فستانٌ ورديٌّ مستطيل ينتهي عند الركبتين، لا تعقيدَ فيهِ. خطّان مائلان يقطعانهِ من الكتف حتّى الركبة. فتحة الصّدر بيضاوية والأكمام تتجاوز الإبطين بنصف إصبع.
فستانٌ ورديٌّ عاديٌّ جدّا، مُملّ جدّا، ولكنّه ينسلُّ من عاديته حين يصبح فستانا لزفاف خالها.
لم تتوقّف كثيرا عندَ تفاصيله، هو فستانٌ ورديّ وهذا ما يهمّها. وهي تقيسهُ في الدّكان لم تصل نظراتها إلى ساقيها.
كنّ كثيرات، والوقتُ والمكانُ لا يتّسعان لوقفة تأمّل مع كلّ فستان. تختارُ الواحدة بسرعة تقيسُ بسرعة أكبر وتقبعُ في زاوية الدكّان تقارنُ بين محاسن فستانها وفستان ابنة عمها أو خالتها.
في البيت وأمام المرآة الغبشاء صدمها انعدام التناسق بين نهديها النافرين والزغب الذي يغطّي ساقيها. إنّه انتهاك غير مقصود لشكل الأنوثة و تلاعبٌ بمفاهيمها. لا يمكن للعين ألاّ تنتقلَ بخبثٍ بينهما، وتتّسعُ دهشةً.
أمّها مصمّمة أنّها ما زالت صغيرة جدّا على معاناة الجمال وألمهِ، وفتنته أيضا تُخيفها. فتنة الجمال قد تكسرُ روحها الطفلة.
"بَدْري": تقولها الأم وتتعمّد أنْ تُسمعَ عمّة ابنتها وهي المتولّية لشؤون إذابة السكر ومدّه على الأجساد الغضّة ثمّ نزعه بخفّة وشطارة لا تُضاهيها فيها أيّ من نساء القرية. "بَدْري" تكفي كي تُغلق أيّ منفذٍ لإقناع العمّة بقدسيّة ترميم أنوثة ابنة أخيها الصّبيّة.
كيفَ وافقتْ على شراء هذا الفستان؟ أو أيّ فستان آخر يوقعها في هذا الإرباك بين أنوثة صارخة في الأعلى وأخرى مُعابة في الأسفل؟ هل المشكلة فيه أم في رغبتها بساقيّْن ناعمتين لامعتيْن؟
الثالثَ عشرَ سنٌ يليقُ بألم الدورة الشهريّة وحمّالة الصدر الخانقة ورعشة القلب الأولى. ولكنّه لا يليق بساقين ناعمتين بضّتين؛ هذا في شرع أمّها. باستثناء رعشة القلب الأولى فهي مؤجّلة دائما.
لا وقتَ لشراء ملابس بديلة وهي لن تشارك في العرس بساقين مغبرّتين حتّى لو دارى الليلُ على ذلك كما تطمئنها خالتها الصغرى.
كانَ الحلُّ يجولُ في ذهنها وبين الشُّعيرات المتسلّقات. تطردهُ ويعودُ ليفرضَ ذاته بقوّة. لا سبيل إلاّ شفرة الحلاقة الّتي تعاني أطرافها صدأ متقدّما منذُ غادر والدها المنزل وحياتهم. لا تعرف لماذا ما زالت أمّها تحتفظ بها. أخوها ابن العاشرة وهو الذكر الوحيد في البيت لم تخطّ له بعدُ شعرة تستوجب القَسَم بها أو حلاقتها. وشفرة الحلاقة الصدئة دليلٌ على غياب الذكورة في منزلهم أو تأخّرها أو انتظارها.
حينما اطمأنّت لخلو البيتِ من أمّها وأخيها جلست أمام الباب المفتوح لنور النّهار الّذي يفضحُ كلّ ما نفرَ عن جلد السّاقيْن. أمسكت بشفرة الحلاقة بيدين راجفتيْن واحتارت كيف تبدأ، من الأعلى إلى الأسفل أم العكس؟
بدأت تمرّر الشفرة بحرص وخوفٍ على ساقها اليمنى. ضحكت وهي تتخيّل الحصّادة في حقل القمح المقابل للقرية تبتلعُ السنابل وتتركُ وراء حركتها خطّا مستطيلا نظيفا ناعما يفصلُ بين جداريْن من سنابل. والخطوط على ساقيها تزدادُ التصاقا حتّى صارت كلّها أرضا محصودة ناعمة.
نسيت نفسها وهي تتأمّل روعة المنظر. كلّ هذا الجمال تخفيه شعيراتٍ بشعة لم تنتبه لبشاعتها إلا بعد إزالتها. كيف ستحتملُ عودتها مرّة أخرى على ساقيها اللامعتيْن؟ هذا الجمال العالق في عينها وعلى أطراف أصابعها لا يمكن أن ترضى بتشويهه أو تعكيره.
لم تكنْ مهمّة صعبة. خلال دقائق صارت أنثى متكاملة. العين ستتّسعُ دهشةً للتناسق الجميل في أنوثتها. أعجبها ذلك الإحساس، إحساس الأنوثة المتكاملة.
صمت أمّها أوحى إليها أنّها راضية عن النتيجة ولو كانت تمرّدا على قراراتها، وأنّ رفضها لم يكن في محلّه. لم تسأل كيفَ ومنْ، اكتفت الأم بنظرة سريعة نحو ساقي ابنتها انتقلت بعدها إلى المدى كعادتها في الهروب من الحقيقة والكذب.
أما هي فلم تُتابع تفاصيل العرس بدقّة. تفاصيلها الجديدة شغلتها أكثر.
انتهى العرسُ. سقطت منهكة وارتمت على كومة الفراش في بيت جدّتها وهي تمسّد ساقيها بمتعة، توقفت كفّها عند خطّ من الشعر أسفل بطن ركبتها. كانَ بارزا في حقلٍ من النعومة حوله، خطّا أعاد لها صورة جدار السنابل في الحقل المُقابل.
إذن لم تكن المهمّة سهلة والأنوثة لم تكتمل. لا بدّ أنّ عينا واحدة اتّسعت دهشة لأنوثتها المُعابة. عينا التقطت خطّا خلفيّا لم تصله لا يدها ولا عينها.
نظرت حولها تبحثُ عن تلك العين. كانت عمّتها تنظر إليها وتبتسمُ.