اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

عواء الديك | فاديا عيسى قراجه


- انتحار ديك شهرزاد :

أهم سبب لانتحار الديك الذهبي أن شهرزاد استشاطت غضباً من ديكها لأنه منذ مدة بدأ يعلن انتهاء الحكاية قبل أن تنتهي, ولأن شهرزاد ساردة مخلصة لخرافاتها التي تخدّر عشاقها وتدخلهم في سراديب شجونها وهواجسها, وحريصة على أن تمتلك حكاياتها أكبر نسبة من الكذب والصدق والخيال, والتشويق والإثارة, فقد قررت أن تخرج الديك الذهبي المزعج من مخدعها, ومنعت عنه الزيارة, وهددت بذبحه وتقديمه وجبة شهيّة لأصغر عشاقها إن استمر في ضوضائه .. هذا إذا تغاضينا عن الاستفزازات التي كانت تقوم بها شهرزاد أمام ديكها .. فقد اشتكى الديك يوماً لصديقه في ساعة تجلٍّ أن شهرزاد كانت تمارس الحب مع عشاقها على مرأى ومسمع منه, وكانت تصله تنهداتها وتأوهاتها كقذائف حارقة مارقة تنتف آخر ريشة في جسده الضئيل ..


ولأن الديك حساس جداً, وعاشق مدنف فقد التزم الصمت, وأذعن لأوامر أميرته في سبيل أن يبقى قربها يشم رائحة ملابسها التي تحفُّ تحت عشاقها وتنسلّ من جسدها كانسلال الفجر من الظلمة ..

لكن صبره بدأ ينفد, ولمن لا يعرف شهرزاد عن قرب فقد كان لها لسان شيطاني لا يمكن للغة أن تحيط بوصفه إن خرج منه سيل القذائف, ولا سبيل لإيقافه مهما تعددت الوسائل.. والمشكلة أنها تحاول أن تصلح ما يفسده لسانها, وهذا غالياً ما كانت تنجح به مع الجميع, إلا مع هذا الديك الذي سكنت جسده الرقيق الأمراض والعلل, ونسي وظيفته أو كاد أن ينساها, لدرجة أنه كان يترك شهرزاده تحكي حتى يبح صوتها دون أن يعلن ادراكها للصباح والسكوت عن الكلام المباح ..

فقرر أن يخرج مخذولاً مطروداً من مخدع سيدته وحبة قلبه, لتتقاذفه حجرات القصر, و تتنازعه الأفكار, فرض على نفسه عزلة قسرية, تقلب على فراش المرض, أعاد تاريخه مع سيدة قلبه .. كان ليله طويلاً, شرب حتى فقد حواسه ..تذكر أول مرة دخل مخدع ساردته الفاتنة, كان ديكاً غراً, خجولاً, صامتاً حتى لو صاح كي تنام أميرة الحكايا, كان صوته يخرج هادئاً عذباً كصوت هزار... يومها اقتربت منه , مسحت على رأسه الصغير, همست بعض الكلمات في أذنه, رفرف قلبه وهو يستنشق عطرها الفواح, امتص ياسمين صوتها وخزّنه في وجدانه .. أما عندما كانت تضحك, فكانت تهتز عروش روحه, وتنهار آخر قلاع تحمّله.. مرة بكت أمامه وهي تشكو له الوحدة رغم ازدحام قصرها ومخدعها وفراشها بالعشاق, ورغم ما يقوله الشعراء في جمالها وفطنتها, فسقطت ستائر ممانعته وضمها إلى صدره وكانت تلك أول تجربة لرجولته الغضة التي لم تتكرر بعد ذلك ..

في الصباح سكت الديك وللأبد حيث كان يتدلى من سقف غرفته التي غطى سجادها, والتصق بجدرانها ريشُه الملون البراق, كان يوزع نظرات لن تنساها شهرزاد, وستبقى محطة سوداء في تاريخها .

- قبل انتشار الرائحة:

لم يشعر شيخ المفسرين بأن للأحلام معجزة ومصداقية كما حصل معه هذا الصباح, فقد رأى بأنه يجلس مع القمر على طاولة واحدة يتناجيان ويتنادمان, يضربان كؤوس الطرب, ويتمايلان ,ويهبان الأسرار لطلاب العلم والمعرفة كلٌ حسب ما يريد .. أما كيف حصل وصدقت النبوءة فقد جاء الصباح وشدّوا الشيخ من لحيته واقتادوه إلى مخدع أميرة السرد .. وقف بين يديها مبهوتاً, فجمالها فاق أي تصور .. قالت بصوتها الرخيم الذي خالطه الحزن والهمّ : رأيت يا شيخ المفسرين فيما يرى النائم أنني أغوص في بحر من الحروف, ولا أتمكن من جمع حرف قرب حرف,ولا استيلاد جملة من بطن جملة, ثم رأيت أن الحروف تنهال عليَّ ركلاً وتنكيلاً وتمزيقاً, ثم تتحول إلى سهام تشق بطني, وتمثل بجثتي, ثم تخرج جوفي و تتلذذ بالتهامه, وبعد ذلك سمعت صوتاً يأتي من البعيد, يستغيث بي رغم أنني أحتاج للغوث أكثر من أي شخص في العالم .. وفي النهاية كنت أجوب صحراء شاسعة, أتمايل على ظهر بعير أعرج يحيط بي الصبار والجفاف, تتساقط حمم الشمس فوق رأسي, تذيب ماء دماغي, فتلعقه الحروف التي تتمادى في طعني .. وقد بللني عرق ذو رائحة منفِّرة ورأيت الكائنات تفرّ مني هرباً وقرفاً .. استيقظت وأنا بحالة هلامية لم أميز يدي من قدمي ولا ظهري من بطني, ثم ظهر أمامي الديك الذهبي,وقف على حافة سريري, أمسك يدي وبلل شفاهي برضابه العذب, ثم اختفى, لاحقته في أنحاء الغرفة, حاولت الامساك به لكنه فتح النافذة و طار, وتركني وحيدة مبللة بروائحي..

سكتت الأميرة, جففت دموعها وهي تنتظر أن يفك المفسِّر تعويذتها..

حك الشيخ لحيته, طال صمته كثيراً , تنحنحت شهرزاد أكثر من مرة, لكن الشيخ كان هائماً متفكراً يفتح كتباً ثم يغلقها, يكتب أشياء ثم يمحوها.. قال أخيراً :

- ستفقدين عزيزاً .. وستقضين العمر بكاءً وندباً عليه وكما فعل الكسعي ستفعلين, لكن لن تفيدك الندامة في شيء .

خرج الشيخ وهو يتأبط كتبه ومخطوطاته وقد لعبت فتنة شهرزاد برأسه كما تلعب الخمرة برأس ثمل, بينما صمتت شهرزاد عن الكلام المباح ..

- في صحراء التيه :

قال من عاصر انهيار دولة الحكي الشهرزادية أن سيدة السرد أفلتت من بين يديها خيوط اللعبة وبدأت تهذي وتكرر ذاتها,وبدأ العجز يتسرب إلى مقدراتها في شد الانتباه, وإشعال القلوب, وبدأ ينفضُّ عن مخدعها السكارى والمتعبون و الهائمون, فقررت التوقف عن الحكي ..

- بعد انتشار الرائحة :

قالت دجاجة حاقدة : هذا ما جنته شهرزاد, لقد تحطم عرشها وإلى الأبد

قال صوصٌ ضعيف: هذا جزاء عادل لتلك المتعجرفة التي لم تر أبعد من أرنبة أنفها ..

ردّ حمارٌ صغير: سنرتاح من إلماحاتها وسخريتها

ردت بطة مسربلة بالفرح: سنتنازع العرش وسوف أفوز به وأحذركم من منافستي ..

لكن الوزة الحكيمة قالت للجميع : ألا فاسمعوا وعوا عرش شهرزاد لن يكون سوى لشهرزاد .. فقد أغلقت أبواب قصرها وامتنعت عن استقبال أحد لغاية في نفسها .... اخرجوا من دهاليز أوهامكم .. وسترونها بحلة جديدة فهذا عهدي بها .

- انتخاب

أما شهرزاد فقد اتخذت من انتحار ديكها مرحلة قالت عنها :

ما قبل الديك الذهبي شيء وما بعده شيء آخر ..لن يلوي عنقي ديك أسكنته مخدعي وشاركته جسدي, وروحي وحكاياتي, وكان بمثابة نفسي إلى نفسي, سيكون مرحلة عابرة لن تثقل على حكاياتي ولن تأخذ عشاق كلمتي مني ..إذاً هذه مرحلة ما بعد الديك الذهبي .. سأجري تجاربي وأختار ديكاً يحسن الصياح في الوقت الذي يجب عليه ذلك كما يحسن الصمت حينما يستدعي ذلك .. يجب أن يكون ديكي الجديد لا يشبه الديك القديم في شيء .. لن أسمح له بعشقي .. لن أعطيه روحي وأبذل نفسي في طريقه .. لن أتهاون .. لن أنجرَّ لرغباته .. لن ... لن .. لن .. والقائمة تطول ..

اصطف أمام شهرزاد أسراب من الديكة الملونة, وبدأ كل ديك ينفش ريشه أمامها, كما جاهدت الديكة في اختراع طرق شتى بالإستعراض والتلاعب بطبقات الصوت, وإظهار المفاتن التي ستجعل من شهرزاد عاشقة من النظرة الأولى.. ضج الصياح في الصالة المغلقة, ومن بين الأصوات تسلل صوت عواء .. تبين أن من بين المتسابقين كان هناك ذئب صغير جميل المنظر ناعم الفرو, دقيق الملامح.. اقتربت شهرزاد منه, تأملته, مسحت على ظهره , داعبت خطمه الأسود الرقيق.. مسّدت على أنيابه البيضاء الصغيرة ثم قالت :

- هذا ديكي الجديد .

في الليل الجديد الذي ضم الضيف الجديد, والشراب الجديد, واللغة الجديدة, والصوت الجديد, حدّثت شهرزاد ديكها اللاحم عن ماض ٍ جميل رقيق, كما لم تنسَ أن تتحدث عن مناقب الديك الذهبي الذي كان وفياً, جميلاً, عاشقاً, عنيداً, شرساً, قاسي القلب ..

سردت شهرزاد حكايتها مع ديك أرّق ليلها, ودخل بين تفاصيلها, ثم بلمحة بصر تركها دون إذن منها.. لم تنسَ شهرزاد أي تفصيل من حكايتها القصيرة مع ديك لن يغيب عن صفحات ذاكرتها .. غابت عن المكان, طارت إلى مطارحه الشهية الخضراء... تهدج صوتها أكثر من مرة, ارتجف ذقنها مما عكس التوتر الذي يعتمل داخلها.. بلعت ألف غصّة .. تراقصت الدموع بين عينيها.. توقفت وقد خانها صوتها و كادت أن تستسلم لنوبة من العويل, لكن الديك الجديد عوى معلناً الصباح والسكوت عن الكلام المباح

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...