بيّن أقسام كتاب كليلة ودمنة وأغراضه ومعانيه الباطنة التي تغاضى اليمني تغاضيا كليا عن الوقوف عندها فتجاهلها من دون ان يورد مبررا واحدا لأسباب التجاهل تلك. .
وجدير بالإشارة أن كتاب كليلة ودمنة قد تمت ترجمته من العربية إلى اللغة الفارسية الحديثة على يد أبي المعالي نصر الله بن محمد وهذه الترجمة تختلف كثيرا عن الأصل العربي لابن المقفع ..
ولا شك أن المضاهاة ما كان لها ان تتم على يد اليمني لولا ترجمة ابن المقفع لكتاب كليلة ودمنة اولا ولولا تأثر الاخير بالشعر العربي بأغراضه المختلفة لاسيما غرض الحكمة اخرا..
خاتمة
يقوم منهج أبي عبد الله اليمني في المضاهاة على مقارنة أمثال كليلة ودمنة بما استخراجه من أشعار المتقدمين جاهليين وإسلاميين.. وقد غدت المضاهاة عنده مفهوما مقارِنا غايته دراسة التأثر والتأثير بين أدبين احدهما عربي أصيل والآخر فارسي دخيل عبر إثبات السبق الأدبي والريادة الفنية للأول وبيان المضارعة والمجاراة الفنية عند الآخر.
ومضاهاة الأمثال بالأشعار إنما قامت على عدة معايير بعضها خارجي ذو نمط بنائي موضوعي يتمثل في رصد دلالات الأمثال المضروبة كالتحلي بالخلق القويم وهجر الصفات الذميمة والتذكرة بالآخرة والعمل لها وصفات العاقل وما ينبغي أن يسلك..
وبعضها الآخر داخلي من ناحية الأساليب الفنية للأمثال والاشعار وتفاوتها بين التشبيه والاستعارة والمقابلة والمشاكلة وبين القصر والاستثناء والاستفهام والحصر والجزم والقطع والتعجب والتفضيل والإجمال والتفصيل والاشتراط والتعليل والتقليل والنفي..
وكان التلقي للمحمولات الثقافية والحواضن الفكرية قد تبين من خلال تتبع سياقات القول أو الاسباب التي من أجلها قيل الشعر تدعيما للمعنى وتعضيدا للشعر بالسرد.
ـــــــــــــــــــــــــ
أ.د. نادية هناوي سعدون
قسم اللغة العربية/ كلية التربية/ الجامعة المستنصرية/ العراق
هوامش البحث :
وضع أبو عبيد القاسم بن سلام (ت223هـ) كتابا في الأمثال ولابي عكرمة الضبّيّ (ت 250هـ) كتاب امثال العرب ينظر: الامثال، ابو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي (ت224هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث، طبعة اولى، 1400هـ ـ 1980م و أمثال العرب، المفضل بن محمد الضبي، تحقيق وتعليق د. احسان عباس، دار الرائد الرائد العربي، بيروت ـ لبنان، طبعة ثانية، 1403هـ ـ 1983م.
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية ، الدكتور محمد توفيق ابو علي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان،ط1، 1988/ 51.
الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة،2010/ 10.
كتاب كليلة ودمنة، عبد الله بن المقفع، علي بن الشاه الفارسي، بيدبا الفيلسوف الهندي، طبعة جديدة كاملة عن اقدم النسخ المخطوطة وأشهر المطبوعة ضبطا وتدقيقا دقق فيها وعلق عليه ونسقها الشيخ الياس خليل زخريا دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت الطبعة الأولى، 1963.
م.ن/ 129
ينظر: م.ن/83
ينظر: الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري، الحسن بن بشر الامدي، تحقيق السيد احمد صقر، دار المعارف، مصر، 1994.
الأدب العام والمقارن، تأليف: دانييل هنري باجو ترجمة د. غسان السيد منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1997/ 26ـ 27.
الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال/ 10
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب، استخراج أبي عبد الله محمد بن حسين بن عمر اليمني، تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم، دار الثقافة، سلسلة المخطوطات العربية 4 ـ بيروت، 1961 / مقدمة المحقق صفحة و
ينظر: م. ن /3
ينظر : م. ن /مقدمة المحقق ز
ينظر: التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية” اطروحة دكتوراه مخطوطة في الآداب، علاء اسماعيل الحمزاوي ، جامعة المنيا، مصر، 1997.
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب/ 1.
م. ن /1
م. ن/ 1
م. ن/2
ينظر: م. ن/2
ينظر: م. ن/4
م. ن/3
م. ن/ 3
الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال/ 268
م. ن/ 265
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية / 48
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة، طبعة أولى،2003 / 491
ينظر:الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال/ 152 كما لم يشر إلى هذا الكتاب دارسون آخرون مثل د. داود سلوم
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم/12
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية/ 57 علما ان كتاب أبي عبد الله اليمني ( المضاهاة ) لم يدرج لا في كتب الاختيارات ولا في كتب تراجم الشعراء.
ينظر: م. ن/ 54
م. ن/ 54
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / مقدمة المحقق ز
م. ن/مقدمة المحقق ح
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية / 76.
المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، دومينيك مانغونو، ترجمة محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف، طبعة اولى، 2008/ 9.
م. ن/9
م. ن/9
اضت عند الولادة تلوث من الوجع واض الامر فلانا حزنه وجهده
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /12 ـ13
م. ن/17
م. ن/19
م. ن/19 ـ20
م. ن/20ـ21
م. ن/25
م. ن/32
م. ن/35
م. ن/36
م. ن/37
ينظر: م. ن/41ـ 42
م. ن/44
م. ن/54ـ55
م. ن/55
ينظر: م. ن/55
ينظر: م. ن/72
م. ن/91ـ92
م. ن/30
م. ن/96
م. ن/99
م. ن/97ـ98
م. ن/93
ينظر: م. ن/94
ينظر: م. ن/33ـ34
م. ن/26
م. ن/45ـ46
ينظر: م. ن/28ـ 83
م. ن/92ـ93
م. ن/14
م. ن/18
م. ن/30
م. ن/40
ينظر: م. ن/45ـ46
م. ن/ 24
كتاب كليلة ودمنة/ 173
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /95ـ96
ينظر: م. ن/96 والبيتان هما : اذا اقبل المال السوام وغيره فتثميره من لحظة العين اسرع
وان هو ولى مدبرا ففناؤه وشيكا من التثمير ارجى وانجع
م. ن/10
م. ن/10ـ11
م. ن/10
م. ن/11
م. ن/11
م. ن/13
م. ن/14ـ15
م. ن/15
ينظر: م. ن/24ـ25 ومنها البيت : وسكر الغنى السكر الذي هو مهلك لعمر ابيك الخير لا سُكرُ شاربِ
كتاب كليلة ودمنة / 173
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /25
م. ن/45
م. ن/45
م. ن/46
ينظر: م. ن/46
م. ن/26
م. ن/27
م. ن/65
م. ن/68
م. ن/69
م. ن/70
م. ن/71
م. ن/71
م. ن/80
ينظر: م. ن/ 82ـ 83
م. ن/82
م. ن/99
كتاب كليلة ودمنة/222ـ 223
م . ن / 222
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / 11ـ 12
م. ن/ 15ـ16
م. ن/ 16ـ17
م. ن/ 18
م. ن/ 18ـ19
م. ن/ 19
م. ن /26
م. ن/ 65
م. ن/ 44
م. ن/ 72
م. ن/ 93
ينظر: م. ن/ 90ـ91
ينظر: م. ن/ 89ـ90.
ينظر: م. ن/ 78ـ79
ينظر: م. ن/ 77ـ78
ينظر: م. ن/ 59ـ60 ومنها قوله: من عَدِم الوفر في حياته عدم الاهل واخوانه مع الولد
ينظر: م. ن/ 48ـ49
م. ن/ 61
م. ن/ 67
م. ن/ 94
التحليل السيميائي للخطاب الشعري، د. عبد الملك مرتاض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005/ 12 نسخة الكترونية
الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال / 93
م. ن/ 94
سرد الأمثال دراسة في البنية السردية لكتب الأمثال العربية مع عناية بكتاب المفضل بن محمد الضبي أمثال العرب،د. لؤي حمزة عباس، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 2003/ 13
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية/ 435
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / 50
م. ن/ 11
م. ن/ 24
م. ن/ 10
م. ن/ 14 ا
م. ن/ 19
ينظر: كذلك الصفحات م.ن/ 91 و98
ينظر: م. ن/ 28 و66
ينظر: م. ن/ 97
باستثناء أبيات لم يقل اسم قائلهما مكتفيا بقال أعرابي في ص31وص35
م. ن/ 33
م. ن/ 95
م. ن/ 38
الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال/ 203
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب/ مقدمة المحقق ز
آفاق الأدب في العصر الأموي، أ.د. ابتسام مرهون الصفار، دار حنين للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى، 2005/ 83
ينظر: م. ن/ 84
كتاب كليلة ودمنة /92
ينظر: الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال /109ـ 111
**
فهرس المصادر والمراجع
1. الأدب العام والمقارن، تأليف: دانييل هنري باجو، ترجمة د. غسان السيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1997.
2. الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة،2010.
3. الادب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة، طبعة اولى، 2003.
4. آفاق الأدب في العصر الأموي، أ. د. ابتسام مرهون الصفار، دار حنين للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، الطبعة الأولى، 2005.
5. الامثال، ابو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي (ت224هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث، طبعة اولى، 1400هـ ـ 1980م.
6. أمثال العرب، المفضل بن محمد الضبي، تحقيق وتعليق د. احسان عباس، دار الرائد الرائد العربي، بيروت ـ لبنان، طبعة ثانية، 1403هـ ـ 1983م.
7. الأمثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية ، الدكتور محمد توفيق ابو علي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان،ط1، 1988.
8. التحليل السيميائي للخطاب الشعري، د. عبد الملك مرتاض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005 ، نسخة الكترونية.
9. التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية” اطروحة الدكتوراه في الآداب. مخطوطة بجامعة المنيا د. علاء اسماعيل الحمزاوي 1997.
10. سرد الأمثال دراسة في البنية السردية لكتب الامثال العربية مع عناية بكتاب المفضل بن محمد الضبي أمثال العرب،د. لؤي حمزة عباس، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 2003.
11. كتاب كليلة ودمنة، عبد الله بن المقفع، علي بن الشاه الفارسي، بيدبا الفيلسوف الهندي، طبعة جديدة كاملة عن اقدم النسخ المخطوطة وأشهر المطبوعة ضبطا وتدقيقا دقق فيها وعلق عليه ونسقها الشيخ الياس خليل زخريا دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت الطبعة الاولى 1963.
12. المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، دومينيك مانغونو، ترجمة محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف، طبعة اولى، 2008.
13. مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما اشبهها من اشعار العرب ، استخراج ابي عبد الله محمد بن حسين بن عمر اليمني ، تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم ، دار الثقافة، بيروت، 1961.
14. الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري، الحسن بن بشر الامدي، تحقيق السيد احمد صقر، دار المعارف، مصر، 1994.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.د. نادية هناوي سعدون
قسم اللغة العربية/ كلية التربية/ الجامعة المستنصرية/ العراق
لا يخفى أن أدب الحكمة وضرب الأمثال غرض اهتم به العربي قديما وقد قال فيه الكثير… ” ويعود الاهتمام بالتأليف في كتب الأمثال إلى أوائل عهود دولة بني أمية “
وانطلاقا من مسلمة” أن الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات التأثير والتأثر على الرغم من اختلاف اللغات التي كتبت بها ذلك لان الأفكار والتعبيرات كثيرا ما تتناظر وتتكافأ في معظم اللغات وإلا لما تيّسرت الترجمة ..” فإن الأدباء الفرس قد تأثروا ومنهم ابن المقفع ـ في ترجمته لكتاب كليلة ودمنة ـ بأخبار العرب الماضين وامثالهم.
وكتاب كليلة ودمنة عبارة عن حكايات قصصية ذات غايات وعظية تعليمية تسرد بطريقة التنضيد على لسان راوٍ غائب ينتقي شخصياته من عالم الحيوان ويلعب كل من كليلة ودمنة اللذين هما ابنا أوى دور محوريا وقد” كانا ذوي دهاء وأدب وكان دمنة أشرهما نفسا وأبعدهما همة وأقلهما رضا بحاله” ..
ويحفل الكتاب بحوارات خارجية ومونولوجية فيها من التشبيهات والاستعارات ما يجعل الكتاب ذا طابع رمزي غايته تحفيز الأذهان على التأمل لبلوغ الحكمة عبر ضرب الامثال.
وهذا ما جعل أبا عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني يوجه عنايته الى الامثال في هذا الكتاب مبتكرا منهجا فريدا اطلق عليه( المضاهاة) ليكون متفردا في تطبيقه اذ لم يسبقه في ذلك احد كما لم يتبعه فيه أحد بعده شأنه شأن الآمدي الذي كان قد تفرد في ابتكار منهج الموازنة في دراسة الشاعرين أبي تمام والبحتري ..
والمضاهاة منهج فني مقارن يقوم على مضارعة اللاحق من النصوص الأدبية بالسابق منها ومشابهة ما هو متأخر من الأدب بما هو متقدم منه وبيان السبق للأدب الأول على أدب الآخر والغاية من وراء ذلك تحديد المؤثر من المتأثر وبيان أيهما الآخذ وأيهما المعطي أصلا وصورة.
وهذا مما يتداخل مع التناصية التي نظَّرت لها الناقدة جوليا كرستيفا وأكده قبلها الناقد رولان بارت من ناحية” أن يُقرأ هذا النص لوحده(كنص) لاحق، بالمقارنة مع (نص سابق) داخلي. .. ويستطيع هذا النص اللاحق بالنسبة إلى النص السابق الاحتفاظ به أو إلغاءه، أو تعديله أو تحويله أو تطويره “
ولما كان الأدب المقارن” هو دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها” ، فإنَّ المضاهاة ستغدو شكلا من أشكال دراسة الأدب المقارن كونها لا تكون داخل الأدب الواحد بل تكون بين أدبين مختلفين تتوافر بينهما صلات تاريخية في التشابه بين هذين الأدبين توكيدا للانفتاح على الآخر وتحقيقا للتوازن في المقابلة بين النصوص الابداعية النثرية أو الشعرية من ناحيتي الفكر والجمال.
وقد زعم المحقق الدكتور محمد يوسف نجم أن اليمني قد” استوحى خطة الكتاب من تلك النقول التي أوردها ابن قتيبة عن كليلة ودمنة في عيون الأخبار وشفعها بما أشبهها من أقوال منظومة ومنثورة”
ولكننا نرى ان شرح اليمني لمنهجه وبيان حدود عمله؛ انما يدلل على رؤية علمية لما أراد بلوغه ومن ذلك إشارته الى أنه سيضع إزاء كل مثل ما يماثله من شعر لمتقدم جاهلي أو عربي إسلامي مبينا اسمه ونسبه خشية أن يذهب الظن أن بيت الشعر منحول تعصبا أو احتجاجا بالكذب ، متوخيا استقصاء الفكرة مراعيا أسلوب الصياغة وبلاغة التعبير، وهو ما عدَّه المحقق قولا يحمل في طيه دليل الاتهام بالنحل والوضع ..لكن لماذا اهتم اليمني بأمثال كليلة ودمنة ؟!
إن المثل كلمة تسوية تعني المشابهة والمقايسة والمناظرة والمماثلة والمساواة والامثال بوصفها لوحات ادبية يجتمع فيها البعدان الاجتماعي والفني عادة ما تكون نثرا وقد تكون شعرا ، ويختلف المثل عن الحكمة التي هي غرض فني يصاغ لكي يعبر عن خبرات الحياة مباشرة في صيغة تجريدية تضيف على المثل معنى مجردا أو فكرة فلسفية..
ولقد أشاد أبو عبد الله اليمني بالحكمة وضرب الأمثال في المقدمة” وحق على المرء أن يكثر المقايسة وينتفع بالتجارب فإذا أصابه الشيء فيه مضرة عليه حرَّه وأشباهه وقاس بعضه ببعض حتى يحذر الشيء بما لقي من غيره” ، منبها إلى حقيقة أن الإنسان في كل الأمم والحضارات مميز بالعقل وان الأدب هو الجامع بين الذين” اتفقوا بفطرة العقول في معاني ما وضعوه من الأصول في الحكم والآداب وشرحوه لأولي الألباب”
وإذا كانت كل أمة قد تميزت بإبداع ما عن غيرها فان أمة العرب قد تميزت بالبلاغة والفصاحة التي عدّها اليمني فطرة لا تعلم ولا تؤدب، فقال:” وافرد الله تعالى العرب باللسان الفصيح والمعنى الصحيح والبيان المعجز واللفظ الموجز والكلام المقفى واللفظ المصفى الذي حوى جميع الحروف وائتلف أحسن التأليف بلا أول يؤمها ولا كتاب يدلها ولا ملك يطهر عقول الناس لها لا يتأدبون ولا يتعلمون نحائز مؤدبة وعقول عارفة “
وتنبثق فحوى تأليف اليمني لكتابه المضاهاة من أن العرب امتازت بالفطرة الصحيحة والبنية القويمة والأفكار الصافية والأذهان الحادة لذلك صارت أعقل الأمم كما أن لها من الحكمة ما يجعلها في مصاف الأمم القائلة للحكمة والمصدِّرة لها بعد أن كان نبيها قد خصه الله تعالى بالقران الكريم معجزة ” فما تكاد تجد حكمة تؤثر ولا قولا يسطر إلا وللعرب مثل معانيه مسطورا في قوافيه مخترعا لها ومنسوبا إليها فشركها الله بعقولها في حكمة من سبقها ووهب لها من البيان ما به افردها كرامة لنبيه وصَفيه المبعوث من أنفسها وأوسطها وليتم المعجزة له بإعجازها لما جاء به من التنزيل بلسانها عن أن تأتي بمثله ببيانها”
ولهذا كله ادرك اليمني اهمية الا تغفل العرب عما لديها من حكمة شعرا وتنبهر بما لدى غيرها من أمثال ، مصرا على تأثر العجم بما نظمته العرب
وعلى الرغم من أن عبد الله بن المقفع قد ترجم كليلة ودمنة من اللغة الفارسية الى العربية إلا إن اليمني شكك في نسبة كليلة ودمنة إلى الفرس عادا ابن المقفع” هو واضعه وناسبه إلى الفرس تشييدا بذكرها وتنبيها على مآثرها لعنايتها بنقل حكم الأولين”
ولم يكن اليمني قاصدا الطعن بأمثال كتاب كليلة ودمنة، بل أراد بيان الفضل للعرب في ذلك على الفرس” ولم أعمل ذلك طعنا على ما تضمن كتاب كليلة ودمنة من الأمثال والحكم وإنما أريد تبيين فضله في ذلك لمن ظن أن كتاب كليلة ودمنة يجري مجرى كتاب الله جلَّ وتقدس أو ظن أن العجم انفردت بذلك دون غيرها وانه لا حكمة لها قبل ظهور نبيها ولو كان ذلك لما كانت المعجزة بتحديها بسورة فلا تقدر على مثلها معجزة”
ومن هنا جاء مصنف اليمني ليقارن أمثال كتاب كليلة ودمنة بما لدى شعراء العرب المتقدمين من أمثال وحكم من منطلق أن الدراسة المقارنة تهتم” بدراسة الصلة بين الكتّاب أيا كان مظهرها سواء أكانت بالترجمة أم بالتقليد أم بإنتاج شخصي تظهر فيه ألوان التأثير من خضوع للكاتب المؤثر أو تحويرها بما يتفق وذوق الكاتب أو ميول العصر أو من تمرد عليه ومقامه له” ولاسيما اذا علمنا ان” التأثير العربي في الأدب الفارسي الحديث كان أقوى من التأثير الإيراني القديم في الأدب العربي”
وجدير بالذكر أن أسلوب صياغة حكايات كليلة ودمنة وتوظيف الكلام على لسان الحيوان لم يكن من ضمن أهداف أبي عبد الله اليمني بل كانت الحكمة هي مبتغاه كون” الحكمة عصارة خبرة في الحياة وفهم لأسرارها يدبجها ذهن ذكي فطن”
ويقوم منهجه على مقارنة المتشابهات في المضامين الحكمية بين أمثال كليلة ودمنة من جهة والشعر العربي من جهة أخرى بما يدلل على أن” الشاعر العربي كان مقتدرا على التعبير عن نوازع النفس الإنسانية بنفس الغنى والعمق”
وقد اتخذ اليمني أسلوب الاستخراج والاستقصاء أساسا للمضاهاة، كأن يأخذ مثلا معينا من كتاب كليلة ودمنة ليقارنه ببيت أو بيتين أو أكثر من شعر العرب المتقدمين جاهليين ومخضرمين وإسلاميين، أي أن عملية المضاهاة إنما تتم عبر النظر في ما قاله صاحب الكتاب(ابن المقفع) أولا ثم بما يستحضره اليمني من أشعار العرب في المثل والحكمة.
ويبدو أن دارسي الأدب المقارن لم يعيروا هذا الكتاب الاهتمام المطلوب إذ لم يشر اليه الدكتور محمد غنيمي هلال وهو في معرض دراسة تأثير كتاب كليلة ودمنة في الأدب العربي
وربما كان إغفال ذكره مرده إلى أن الكتاب استقصاء واستخراج حسب أو لان مؤلف المضاهاة عدَّ كليلة ودمنة من صنع ابن المقفع وليس ترجمة عن أصل فارسي ..
او لعل السبب أن الدكتور غنيمي من أنصار المدرسة الفرنسية التي لا تعد دراسة المتشابهات الأدبية عند الأمم من الأدب المقارن بعكس المدرسة الأمريكية التي ترى” أن دراسة المتشابهات الأدبية لا تعد من صلب الموضوعات التي يهتم بها الأدب المقارن ولكنها ذات فائدة جمة في دراسة تصورات أمتين أو أكثر حول موضوع ما وان دلَّ هذا النوع من الدراسات على شيء فإنه يدل على أن ردود فعل البشر واحدة مهما اختلفت الأمم في مدارج الحضارة أو المدنية” وهكذا درس المقارنون المتشابهات كتأثر عمر الخيام بالمعري وتأثر سعدي بالمتنبي وهكذا..
وعلى الرغم من ان اليمني هو واحد من الذين ألَّفوا في الامثال؛ الا ان الدكتور محمد توفيق ابو علي قد أورد حديثا مقتضبا عن كتابه ولم يهمه المنهج الفريد الذي اتبعه؛ بل كان مشككا في الامثال الشعرية كما شكك في اسمه ذاهبا الى أن” تاريخ وفاته غير محدد بشكل دقيق إنما يشار إليه انه يقع في أواخر القرن الرابع الهجري” لكنه عاد في موضع سابق ليؤكد ان اليمني من رجال القرن الخامس الهجري
وليس هذا فحسب بل وجد أن الكتاب” يختلف عن كل الكتب السابقة في أن كل امثاله جاءت شعرا وقد اشار المحقق الى وجود اخطاء فادحة في نسبة هذه الاشعار الى اصحابها والتي قد تصل احيانا الى درجة اختراع اسماء وهمية “
بيد ان المحقق الدكتور محمد يوسف نجم لم يقل ذلك صراحة وانما قال:” اذا كان هذا الشعر الذي نسبه الى هؤلاء الشعراء لا يوجد في دواوينهم ولا في المصادر اذن فان ما ينسب الى غيرهم ممن ليس لهم دواوين او من المجاهيل الذين لم نستطع الاهتداء اليهم حري بان يؤخذ مأخذ الريبة والحذر” واضاف نجم قائلا:” على انني بعد هذا كله لا استطيع ان اقطع بان الشعر كله موضوع فكتب اليمنيين كالتيجان والاكليل تحتوي الكثير من الشعر المنسوب الى مشاهير الشعراء والذي لا نجده في ما وصلنا من شعرهم …الا ان اتهام المؤلفين بالوضع من الخطورة بحيث لا يصح ان نقطع به إلا اذا وقعنا على الدليل وهذا ما لا نزعم أننا اهتدينا اليه”
ومن الغريب ان الدكتور محمد توفيق ابو علي سيدحض لاحقا ما كان قد أورده حين يعالج قضية صورة الشعر الجاهلي في كتب الامثال كقوله:” أن الأمثال التي تضم أشعارا متضمنة تلك الأمثال ربما اعتبرت شاهدا على صحة الشعر الجاهلي”
وكان اليمني قد وثَّق للشعر بذكر قائله ونسَبه وقصة البيت أو الأبيات ولم يفعل مثل ذلك في إيراد الأمثال النثرية اذ لم يشر إلى صفحات كتاب كليلة ودمنة ولعل ذلك عائد الى أن تلك الامثال كانت معروفة عند أهل زمانه ولا مجال فيها للدحض أو الإنكار..
علما انه حين يذكر المثل فانه يسبقه بعبارة (قال صاحب الكتاب) ولا يقول ابن المقفع في إشارة ضمنية إلى أن هناك اختلافا في منشأ الكتاب وأصله وهذا دليل تحرٍ علمي ودقة موضوعية..
وإذا كان اليمني قد اقتصر على النسخة العربية لكليلة ودمنة ولم يكن آبها بالترجمة التي قام بهما ابن المقفع بل حصر اهتمامه ببيان المؤثر والتعريف بالمتأثر؛ فانه كان مقارنا موضوعيا اتبع مواضعات محددة ومعايير واضحة بعضها يتصل بالموضوع وبعضها له صلة بالشكل وبناءاته الاسلوبية وبعضها الاخر يتصل بالسياقات الثقافية وعلاقتها بالمحمولات الفكرية للمثل أو الشعر مضارعة أو مشابهة أو مجاراة..
واذا كان” لتحليل الخطاب تحديدات متنوعة ويوجد تحديد واسع جدا هو تحليل استعمال اللغة” فان تحليل تراكيب المضاهاة خارجيا وداخليا يستدعي دراسة النواحي الموضوعية والفنية والثقافية من خلال ثلاثة محاور وكالاتي:
المحور الأول: المضاهاة الخارجية على مستوى الموضوعات /
إن لكل مثل شعرا كان أو نثرا فكرة ما أو موضوعة معينة يعرضها قائل المثل ويوجزها الشاعر في عرض مكتمل غير ناقص فليس للمثل أن يوصل رسالته إلا باكتمال المعنى..
وغالبا ما تتخذ البنية الموضوعية للأمثال بعدا أخلاقيا يستحصل من الخبرة الحياتية والممارسة الواقعية ولقد تباينت الأبعاد الاخلاقية التي حملتها استخراجات اليمني للأمثال من كتاب كليلة ودمنة وطبيعة الاشعار التي قابلها بها وضاهى على أساسها وهي تتأرجح بين تقويم السلوك وتصحيحه والعمل على التحلي بالصفات الرفيعة والمناصحة وابداء المشورة والوعظ .
ومن أهم الموضوعات التي شملتها المضاهاة وتعاملت معها تعاملا خارجيا على مستوى الفكرة والمعنى والدلالة صفات العاقل واعماله وقد افتتح المؤلف كتابه بهذا المَثل من كليلة ودمنة يحض على التحلي بصفات الوقار والقناعة والبعد عن الشهوات” يقال من صفة الناسك الوقار والاستتار بالقنوع ورفض الشهوات للتخلي عن الأحزان وترك إخافة الناس لئلا يخافهم” وقد ضاهاه بما قاله الشاعر عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان في ثلاثة أبيات وهو يصف رجلا وقد تحلى بالورع والقنوع والبعد عن الشهوات:
نقيٌّ للدنيئة ذو اجتناب يخاف الله ذو فعل سديدِ
تستَّر بالقنوع فكان أبهى من الملك المؤيَّد بالجنودِ
وأقصى اللهَّو والشهوات عنه فلم يحزن على عَرَض فقيدِ
وهنا تكمن المقارنة الموضوعية في مضاهاة المثل النثري بالحكمة الشعرية في ألفاظ (القنوع ، الشهوات، الحزن، الخوف)، ولان هناك جزءا من المثل لم يُوفَ حقه مما يتعلق بترك إخافة الناس لذلك عمد اليمني إلى إضافة بيتٍ لشاعر آخر هو الاشجعي الحروري :
إذا أمِن الجميعُ المرءَ أمسى على أمنٍ وبات على مهادِ
لتستكمل عملية المقارنة للدلالات التي حواها المثل آنفا. وعن فضل العمل ونفع الناس المثل( ويقال من عاش غير خامل ذا فضل على نفسه وأصحابه فهو وان قلَّ عمره طويل العمر) وقد قابله ببيت واحد يوجز ما تقدم وهو قول بشر بن أبي خازم الاسدي:
لئن إضتَ ميتا لم تُعَمِّرْك َ مدةٌ لأنت الذي يحييك في الغابر الذكرُ
وعن استشارة الحكماء وذوي الرأي والأمر حتى وان كانوا أعداء ساق اليمني هذا المثل(ويقال العاقل لا يدع استشارة عدو إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه في ضره أو نفعه ) مقابلا إياه بقول الطعان:
شاور عدوك ذا الرأي الأصيل إذا ما خاف خوَّفَكَ في سر وإعلان
وهذا البيت ينطبق تمام الانطباق مع المثل أعلاه إذ تتقابل الفاظ استشارة بالفعل شاور والضر والنفع بالسر والإعلان.
وعن تجنب طلب المعروف من اللئيم المثل( ومن طلب معروف اللئام فلم يهن) الذي قابله اليمني بقول عوف الضبي:
أهنتُ نفسي لمَّا أنْ طلبتكمُ وكنتُ ظالمها في حينِ أعْروكا
لتتقابل ألفاظ( طلب/طلبتكم ويهن/أهنت) في حين أبدل( اللئيم بالظالم والمعروف بالإعارة) وقد بدأ بما كان المثل قد انتهى به وهو الهوان مع ملاحظة أن المثل قد سيق بضمير الغائب/هو في حين سيق البيت بضمير المتكلم/أنا..
ومن الأمثال التي نهت عن الخلق السيء ما جاء في سوء مصاحبة الأشرار إذ يقال( مصاحبة الأشرار تورث صاحبها سوء ظن الأخيار) وهذا ما كان ابن عون القرشي قد طرقه في قوله:
وصاحبت أشرارا فما لومك الذي يزُّنك بالسوْآء إن كنت طاهرا
ويقال عن تجنب الرخص في طلب الأمور( من التمس الرخص من الإخوان عند المشاورة ومن الأطباء عند العلة ومن الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي وازداد علة ومرضا) وقد رأى اليمني أن سعد الغنوي كان قد طرقه في قوله:
لا تُرخص لمستشير فيخطي الر رأي فما أتاك في كل أمر
وكذاك الطيب أن عالج المع تل رخصا أناله كل ضر
وعن ترك العاقل البطر أورد المثل( ويقال العاقل لا يبطر لمنزلة أصابها وان عظم ذلك كالجبل الذي لا تزلزله الرياح وان اشتدت وعظمت عليه والسخيف تبطره ادنى منزلة كالنبات الغض تحركه أدنى ريح) وقد ضاهاه بقول المرار الاسدي يمدح والي البصرة :
ولو كنت ذا عقل رجحت ولم تكن لتبطر بالنعما ولو نلت مرغبا
مضاهيا بلفظتي( البطر والعقل) وعن حسن النسب والقنوع والصبر المثل( لا حسب مثل الخلق ولا غنى مثل القنوع وأحق ما صبر عليه ما ليس إلى غيره سبيل) مضاهيا به ثلاثة أبيات لامرئ القيس بن حُجر:
ذريني انما حسبي فعالي وحسن تجملي في كل حال
وصبري للذي لا بد منه اذا كاع الصبور من الرجال
واني ذو الغنى بقنوع نفس تعاف الضيم في ذل السؤال
وقد تلاقت مع المثل الفاظ (حسب وصبر وقنوع ) في البيت مضافا لها ياء المتكلم. وعن كلام العاقل وانه( يقل الكلام ويبالغ في الفعل ويعترف بالزلة ويتأتى في الأمور قبل الإقدام عليها ويستقيل هفوة غفلته كالذي يعثر بالأرض وعليه ينهض ويستمر) فقد اختصر ذلك المعنى قول أعرابي من ثقيف بالقول:
وأقررت بالذنب الذي قد نُحلته وراجعت بالفعل الذي هو أصوب
واقللت لا إني غبي ومفحــــــــــم وبالغت فعلا كل ذلك اعتب
ثم أضاف إلى ذلك بيتا لجندب بن زهير:
هفا هفوة ثم استقل بعقله وذو العقل لا تخفى عليه المخارج
وعن دلالة الكرم وصفات الكريم استخرج اليمني هذا المثل( الكريم لا يكون إلا شكورا غير حقود تنسيه الخلة من الإحسان الكثير من الإساءة) وقد قابله بثلاثة أبيات تضمنت الدلالات كلها لشيظم النميري وهو يشكر الحجّاج ومنها هذا البيت :
وجدتك توليني وتشكر مفضلا لأنك أولى بالتكرم والفضل
وقد قابل مفردتي الكريم والشكور بـ(تشكر/ التكرم) وكذلك لفظتي حقود وإساءة بـ( إساءتي/حقد/الردى)
أما خِلال الخلق الحسن التي جمعها هذا المثل( ويقال خلال من لزمهن بلغنه ما يريد وقربن له البعيد وآنسته في الوحشة وعرفته في الغربة ولين له المعيشة واكثرن له الإخوان كف الأذى وحسن السيرة وسعة الخلق وحسن الأدب والاقتصاد في العمل ومجانبة الريب)؛ فقد جمعتها ستة أبيات لمرداد الأيادي تضمنت دلالات المعاشرة والمعاش والأخيار والحاجات وكفِّ الأذى واجتناب البخل ومجانبة الفحشاء والريبة
وغالبا ما يكون الشعر مكثفا المعاني الكثيرة التي تحملها الأمثال بكلمات قليلة موجزة باستثناء هذا المثل( ويقال من عمل بغير العدل والحق انتقم منه وأديل عليه) اذ ضاهى بضع كلمات نثرية بثلاثة أبيات لضمرة بن ضمرة:
تعدى ولم يعمل من الحق بالذي به أمر الحكام جهلا وافسدا
فدالت عليه بانتقام وخزية دوائل أيام فغودر مقصدا
وأصبح مرجوما وبالأمس قبله يشير إليه الناظرون محسدا
ومن الأمثال ما يكون نصحا وإرشادا على صيغة الأمر تحذيرا وطلبا على شاكلة المثل( ألزم ذا العقل واسترسل إليه وإياك وفراقه ولا عليك أن تصحب العاقل وان كان غير محمود الكرم ولكن احترس من سيء أخلاقه وانتفع بعقله ولا تدع المواصلة للكريم فان لم تحمد عقله فانك تنتفع بكرمه وتنفعه بعقلك وفر الفرار كله من الأحمق اللئيم) وهو ما كان العرزمي قد طرقه :
آخي الفتى ذا العقل والكرم الذي تزاد به في حيث تذكره نبلا
وان كان ذا عقل ذميم خلائق فجانبه للأخلاق لا رأيه الجزلا
ولكي يقابل المعاني النثرية كلها فانه ضاهى هذا المثل بأربعة أبيات لعلي بن الخليل تناولت المعاني السابقة طارقة ايضا معنى دناءة الحمق واللؤم
وعن المناصحة والتحذير جاء هذا المثل في كيفية معاملة العدو( قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك إليه ولا تقاربه كل المقاربة فتهون عليه ويجترئ عليك فان مثله مثل العلم المنصوب في الشمس إذا أملته قليلا زاد ظله فان جاوزت الحد في الإمالة انتقص) وقد ضاهاه بأربعة أبيات لمرداد المازني وعلى الرغم من أنها لم تكن على الصيغة الامرية ذاتها إلا إنها قاربت دلالات المثل باستثناء التشبيه الذي لم تطرقه الأبيات
وعن خصال تزداد فيها مودة الإخوان هذا المثل( خصال ثلاثة يزداد بها ما بين الإخوان لطفا واسترسالا: منها الزيارة في الرحال والمؤاكلة والنظر إلى الحشم والأهل) وكانت أبيات أربعة لمطيع بن إياس قد اشتملت المعاني كلها وزاد عليها اليمني البيت الرابع الذي جمع الشاعر بصاحبه روحا ومهجة:
ازور أخي في رحله ويزورني ملاطفة منا وحُسن وصال
ونطرح فيما بيننا حشمة الآلي تعاطوا ودادا لا يتم بحال
فيأكل من أكلي ويشرب مشربي ويسعى بسعيي ناصرا ويوالي
فروحي له روح ومهجة نفسه كمهجة نفسي في جميع خلالي
ومن المعاني الخلقية الأخرى التي استقصتها الأمثال المستخرجة خصال الكريم ورداءة اللئيم( ويقال الكريم يود عن لقائه مرة واحدة ومعرفة يوم واللئيم لا يصل أحدا إلا عن رغبة أو رهبة) وهو ما كان زياد بن عصام الكلبي قد طرقه كاملا:
وداد الكريم عن لقاء وموقف ابر وأزكى من إخاء لئيم
وان كان لا ينفك خدنا مساعدا فما مثله لي بالوفاء زعيم
وتناولت بعض الأمثال المستخرجة موضوعة المال وسرعة زواله كهذا المثل( ويقال المال وسائر متاع الدنيا سريع إقباله اذا اقبل سريع ذهابه إذا ذهب مثل الكرة التي هي سريع ارتفاعها سريع وقوعها) وكان الراعي قد طرق الحكمة عينها ولكن ليس بالتشبيه عينه:
إذا اقبل المال السوام وغيره فتثميره من لحظة العين أسرع
وان هو ولى مدبرا ففناؤه وشيكا من التثمير ارجى وانجع
وعن آداب التصرف بالمال( لا يعد غنيا من لم يشارك في ماله ولا يعد عيشا ما عيش في بِغضة وسوء ثناء) وهو ما فصَّل القول في المعنى الشاعر جرير بن الخطفي:
اذا كنت ذا مال ضنينا يبذله فانت فقير حيث زُلت من الارض
وان كنت في عيش فليس بعيشة اذا كنت مشؤوم الخلائق والعِرض
اما موضوعة ادب صحبة الملوك ومعاداتهم فإنها احتلت حيزا ليس بالقليل من كتاب كليلة ودمنة والسبب ان كليلة كان في الاغلب ناصحا لدمنة محذرا اياه من صحبة السلطان ومن ذلك المثل( معاداة الملوك كالسيل بالليل لا تدري من أين يأتيك ولا كيف تتقيه) وقد قابله اليمني بقول بعض التغلبيين في جسّاس بن مرة بأبيات أربعة فصلت المعنى مشبهة الملك بالبحر لا بالسيل واتخذت صيغة الهجو والوعيد بعكس المثل الذي صيغ على سبيل النصيحة والاعتبار:
ستعلم من عاديت اذ انت جاهل وأي فريقينا أعز وأقدم
ألسنا كالبحر فاض ليلا كمثل ما ليالي قابوس يجور ويظلم
فلم يدر من أي النواحي رمت بنا اليه النواحي وهو خزيان مفحم
وان لم ينلكم مثلها غب مصدر فنحن اذاً منكم اعق واظلم
ويبدو أن الأمثال في موضوعة الصداقة والإخوة كثيرة إذ شغلت مساحة لا بأس بها من الأمثال المستخرجة من كليلة ودمنة ومن ذلك المثل( من اتخذ صديقا وأضاع رب صداقته حرم مسرة الإخاء ويئس من منفعة الإخوان) وهو ما قال فيه مسكين الدارمي لا على مستوى العموم ولكن على مستوى الحكاية عن صديقه:
أخذت صديقا طارفا وأضعتني تليدا وهل يزكو الطريف ويثمر
فمن ذا الذي بعدي يرجيك نافعا ولم يبد يأسا منك في حيث تصدر
وعن الإخوة قيل( نعم العون على تسلية الهموم وتسكين النفس عند البلاء لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل منهما بسره إلى صاحبه) وضاهاه بقول ابن ميادة وقد اشتمل على ألفاظ قريبة من هذه الدلالة مثل( أخي/ التقينا/ افشي/ السر/ تسكن/ نفسي/ عونا/ تسلية)
ومن الموضوعات التي تناولتها المضاهاة ايضا النساء وصفاتهن كهذا المثل( قلما ظفر أحد ببغي وقلما حرص على النساء فلم يفتضح) فالجزء الأول من المثل ضاهاه بقول عمرو بن مالك الفزاري في حرب داحس، في حين عالج بيت ركاض الدبيري الجزء الآخر من المثل
وعن التصرف في معاملة النساء( من الخرق والحمق ..أن يطلب الفوز بالرياء ومودة النساء بالغلظة) فقد وجد اليمني ان الراعي الربعي كان قد تناوله في ثلاثة أبيات منها هذا البيت :
وتحوي ود غانية بعسف ألا حاولت غير مدى الطريق
وقد أورد اليمني مثلا آخر( ويقال أشياء لا ثبات لها ولا بقاء ..مودة النساء) وقد قابله بقول اسعد بن راشد ونلحظ أن المثل قد وسم ود النساء بعدم البقاء في حين قابل البيت الشعري النساء بالغانيات ووسمهن بعدم العهد:
متى دام ود الغانيات لصاحب فتطمع في الذلفاء أن تحفظ العهدا
ومن الموضوعات الخلقية الاخرى التي تناولها اليمني بالمضاهاة أيضا صلاح الناس وفسادهم والمودة بين الناس وعلامة الصديق والمروءة والثقة بالآخرين وعقوبة الغادر وكتمان السر وتكلف الأعمال وإنزال الناس منازلهم وحسن اختيار الأصدقاء ذوي الأصل وخير الأعمال وخير الإخوان وخير الأخلاق وترك الدنيا ولذائذها وقد انتهج فيها جميعا منهج المضاهاة عينه
ولعل من نافلة القول إن موضوعات الامثال النثرية قد تستدعي اية قرآنية او حديثا شريفا او حكاية وفي التناص الشعري قد يستدعي المثل بيتا او شطرا او جزءا من شطر او مقطوعة او قصيدة ..
المحور الثاني: المضاهاة الداخلية على مستوى الابنية الاسلوبية/
لا يمكن أن تكون الأمثال والأشعار ذات فكرة متأطرة خارجيا من دون بناء داخلي رصين يسند تشكلها ويضمن وصولها إلى المتلقي.
وإذا كانت المضاهاة الخارجية للأمثال بالأشعار من ناحية البناء الموضوعي تتفق في الأعم الأغلب معنى ودلالة؛ فان المضاهاة الداخلية تتفاوت في طبيعة الأبنية الأسلوبية للمباني الشكلية التي تصاغ بها الأشعار المضاهية للأمثال.
وهذا مرده إلى أن الاحتكام في الأصل مخصوص في الأفكار ودلالاتها وليس في الصياغة والبناء إذ أن المهم هو توصيل العظة وتقديم الدرس أما مسألة الصياغة الشكلية فأنها تأتي عرضا لا قصدا وبشكل عفوي عابر بعيدا عن المقصدية مبتغى ومنتهى .
ومن الاساليب التي تحرى اليمني إيراد الأشعار على وفقها مضاهيا بها أمثال كليلة ودمنة أسلوب حصر المعنى وتضييقه بحدود معينة كأن يكون حدين أو ثلاثة أو أربعة في سبيل توصيل المعنى، ومن ذلك المثل( يقال الصديق صديقان: صديق طباع وصديق اضطرار وكلاهما يلتمس المنافع ويحترس من المضار. فإما المطبوع منهما فموثوق به على كل حالاته وأما المضطر إليه منهما فله حالات يسترسل إليه فيها وحالات يتقى فيها فلا يزال يرتهن منه بعض حاجاته ببعض ما يبقى من الحاجة إليه) اذ ضاهى ذلك بقصيدة مسكين الدارمي الذي حصر الأصدقاء في أنواع اربعة: أصفى الأصدقاء وأكذبهم وأثبتهم وبينهم المضطر:
تعلّم بان الاصدقاء ثلاثة وما كل من آخيته بصديق
واصفاهم ودا اخو الطبع منهم واثبتهم في وحدة وفريق
فذلك موثوق به في اموره وفي كل ما حال اعز وثيق
واكذبهم ودا اخو الكاس انه صديق صبوح دائم وغبوق
وبينهما المضطر يلتمس التي جميعهم فيها بكل طريق
فذاك تدانيه فتدنيه مرة وتجفوه اخرى منك فعل رفيق
تكافيه في الحالات ما كان يرتجى وتحذر منه القرب عند مضيق
وكلهم في طبعه يحذر التي تضر ويرجو النفع كل شروق
ومن الحصر أيضا حصر الأمور في (أمور ثلاثة لا يجتزئ عليها إلا الأهوج ولا يسلم منها إلا القليل: صحبة السلطان وائتمان النساء على الأسرار وشرب السم للتجربة) وكان البيت الشعري الذي ضاهى المثل عينه:
مصاحب سلطان وراكب لجة سواء إذا حصَّلتَ والشاربُ السما
وقد بني على أسلوب التسوية بين الأشكال الثلاثة وليس على الحصر. وقد يكون مع الحصر التفصيل رغبةً في التوضيح للمعنى وتقريبه إلى المتلقي كما في هذا المثل( الرجال ثلاثة حليم وحازم وعاجز فالحليم إذا نزل به الأمر من البلاء لم يدهش ولم يذهب قلبه شعاعا ولم يعي برأيه وحيلته التي بها يرجو المخرج والحازم الذي يتقدم في العدة للأمر يتخوفه قبل نزوله به والعاجز لا يزال في تردد وتحير والتباس حتى يهلك) وقد ضاهى اليمني هذا المثل بثلاثة أبيات أُوجزت القول الكثير باللفظ القليل وهي لابن زياد الحارثي ذكر فيها الحليم والحازم والعاجز:
يزداد ذو الحلم حلما حين يدهمه من معضل الأمر ما يُعيي ويجتاح
والحازم الأمر يُعنى قبل مبعثه بفادح منه إمساءٌ وإصباحُ
والعاجز الرأي لا ينفك يشغله طول التردد أو يلقاه مجتاح
ومن الحصر تحديد خِلال أهل الدنيا تفصيلا لا اجمالا( ويقال أهل الدنيا يتعاطون فيما بينهم خلتين يتواصلون عليهما: ذات النفس وذات اليد فالمتعاطون ذات النفس هم الأصفياء المتخالطون وأما المتعاطون ذات اليد فهم المتعاونون المتعاضدون الذين يلتمس بعضهم الانتفاع ببعض) والأبيات التي بها قابل اليمني المعنى المتقدم هي ثلاثة لابن معقل الأشعري التي جاءت بصيغة المتكلمين لا بصيغة الغياب وقد تكررت فيها ألفاظ(الصفاء والتعاطي وذات النفس وذات اليد والتعاضد) :
تلاءم شملنا عن ذات نفس وصحة نية وصفاء ود
ولم نك كالذين لغير ود تعاطوا ذات ايديهم بحمد
يعاضد بعضهم بعضا رجاء لنفع حين يعضد لا لعهد
وقد يكون الحصر في حد واحد كما في هذا المثل( ليس احد اعلم بما في نفس الموجع الحران ممن ذاق مثل ما به) الذي ضاهاه بقول المؤمل بن اميل المحاربي وقد جاء الحصر على شكل استثناءات أصابت المطلب لكنها كررت فذكرت الى جانب موجع القلب الطبيب والمتيم والمغرم وكان بالإمكان الاقتصار على بيت واحد:
وصفت الذي بي للطبيب من الهوى فما كان من جهل بما قلت يفهم
وما وصف الأوجاع قبلي متيم فيعرف ذاك الوصف الا متيم
كما ان هذا موجع القلب مغرم كذلك هذا موجع القلب مغرم
وقد يحصر المثل المعاني الكثيرة التي تجعل المضاهاة تستوجب الاستشهاد بأكثر من بيت يتناوب على التمثيل بها ففي المثل( أشياء لا ثبات لها ولا بقاء: خلة الأشرار وظل الغمام ومودة النساء والثناء الكاذب والتخلق) فكانت المضاهاة مبتدئة من آخر خلة وهي التخلق ببيت ابن سلمة الثقفي:
عليك بالقصد فيما أنت قائله ان التخلق يأتي دونه الخلق
ثم ضاهى خلة الأشرار بقول شاعر لم يذكر اسمه واستشهد بقول اسعد بن راشد في مودة النساء وقول اخر في الثناء الكاذب في حين اغفل التمثيل ببيت شعر على ظل الغمام
ومن الأساليب أيضا القصر( لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا في الصدفة إلا مع النية) وهو ذات التوظيف شكلا ومحتوى في قول العنزي:
الفقه لا يصلح إلا بالورع والقول بالفعل اذا المرء وزع
وكان المثل قد ورد في كليلة ودمنة على هذه الشاكلة( لا خير في الكلام إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا خير في الكلام إلا مع الفعل ولا في الفقه إلا مع الورع ولا في الصدقة إلا مع حسن النية)
واعتمدت بعض الامثال أسلوب الترتيب كهذا المثل الذي حدد مكانة العاقل بأمرين: أما مع الملوك مكرما وأما مع النساك في مساجدهم متبتلا وكان ابن الرقيات قد رتب القول في ذلك لا على أساس العلاقة بالملوك أو الكرام بل على أساس مجالسة الأتقياء ومسامرة الكرام :
اعيذك أن أراك جليس من لا يكون من التقى فيه سقام
وان لم يؤت ذاك فكن سميرا لقيل أو تجالسك الكرام
ومن الاساليب البيانية التي حرص اليمني على تتبعها في أمثال كليلة ودمنة أسلوب التشبيه فالمثل( المال وسائر متاع الدنيا سريع إقباله اذا اقبل سريع ذهابه اذ ذهب مثل الكرة التي هي سريع ارتفاعها سريع وقوعها) وقد ضاهاه بقول الراعي ولكنه لم يعر بالا الى عدم استخدام الشاعر للتشبيه نفسه
ومن التشبيه الذي يراد به التمثيل على حسن انتقاء الأهل المثل القائل( الجامع للأهل والأقارب بغير اقتصاد كالدخنة تحترق ويذهب بريحها غيرها) فضاهاه اليمني بقول شبيب الاشجعي الحروري الذي وظف دلالة الحرق والدخان نفسها لكن ليس كتشبيه مركب بل على سبيل التشبيه التمثيلي :
وجمعت من شتى حراما وغيره حلالا لأعداء لدي أقارب
فكنت يلنجوجا أصاب بطيبه رجلا وأرداه حريق اللواهب
ومثله الامثال التي شبهت الدنيا بتشبيهات عدة فمرة هي الملح الذي كلما ازداد منه صاحبه شربا ازداد عطشا وهو ما كان عدي بن زيد العبادي قد سبق القول فيه وبالتشبيه عينه إذ قال:
مطالب دنياه بإتعاب نفسه كوارد ماء من أجاج مكدر
فما ازداد شربا منه الا اثابه به عطشا يرويه في كل مصدر
والدنيا هي ايضا كالعظم الذي يصيبه الكلب فيجد فيه رائحة اللحم فيطلبها فتدمي فاه فلا يزداد لها طلبا الا ازداد لفيه إدماء وقد أصاب الحويدرة الذبياني ـ وهو من حكماء العرب ـ المعنى نفسه لكن بأسلوب الاستبدال الاستعاري لا التشبيه التمثيلي:
اذا النابح العاوي اصاب معرَّقا من اللحم انحى بطلب اللحم بالجد
فيدمي به فاه ويطلب جاهدا فيزداد ادماء لفيه ولا يجدي
فلا تجهدن النفس في ما زواله وشيك على قرب من الدار او بعد
وقد تشبه الدنيا باللعقة من العسل وفي أسفلها سم ذعاف وكان أبو قابوس العبادي قد تناول المعنى استعارة لا تشبيها فلم يذكر المشبه به اللعقة من العسل كله ولكنه ذكر جزءا وهو الحلاوة :
واحذر حلاوتها فان وراءها سما ذعافا
اما تشبيه الدنيا كدودة الابريسم التي كلما ازدادت على نفسها لفا ازدادت من الخروج بعدا وكان عدي بن زيد العبادي قد استعمل هذا التشبيه ببيتين فيهما المشبه هو الزمن والمشبه به صانعة القز التي هي دودة الابريسم:
ولا تك في الالحاح في إثْرِ فائت تحاول منه فائتا ليس يطلب
كصانعة القز التي كلما ارتدت بصنعتها كانت الى اللبُث اقرب
ومثل ذلك تشبيه ابن اساف لضعة المنزلة بانحطاط الحجر الثقيل من المعالي:
رقيك من دنيء الامر تسمو الى شرف تحاوله عسير
كمثل الانحطاط من المعالي الى ضعة فمطلبها يسير
الذي ساقه اليمني لمضاهاة التشبيه في المثل القائل( الارتفاع من ضعة المنزلة الى شرفها عسير والانحطاط من شرفها الى ضعتها يسير ومثل ذلك مثل الحجر الثقيل الذي رفعه من الارض الى العانق عسير)
أما تشبيه السلطان بالجبل الذي فيه جميع الثمار الطيبة فقد سبق ابو مسكين القول به وقد كانت جملة (سموت إلى أمر يعز طلابه) هي التي بها قابل اليمني لفظة السلطان التي لم يكن الشعراء العرب يكثرون استعمالها بعكس لفظة السمو والملك التي كانت ترد في اشعارهم :
سموت الى امر يعز طلابه كما عزت الاثمار في جبل وعر
وتشبيه التعامل باللين مع العدو بالريح العاصف( لن للعدو ..فان مثل ذلك مثل الريح العاصف لا تضر الصغير من النبات وتقصم العظيم من الشجر) فقد تناوله الشاعر المرار الاسدي لكن على سبيل الاستعارة التي حذف منها المشبه توسيعا للمعنى واستزادة من الايحاء والترميز :
الريح تعصف بالبقل الرطيب فلا يخشى هلاكا وتردي الجذع ذا العظم
وان تشبيه الادب الذي يُذهب غي السكر بالنهار الذي يزيد المبصر بصرا والخفاش عمىً هو ذات التشبيه بالأداة والمشبه والمشبه به في قول العرزمي في ثلاثة ابيات
وجدير بالذكر ان المثل كان قد ورد في كتاب كليلة ودمنة على النحو الاتي( واعلم أن الأدب يدفع عن اللبيب السكر ويزيد الأحمق سكرا كما أن النهار يزيد كل ذي بصر نظرا ويزيد الخفاش سوء النظر وذو الرأي لا تبطره منزلة أصابها كالجبل الذي لا يتزلزل وان اشتدت الريح وذو السخف ينزقه أدنى أمر كالحشيش الذي يميله الشيء اليسير)
وهذا التشبيه الأخير هو ما وقف عنده اليمني في موضع لاحق مستشهدا عليه بقول المرار الاسدي في ثلاثة أبيات وهو يمدح محمد بن منصور التميمي الذي كان واليا على البصرة وقد ساق المعنى استعارة لا تشبيها مبدلا لفظة الجبل بعدل الطود ولفظة النبات الغض بغض النبت:
ولو كنت ذا عقل رجحت ولم تكن لتبطر بالنعما ولو نلت مرغبا
فيا غض نبت حركته من الصبا نفيــــــــــحة ريح فالتوى متقلبا
متى كنت عدل الطود من آل مالك وهل ضرعٌ شخْتٌ يعادل اغلبا
وتشبيه الصحبة للأخيار أو الأشرار بالريح( التي إذا مرت بالنتن حملت نتنا وإذا مرت بالطيب حملت طيبا) فقد وجدها اليمني قد قيلت عند بن أسيد الهمداني وهو يقابل بين ما يورثه الأخيار لأهلهم وبين ما يورثه الأشرار لأصحابهم :
لئن أورث الخيرات من هو أهلها لقد أورث الأشرار صاحبهم شرا
ولما لم يجد البيت قد أدى الدلالة كلها التي حملها المثل اعلاه ساق بيتا آخر لرجل من بني عبد القيس مكملا الدلالة جاعلا البيت الثاني ممثلا تمثيلا مجازيا للمعنى الحقيقي في البيت الأول:
فهبني الريح أدت ما أقلت انتنا كان او طيبا ذكيا
وفي كليلة ودمنة مثل يشبّه تذكر الأحزان بالجرح المندمل الذي تصيبه الضربة فيجتمع على صاحبه ألمان ألم الضربة وألم انتقاض الجرح وهو ما قد تناوله ابو كبير وقيل انه لهشام أخي ذي الرمة بصيغة التشبيه التمثيلي :
فلم تنسني اوفى المصيبات بعده ولكن نكء القرح بالقرح اوجع
وعلى الرغم من ان هذا البيت قد ادى الدلالة معنى وصياغة الا ان اليمني آثر ان يدلل اكثر على ثيمة الأحزان بان يسوق ثلاثة ابيات اخرى لشاعر اسمه حذافة الجنابي مستهلا بتوضيح لفحوى الأبيات فقد كان غازيا بخراسان مع قتيبة بن مسلم وقدم عليه من أهله رجل بالشام وقد أصيب قبل ذلك بابنه فنعى الى حذافة كبارا من اهله… وليس في الابيات تشبيهات بقدر ما فيها من استعارات
ولا اعتقد أن في هذه الاستزادة الشعرية مضاهاة بقدر ما فيها من استطراد تمثيلي باعتبار ان الشيء بالشيء يذكر كما يقال ولعل اليمني أراد ان يقول أن لا مجال للمقارنة بين مقدار المشاعر التي يمكن ان يوصلها الشعر قياسا بإمكانات النثر في ذلك.
ومن الاساليب البيانية ايضا الاستعارة كما في المثل( لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم ولا تعالجن تأديب من لا يتأدب فأن الحجر لا يجرب بالسيوف والعظم لا يعالج انحناؤه ولا تقويمه) وكانت العرب قد تناولت ذلك في قول الازلم الفقعي :
أراني فيه قد أتعبت نفسي أقوم منه ما لا يستقيم
لقد اعيي على الماضين قبلي وكيف يقوم الضلع القديم
ثم أضاف اليمني تشبيها آخر في قول احدهم :
لا تجهلن كذي سيف أراد به كسر الصلود فآض السيف مفلولا
ومن المجاز استعارة الماء للعدو في المثل( فان الماء لو اسخن فأطيل أسخانه لم يمنعه ذلك من اطفاء النار) وهو ذات التمثيل المجازي الذي طرقه أبو الأعور السلمي في قوله:
فان الماء يطفئ وهو آن شديد الحر سامية اللهيب
اذ ان الاصل في الماء انه يطفيء النار سواء أكان حارا او باردا فكذلك حال العدو فهو خطر سواء ائتمن جانبه أم لا .. وأما استعارة الاشتعال للحقد في المثل( الحقد إذا وجد فرصته اشتعل ولم يطفئه كلام ولا رفق ولا لين) فقد سبق أن طرقها حجل بن نضلة بالاستعارة عينها في خمسة أبيات منها قوله:
والحقد يكتن ما لم يلق فرصته على تطلعه من خفية الفكر
جد اشتعالا فلا رفقٌ ولا ملقٌ يطفي تضرمه ما جد في الأثر
ومن التمثيل المجازي على علاقة الضعيف بالحشيش( ويقال لا تتهاون بالضعيف من أمر العداوة فان الحشيش الضعيف يجمع فيفتل منه حبل وثيق لو شد به فيل مغتلم اوثقه) وكان قد قال شمخ الفزاري:
لا تستهن بضعيف الامر تحقره من العداوة في حال من الحال
فكم ضعيف تأتى مثله نفرا فاستنزلوا صاغرا ا قوة عال
وهو ما أدى الدلالة المعنوية لا الصياغة الاسلوبية فقد خلت الأبيات من مجاراة التمثيل بالحشيش وهو ما لم يعره اليمني اهتماما !!
ومن الأساليب الفنية التي وظفت في الأمثال توظيف الكناية لغرض الإيحاء والاختصار ومن ذلك المثل( ويقال الضرس المأكول لا يزال صاحبه منه في ألم حتى يقلعه) وكان معمر الاسلمي قد ضاهى هذا المثل معنى لا صياغة، ففي الوقت الذي اتخذ المثل من الضرس رمزا للأمور التي لا مجال لتناسيها إلا بإزالتها فان البيت الشعري اتخذ من الثوب الذي لا فائدة ترجى من لبسه رمزا للمظاهر التي لا تستطيع أن تخفي البواطن في قول الاسلمي:
إذا كنت ذا ثوب تشان بلبسه فعريان منه أنت في الناس اعذر
فكما أن الضرس المنخور لا فائدة ترجى منه كذلك الثوب المشين لا طائل من لبسه فهو والعري سواء. وبذلك يتلاقى المثل والبيت في الإيحاء بأمر واحد وان اختلفت أساليب الترميز.
ومن الترميز أيضا المثل( إذا لم تقو على العدو فالفدية أمثل) في دلالة على موازنة الأمور واتخاذ القرار المناسب فأما المواجهة وأما الاستسلام وقد قابله اليمني ببيت لأسعد وهو في مواجهة الذلفاء فأما أن يقف بوجهها وإما أن يضرع لها وبذلك اتفق الإيحاء ولكن اختلف الرمز وقرائنه:
أخاف بان أحاربها فأردى فترضى حين اضرع مستكينا
كون المثل قد ساق المعنى على محمل القتال والحرب أما البيت فقد ساق المعنى على محمل الصبابة والوجد.
ويرمز المثل( العدو المخوف دواؤه فقده) إلى أن لا سبيل لمغالبة الخوف إلا بالمواجهة وهو ما كان الشاعر الجاهلي ابن غزية الضبي قد طرقه فبُعد الخصم خير من قربه:
دواؤك إذ قربتَ وأنت صلٌّ بعادُك أن أراك وان تراني
ومن الأساليب ايضا استعمال الإيجاز اختصارا للألفاظ وإجمالا في المعنى ومن ذلك المثل” خير الإخوان اقلهم مصانعة في النصيحة” الذي كان أكثر إيجازا من البيت الشعري الذي قاله بعض المتقدمين:
وخير الإخلاء الصحيح إخاؤه ومن لم يصانع في نصيحة صاحب
إذ بالإمكان الاكتفاء بالشطر الأول لإيصال الدلالة ومثله( خير الأصدقاء من ترك المزاح) ولما ضاهاه اليمني بقول أبي كدام أورد ثلاثة أبيات فكان مفصلا لا مجملا ومسهبا لا موجزا كون الشاعر قد استدعى حادثة عن مزاح مع صديق له بعكس المثل الذي جاء مكثفا
ومن باب الاختصار والإيجاز أيضا التوظيف لصيغ التفضيل كالمثل( أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا) لكن بيت عبيد الله بن عمر قد أصاب المعنى المتمثل في أن القناعة غنى بصيغة الاخبار لا التفضيل:
غنيت فما أصبحت للحرص غانيا بحسن قنوع والقنوع هو اليسر
ومن التفضيل أيضا المثل( وأغبط الناس أكثرهم مستجيرا وسائلا منجحا) الذي كان جرير بن الخطفي قد قاله في خارجة بن عيينة في بيتين :
ولمَ لا تكون الفرد والسيد الذي إليه تناهى الجود والبأس والفخر
وسائلك المعتر انجح سائل وجارك في امن يجير به الدهر
فقد ورد التفضيل في الشطر الأول من البيت الثاني بعبارة( أنجح سائل) ولا بد من التوكيد أن في كتاب كليلة ودمنة أمثال أخرى وظفت التفضيل لكن اليمني لم يقف عندها ومن ذلك هذا المثل( أفضل البر الرحمة ورأس المودة الاسترسال وانفع العقل المعرفة بما يكون وما لا يكون) او( ووجدت ركوب الاهوال الشديدة وتجشم الأسفار البعيدة في طلب الدنيا أهون على المرء من بسط يده بالمسألة)
ومن الأساليب البلاغية الموظفة أيضا في الأمثال حسن التعليل( ويقال العاقل حقيق ان لا يغفل أمر آخرته والتزود لها فان الموت يأتي بغتة وليس بينه وبين احد اجل معلوم) وقد ضاهاه اليمني ببيتين للمتلمس وواحد منهما فقط قابل الجزء الأول من المثل مجملا لا معللا:
واعلم علم حق غير ظن وتقوى الله من خير العتاد
لحفظ المال أيسر من بُغاه وضرب في البلاد بغير زاد
في حين ضاهى البيت الثاني للمقنع الكندي الجزء الثاني من المثل فبدا وكأنه تعليل لقول الشاعر الأول وفي ذلك مداراة ذكية وإلماحة فنية ابتكرها اليمني تحقيقا لمنهج المضاهاة التي تقتضي تعادل كفتي المقارنة بين النثر والشعر لتكونا على مستوى واحد:
أرى الموت لا يأتيك إلا فجاءة فلا موعد من قبل ذلك يعرف
ومن حسن التعليل لمخاطر صحبة الملوك المثل( من سكرات السلطان الرضا عمن يستوجب السخط والسخط عمن يستوجب الرضا ولذلك قيل خاطر من لجَّج في البحر واشد منه مخاطرة من صحب الملوك بغير أدب) وهو ما كان يزيد بن الطثرية قد قال مثله في أربعة أبيات وقد استحضر صحبة الملك ومقابلته بالبحر معللا أهمية ترك تلك الصحبة والسبب ان لا أمان لها:
سخطت ولم أذنب وترضى مخالفا كأني اخو ذنب ففعلك معجبُ
فلو زرت ملكا كنت غير مخاطرٍ وان كنت أدنى واصلا واقربُ
ولو أنني لججت في البحر عائما على خطر في لجة اتسرب
لكنت على وديِّك فيما تسومني مخاطرة في الناس من ذين اعجب ُ
ومن حسن التعليل ايضا المثل( لا تحقرن رجلا صغير المنزلة فان الصغير ربما عظم وبلغ كالعقب من الميتة يؤخذ فيعمل منه القوس والوتر والترس فيحتاج إليه الملك في بعض حالاته من لهو او باس) وهو ما تناوله مولد بن جوين في ثلاثة أبيات سائقا التعليل عينه متقدما بذلك على قائل المثل:
ومستصغر مثلي بجهل تملك وقلة علم بالرجال وبالصـــــــــــــــــحب
وربما يحتاج ذو الملك صاغرا إلى عظم ميت في السرور وفي الحرب
إلى مدية لولا النصاب لما أتت هواه إلى جد من الأمر أو لعب
ومن الأساليب الإنشائية استعمال الاستفهام الإنكاري كما في المثل( من هذا الذي بلغ من الدنيا جسيما فلم يبطر) وقد تناوله ابن براقة الهمداني لا على محمل الاستفهام استنكارا ؛ بل على محمل التوبيخ والتهكم:
اذا نال من دنياه حظا رأيته اخا بطر زاه كثير التطاول
وكذلك الاستفهام ب(من) في المثل( من تبع الهوى فلم يعثر؟ ومن جاور النساء فلم يفتن؟ ومن صاحب الأشرار فسلم؟ ومن خدم الملوك فلم يعطب؟) الذي ضاهاه اليمني ببيتين لعدية العدواني كانت فيها (من ) حرف اشتراط لا استفهام ومع ذلك فان دلالات المثل كانت حاضرة لم يغب منها شيء فقد ذكر المتيم والنساء والاشرار ولكنه استعمل لفظة الجبار لا الملك :
ومن تبع الاهواء لا زال عاثرا ومن صحب الاشرار يوما سيندم
ومن جاور النسوان طال عناؤه ومن خدم الجبار خاطر بالدم
ومن الأمثال التي وظفت اسلوب الاستفهام ايضا( من صحب الملوك فدام له منهم الإحسان؟) الذي قابله ببيت الغنوي الذي وظف فيه الاستفهام الإنكاري بمتى بدل( من) فقال:
متى دام إحسان الملوك فارتجي ثبات مكاني منك إني لجاهل
ومن الاساليب الانشائية ايضا اسلوب النهي كما في المثل( لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم ولا تعالجن تأديب من لا يتأدب) واذا كان المعنى قد طرقه الازلم الفقعسي الا انه لم يعتمد اسلوب النهي بل استعمل صيغة الاستفهام الانكاري ب(كيف):
أراني قد اتعبت نفسي اقوَّم منه ما لا يستقيم
لقد اعيي على الماضيين قبلي وكيف يقوم الضلع القديم
واما المثل( لا تأمنن عدوا رجع إليك بنفسه) فقد تمت مضاهاته ببيت استعمل الاستفهام بالهمزة لا النهي وهو قول أبي الاعور السلمي :
أتدنيه وكان عدو سوء لما أصبحت فيه بالمصيب
ومن أسلوب الطلب( اصبر من غيرك على مثل ما صبر عليه غيرك منك فانه يقال كما تدين تدان) والبيتان اللذان ضاهيا المثل كان الأول بالجناس الناقص(صبرت/الصبر) اما الثاني فكان تناصا تاما:
صبرت عليك لما اقتستُ امري بحسن الصبر حين جهلت أمري
لقد قيل في الأمثال اصبر لحرها بما دنت فاعلم حيث كنت تدان
ومن الطلب ايضا( يقال قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك اليه) لكن بيت مرداد المازني لم يكن على الشاكلة الاسلوبية نفسها بل اعتمد رد العجز على الصدر بالجناس غير التام ( قاربته/ التقارب) :
فقاربته لا أنَّ في ذاك حاجة اليه فيستعلي لبعض التقارب
ومن اسلوبية الاشتراط المثل( من اتخذ صديقا واضاع رب صداقته حرم مسرة الاخاء ويئس من منفعة الاخوان) وقد قابله اليمني بما كان مسكين الدارمي قد قاله على شاكلة الاستفهام الانكاري:
أخذت صديقا طارفا وأضعتني تليدا وهل يزكو الطريف ويثمر
فمن ذا الذي بعدي يرجيك نافعا ولم يبد بأسا منك في حيث تصدر
وقد تميل الأمثال والاشعار معا إلى التفصيل لا الإجمال كما في المثل عن تنقل الناس في المنازل والطبقات وقد قابله اليمني بتفصيل في قصيدة من ثمانية أبيات من البحر الطويل لابن مناذر وقد تناول فيها ذات المعاني التي طرقها المثل
وقد يتعدى التفصيل إلى الإسهاب كما في المثل عن أمور الملك ومن يحتاج إليه فيها من العمال والأعوان ومن يجتمع فيه منهم النصيحة وأصالة الرأي والعفاف وكيف يتفقد أعمالهم وأمورهم وكيف يتعامل مع المحسن والمسيء والعاجز..وقد ضاهاه بثمانية أبيات كان قد قالها سليمان بن هشام بن عبد الملك في الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين استخلف
والإسهاب بلا زيادة او حشو جاء في المثل الذي فصل ست خصال بها يؤتى الملك وقد قابلها اليمني بقصيدة من ثلاثة عشر بيتا للأبرص شارحا مناسبة القصيدة فالشاعر يعدد خصال حجر بن عمرو أبي امرئ القيس بن حجر ويحرِّض بني أسد على قتله وقد طرق المثل اغلب المعاني التي طرقتها القصيدة في إسهاب غير مخل وتفصيل بلا حشو
وقابل اليمني سبعة أسطر نثرية بسبعة أبيات شعرية فيها تفصيل لأولئك الذين ليس على السلطان الاسترسال إليهم أو الثقة بهم والائتمان لهم
ومن الاساليب اللفظية استعمال المجانسة والمشاكلة في المثل” من لا مال له لا اخوان له ومن لا إخوان له لا أهل له ومن لا أهل له لا ولد له ومن لا ولد له لا ذكر له ومن لا ذكر له لا عقل له ومن لا عقل له لا دنيا له ولا آخرة له ..” وقد سبق لعرام بن منقذ السكوني ان قال في المعنى ولكنه استعمل صوت الدال باطراد
ومن أسلوب المقابلة لثلاثة أشياء بأربعة المثل( ويقال صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء أما الثلاثة…) ويمضي في تفصيل الثلاثة وبعدها يشرح الأربعة، ولكي يقابل هذا التفصيل النثري بتفصيل شعري فانه أورد أولا ثلاثة أبيات لامية بن أبي الصلت طرق فيها ثلاثة أشياء بها يطلب الأربعة من الأمور ثم اتبعها بأربعة أبيات لامية أيضا تناول فيها الأمور الأربعة التي بها تدرك الأشياء الثلاثة ثم تلاها بخمسة أبيات لسابق البربري في الإنفاق والإمساك وبعدها ثلاثة أبيات للمتلمس الضبعي وهو يقارب بعض المعنى وقد زاد فيه بتسميته التبذير فسادا
ومن التضاد المعنوي الذي يقارن بين الغني والفقير حمدا وذما( ليس في الغني من خلة تحمد إلا وهي في الفقير تذم فان كان الفقير شجاعا قيل أهوج ..) وهو ما كان ابن رعلاء الغساني قد تناوله على ذات الشاكلة فقال:
يشان القليل الوفر في الناس بالذي يزان به ذو المال وهو ذميم
فيمدح من قول وفعل بكل ما يذم به ذو الفقر وهو كريم
ومن التعجب المثل( والقلب على القلب اعدل شهادة من اللسان) وهو ما كانت قد تناولته أعرابية وهي تكذب منتحلا حاول كسب ودها في ثلاثة ابيات على سبيل الهجاء لا التعجب:
نبي لسانك عن ود الضمير بما لم يزكُ عندي وان اطنبت في الحلف
القلب يعرف ما في قلب صاحبه بشاهد منه زاك غير ذي قَرَفِ
والقلب عدل على قلب المحب له لا البث بالزور عن سوء امرئ صلف
ومن التعجب المثل( ويقال نعم العون على تسلية الهموم وتسكين النفس عند البلاء لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل منهما بسره إلى صاحبه) وهو ما كان ابن ميادة قد تناوله في ثلاثة ابيات على سبيل الفخر والانتشاء وليس التعجب:
اعين اخي في كل امر يريده اذا ما التقينا في الذي هو ذاكره
وافشي اليه السر فيما ينوبني فتسكن نفسي حين فيه أناظره
فيا لك عونا ما يكون التقاؤنا على الهم تسليه الطويل يخامره
وبذلك تكون الابنية الاسلوبية جزءا لا يتجزأ من منهج المضاهاة الذي يقارن بين المتقدم والمتأخر والسابق واللاحق واذا كان اليمني متوخيا المقابلة الاسلوبية قدر الامكان فانه لم يلزم نفسه بذلك الزاما تاما بل بقي ذلك رهنا بما تسعفه به ذخيرته الادبية وذائقته الفنية.
المحور الثالث / المضاهاة على مستوى المحمولات الثقافية
كانت الاستخراجات الشعرية التي قام بها أبو عبد الله اليمني بمثابة استقصاءات موضوعية وفنية ودلالية لما في التراث العربي القديم من أمثال شعرية تضرب مثلا وحكمة، لكنه لم يولِ المضاهاة بالكلام النثري العربي خطابة أو رسالة أو سجعا شأنا بل اقتصر على اشعار المتقدمين منزها كتاب الله عز وجل عن المضاهاة.
وإذا كان اليمني قد قصد الشعر من دون النثر فذلك لان ابن سلام كان قد ضاهى كتاب هزار افسان بأمثال العرب نثرا .. وقد توزعت الأمثال التي استخرجها من كتاب كليلة ودمنة بين الانفراد بالحكمة أو الجمع بين الحكمة والمثل.
وقد سار على أساس علمي محدد ذي حدود موضوعية وفنية شعرا ونثرا متأملا الصلات موضوعا وأسلوبا ورؤية، عالما بالحقائق التاريخية للأجيال الشعرية التي وقف عندها واضعا الإنتاج الشعري في محله الصحيح تاريخيا مستدلا بالمضاهاة على تأثر الأدباء الفرس ومنهم ابن المقفع بالشعر العربي في الجاهلية والإسلام توجها ومجرى..
ولم تكن مضاهاة الأمثال بالأشعار آتية من فراغ؛ بل كانت منطلقة من عقل مقارن يدرك أن المضاهاة لن تكتمل دلاليا ما لم تكن قد بنيت على محمول ثقافي وسياق موضوعي يفترض أن اختلاف الأمم والألسن لا يمنع من أن تتشابه في أنساق ثقافتها أو محمولات وعيها الفكري وتداعيات مقولاتها اللفظية وهي فضلا عن ذاك لا تقتصر على شكل فني دون آخر أو على فن أدبي دون غيره، ذلك ان القراءة انما تتعدد” بتعدد القراء، وبتعدد الأهواء، وتعدد الثقافات، واختلاف الأزمنة، وتباعد الأمكنة.. كاللوحة الزيتية العبقرية التي تظل قابلة للقراءة على وجه الدهر بحيث يمكن أن يقرأها كلٍّ حسَب مستواه وهواه؛ دون أن يستطيع أحد أن يزعم أن قراءته وحدها هي الأمثل”
ومن هنا تمت المضاهاة بين الامثال والاشعار عبر تفحص النسائج السرديّة لنصوص الأمثال من ناحية، وتلمس سياقات القول الشعري من ناحية أخرى.
ولا شك أن الاعتقاد بان” الأدب استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية للوطن وللقومية وموضوعهُ تغذية هذه الحاجات” لا يلغي التفاعل الحضاري بين الأمم على مرِّ العصور ومن هنا نتفق مع الدكتور محمد غنيمي هلال أن فكرة الأدب العالمي مستحيلة التحقيق لكن عالمية الأدب ممكنة كونها تعني” خروج الآداب من حدودها القومية طلبا لكل ما هو جديد ومفيد تهضمه وتتغذى به واستجابة لذروة التعاون الفكري والفني بعضها مع بعض”
والعرب عرفت الأمثال” بوصفها صورَ معرفةٍ .. وأطياف التجربة الإنسانية وهي تنعكس أبنيةً وانساقاً على مرآة العقل” وهكذا اندرجت الامثال في خانة الأجناس الأدبية النثرية التي موضوعها أدب السلوك.
و” الجاهليون قد اعتمدوا على قصص شعرية مغرقة في القدم قد يكون لها أصل تاريخي أحيانا واعتمدوا على بعض قصص الحيوان وارتفعت بعض شخصياتهم في الشجاعة والكرم والصبر ..إلى مستوى المثل والقصة .. أما الشعراء الإسلاميون فقد استخدموا كل هذا إضافة إلى ما جاء به القران الكريم من قصص ديني وما حدث في تاريخ العرب في عصر الفتوحات من أحداث كبيرة أصبحت مجالا للتمثيل والإيحاء”
وكان اليمني قد صنف كتابا لأمثال القران الكريم التي يستعان بها في الرسائل والمخاطبات والكتب والخطب سماه” التنبيه على بلاغات القران”
وفي كتاب المضاهاة تجاوز عدد الأمثال التي استخرجها اليمني من كليلة ودمنة أكثر من مئة وخمسة وستين مثلا أما عدد الأشعار المنتقاة من المتقدمين فبلغت أكثر من مئتين وعشرة بيتا وقد ساقها بحسب مقاييس، موزعا إياها بين البيت والبيتين والمقطوعة والقصيدة..
فأما الاشعار الجاهلية فإنها ترد مسبوقة بذكر أسمائهم كاملة أو مختصرة كأن يقول:” قال المتلمس واسمه جرير بن عبد المسيح الضبعي” أو يذكر الاسم متعالقا بسياق البيت أو الأبيات مثل قوله:” قال ابن زياد لأخيه الربيع حين كان منه إلى قيس بن زهير ما كان…” أو يقول” قال الحويدرة الذبياني وكان من حكماء العرب….”
وأما الاشعار الإسلامية فيتبين زمنها من ارتباط ذكر سياق قول البيت بحادثة معروفة أو واقعة شهيرة أو شخصية دينية أو تاريخية مهمة في العصرين الإسلامي أو الأموي ومثال ذلك قوله:” قال أبو مسكين مولى عبد الله بن الزبير” أو قوله:” قال سوار الغنوي وكان من عمال الحجاج فعزله” وهكذا
وهو إذ لم يذكر شاعرات العرب إلا في ثلاثة مواضع أخفى في الموضع الاول والثاني اسم القائلة مكتفيا بقوله: قالت أعرابية وذكر في الثالث اسم ليلى الاخيلية وهي تخاطب عبد الرحمن بن الأشعث في محاربته الحجاج بثلاثة أبيات
وهذا يدل على انه لم ينسَ الشاعرات ولم يفضل الشعراء الرجال على النساء وان كان في الأغلب الأعم لا يخفي اسم شاعر من الشعراء الرجال الذين استشهد بأشعارهم منطلقا من حقيقة ان الشعر القديم لم يكن نتاجا فرديا بقدر ما كان ابداعا جماعيا واجتماعيا كنتاج للسليقة العفوية عند العرب.
وإذا وجد حاجة إلى ذكر مناسبة البيت في سياق المضاهاة الخارجية أو الداخلية فانه يذكرها مختصرا أو مفصلا كقوله:” وقال أوس اليشكري في بنيه ويذم بني أخيه طفيل..”
وقد لا يذكر البيت أو الأبيات إلا بعد بيان سبب القول مثل” قال سلمة بن الوليد الكلبي في قسطنطين الرومي مولى معاوية لعنه الله وهو الذي كان معاوية بعثه فاذَّن في قسطنطينة وكان يلي غزوا في البحر”
وقد لا يقابل اليمني البيت الشعري أو أكثر بالمثل إلا بعد أن يسرد حكاية تبين مناسبة القول تدعيما للمعنى وتعضيدا للشعر بالسرد ومن ذلك انه لما اراد ذكر أبيات ثلاثة لابن درماء العبدي بن غطفان تضاهي المثل( الغادر مأخوذ بغدره وان قصرت عنه عقوبة العاجل لم تقصر عنه عقوبة الأجل حتى أن العقوبة قد تدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب)، نراه قد سبقها ببيان مناسبة قولها فقد كان حصن ومحصن قد وافيا سيابة بن سيابة الذي كان متخلفا عن ركب فيهم فقتلاه واخذا منه ما كان معه فاثريا به وأورثاه عقبهما حصن بن عامر بن محصن وكان ذا نِــدام وأخوان فقعد به الدهر حتى ضرب به المثل ولذلك قال ابن درماء:
أتعجب مما قد رماك به الدهر وانك بعد اليسر عاد بك العسر
الم تنب عن جديك والغدر منهما بسيابة في حين خلفه السفر
فنالا به حظا وأدركت بالذي أصاباه من غدر إلا قبح الغدر
وذلك امر طبيعي عند العرب قاطبة فقد حرصوا” على إيراد الحادثة الواحدة بأسانيد مختلفة كل سند منها ينتهي إلى شاهد رأى بنفسه الحادثة أو عاصرها وهم يرون في إيراد مختلف الروايات على هذا النحو ضمانا آخر لصحة ما يرون وقد انتقل هذا الطابع الديني للتاريخ من رواية الأخبار إلى رواية الأدب والأشعار”
وتجدر الإشارة إلى أن اليمني في الوقت الذي كان حريصا على بيان سياق القول والسبب الذي من أجله قيل الشعر الإسلامي فانه لم يفعل ذلك مع الشعر الجاهلي الذي كان كثيرا ما يتغاضى عن الخوض في سياقات قوله ومتعلقاته .
ويبدو ان ما جعل المحقق يشكك في صحة نسبة بعض الابيات الى قائليها أن اليمني لم يكن متوخيا الدقة في تحديد نسبة البيت أو الأبيات إلى قائلها وتدعيم الاستشهاد بالبيت أو الأبيات بسياق القول أو مناسبته والغرض الذي لأجله قيلت الأشعار.
ولولا ذلك لكان الكتاب بمثابة معجم يضم الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين الا ان همَّ المؤلف لم يكن منصبا حول الشعراء بقدر ما كان منصبا حول الاشعار التي قيلت كأمثال..
بعبارة ادق أن تركيزه على الشعر الاموي لا الجاهلي انما هو نوع من انحياز عقائدي أو سياسي لتلك الحقبة التي كان فيها الشعر وثيق الصلة بالخلافة وتعدد الأحزاب التي كانت لها” مواقف سياسية عمدت في بعضها إلى التعبير شعرا على لسان شعرائها ولجأت في كثير منها إلى الحرب والقوة ” هذا فضلا عن كون الإمعان في الوقوف عند شعراء إسلاميين بعينهم انما كان يخدم توجهاته وميوله فمثلا نجده يكثر التمثل بأشعار مسكين الدارمي الذي عرف بمديحه لبني أمية في حين تجاهل الكميت الذي كان من خصوم بني أمية.
وقد بلغ تعداد الشعراء الجاهليين والمخضرمين الذين ضاهى بهم اليمني أمثال كليلة ودمنة 37 شاعرا في حين بلغ عدد الشعراء الإسلاميين اكثر من 45 شاعرا ..
والى جانب هذا الميل الانطباعي التأثري الذي أساسه التعصب للأهواء والمزاج فان هناك تحاملا نقديا آخر، بدا واضحا في إغفال اليمني الخوض في دور ابن المقفع في الترجمة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية لاسيما إشارة الاخير في مقدمة كتاب كليلة ودمنة” وإنّا لما رأينا أهل فارس قد فسروا هذا الكتاب وأخرجوه من الهندية إلى الفارسية ألحقنا بابا بالعربية ليكن له أسسا ليستبين فيه أمر هذا الكتاب لمن أراد قراءته وفهمه والاقتباس منه” ، لاسيما اذا علمنا ان ابن المقفع قد بيّن أقسام كتاب كليلة ودمنة وأغراضه ومعانيه الباطنة التي تغاضى اليمني تغاضيا كليا عن الوقوف عندها فتجاهلها من دون ان يورد مبررا واحدا لأسباب التجاهل تلك. .
وجدير بالإشارة أن كتاب كليلة ودمنة قد تمت ترجمته من العربية إلى اللغة الفارسية الحديثة على يد أبي المعالي نصر الله بن محمد وهذه الترجمة تختلف كثيرا عن الأصل العربي لابن المقفع ..
ولا شك أن المضاهاة ما كان لها ان تتم على يد اليمني لولا ترجمة ابن المقفع لكتاب كليلة ودمنة اولا ولولا تأثر الاخير بالشعر العربي بأغراضه المختلفة لاسيما غرض الحكمة اخرا..
خاتمة
يقوم منهج أبي عبد الله اليمني في المضاهاة على مقارنة أمثال كليلة ودمنة بما استخراجه من أشعار المتقدمين جاهليين وإسلاميين.. وقد غدت المضاهاة عنده مفهوما مقارِنا غايته دراسة التأثر والتأثير بين أدبين احدهما عربي أصيل والآخر فارسي دخيل عبر إثبات السبق الأدبي والريادة الفنية للأول وبيان المضارعة والمجاراة الفنية عند الآخر.
ومضاهاة الأمثال بالأشعار إنما قامت على عدة معايير بعضها خارجي ذو نمط بنائي موضوعي يتمثل في رصد دلالات الأمثال المضروبة كالتحلي بالخلق القويم وهجر الصفات الذميمة والتذكرة بالآخرة والعمل لها وصفات العاقل وما ينبغي أن يسلك..
وبعضها الآخر داخلي من ناحية الأساليب الفنية للأمثال والاشعار وتفاوتها بين التشبيه والاستعارة والمقابلة والمشاكلة وبين القصر والاستثناء والاستفهام والحصر والجزم والقطع والتعجب والتفضيل والإجمال والتفصيل والاشتراط والتعليل والتقليل والنفي..
وكان التلقي للمحمولات الثقافية والحواضن الفكرية قد تبين من خلال تتبع سياقات القول أو الاسباب التي من أجلها قيل الشعر تدعيما للمعنى وتعضيدا للشعر بالسرد.
ـــــــــــــــــــــــــ
أ.د. نادية هناوي سعدون
قسم اللغة العربية/ كلية التربية/ الجامعة المستنصرية/ العراق
هوامش البحث :
وضع أبو عبيد القاسم بن سلام (ت223هـ) كتابا في الأمثال ولابي عكرمة الضبّيّ (ت 250هـ) كتاب امثال العرب ينظر: الامثال، ابو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي (ت224هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث، طبعة اولى، 1400هـ ـ 1980م و أمثال العرب، المفضل بن محمد الضبي، تحقيق وتعليق د. احسان عباس، دار الرائد الرائد العربي، بيروت ـ لبنان، طبعة ثانية، 1403هـ ـ 1983م.
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية ، الدكتور محمد توفيق ابو علي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان،ط1، 1988/ 51.
الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة،2010/ 10.
كتاب كليلة ودمنة، عبد الله بن المقفع، علي بن الشاه الفارسي، بيدبا الفيلسوف الهندي، طبعة جديدة كاملة عن اقدم النسخ المخطوطة وأشهر المطبوعة ضبطا وتدقيقا دقق فيها وعلق عليه ونسقها الشيخ الياس خليل زخريا دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت الطبعة الأولى، 1963.
م.ن/ 129
ينظر: م.ن/83
ينظر: الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري، الحسن بن بشر الامدي، تحقيق السيد احمد صقر، دار المعارف، مصر، 1994.
الأدب العام والمقارن، تأليف: دانييل هنري باجو ترجمة د. غسان السيد منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1997/ 26ـ 27.
الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال/ 10
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب، استخراج أبي عبد الله محمد بن حسين بن عمر اليمني، تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم، دار الثقافة، سلسلة المخطوطات العربية 4 ـ بيروت، 1961 / مقدمة المحقق صفحة و
ينظر: م. ن /3
ينظر : م. ن /مقدمة المحقق ز
ينظر: التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية” اطروحة دكتوراه مخطوطة في الآداب، علاء اسماعيل الحمزاوي ، جامعة المنيا، مصر، 1997.
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب/ 1.
م. ن /1
م. ن/ 1
م. ن/2
ينظر: م. ن/2
ينظر: م. ن/4
م. ن/3
م. ن/ 3
الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال/ 268
م. ن/ 265
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية / 48
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة، طبعة أولى،2003 / 491
ينظر:الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال/ 152 كما لم يشر إلى هذا الكتاب دارسون آخرون مثل د. داود سلوم
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم/12
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية/ 57 علما ان كتاب أبي عبد الله اليمني ( المضاهاة ) لم يدرج لا في كتب الاختيارات ولا في كتب تراجم الشعراء.
ينظر: م. ن/ 54
م. ن/ 54
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / مقدمة المحقق ز
م. ن/مقدمة المحقق ح
الامثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية / 76.
المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، دومينيك مانغونو، ترجمة محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف، طبعة اولى، 2008/ 9.
م. ن/9
م. ن/9
اضت عند الولادة تلوث من الوجع واض الامر فلانا حزنه وجهده
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /12 ـ13
م. ن/17
م. ن/19
م. ن/19 ـ20
م. ن/20ـ21
م. ن/25
م. ن/32
م. ن/35
م. ن/36
م. ن/37
ينظر: م. ن/41ـ 42
م. ن/44
م. ن/54ـ55
م. ن/55
ينظر: م. ن/55
ينظر: م. ن/72
م. ن/91ـ92
م. ن/30
م. ن/96
م. ن/99
م. ن/97ـ98
م. ن/93
ينظر: م. ن/94
ينظر: م. ن/33ـ34
م. ن/26
م. ن/45ـ46
ينظر: م. ن/28ـ 83
م. ن/92ـ93
م. ن/14
م. ن/18
م. ن/30
م. ن/40
ينظر: م. ن/45ـ46
م. ن/ 24
كتاب كليلة ودمنة/ 173
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /95ـ96
ينظر: م. ن/96 والبيتان هما : اذا اقبل المال السوام وغيره فتثميره من لحظة العين اسرع
وان هو ولى مدبرا ففناؤه وشيكا من التثمير ارجى وانجع
م. ن/10
م. ن/10ـ11
م. ن/10
م. ن/11
م. ن/11
م. ن/13
م. ن/14ـ15
م. ن/15
ينظر: م. ن/24ـ25 ومنها البيت : وسكر الغنى السكر الذي هو مهلك لعمر ابيك الخير لا سُكرُ شاربِ
كتاب كليلة ودمنة / 173
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب /25
م. ن/45
م. ن/45
م. ن/46
ينظر: م. ن/46
م. ن/26
م. ن/27
م. ن/65
م. ن/68
م. ن/69
م. ن/70
م. ن/71
م. ن/71
م. ن/80
ينظر: م. ن/ 82ـ 83
م. ن/82
م. ن/99
كتاب كليلة ودمنة/222ـ 223
م . ن / 222
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / 11ـ 12
م. ن/ 15ـ16
م. ن/ 16ـ17
م. ن/ 18
م. ن/ 18ـ19
م. ن/ 19
م. ن /26
م. ن/ 65
م. ن/ 44
م. ن/ 72
م. ن/ 93
ينظر: م. ن/ 90ـ91
ينظر: م. ن/ 89ـ90.
ينظر: م. ن/ 78ـ79
ينظر: م. ن/ 77ـ78
ينظر: م. ن/ 59ـ60 ومنها قوله: من عَدِم الوفر في حياته عدم الاهل واخوانه مع الولد
ينظر: م. ن/ 48ـ49
م. ن/ 61
م. ن/ 67
م. ن/ 94
التحليل السيميائي للخطاب الشعري، د. عبد الملك مرتاض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005/ 12 نسخة الكترونية
الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال / 93
م. ن/ 94
سرد الأمثال دراسة في البنية السردية لكتب الأمثال العربية مع عناية بكتاب المفضل بن محمد الضبي أمثال العرب،د. لؤي حمزة عباس، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 2003/ 13
الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية/ 435
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب / 50
م. ن/ 11
م. ن/ 24
م. ن/ 10
م. ن/ 14 ا
م. ن/ 19
ينظر: كذلك الصفحات م.ن/ 91 و98
ينظر: م. ن/ 28 و66
ينظر: م. ن/ 97
باستثناء أبيات لم يقل اسم قائلهما مكتفيا بقال أعرابي في ص31وص35
م. ن/ 33
م. ن/ 95
م. ن/ 38
الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال/ 203
مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب/ مقدمة المحقق ز
آفاق الأدب في العصر الأموي، أ.د. ابتسام مرهون الصفار، دار حنين للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى، 2005/ 83
ينظر: م. ن/ 84
كتاب كليلة ودمنة /92
ينظر: الأدب المقارن ،د. محمد غنيمي هلال /109ـ 111
**
فهرس المصادر والمراجع
1. الأدب العام والمقارن، تأليف: دانييل هنري باجو، ترجمة د. غسان السيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1997.
2. الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة،2010.
3. الادب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية ، د. داود سلوم، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة، طبعة اولى، 2003.
4. آفاق الأدب في العصر الأموي، أ. د. ابتسام مرهون الصفار، دار حنين للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، الطبعة الأولى، 2005.
5. الامثال، ابو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي (ت224هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث، طبعة اولى، 1400هـ ـ 1980م.
6. أمثال العرب، المفضل بن محمد الضبي، تحقيق وتعليق د. احسان عباس، دار الرائد الرائد العربي، بيروت ـ لبنان، طبعة ثانية، 1403هـ ـ 1983م.
7. الأمثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية ، الدكتور محمد توفيق ابو علي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان،ط1، 1988.
8. التحليل السيميائي للخطاب الشعري، د. عبد الملك مرتاض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005 ، نسخة الكترونية.
9. التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية” اطروحة الدكتوراه في الآداب. مخطوطة بجامعة المنيا د. علاء اسماعيل الحمزاوي 1997.
10. سرد الأمثال دراسة في البنية السردية لكتب الامثال العربية مع عناية بكتاب المفضل بن محمد الضبي أمثال العرب،د. لؤي حمزة عباس، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 2003.
11. كتاب كليلة ودمنة، عبد الله بن المقفع، علي بن الشاه الفارسي، بيدبا الفيلسوف الهندي، طبعة جديدة كاملة عن اقدم النسخ المخطوطة وأشهر المطبوعة ضبطا وتدقيقا دقق فيها وعلق عليه ونسقها الشيخ الياس خليل زخريا دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت الطبعة الاولى 1963.
12. المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، دومينيك مانغونو، ترجمة محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف، طبعة اولى، 2008.
13. مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما اشبهها من اشعار العرب ، استخراج ابي عبد الله محمد بن حسين بن عمر اليمني ، تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم ، دار الثقافة، بيروت، 1961.
14. الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري، الحسن بن بشر الامدي، تحقيق السيد احمد صقر، دار المعارف، مصر، 1994.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.د. نادية هناوي سعدون
قسم اللغة العربية/ كلية التربية/ الجامعة المستنصرية/ العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق