اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

بساتين البصرة: عن القمر الذي أكله هشام خطاب

⏪ألفت عاطف


خرجت الرواية من رحم رؤيا في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، وفي هذا مفارقة في غاية اللطف؛ فالرؤيا بوجه عام تحتمل تعدد التأويلات والتفاسير. رموزها تعيد خلق نفسها في ذهن كل متلقي، وكذلك كانت رواية بساتين البصرة للكاتبة منصورة عز الدين، في حبكة مراوغة وسرد ذكي قابل للبناء والهدم وإعادة البناء على أكثر من أساس وفي أكثر من هيئة.

هل هي حكاية عن تناسخ الأرواح، أم عن المرض العقلي، أم عن متاهات الذاكرة و أبعادها الماورائية، أو ربما هي إعادة نبش للتراث والتقاط لحظة ذات خصوصية في التاريخ الإسلامي وربطها بحدث فارق في تاريخ مصر الحديث؟

يحلو لي دائما الحديث عن الجنون، والجنون المحتمل في هذا العمل يتبدى كشبح هادئ، يثب بخفة بين السطور. يتعمد إلقاء بذور الشك في موضع، ثم يحرص على طمس أثرها في موضع آخر، متنكرًا في ثوب الواقعية السحرية؛ فالتنقل بين الأزمنة لا يتحقق فقط للقارئ الذي يجد نفسه ساعيا ما بين القرن الثامن الميلادي، والقرن الحادي والعشرين؛ بل إن هشام خطاب بطل الرواية هو الآخر يترنح بين الزمنين، من خلال استحضار ذاكرة شخصية يزيد ابن أبيه، ودمجها مع ذاكرته الخاصة. ولأن الذكريات هي اللبنات المشيدة لهوية الفرد؛ يحدث هذا الاضطراب في هوية البطل، فيجد نفسه عالقا في دائرة مفرغة برزخية، بين أكثر من حياة.

هل هو هشام خطاب، أم يزيد ابن أبيه؟ أم كلاهما؟! وهل نشأ هذا الصراع الغرائبي نتيجة حلول روح قديمة في جسد إنسان معاصر؟ أم نتيجة شطط ما في عقل هذا المعاصر وتقمصه لتلك الشخصية القديمة؟

السطور الأخيرة من الرواية ترجح الاحتمال الثاني، رغم إصرار الكاتبة على تجنب المباشرة بقدر المستطاع، من خلال عدم استخدام مصطلحات طبية أو حتى تسمية المكان الذي آل إليه مصير البطل، والتعريف بشخصية المرأة المرافقة له فيه، إلا أنه من اليسير توقع وجود هشام في مستشفى للأمراض العصبية، حيث الصراخ الهستيري في الغرف المجاورة والمرأة التي تجلب له الطعام وتحقنه بالمهدئات، وتعتبر الناس مجرد حالات!

وهنا تبدأ التفاصيل المنثورة بعناية هنا وهناك في الفصول السابقة- في التجمع لتشكيل نمط ما. تفاصيل بدت للوهلة الأولى كمواضع غموض، أو تساؤلات بإجابات مؤجلة أو حتى محذوفة، إلى أن جاءت السطور الأخيرة لتؤطرها وتمنحها معنى واضح.

هشام خطاب شاب من محافظة المنيا. ربته أمه ليلى، في ظل وجود شبحي للأب المفتون بالسيرة الهلالية، إلى حد هجر بيته والتنقل مع منشديها في القرى والنجوع. وبمرور الوقت وصل به الأمر للسفر إلى ليبيا والموت بها مغمورا بنشوة الحكي. كان هذا هو مستقبل حكاية حب ضحت لأجلها برضا أسرتها وعلاقتها بهم، بعد أن هربت معه في صباها وتزوجته رغما عنهم، وفي النهاية كان مآلها هو الهجر وتحمل أعباء تربية ابنها وإعالته وحدها تماما، مما صنع منها تلك الأم الشكاءة المتذمرة القاسية الدائمة التبكيت لولدها الوحيد. تقوم بمهامها اليومية وهي تندب حظها، وتسترجع ذكرياتها الأليمة وتوبخ هشام لأتفه الأسباب. علاقة مضطربة وطاردة وضاغطة تشكلت بين الأم والابن، وعلى الرغم من ذلك، لم نر أي رد فعل غاضب من قبله، كان يبتلع كل همومها ومشاعر الذنب التي تشحنه بها، حتى تشكلت بداخله تلك النزعة العدوانية السلبية التي انفجرت لحظة دفعه لها في النيل!

ظل هشام محتفظا بسلوكه البار بأمه، ولأنها كانت لا تكف عن الكلام عن جمالها وشبابها المنصرم، اعتاد هو الآخر على تجاهل اسمها الحقيقي ومنادتها ب “قمر”…

فهل يمكن أن نخمن علاقة ما بين تلك التفصيلة، والجملة الافتتاحية المدهشة للرواية

“بالأمس أكلت قمرا”!

استخدمت الكاتبة تقنية تعدد الرواة، فالأحداث يتم سردها على لسان أكثر من شخصية في أكثر من زمن، ومن خلالهم تفرعت خطوط الحكي وتقاطعت، وبمرور الفصول يكتشف القارئ العلاقات ونقاط الالتقاء بين الأبطال وحكاياتهم، لكن تظل قصة الأم على الرغم من الحيز الذي تشغله تقع في هامش الرواية، وإن نحينا جانبا صفة الأمومة، سنجد صعوبة في فهم الغرض من سرد كل تلك التفاصيل عن حياتها؛ لكن مع التقدم أكثر وصولا إلى الصفحات الأخيرة، ستبدوا قصتها بشكل مختلف، أو بقيمة مختلفة.

سندرك أن ليلى هي الجذر الحقيقي للأزمة التي يمر بها البطل، ليس فقط بإساءة معاملته والحط من قيمته وزرع الإحساس بالذنب في الطبقات العميقة من وعيه، بل أيضا بالتماس الواضح بين قصة حياتها وقصته المتخيلة عن حياته القديمة كيزيد ابن أبيه. تمر الكاتبة بحذر على بعض تلك التفاصيل المشتركة مثل الذكرى التي استعادتها لحظة احتضارها عن جدتها خديجة، التي تقطع الصحراء القاحلة وحيدة، وتتوقف كل حين لتطمئن على شيء ما معلق بخصرها ثم تواصل المسير، وهو ما انطبع في خيالات هشام من خلال حكاية مجيبة وهروبها بمفردها قاطعة الصحراء بما سرقته من كنز خبأته في خصرها. ولا يتوقف أثر الأم عند هذا؛ بل يظهر بشكل أكثر تشعبا في غرس نمط التفكير الخرافي في عقل صغيرها، ليصبح في النهاية ابن لأم عالقة في مرحلة بائدة من عمرها تغص بالعفاريت المتربصين بالطرق، وجثث الموتى الطافية فوق الماء، والكثير من التفاصيل الغرائبية، وأب مهووس بالحكي الشعبي إلى حد التيه إثر الحكائين أينما وجدوا تاركا وراءه صغيره، مخلفا فيه بذرة جنونه.

نشأ الفتى محفوفا بكتب التراث، متأثرا بوجه خاص بكتب تفسير الأحلام، إلى أن وقعت بين يديه تلك الرؤيا عن رحيل علماء البصرة. رؤيا صاحبها مجهول، ولهذا كانت نقطة الجهل تلك ثغرة مثالية يتدفق من خلالها الماضي إلى الحاضر والعكس، من خلال شخصية يزيد ابن أبيه المخترعة، وفي هذا يقول البطل:

“كنت بشرا من دم ولحم وأعصاب، ثم وجدت رؤياي لنفسها مكانا داخل المؤلَّف المنسوب لابن سيرين، فصرت كائنا ورقيا“

“تحررت روحي من سجن الجسد، ودُفِنَت في بقعة منسية على حدود كرمة قريبة من شط العرب، أعرف الآن أحاسيس شتى كانت تتناوب علي في مستقري ذاك، وأنني كنت أنمي غضبي وأقتات على ذكرياتي، لكنني ظللت باقيا (لن أقول حيا) داخل “تفسير الأحلام الكبير”، ثم انبثقت –بطريقة ما- في المنيا، تلك المدينة الهادئة على ضفاف النيل، لأب يحيا وفق ما تمليه عليه نزواته، وأم لا يرضيها شيء“!

وبهذا تكون الكاتبة قد اختارت ذكر أبيه وأمه في مستهل سرده لحكايته، وما فعله بها في الختام، وكأنها تقصد تأطير الحكاية بأكمله بهما، لأنهما كانا بالفعل الإطار والمنبع لكل هذا الجنون. الجنون الذي تسلل إلى تفكيره بمكر وثبات إلى أن أحكم عليه قبضته.

هل يمكننا أن نتجرأ على النص ونطلق مسمى طبي واضح على تلك الحالة؟

لو فعلنا فسيكون (الفصام البارانويدي) هو التشخيص الأمثل. لقد تفككت شخصية البطل. فقد إحساسه بالواقع بالتدريج وصولا إلى الانفصال التام الذي عبر عنه المقطع الختامي للرواية..

“يتكاثف الظلام أكثر ويصير حاجزا قاتما يفصلني عن كل ما عداي. يتراخى جسدي، لا، بل يتراخى العالم كله، فلا يعود منتبها إلي ولا أنتبه إليه بدوري، وأشعر كأنني في حفرة، مغطى بطبقات من التراب وسط ظلمة حالكة يتخللها الشذى المؤرق للياسمين“.

وما بين البداية والنهاية رحلة سقوط مؤلمة، تبدأ فيها الضلالات بالترسخ في عقله، سواء ضلالات توحده مع يزيد، أو تلك التي ظهرت في سلوكه على مواقع التواصل عندما بدأ يتحدث عن مخططاته الفريدة لإنقاذ البلاد، وعن اقتناعه التام بأبوته لابنة حبيبته القديمة. سلوكه المضطرب في الأماكن العامة وكتابته غير المترابط على هوامش الكتب، ثم ارتيابه في حبيبته التي كان يراها تتقمصه في التفكير والحديث وطريقة الكلام، وكذلك في أستاذه الذي توهم أنه يتحدث بكلماته ويقتبس أفكاره، بل وينتوي نشر الكتاب الذي هو بمثابة كنزه الخاص الثمين، والذي نكتشف بعدها أنه غير موجود من الأساس، إلى أن وصلت ضلالاته لدرجة من الحدة دفعته لحرق منزل أستاذه بمن فيه، بل ولقتل أمه!

كل ما سبق تمثيل لمراحل التفكك العقلي التي تصيب مريض الذهان، إلى أن تؤدي به إلى الموت أو التشرد أو إلى قضاء ما تبقى من حياته بين جدران مصحات الأمراض النفسية والعصبية، وهو ما حدث بالفعل.

هل يمكننا إذن أن نصنف رواية بساتين البصرة ببساطة على أنها رواية عن المرض العقلي؟

بالطبع لا..

ففي الكثير من الأحيان يكون التصنيف بترا لامتدادات الجمال، ووأدا لأرواح أخرى ربما تنفلت من شخصية أو حدث أو رمزا هنا أو هناك، وتجاهلا لجماليات حبك نسيج من ألف خيط مختلف، وهو ما قامت به الكاتبة عندما مزجت الأزمنة والشخوص والأفكار والأساليب اللغوية ومستويات الترميز، في رواية لم تتخطى المئتين صفحة.

جدير بالذكر أن منصورة عز الدين كاتبة وروائية مصرية، صدرت لها سبعة أعمال أدبية، وحصلت على عدد من الجوائز الأدبية الدولية، وقد صدرت روايتها بساتين البصرة عن دار الشروق في نهايات العام الجاري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتبة وروائية مصرية

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...