قالَ لي صديقٌ: مرَّتْ أيامٌ كثيراتٌ وأنتَ تصمْتُ ولا تأبَهُ للقتلِ الذي يحصلُ في وطنِنا، وأنا أعرفُ أنَّكَ تمتلِكُ القدرةَ على حملِ سلاحِ الكلماتِ.
قلْتُ له: ما أقولُ وما أكتبُ وقد احترقَ القلبُ لوعةً وأصبحَ غريباً في حشاياي.
قالَ: بالله عليكَ تكلَّمْ أو اكتبْ أيَّ شيءٍ فإنَّ صمْتَكَ سيضرُّكَ إن لم تُبدِّدُهُ بكلامِك وكلماتِك.
قلْتُ: أنا دائماً ألجأ إلى وضعِ الحروفِ وتنسيقِها كي أُخرجَ منّي بعضَ أفكاري وأحاسيسي، أتعلَّمُ أنا أشعرُ الآنَ أنَّ تلكَ الحروفَ تمرّدَتْ عليًّ، ولم يعدْ باستطاعتي أن أسيطرَ عليها مُجدَّداً، لكنّي أحسُّ أنَّ هناكَ شيئاً ما داخلي وأعجزُ عن البوحِ بهِ.
قالَ: أنتَ تستطيعُ السيطرةَ على حروفِكَ، لعلَّكَ حائرٌ كيف تُخرجُها.
قلْتُ: والله العظيمِ صدقْتَ، فعلاً أنا حائرٌ كيف أُخرِجُ ما بداخلي.
قالَ: إنَّ حديثَ القلبِ لا يحتاجُ إلى تنسيقٍ، فهو يشمُلُ بحورَ الشعرِ كافّةً، وعناصرُ القصةِ كاملةٌ ويحملُ في ثناياهُ الإبداعَ الروائيَ.
قلتُ: حسناً إذاً هاتِ ورقةَ ويراعاً لأريكَ ما ستخطُّهُ يداي، وهرعَ إلى مكتبِهِ وأحضرَ ما قلْتُ له، وكتبْتُ
سنهزمُكم أيُّها المجرمونَ.
سنهزمُكُم بضعفِ شيوخِنا.
سنهزمُكُم بحكمةِ آبائِنا.
سنهزمُكُم بميسِ زوجاتِنا.
سنهزمُكُم بجَمالِ حسناواتِنا.
سنهزمُكُم بدَلالِ صبايانا.
سنهزمُكُم بطيشِ مراهقِينا.
سنهزمُكُم بعزيمةِ شبابِنا.
سنهزمُكُم باجتهادِ فتياتِنا.
سنهزمُكُم ببسمةٍ مرَّتْ على شفتَي طفلٍ نجحَ في صفِّهِ.
سنهزمُكُم بأرواحِنا التي تُوحِّدُ الله.
لن تستطيعوا أن تُطفِئوا ضياءَ الحياةِ فينا.
سنهزمُكُم بحروفِ من نارٍ ونورٍ.
سنهزمُكُم بأغانينا.
سنهزمُكُم بمعانينا.
سنهزمُكُم بقبلةٍ غريزيةٍ جمعَتْ عاشقانِ حميمانِ.
أنتم السافلونَ ونحنُ الأعلونَ.
سنهزمُكُم بدماءِ قتلانا.
سنهزمُكُم بحَنانِ أمهاتِنا.
سنهزمُكُم برأفةِ آبائِنا.
سنهزمُكُم بذُكاءِ التي تُرسِلُ كلَّ يومٍ شعرَها الذهبي.
سنهزمُكُم ببراءَةِ أطفالِنا.
سنهزمُكُم بسذاجةِ مغفَّلينا.
سوف لن ننسى خطاياكُم.
ولن تحنَّ قلوبُنا في المستقبلِ لشكواكُم.
يا مَن سرقْتُم الفرحةَ من أعينِ أطفالِنا سوف لن ننساكم.
نحنُ خالدون في جنَّاتِنا، وأنتم في الجحيمِ مأواكم.
نحنُ النبلاءُ وأنتم تحتَ نعالِ العامةِ سُكناكُم.
نحنُ الرجالُ الأشداءُ وأنتم الجبنُ يَغشاكُم.
سنفوزُ بكردِنا وعربِنا.
سنفوزُ بمسيحينا ومُسلمينا وأنتم سيلعنُكم أطفالُكم.
نحنُ الحبُّ والسلامُ وأنتم الحقدُ والحربُ.
نحنُ النجاحُ والعملُ وأنتم التخبُّطُ والفشلُ.
نحنُ الدفءُ والأمانُ وأنتم الخوفُ والبردُ.
نحنُ السموُّ والرقيُّ وأنتم كلُّ الوضاعةِ.
نحنُ الأملُ وأنتم القنوطُ.
نحنُ النورُ وأنتم حلكةُ الظلامِ.
نحنُ الحسُنُ وأنتم الشناعةُ.
نحنُ الفرحُ والسرورُ وأنتم الهمُّ والغمُّ.
نحنُ قومُ الإيمانِ والقرآنِ وأنتم أصحابُ القتلِ والعدوانِ.
لكنْ بالرغم من كلِّ هذا سنهزمُكُم.
قسماً لن نغفرَ خطاياكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق