تجاوزت الخمسين دون خشية مما قد يحمله لي الموت عندما يأتيني ولا أكون قد عشت معنى الطفولة مثل الكثيرين ممن هم في عمرها الآن، ولم أجد في العقود الخمسة ما أُفرِح فيه قلبي لكني لم أرَ من بين الفصول إلا الربيع ولم أرَ في الربيع إلا الزهور، وقد تجرعت الحرية من القيد! وكنت أحب عشيقة ولم أجدها، لم يحالفني الحظ بلقائها حتى في أحلامي،
وكنت دائماً أرفض حب الشيطانة لي وكانت لا تستهوي لقائي إلا ليلا، وحينما لا تأتيني لأمرٍ ما كان يستضيفني الخفاش، يقيدني ويأسرني إلى ظلمات أشد من وحدتي وأضيق من مكان معيشتي، وكانت تختلط عليّ أوقات اليوم الواحد، ولم تكن تهمّني كجاري الذي في الزنزانة المجاورة حينما كنت أسمعه يتحدث مع السجان خمس مرات في اليوم، فأدرك أن اليوم هو في طرف النهار، وأن جاري الذي لم أخترْه يريد معرفة الوقت ليتحدث مع الله! تحررت من القيد ولم تجفّ في عيني ألوان الربيع إلا بما يشبه حبات قمح في سنبلة، آمنت أكثر بحريتي ومضيت، تنقلت بين مدن الوطن وبلداته ولم أكن أتأفف كثيراً من الحواجز التي تنتشر وتقطع أوصاله، فهي بالنسبة إلي لحظة متنفس كنت ألتقي فيها ما أحببته في عزلتي، أشعلها كما الحسناوات، وأصنع من دخانها سحباً تتعالى فوق رأسي. تجاوزت الخمسين وتجاوزت حدود الوطن وعبرت أكثر من ثلاثة حواجز بين جسرين ولم ألمس بكل تلك المسافة كرامةً لمواطن، لكني قرأتها، فتبسمت كما أبتسم لفقرات من كتاب تاريخ أو لسرد يقوله كبير في السن، فالأمر واحد، والتاريخ واحد، والواقع واحد، والكذب واحد، وأنا أيضاً واحد، وحده الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. تجاوزت الحواجز الثلاثة وأكثر، سرت وراء أحدهم، الذي لا أدري كيف خطف حقيبتي متواضعة اللون والشكل والمضمون، وغادرت معه في السيارة المحطة الأولى في السيادة، توقفتْ كثيراً بسبب وقت الذروة ولم يسمح لي السائق بالتدخين، كان فظاً آمراً حازماً بقراره، فعرفت أنه عسكري متقاعد وبأنه يؤمن بالانتصار، زادت خشيتي من نفسي وقررت ألا أجادله فأنا لا أعرف شيئاً من هذا الأفق الجديد، تذكرت ظلاماً وفضاءً وقصيدة شعر أنشد فيها الشاعر لمحبوبته لوعة شوقه وأحسست بمعاناة الصائمين في رمضان وامتناعهم عن التدخين، فقررت أن أحبس رغبتي وأعلن إيماني إلى حين. وصلت إلى حيث أريد وبدا لي الأمر غريباً. لم تأتِني في الرحلة الشيطانة ولم يأتِ الخفاش وكان الليل لطيفاً، لامست الأفق في اليوم التالي والتقيت بمن كنت أبحث عنها، كانت كما أمسيات الفرح في أجواء قريتنا، وكما الليل ساكن دون ضوضاء مدينة، ومن وجهها يرسم الفنان القمر، وعلى عنقها تسكن نجمة، ومن قبلاتي سلسال، ولم تكن حلماً، صارت كما الشمس تطل مع كل يوم، وصار للقهوة في لقائها نكهة مميزة، وفي الليل تترك لأحلامي فرصة، وكانت تبتسم لي من قلبها، وفي عينيها حكايات أمل لا ينتهي، استودعتها وأنا أبرق إليها من حبي أشواقاً وقد جف في عينيها الدمع حبوب سنبلة أيضاً.
كاتب وقاص فلسطيني.
وكنت دائماً أرفض حب الشيطانة لي وكانت لا تستهوي لقائي إلا ليلا، وحينما لا تأتيني لأمرٍ ما كان يستضيفني الخفاش، يقيدني ويأسرني إلى ظلمات أشد من وحدتي وأضيق من مكان معيشتي، وكانت تختلط عليّ أوقات اليوم الواحد، ولم تكن تهمّني كجاري الذي في الزنزانة المجاورة حينما كنت أسمعه يتحدث مع السجان خمس مرات في اليوم، فأدرك أن اليوم هو في طرف النهار، وأن جاري الذي لم أخترْه يريد معرفة الوقت ليتحدث مع الله! تحررت من القيد ولم تجفّ في عيني ألوان الربيع إلا بما يشبه حبات قمح في سنبلة، آمنت أكثر بحريتي ومضيت، تنقلت بين مدن الوطن وبلداته ولم أكن أتأفف كثيراً من الحواجز التي تنتشر وتقطع أوصاله، فهي بالنسبة إلي لحظة متنفس كنت ألتقي فيها ما أحببته في عزلتي، أشعلها كما الحسناوات، وأصنع من دخانها سحباً تتعالى فوق رأسي. تجاوزت الخمسين وتجاوزت حدود الوطن وعبرت أكثر من ثلاثة حواجز بين جسرين ولم ألمس بكل تلك المسافة كرامةً لمواطن، لكني قرأتها، فتبسمت كما أبتسم لفقرات من كتاب تاريخ أو لسرد يقوله كبير في السن، فالأمر واحد، والتاريخ واحد، والواقع واحد، والكذب واحد، وأنا أيضاً واحد، وحده الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. تجاوزت الحواجز الثلاثة وأكثر، سرت وراء أحدهم، الذي لا أدري كيف خطف حقيبتي متواضعة اللون والشكل والمضمون، وغادرت معه في السيارة المحطة الأولى في السيادة، توقفتْ كثيراً بسبب وقت الذروة ولم يسمح لي السائق بالتدخين، كان فظاً آمراً حازماً بقراره، فعرفت أنه عسكري متقاعد وبأنه يؤمن بالانتصار، زادت خشيتي من نفسي وقررت ألا أجادله فأنا لا أعرف شيئاً من هذا الأفق الجديد، تذكرت ظلاماً وفضاءً وقصيدة شعر أنشد فيها الشاعر لمحبوبته لوعة شوقه وأحسست بمعاناة الصائمين في رمضان وامتناعهم عن التدخين، فقررت أن أحبس رغبتي وأعلن إيماني إلى حين. وصلت إلى حيث أريد وبدا لي الأمر غريباً. لم تأتِني في الرحلة الشيطانة ولم يأتِ الخفاش وكان الليل لطيفاً، لامست الأفق في اليوم التالي والتقيت بمن كنت أبحث عنها، كانت كما أمسيات الفرح في أجواء قريتنا، وكما الليل ساكن دون ضوضاء مدينة، ومن وجهها يرسم الفنان القمر، وعلى عنقها تسكن نجمة، ومن قبلاتي سلسال، ولم تكن حلماً، صارت كما الشمس تطل مع كل يوم، وصار للقهوة في لقائها نكهة مميزة، وفي الليل تترك لأحلامي فرصة، وكانت تبتسم لي من قلبها، وفي عينيها حكايات أمل لا ينتهي، استودعتها وأنا أبرق إليها من حبي أشواقاً وقد جف في عينيها الدمع حبوب سنبلة أيضاً.
كاتب وقاص فلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق