ولأن رحلة الغرق تشدني .. يتمدد فزعي فتيلا نحو السماء، أدنو من ارتعاشة السكرات، أقف بين جحيم الموج وما تشتهيه السفن، تداهمني قولة صمويل بيكيت: ” أنت على الأرض، لا يوجد علاج لذلك”، فيجتاحني حزن جليل .. فمن ينقذني والجرح الغائر على ظهر الوجع ينهشني، وأنا أمتثل للوعد القاسي، هل علي أن أصوغ شحوب الهمس، أعانق إحساسا بالارتياب دسته الفجيعة في أضلعي، أعقم جرعة قصوى من التوجس وأشتهي ضحكة تعيد للوقت رطوبة غيم المغيب؟
أتسلق اللهفة المعتقة،
أرتل العويل العاري ..
أنحت الزمن
حدائق راعشة.
العزلة ..
فصل مريب.
وأنا أتأبط القليل من الأرض، الأرض التي تتسكع في نهر الوقت، أتذكر حياة كانت تَذِبُّ في الأمس، يتزاحم الليل في رأسي، أريد أن أصرخ، لكن الكلمات تاهت عن معانيها، وحده صوتي يبحث عن وقت مفقود كان هنا ..
فهل تريد يا الله أن تستعيد شمسك، والباب مُشرَعٌ على أزهار ثلج خرساء؟
وتلك النملة همست، ادخلوا مساكنكم؛ فكن رحيما في الفتك بنا يا الله، أضِىء ملكوتك، لترتدي الغابة لونا زاهيا، لتوشوش لي أوراق الشجرة قرب نافذتي …
تراتيل الكنائس ترتعش ..
هل عاد نيرون يا روما ؟؟
أمهلني قليلا يا الله، لأغربل لحبيبي الهواء في مصفاة، أحمله إليه نظيفا، لتغزل دقات قلبه على البندول برقة، ليرافقني إلى حقول القمح، نراقص سكرة الندى مثل فجر العيد ..
دعواتنا المرتجفة تنتحب تحت الجلد يا الله ..
فكم يلزمني من غرق لأرسو على سفينتك حافية القدمين؟
من سلال اللايقين أنفض الغبار المر، أعانق تلك الورود الملفوفة بالصمت، الممزوجة بتلك اللغة المحايدة، التي تعيد صياغتي من جديد، كأن العالم يستعيد رحم بيضته، ووحده الصمت يجلد الصمت، رقصة العدم تتغشاني، ضحكات الأطفال تئن، والعدم الأنيق يتساقط على كتفي ناصعا .. واضحا ..
والزهرة ..
حارسة الكون،
يتقافز عبيرها،
تلوح لي من بعيد
يا إلهي ..
كم أصبِحُ هشة ..
ورغم رشاقة الحلم في خيالي، لم أر طيفي هناك، لم أره وأنا أوزع حدائق معلقة / طائرات ورقية / بالونات ملونة / طرقات غصت فيها / حشد ضحكات ترن/ بساتين من غفران/ حبق عصيان/ نُذوبٌ بقدمين تائهتين، كنت أرتعش .. أرتعش ..
فكيف يا دانتي تخطيت الجحيم؟
بيني وبيني خيوط من قش/ نوافذ سقطت من أبوابها / قطارات من غيم … ولكي أصلني، هل كان علي أن أستحم بماء الذاكرة الهاربة، وأرى تلك المرأة أمي تهدهدني .. ؟
تحدق في السماء على حافة الأفق البعيد .. ؟
تطارد سبع سنوات عجاف، وتستوقد عناقا وضحكات تدخرهم لي ..؟
ألوي عنق الهنيهات،
أرسم عواصف الليل،
عواصف الليل .. تلك،
المسكونة بأنين الأنبياء
أنين الأنبياء الذي،
وسع كل شيئ ..
آخذ سيلفي،
للذكرى مع كآبتي
والموت ..
يغرد بشغف لا يطاق.
-
*مليكة فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق