اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

حبّات الفستق والبحر | قصتان ... *إبراهيم حنفي

⏪قصتان قصيرتان
⏪حبّات الفستق والبحر

الْبَحْرُ مِدَادٌ لِشُعُورٍ يَجْرُفُهُ الْمَوْجُ عَلَى شَاطِئِ الْألَمِ الْمُسَجَّى لِأنَامِلِ صَيَّادَ، قَبض عَلَى قَصَبَتِهِ المتدلي مِنْهَا صِنَّارَةَ حَادَّةَ، عَلَّهُ يَشْتَبِكُ مَعَ
سَمَكَةٍ عَظِيمَةٍ يأكلها حَتَّى ذَيْلِهَا هُوَ وَحَبيبَتهُ فِي الْعَشَاءِ الْأَخِيرِ قَبْلَ سَفَرَةٍ إِلَى بِلَادٍ لَمْ يعرفْهَا، وَأَنِيسَ لَا يَجِدُهُ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، بُغْيَةً لقيمَاتٍ تُشِدّ عُودُهُ لِسنوَاتٍ فِي الْغَرْبَةِ تُنْجِيهِ مِنْ طَاقَاتِ الْفَقْرِ، أَوَقْفَ دَرَّاجَته الْمُتَهَالِكَةِ الَّتِي تَتَلَوَّى فِي مَشْيَتِهَا، تَأْمّل الْبَحْرُ، غَاصَ الْخَيْطُ فِي الْأَعْمَاقِ، السَّاعَةَ تَقْتَرِبُ مِنَ الْعَاشِرَةِ مَسَاء، الْمَوْجَ يَتَرَنَّحُ عَلَى الشَّاطِئِ يمَيلُ عَلَى النُّعَاسِ، فِي لَحْظَاتِهِ الْأَخِيرَةِ.

أَطل صَابِر الثَّلَاثِينِيّ إِلَى الْمَاءِ فَوَجد صُورَته بَاهِتة اللَّوْنَ، تذَكّر عَنْدَما أَصرّ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ صَابِرِين فَارِعَةَ الطُّولِ وَاسِعَةَ الْعَيْنَيْنِ، رُموش تَشَفّ عَنْ خَجَل دَفِين اِبْنُة حَارَتْهُ الَّتِي تَعَلُّق بِهَا وَتَعَلَّقَتْ بِهِ، كدّ لَيْلَ نَهَار، مُثَابِرًا حتى اِسْتَأْجَرَ شقَّة صَغِيرَة، تَأْوِيهُمْ مِنْ أَلْسَنَة حِدَادٍ، وَتَحْمِلُ شَظَف الْعَيْشِ، مِنْ جِيرَانِ يزْلقُونهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ، كُلَّمَا وَلَّتْ وُجُوهُهُمَا شَطْرًا، فَقَدْ رَفَضَتْ صَابِرينِ كُلَّ شَبَابِ الْحَيِّ، كَسَمَكَةٍ عفِّيَّةٍ تُعَانِدُ الْمَوْجَ، أقسمت بِأَيْمَانِ جَمَالِهَا الْفَتَّانِ وَشعْرهَا اللَّيْلِيَّ مَا يَمْسَسْهُ إِلَّا حَبيبهَا الْأسْمَر الَّذِي يَرَى فِيهَا الْقَمَرَ وَالشَّمْسَ وَالنُّجُومَ إِذَا طَلِعُوا، كَلَاَمهُ الْمَعْسُول خَلعَ قَلْبِهَا مِنْ مَكَانِهِ، يَعْمَلُ نَجَّارا مُسَلَّحا فِي النَّهَارِ وَصَيَّادا فِي اللَّيْلِ، لَمْ يَكْفِ رَمَقهُ، وَلَمْ يَسُدّ دُيونهُ الْمُتَرَاكِمَة، كَانَتْ تَنَظُّر إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا وَبِعيونِهمَا سُؤَال هَلِ الْحُبُّ وَحَدهُ يَكْفِي؟

إِنَّ جُوعَ الْبُطونِ لَا يعرفُ إِلَّا طَرِيقًا وَاحِدًا، طَالَ اِنْتِظَارُ صَابِرُ لِسَمَكَةٍ وَقَدْ سَالَ لعابهُ، أَهْلَكَتْهُ المسامِيرُ الَّتي يَدُقُّ عَلَيْهَا، وَيَرَى في دَقُّهَا إِصْرَارًا عَلَى أن يُدْخِل هَدَفهُ فِي مَرْمَاه، وَالطَّرِيقَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ الَّتي يُسْعِدُ بِهَا صَابِرِين، كَيْ لَا تَنَدمَ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْهُ.
شَعَاعٌ يَظْهَرُ بِالْأُفُقِ حَوْلَ الْعَقْدِ الَّذِي حَصَلٍ عَلَيْهِ فِي دَوْلَةِ خَلِيجِيَّةِ، فَغِيَابَ سنةٍ عَنْهَا تُغنيهِ مِنْ سُؤَالِ اللَّئِيمِ، عَلّمَهُ الصَّيْدُ الصَّبْرَ حتِّى يَحْصُل عَلَى عَشَاء فَاخِر فِي هَذَا اللَّيْلِ الَّذِي يَسْتَعِدُّ فِيه لِلسَّفَرِ فَجْرًا.

أَصرّتُ صَابِرين عَلَى أَن يَتَنَاوَلَا السَّمَكَ وَسَطَ الْمِصْبَاحِ الْوَحِيدِ الْمُشْتَعِلِ دُونَ بَاقِي الْمَصَابِيحِ فِي الشِّقَّةِ فَتظْهَرُ وُجُوهُهُمَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَجْهًا لِوَجْهِ متى يُودّعَانِ الْفَقْرُ الْمُدْقع، وَثَمَّةَ حُلْمٍ يُرَاوِدُهَا أَن تَأَكلَ مَرَّةً حبَّاتِ الْفُسْتُقِ مِثْلُ جَارَتِهَا الَّتِي تَعَفَّفَتْ نَفْسُهَا أَن تَطَلبَ حبَّةٍ مِنْهَا،، مَرَّتْ سَاعَاتٌ عَلَى صَابِرٍ، وَلَمْ تأْتِ تَابِعَتُهُ هَرْوَلَتْ فِي ثِيَابِهَا الْفَضْفَاضَ، جَالَت بِخَاطِرِهَا هَوَاجِس لَا تَبْرَحْ عَقْلَهَا، وَمَا أَن رَأَتْهُ رَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِهِ، تَمَالَكَتْ، أَخَذَتْ نَفْسَا عَمِيقَا جَمَعَتْ هَوَاءَ الْبَحْرِ فِي جَوْفِهَا الخاوي، قَائِلَة: هَلْ حَصَلَتْ عَلَى سَمَكٍ؟

قَال: لَا، قَالَتْ: وَلَا سَمَكَة وَاحِدَة، قَال: إِنَّ السَّمَكَ الْيَوْمَ يُعَانِدُنِي رَغْم هُدُوءِ الْمَوْجِ، جَلَسَتِ الْقُرْفُصَاءُ تَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ لَعَلَّهَا تُرْخِي ضَوْء الْقَمَرِ عَلَى صَفْحَةِ الْمَاءِ فَيَتَجَمَّعُ السَّمَكُ عَلَيْهِ، تَبَسَّمَتْ قَائِلَة: حَتَّى السَّمَك يَا صَابِر يَتَجَمَّعُ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ هُوَ مِثْلُنَا؛ لَكِنَّ قَمَرَنَا لَمْ يطلّ عَلَيْنَا، قَالَ: لِلصَّبْرِ حُدودٌ، قَالَتْ: وَصْلنَا إِلَى حَدِّ الصَّبْرِ حَتَّى سدّ الْأُفُق لِسنوَاتِ عِجَافٍ، وَلَا مُنْقِذ لَنَا إِلَّا الْبَحْر نَشْكُو إِلَيْهِ، عُمُومًا هَانَتْ نُجَرِّبُ حَظَّنَا فَإِذَا خَرَجَتْ سَمَكَةُ كَبِيرَةُ، عَرفنَا أَنَّ رِزْقَنَا كَبِير فِي بِلَادِ الْغَرْبَةِ، وَإِذَا كَانَتْ صَغِيرَةٌ، عَرفنَا ذَلِكَ وَحَمِدَنَا الله عَلَيْهِ، كَانَتْ كَلِمَاتُه تُهْدّئ مِنْ رَوْعَةِ الْمَوْقِفِ، اِقْتَرَبَت السَّاعَة مِنَ الْوَاحِدَةِ لَيْلًا، لَابِدَ أنْ يَسْتَعِدْ لِلرَّحِيلِ عِنْدَ الْفَجْرِ.

لَمْ يَكُنْ فِي جَعْبَتِهِ إِلَّا ملَبسَ وَاحد فَقَطْ وَحِذَاء مُتَرَهِّل، وَفَجْأَةَ شعر صَابِرِ أَنَّ الصِّنَّارَةَ تَسْقُطُ مِنْهُ، وَقَفَتْ صَابِرَيْنِ تمسك بِالْخَيْطِ مَعَهُ، فَرحَةً بِمَا سَيَأْتِيهُمَا مِنْ صَيْدِ ثَمينِ، يَجْذبَان مَعَا، قَالٌ إِنَّهَا سَمَكَةُ كَبِيرَةُ تَفَرَّجَتْ خُيُوطُ وَجْهِهَا وَتَهَلَّلَتْ أَسَارِيرُهَا، يَا لَهُ مَنْ قَدْرٍ، عَنِ الدُّنْيَا سَتَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُهَا عَلَى مَصْرَاعيهَا، تَحَرّكَ الْخَيْطِ يَمِينَهَا، فَتَابَعَهُ بِقُوَّةٍ، أَمْسَكَتْ صَابِرَيْن جِرَابَ الصَّيْدِ فَتَحْتَهُ تُجَهِّزُهُ لِلصَّيْدِ الثَّمينِ مُتمَسكة بِثِيَابِ صَابِر كَيْ لَا يَسْقُطُ هُوَ نَفْسُهُ فِي الْبَحْرِ مُتَعَلِّقًا بِالصِّنَّارَةِ، شَدَّ الْخَيْطِ عَالِيًا، وَإذاً بِهِ فَرْدَةُ حِذَاءِ كَبِيرَةِ.

⏪بائعة الكريز

لَمْ أَكُنْ أَتَخَيَّلُ مَا حَدَثَ، قَابَلْتُهَا ذَاتَ صَبَاح فِي حُلَّةٍ زَرْقَاءَ كَأَنَهَا السَّمَاءُ حِينٌ أَفْرَغَتْ مَا بِهَا مِنْ مَطَر، بَيْضَاءُ تسرُّ النَّاظِرِينَ، شَقْرَاءُ الشُّعْرِ تتَدَلَّى عَلَى جَبِينِهَا خَصْلَة صَفْرَاءَ، يُدَاعِبُهَا الهَوَاء البَارد، تَتَحَرَّكُ عَيْنَاهَا بِحَرَكَاتٍ كَلِصٍّ مَذْعُورٍ حِينَ يقْبضُ عَلَيْهِ، تَسْتَغِيثُ شَفَتَاهَا بِمَا يُطْفئ نَارَهَا، تَقْبِضُ عَلَيْهِمَا حِينًا وَتَتْرُكُهُمَا لِحَالَ سَبِيلهمَا حِينَا آخَرَ، تَقِفُ فِي آخر مَمَرٍّ مِنْ المَحْكَمَةِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالظَّهِيرَةِ، تَقَف مُنْتَصِبَة إِذَا سَمِعَتْ صَوْتًا يَتَأَوَّهُ فَتبْرقُ عَيْنَاهَا، بِدَمْعَةٍ حَائِرَة لَا تَعْرِفُ قَرَارًا بَيْنَ الجُفُونِ أَن تنزل أَمْ تَتَصَلَّبُ فِي الأحداق، مُعْلِنَة الثَّبَات مَعَ اِرْتِعَاشِ الجَسَدِ البَاهِت، كَشَاةٍ تجرُّ إِلَى بَابِ الذَّبْحِ، فَتجْلِسُ خَائِفَة مِنْ شَيْءٍ مَا، تَنْتَظِرُ إِعْلَانَ اِسْمِهَا فِي (رول) المَحْكَمَةِ وَرَقمَ قَضِيَّتهَا.

الأَيْدِي ينعى بَعْضُهَا بَعْضًا فَيسِيلُ العَرَق بَيْنَ الأَنَامِلِ مُتَخَبِّطًا طَائِرًا عَلَى عَبَاءَتِهَا السَّوْدَاء، لَمْ تَكُفَّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيَّ بِاِهْتِمَامٍ، شَككتْ فِي نَفْسِي، رُبَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا، اِنْتَظَرْت حَتَّى تُفْصِحُ وَلَوْ بالإيماء، كُنْتُ مَا بَيْنَ لَهِيبِ الرَّغْبَةِ وَالاِمْتِنَاعِ، لَمْ أَمْلِكْ الشَّجَاعَةَ لِنَظرَاتِهَا المُبَاغِتَة الَّتِي أَخَذَتْنِي مِمَّا أَنَا فِيه فَقَدْ تَرَكْت مَا جَئت إِلَيْه، فَوَضَعَتْ رَأْسِي بِجَانِبِ السُّورِ الأَيْمَن، رُبَّمَا، قَدْ كَتَبت شيكًا عَلَى نَفْسِهَا وَلَمْ تَسْتَطِعْ سَدَادَهُ، أو ربما كَانَتْ مِنْ اللائِي لَمْ تَدْفَعْنَ مَالًا حُكُومِيًّا، مِثْلَهَا لَمْ يَسْرِقْ، بَلْ يُسْرَق، تَذكّرتُ (ياما فِي الحَبْسِ مظاليم) لَكِنَّ أَيّ مظاليم وَهي الشَّمْسُ الَّتِي أَلْهَبَتْ قُلُوبَ الحَاضِرِينَ، ظلمَتهُمْ بِجَمَالِهَا، وَزَادَتْهُمْ اِرْتِعَاشَهَا كَقِطَّةٍ، وَضَعَتْهُمْ فِي مَأزق بَيْنَ الحنوّ عَلَيْهَا وَالاِبْتِعَادِ عَنْهَا، خَشْيَة خَرْبَشَةٍ تُصِيبُهُمْ بأْذى، تَمَنِّى كُلُّ وَاحِدٍ، لَوْ رَآهَا خَارِجَ مِيزَانِ العَدْلِ لَمَالَتْ كفَّتُهُ إِلَى اليَمِينِ، جَبْرًا وَطَوْعًا.

وَبَعْدَهَا يَرْضَى بأيّ حُكْم، فَالقَتْلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَيْنَيْهَا، أَرَقُّ أَنْوَاعِ القَتْلِ، اِقْتَرَبْتُ أَكْثَرَ لَاحَظْتُهَا تَرْنُو إِلَى كُشُوفِ المُنَادَاةِ فِي يَدِ الحَاجِبِ تَمِيلُ بِرَأْسِهَا بِرَهَف كياقوتة تَنْتَظِرُ صَاحِبَهَا بِشغفٍ، وَقْفَت وَحِيدَة، شريدة لَا تُبَالِي بِي، وَلَا بِالعُيُونِ الَّتِي أَكَلَتْهَا وَاِرْتَوَتْ بِجَمَالِهَا، وَقّعَتْ عَيْناي عَلَى قَدمِيهَا وَقَدْ خَرَجْت مِنْ تَحْتِ نَجَّارِ أَحْكَم صَنْعَة فِي تُحْفَةٍ بَالِغَةٌ الجَمَالِ، كُلَّمَا سَمِعْت صَوْتَ هَرجٍ وَمَرج أَطْلَقْت أُذْنَيْهَا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ عَنْ كَثَبٍ، حَتَّى نَادِي المُنَادَىُ (سِ) فَرَدْتَ: أَنَا أَنَا اِلْتَصَقْت بِالحَاجِب، تمْسك بِطَرَفِ ثِيَابِهِ مَرَّةً وَتتركُهُ مَرَّةً أُخْرَى.

قَالَتْ: أَنَا (بَائِعَةً العِنَبَ) أَرْدَفْت تَحَرَّكت مَعَهُ تَتْبَعُهُ كَمَلِكَةٍ فِي بَهْوِ السُّلْطَانِ، وَقَفَ النَّاسُ لِجَمَالِهَا عَلَى الجَانِبَيْنِ، رفَعَت المحْكَمَةُ جَلَسَ القَاضِي يَنْظُرُ فِي أَوْرَاقِ القَضِيَّةِ، وَعِنْدَمَا رَفع رَأْسَهُ وَأسْجِى قَلَمهُ عَلَى الوَرَقِ تَحَسَّسَ نُعُومَتَهُ، نَبَرَاتُهُ هَادِئَةٌ سَأَلَهَا: أَنْتِ (سِ) قَالَتْ: نَعَمْ: قَالَ احكي: قَالَتْ: عَمّاذَا يَا سَيِّدِي وَعَمَّا أَحْكِي، حِكَايَتي ذرفت دُمُوعًا لَمْ تَتَمَالَكْ نَفْسَهَا، أَمْسَكَتْ بتلابيت عَبَاءَتهَا، تَكَسَّرَتْ الحُرُوفُ بَيْنَ شَفَتَيْهَا المُرْتَعِشتين، اِنْطَلَقْتَ قَائِلَةً: أَنَا سَيِّدِي مُوَافَقَةٍ عَلَى زَوَاجٍ زَوجِي مِنْ أُخْرَى قَالَ: لمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّي أُحِبُّهُ فَلَمْ أَعُدْ أَصْلَح لَهُ.

وَقَفَ القَاضِي يُعَدِّلُ مِنْ هَيْئَتِهِ أَجابها بِتَعَجُّبٍ كَيْفَ وَأَنْتِ بِلْقِيسُ فِي عَرْشِهَا؟ تَعَالَتْ الأَصْوَاتُ، هَمهم الجَمِيعُ، أَبْدَوْا الاِسْتِعْدَادَ بِالزَّوَاجِ مِنْهَا إِنْ أرادت، دَامَ الصِّرَاعُ بَيْنَهِمْ وَبَيْنَ القَاضِي حَتَّى أَجْلَسَهَا مَكَانُهُ، فَأَرْدَفَتْ لَمْ أقصّرْ فِي حَقِّهِ يَوْمًا كُنْتُ أتشمم رَائِحَتَهُ حِين يَهْفُو، وَحِينَ يَنَامُ عَلَى رَاحَتِي، أَمْسَحُ عَلَى جَبِينِهِ، تُدَاعِبُ أَنَامِلِي عَيْنَيهُ كَرَاقِصَةِ بَالِيْه، لِأَنَّهُ حَبِيبِي حَبِيبِي، وَكُنْتُ أَتَحَسَّسُ حَبَّاتِ الكريز فَأُخْتَارُ أَطْيَبهَا وَأَعْصرهَا فِي فَمِهِ حِينَ يَغْضَبُ، إِنَّهُ آخرُ حَبَّةٍ فِي عُنْقُودٍ حَيَاتِي بَعْدَمَا اِنْفَرَطَت مِنَى كُلُّ حَبَّاتِ الحَيَاةِ، فَأَنَا مُتَعَلِّمَةٌ، طأطأ زَوْجُهَا رَأَّسَهُ بَاكِيًا، اِنْتَفَضَ القَاضِي متعجبا مِنْ زَوْجِهَا قَائِلًا: وَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبَك لمَجْنُون. ثُمَّ سَأَلَهَا: وَلَكِن أَيْنَ الحَقِيقَةُ؟ قَالَتْ: الحَقِيقَة أَنَّي كفيفة.

*إبراهيم حنفي
كاتب من مصر

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...