⏬
عندما رحل أبي حيث ارتاحت روحه إلى جوار بارئها،وسكنتْ، منذ سنين بعيدة، أحسست ببقايا أنفاسه تنسكب في شريان قلبي، فرحت ألملم تفاصيل أيامه بيننا، وأقتفي أثر خطواته في دروب مشاها عبر مسيرة عمره الطويل الحافل بالإنجازات، المثمر بكل مالهقيمة اجتماعية، أدبية، فكرية، وثقافية.
ابتعدت رغما عن مسقط رأس أبي ( مدينة حماة) نظرا لعمله في العاصمة ، وأسفاره، وزواجه بدمشقيته الشقراء أمي رحمها الله، أبصرت النور في الحي الدمشقي ( ساروجة) وتقلّبت بي الأيام في حارات دمشق القديمة، بين أفياء أهل أمي وطيب عيشهم، وحلو عاداتهم، وفن الحياة العالي لديهم، وبين توجّه دفّة حياتي العائلية نحو مسارٍ آخر. رسم ملامح دوّامة مازلت أشعر بدوارها رغم محاولة التخفّف منها عندما اكتملت رسالتي اليوم..وبتّ أستجمع روعة حصادها.
كنت أزور ( حماة أبا الفداء) في فترات متباعدة ضمن مناسبات كان يلحّ علي أبي في مرافقته للقيام بواجبها .. أزور فيها معه بيوت الأعمام والعمات وأنسالهم الطيبة التي تتجمّع حولنا بترحاب قلّ نظيره، يتسابقون في تخاطفنا لنلبي دعواتهم لمشاركتهم الطعام و المبيت، وقلما نحوز على رضاء الجميع.وما أكثر العتاب.
كان يخطو مسرعا متلهفا إلى تعريفي على معالم بلده الجميل وأنا أحاول أن أوازي سرعته لاهثة يشير بأصبعه لكأنه يحرص على زرع الأماكن بفؤادي قبل عيني: هنا القلعة، هنا جنينة أم الحسن، نهر العاصي، النواعير، برج الساعة، العليليات، هنا الحاضر وأسواقه، الصابونية، الدباغة ، الشريعة، حي الجراجمة، وحي الطوافرة الذي سلب لبي حيث تتضافر الحياة بين الحاضر والماضي، تاريخ يحاكي الروح ويسكنها
اليوم أشتاق أبي، أبحث عن خطواته في مرابع موطنه الأول، ألملم حروف مؤلفاته، أعيش تلافيف رحلة أسفاره وطموحاته، أسقي شجرة العائلة المباركة بمودتي، أحضن أغصانها، فتشعرني بالدفء والتحنان، والحب الذي ليس له آخر.
زرت حماة للتوّ في الأيام الأخيرة من رمضان، واليوم الأول من عيد الفطر السعيد، برفقة أختي الكبيرة مريم وابنها ( عبد الرحمن ) بمناسبة قدوم حفيدها الجميل ((زياد)).تجوّلت في معالمها بعيون من يستكشف الأشياء للمرة الأولى، بروح عاشقة متجدّدة.
توقفت كثيرا في حي الطوافرة، وقصر العظم، غنينا معاً أغنية حموية تراثية مثل جوقة مرحة أمام النواعير في مشهد آسر يرصد حركتها عن قرب( سمعت عنين الناعورة، عنينا شغل لي بالي، هي عنينا عا المية ، وانا عنيني عاالغالي ،، اووووف يابا..)
أخي ملهم الذي فتنته حماة صغيرا وكبيرا، أخي المحب لصلة أرحامه فيها بلا انقطاع، .. لايخفي غيرته الموشاة بالغبطة الكبيرة ..يهاتفنا على الجوال مرارا: لولا تعب الصيام لكنت معكم.. قريبا سنعيدها معا إن شاء الله لن تفلتوا من صحبتي.) وأنا أمعن في إغاظته شامتة ضاحكة.
توقفت للحظات وقد انبثقت عن الروح فكرة صرخت في الحال:
ـــ ياجماعة سأكتب رواية جديدة سأسميها ( حي الطوافرة) أسرد أحداثها انطلاقا من هنا، أمشي فيها شوارع حماة ، بيوتها، أتغلغل في تاريخها، في ملامح أهلها، سترافقني روح أبي تشير إليّ فأتبعها حيث فيض النور اللامتناهي.. علّني ألتقي أثيره،.وتنبثق على يديه رواية سأكتبها بكثير من المتعة في السرد والحدث ( حي الطوافرة) نحن على موعد أرجو من الله أن أوفق بهذه الرغبة فأنا ماضية إليها بحماس،بصحبة من أحب.
*إيمان الدرع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق