نثرت السماء ندفها المخملية , فكللت رؤوس الجبال بعمائم بيضاء وسربلت الأشجار بقطيفة ناصعة , وسرعان ما ارتدى كل ما في الطبيعة حلّة البياض .
كعادتي خرجت إلى البراري بغية صيد ما تيسر من الغزلان أو الأرانب أو القطا والحباري , وهي عادة لازمتني منذ صغري إلى يومي هذا , كنت أتأمل كيف تنطبق السماء على الأرض في نهاية خط الأفق , فتتأكد لي كروية الأرض , وكروية الحياة والموت في دوائر لا تحصى .
وفي غمرة من الثلوج التي تجاوزت الستين سنتميتراً تراءى لي ولرفاقي الصيادين مخلوق يسقط من السماء و يتخبّط وقد تسربل بالثلج الذي غطى ملامحه , صرخت مندهشاً : انظروا ما هذا الذي سقط أمامنا .. تعالت أصواتهم : من أين سقط هذا _ ماهو
كيف رايته يسقط ؟ -هل صحيح أنه سقط من السماء ؟
تحرك الكائن الهائل في اتجاهنا متحركاً كما لو أنه ديناصور خارج لتوّه من متحف الذاكرة , ندّت عن أحدهم شهقة _ يا لطيف ؟ وولّى هارباً وسرعان ما لحق به الآخرون , غير أنّي تمهلّت علّني أستكشف هويته , معلّلاً نفسي بأنني قد أحصل على صيد ثمين , فأبيعه إلى إحدى الدوائر العلمية , وأملأ جيوبي بالمال , بعد أن فقدت أملي بكل ما يمت إلى القلم بصلة , ارتعدت أوصالي والمخلوق العجيب يتخبط سباحة عبر الثلج , فتارة يحرك يده اليمنى وأخرى يرفع يده اليسرى , وحيناً يهوي بقدمه على الثلج فيسقط ثم يحاول النهوض متعثراً دون جدوى , وفجأة ينتصب أمامي مترنحاً فأفرك عينيّ لأراه جيداً , وما إن ينهار كومة على الثلج حتى ينهض ليقع مجدداً .
تساءلت ماهذا المخلوق المنهار , الذي أخاف الصيادين , لكنني والحق يقال كنت خائفاً أيضاً لكن فضولي ورغبتي بالربح كانا أكبر من خوفي .
اقترب مني أكثر صرنا على بعد خطوات من بعضنا , فغر شدقه رافعاً قائمتيه الأماميتين هاوياً عليّ مطبقاً على أنفاسي التي أخمدتها رائحته المخدّرة , فجأة أشرقت الشمس ولا أدري كيف ولماذا سقطت كتلة هائلة من الثلج المتجمّد أمامي من بين أغصان شجرة معمّرة , دفعت الكائن العجيب المطبق على صدري بيدي المسمرتين إلى بندقيتي التي صارت امتداداً لهما , تردد صدى بعيد لطلقات نارية , التفت إليه لأتمكن من كشف هويته التي استحوذت على جوارحي فلم أجده , اقتربت من المكان الذي احتفره في محاولاته للاقتراب مني وجدت آثاراً لأقدام هائلة وبعضاً من روث يتبخر , وكتاب مخطوط بلون أحمر ولغة غريبة لم أستطع التعرّف إليها, أمسكت بالكتاب وصرخت : هيه هيه أنت ياهذا أين ذهبت ؟ردد الفضاء صدى كلماتي التي انخفضت رويداً رويداً حتى تلاشت تماماً , خيّم صمت رهيب , فجأة شعرت بأنني وحدي , قدماي مسمرتان إلى الأرض اقتلع الواحدة منهما اقتلاعاً لتنغرس الأخرى في خدر مميت , شيئ ما تكسّر خلفي , التفت مذعوراً متوجّساً فإذا بذئب أسود ضخم يكشرّ مشرئبّاً وقد حدّق بي باستنكار وشراسة , وكأنّه جنيّ خرج لتوّه من الوحل المجلّد , صرخت من غير صوت , عجبت كيف لا يخرج صوتي , فجأة أصمت سمعي مزامير سيارة إسعاف , وبلحظة كنت على نقالة يحملها اثنان من المردة , بينما الذئب يقهقه صارخاً : هيه ..أين رحت ياهذا .
طاهر مهدي الهاشمي
حسين خلف موسى
كعادتي خرجت إلى البراري بغية صيد ما تيسر من الغزلان أو الأرانب أو القطا والحباري , وهي عادة لازمتني منذ صغري إلى يومي هذا , كنت أتأمل كيف تنطبق السماء على الأرض في نهاية خط الأفق , فتتأكد لي كروية الأرض , وكروية الحياة والموت في دوائر لا تحصى .
وفي غمرة من الثلوج التي تجاوزت الستين سنتميتراً تراءى لي ولرفاقي الصيادين مخلوق يسقط من السماء و يتخبّط وقد تسربل بالثلج الذي غطى ملامحه , صرخت مندهشاً : انظروا ما هذا الذي سقط أمامنا .. تعالت أصواتهم : من أين سقط هذا _ ماهو
كيف رايته يسقط ؟ -هل صحيح أنه سقط من السماء ؟
تحرك الكائن الهائل في اتجاهنا متحركاً كما لو أنه ديناصور خارج لتوّه من متحف الذاكرة , ندّت عن أحدهم شهقة _ يا لطيف ؟ وولّى هارباً وسرعان ما لحق به الآخرون , غير أنّي تمهلّت علّني أستكشف هويته , معلّلاً نفسي بأنني قد أحصل على صيد ثمين , فأبيعه إلى إحدى الدوائر العلمية , وأملأ جيوبي بالمال , بعد أن فقدت أملي بكل ما يمت إلى القلم بصلة , ارتعدت أوصالي والمخلوق العجيب يتخبط سباحة عبر الثلج , فتارة يحرك يده اليمنى وأخرى يرفع يده اليسرى , وحيناً يهوي بقدمه على الثلج فيسقط ثم يحاول النهوض متعثراً دون جدوى , وفجأة ينتصب أمامي مترنحاً فأفرك عينيّ لأراه جيداً , وما إن ينهار كومة على الثلج حتى ينهض ليقع مجدداً .
تساءلت ماهذا المخلوق المنهار , الذي أخاف الصيادين , لكنني والحق يقال كنت خائفاً أيضاً لكن فضولي ورغبتي بالربح كانا أكبر من خوفي .
اقترب مني أكثر صرنا على بعد خطوات من بعضنا , فغر شدقه رافعاً قائمتيه الأماميتين هاوياً عليّ مطبقاً على أنفاسي التي أخمدتها رائحته المخدّرة , فجأة أشرقت الشمس ولا أدري كيف ولماذا سقطت كتلة هائلة من الثلج المتجمّد أمامي من بين أغصان شجرة معمّرة , دفعت الكائن العجيب المطبق على صدري بيدي المسمرتين إلى بندقيتي التي صارت امتداداً لهما , تردد صدى بعيد لطلقات نارية , التفت إليه لأتمكن من كشف هويته التي استحوذت على جوارحي فلم أجده , اقتربت من المكان الذي احتفره في محاولاته للاقتراب مني وجدت آثاراً لأقدام هائلة وبعضاً من روث يتبخر , وكتاب مخطوط بلون أحمر ولغة غريبة لم أستطع التعرّف إليها, أمسكت بالكتاب وصرخت : هيه هيه أنت ياهذا أين ذهبت ؟ردد الفضاء صدى كلماتي التي انخفضت رويداً رويداً حتى تلاشت تماماً , خيّم صمت رهيب , فجأة شعرت بأنني وحدي , قدماي مسمرتان إلى الأرض اقتلع الواحدة منهما اقتلاعاً لتنغرس الأخرى في خدر مميت , شيئ ما تكسّر خلفي , التفت مذعوراً متوجّساً فإذا بذئب أسود ضخم يكشرّ مشرئبّاً وقد حدّق بي باستنكار وشراسة , وكأنّه جنيّ خرج لتوّه من الوحل المجلّد , صرخت من غير صوت , عجبت كيف لا يخرج صوتي , فجأة أصمت سمعي مزامير سيارة إسعاف , وبلحظة كنت على نقالة يحملها اثنان من المردة , بينما الذئب يقهقه صارخاً : هيه ..أين رحت ياهذا .
طاهر مهدي الهاشمي
حسين خلف موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق