*قراءة- سماح عادل
رواية “الملائكة لا تطير” للكاتبة التونسية “فاطمة بن محمود” تحكي عن الجماعات الدينية المتشددة في تونس ونموها وتطورها.
الشخصيات..
سيف: رجل نشأ في حي فقير، واضطر للقيام بأعمال بائسة، ثم التقطته إحدى الجماعات المتشددة فوجد فيها الملاذ، وآمن بكل أفكارها في الجهاد وإرجاع مجد الإسلام الذي خبا، ويظل حتى النهاية متمسك بأفكاره المتشددة.
ليلى: زوجة سيف، خاضعة له، منسحقة أمام سطوته، تطيعه وهي مقتنعة تماما بأنها لابد وأن تطيع زوجها، ثم تتمرد عليه في النهاية.
نور: ابنة ليلى وسيف، حاصرها الأب بأفكاره الرجعية وآراءه المعادية للنساء، وقتل أحلامها في أن تعيش حياة طبيعية، لتنهي حياتها بإرادتها بعد أن يزداد الضغط عليها.
الساردة: تظهر بوضوح داخل الرواية، ربما كأحد شخصيات الرواية، حيث تحرص على تسجيل ملاحظتها على ما تفعله الشخصيات.
الراوي..
الحكي في الرواية يعتمد على راوي عليم يحكي عن الجميع، عن الساردة، وعن الشخصيات الأساسية في الرواية، بضمير الغائب، ثم هناك حكي آخر بصوت الشخصيات أنفسهم، سيف وليلى ونور حيث يترك لهم الراوي العليم حرية التعبير عن أنفسهم بضمير المتكلم، كما تتضمن الرواية رسائل كتبتها نور لنيتشه، ومذكراتها.
السرد..
الرواية تقع في حوالي ١٨٨ صفحة من القطع المتوسط، تحكي بشكل تصاعدي، لكن تبدأ الرواية من النهاية، حيث تقرر الساردة أن تقص حكاية ليلى، ثم تبدأ في الحكي لنعود إلى الساردة وليلى في نهاية الرواية، وقد تستبق الراوية الأحداث ببعض الجمل، تركز الراوية بشكل أساسي على سيف ونور وبشكل أقل على ليلى.
نمو الجماعات المتشددة وقهر المرأة..
الرواية ترصد نمو وتطور الجماعات المتشددة في تونس، من خلال حكي قصة أسرة صغيرة الأب فيها انتمى لإحدى الجماعات الدينية المتشددة، بعد أن كان يعيش حياة اللهو والتنمر على الناس والسرقة وشرب الخمر، وكان يحب إحدى الفتيات والتي هجرته لكي تتزوج من شاب غني سافر إلى ايطاليا ورجع يقود سيارة فخمة، وهذه الصدمة العاطفية إلى جانب فقره وحاجته ساهموا في ارتماءه في أحضان الجماعة المتشددة والبحث عن ملاذ نفسي.
وقد انضم سيف إلى تلك الجماعة قبل قيام ثورة الياسمين في تونس وقبض عليه وسجن لمدة خمس سنوات، ثم تقوم الثورة على “ابن علي” ويحصل سيف على عفو عام، ثم تنمو وتزدهر الجماعات الدينية المتشددة بعد رحيل بن علي وتنتشر في المجتمع ويقو نفوذها وتسعى إلى استقطاب مزيد من الشباب الفقير والمحبط. ويصبح سيف من القيادات باستقطابه عدد كبير من الشباب إلى جماعته.
وترصد الرواية كم التناقض الذي يعيشه سيف، فرغم أنه ينتمي إلى تلك الجماعات على مستوى أفكاره التي تم تلقينه إياها إلا أنه وجدانيا متعلق بلبنى تلك الفتاة التي أحبها وهجرته، كما أنه يغوي النساء على الانترنت، حيث أسس حسابا تحت اسم وهمي يمارس فيه ممارسات جنسية افتراضية، ورغم ذلك الجانب الخليع في شخصيته يفرض على زوجته ليلى سلطته القاهرة، ويجبرها على الحرمان من متع كثرة في الحياة بدعوى أن الدين يحرمها، الموسيقى والأغاني والملابس الملونة والترفيه بكل أنواعه.
يضربها ليؤدبها ويربيها كما يدعي، ويؤكد عليها دوما أنها ناقصة وقاصر وتحتاج دوما لتوجيهاته وأوامره، ويمنعها من أن تلمسه أو تتقرب إليه ودائما ما يضع حواجز بينه وبين زوجته.
وبالنسبة لابنته فقد سعى إلى ختانها رغم أن هذه العادة غير معروفة في تونس، ولا يقوم أحد بها لكنه يقرر أن يختن ابنته ويحرمها من حقها في عيش حياة طبيعية، ويمارس عليها كل أنواع القهر والتسلط ثم في النهاية يجبرها على ترك دراستها بعد أن وصت إلى مرحلة البكالوريا لكي يزوجها من أحد أصدقاءه في الجماعة.
الختان هزيمة..
تركز الرواية على الختان وأنه يهزم المرأة ويقتطع ليس فقط جزء هاما من جسدها وإنما جزء من روحها وكيانها وإحساسها بنفسها كإنسانة، وتظل نور تعيش بعقدة الختان تلك، وبعقدة جسدها المنتهك، وتحاول التمرد على أسرتها التي تحرمها من مقومات الحياة الطبيعية، وتقترب جسديا من أحد زملائها في المدرسة لكن حين يشتد الضغط عليها تنتحر بقطع شرايينها يوم زواجها وتموت.
من جانبها تنصاع ليلى تماما لزوجها سنوات طوال، ورغم أنها تشعر في داخلها بالحرمان وبقسوة حياتها وجفاءها، حتى أنها تفرغ ذلك الحرمان في أحلامها فتحلم أنها ترقص أو أنها تحب شابا وسيما، ورغم أنها تستغل خلوة المنزل من ابنتها وزوجها وترتدي ملابس مثيرة وتتجمل، إلا أنها لا تقوى على التمرد على سلطة زوجها، وتنصاع له تماما لحين موت ابنتها، حينها تستفيق وتقرر التمرد وهجرة زوجها الذي كان السبب في انتحار ابنتها.
ينهار سيف حين تهجره ليلى رغم أنه لم ينهار عند موت ابنته مما يثبت أن الأفكار الرجعية والمتخلفة التي تحط من شأن المرأة قد تمكنت منه، حتى أنه حين انتحرت ابنته كان ساخطا وغاضبا عليها ولم يحزن إلا بعد أن هجرته زوجته، ثم وبعد انهياره ظل على تخلفه وجهله وقرر أن يتطوع للجهاد في عملية انتحارية.
تبين الرواية كيف أن الفقر والأزمات تحطم ذوات بعض البشر وتدفعهم ليكونوا وقودا وحطبا للجماعات الدينية يزيدون من اشتعال نارها.
كما كانت الساردة ظاهرة وبوضوح داخل الرواية حتى أن الراوي العليم حكي عنها وعن أنها هي أيضا تعاني كامرأة رغم تفتحها وكون حياتها تختلف كليا عن حياة ليلى، لكنها رغم ذلك تتعرض لقهر زوجها الذي يقلل من شأن أهمية الكتابة، ويعتبر أنها حين تتفرغ بعض الوقت للكتابة الأدبية فهي تضيع وقتها الثمين الذي من المفترض استهلاكه لصالح الأسرة وفقط.
الرواية مميزة تعتمد على كشف العوالم الداخلية للشخصيات وكيف تفكر وكيف تختلف أو تتناقض أفكارها، كما تكشف معاناة نور الداخلية.
الكاتبة..كاتبة تونسية، لها إصدارات مختلفة في الشعر والقصة القصيرة جدا والرواية والنقد الأدبي،وهي رئيسة جمعية الكاتبات المغاربيات بتونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق