سَقَط معصوماً مِن الْخَطَّاء عِنْدَمَا كَانَ يَسْرِقُ الطَّعَام حِينَ رَآهُ الْجَمِيعِ عَنْ مِساحَةٌ صباحية ؛ فَطِن لَهُم رُؤْيتة حَتَّي اِنْفَطَر مِنْ الْبُكَاءِ صارخاً :
يَا قَوْمِ ، أَيُّهَا الْعَالِمُ ، بِضْع أَيَّام وَأَنَا بمنفي جُوع مُسْتَبِدٌّ باحشائي ، ضَلّ بِي السَّبِيل لِلْعَمَل ، انكهت قوايا واستبد بِي الْمَرَض وَلَا زَوَالَ قَائِمٌ ، صَارَت خُطَاي بَطِيئَة يَأْسُه مَحْصورَةٌ بَيْنَ هُنَاكَ وَهُنَا .
ثُمَّ أَشَارَ بكلاتا يَدَيْهِ نَحْوَ الْيَمِين ، صَوْب (عم أصلان) صَاحِب مقهي الأرزاق بزواية الشَّارِع الْإِمَامِيَّة وطوح الأخري صَوْب الْيَسَار ، صَوْب بَيْت (الأمين الشرطي) الَّذِي يَقْطُن باحدي طَبَقَاتِه بمنتصف الشارع .
حَتَّي . . ) انْطَلَق صَاحِب المخبز مِنْ قَلْبٍ عَمَلِه يَجْهَر بِالْحَقّ :
أَطْلُب ، إنَّمَا لَا تَسْرِقْ الْخُبْز أَبَدًا .
عَاوَنَه الشَّيْخ ( برهامي المجذوب) مَع أدخنة زَرْقَاء متصاعدة مِن مبخرتة الأَثَرِيَّة :
حَيّ حَيّ ، يَرَاكُم اللَّهَ وَأَنْتُمْ تتنكرون ، أَيُّهَا السارقين الْمُتَلَصِّصِين ، الْيَوْم الْمَوْعُود جَي جَي .
الْتَفَت (حسني الغلبان) لمجري كَلِمَات الْمَجْذُوب واسكتة بِنَظَرِه مُسْتَقِرَّةٌ مِنْ أَسْفَلَ أَجْفَانِه ، عَلِيّ سَعْيِهَا تَبَخَّر الْمَجْذُوب فِي لَمْحَة .
هَدّاء الْحَال ، حَتَّي جَلَسَا سَوِيًّا ، عَلِيّ زواية المقهي الْقَدِيم ، يَبْكِي ويتناحر بَهْمَة المنزلق لِلْفَقْر ، لَوْح (حسني الغلبان ) بالبراح ، يهمم مَغْلُوبٌ الْأَمْر : أُدِّي اللَّه وَادِي حِكْمَتِه .
خَطْفَة (الأمين الشرطي) مِنْ بَيْنِ رُكام حَالَتِه ، مُنْكَبًّا عَلَيْه بِالْوُعُود واعطاءة حيزا مِن الْأَمَان وَالسَّكِينَة ، بَعْدَمَا بِكَي (الغلبان) عَن كَلِمَات قَام بسردها ، مِن وَاقِعٌ قَدِيمٌ أَثْبَتَتْ لَهُ الْأَدِلَّةُ عَنْ كَسْبِ ، حَتَّي بَعْد لَحْظَة ، كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فَوْق أَرِيكَة مُمَيِّزَة بِعُقْر دَارِه ، حَتَّي انْتَفَض (حسني الغلبان ) يلثم ظَهَر كَفّ (الأمين الشرطي) يُهَلِّل بمراسم الشُّكْر وَالْعِرْفَان ، عِنْدَمَا أَعْطَاه لِفَافَة ثَقِيلَة بِهَا بَعْضُ الْأَمْتِعَةِ :
عُنُقِي فِدَاء لخطاكم ، قَد أَكْرَمْتَنِي واطعمتني وَكَان بعيونك الشَّفَقَة الْعَظِيمَة ، لَكُم الطَّاعَة مدي الْحَيَاة .
أَزَاح (الأمين الشرطي) (حسني الغلبان) عَنْ يَدَيْهِ قَائِلًا بِإِيمَان وَثَّقَه :
إنَّ اللَّهَ لَا يُنْسِي عِبَادِهِ وَ نَحْن أَسْبَاب لِلْآخَرِين .
حَضَر الرَّجُل بِجَلَال وَجُحُود بُدِئ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ تَبَيَّن مِنْهَا رُضُوخ الْحَاضِرِين لَه ، تعودا لرتابة الْأَمْرَ مِنْهُ ، حَتَّي قَالَ فِي أَجْوَاء صَامَتْه كَا صُمْت الصَّحْرَاء :
لَقَد تَبَيَّن العَدِيدِ مِنَ الْأَشْيَاءِ لِبَعْض الشُّخُوص ، لَمْ يَكُنْ بأهميتها ، إلَّا (صاحب المقهي) و(الأمين الشرطي) , تَسَاءل رجلاً كَانَ مُلْتَحِفًا بِظِلّه :
إلَيّ أَيِّ دَرَجَةٍ تَتَوَقَّف أهَمِّيَّةُ الأمْرِ .
قَالَ الرَّجُلُ مَهُولٌ النَّظَرَات :
إلَيّ دَرَجَة يُفْضِي بِهَا الْأَمْرُ إِلَيَّ الْخَلَاص .
جَهَر الْحُضُورِ فِي صَوْتٍ وَاحِدٍ :
أَصَبْت أَصَبْت أَصَبْت .
أَسْنَد رَأْسَهُ بَيْنَ كفوفة مُتَحَيِّرًا ، حَتَّي اقْتَرَبَت زَوْجَة بانغشال مِن عُيُونُهَا قَائِلُه :
مَاذَا يملاء رَأْسَكَ يَا (امين) ؟ !
أَجَاب (الأمين الشَّرْطِيّ ) متوة الْحَال :
أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يازوجتي الْعَزِيزَة .
قَالَتْ الْمَرْأَةُ :
أَفْضَي آلِيا بِمَا يَشْغَلُك .
قَال (امين) :
ياليتني اسْتَطَعْت ، إنَّمَا هاهي الأَوَامِرُ العَسْكَرِيَّةُ ، عَدَم البَوْح حَتَّي بَيْن النَّفْس ، حَتَّي تَسَاءل بِشِدَّة :
كَيْفَ حَالُ ابنتنا المجدة ؟ ! اتمني لَهَا أَنْ تَمُرَّ بِسَلَام فِي الْمَرْحَلَةِ الدِّرَاسِيَّة الْأَخِيرَة .
اِبتسَمَت الْمَرْأَة تَوَكَّد :
أَنْت أَبَاهَا وَأَنَا الْأُمّ ، مَاذَا سَيَكُون النَّاتِج ؟ !
اِبْتَسَم الْأَمِين بِطَرِيقِه تَمَنّ عَنْ الرِّضَا وَالْحَمْد .
أَشْغَل الْوُجُود بِصَوْتِه يعتلي نَبَرَات الْجَمِيع حَذاقَةٌ :
وَاد يَا أَنَسُ أَخْدُم الزبائن ، شهْل الْعَزْم .
باح (عتريس الْجِنّ ) لمؤنسة الَّذِي كَانَ يَقْطُن جِوَارِه بزاوية المقهي وهو يُلْتَفَت حَوْلَهُ فِي حَذَرٍ كَأَنَّه يلثم الْكَلِمَات :
نقودكم قَلِيلِه هَذِهِ الْمَرَّةِ ، غَيْر الْمَرَّات الأخري
جَفَّف الْأَخِير تفصدة مُفْصِحًا عَنْ أَمْرِهِ :
أَنْتَ أَيْضًا لَمْ تَجْلِب مَا طُلِبَ مِنْك ، بَل تضاءلت الْمَعْلُومَات عَنْ السَّابِقِ .
اعْتَرَض (عتريس الجن) :
إذَا إلَيْك بِغَيْرِي .
عَاد الْمُجَاوِرَ لَهُ بِسُرْعَةٍ البَرْق بلكزة خَفِيفَة :
نَحْن غِطَاء وَسَتْر عَلِيّ بَعْضُنَا الْآخَرُ يَا (جن) وَلَن نَخْتَلِف .
اِبْتَسَم ( عَتْرِيس الجن) وَأَبْرَم عَنْ الرِّضَا بِحَرَكَة احدي كَفَّيْه وَهُو يَدْخُلُهَا بِمُنَفِّذٌ صَدْر عبايتة الصَّيْفِيَّة ،يتنهد بعمق كِنَايَةٌ عَنْ الاِرْتِيَاحِ .
تَشَتَّت الْمُحَقِّق (قسم) عِنْدَمَا عَلِم بفجاعة الْأَمْر طَهَق الْكَيْل متعاركا بِمَنْ أَمَامَهُ :
كَيْفَ حَدَّثَ ذَلِكَ ؟ ! أَنَّهَا إهَانَةٌ وَتَطَاوَل عَلِيّ السُّلْطَة .
قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ :
تَبَيَّنَ مِنْ التَّوْقِيت ، أَن ( الْأَمِين الشرطي) أَخْتَفِي مِنْ الْأَمْسِ فَقَط .
تَسَاءل الْمُحَقِّق بَلَّغَهُ مِنْ الدِّقَّةِ والموضوعية :
هَلْ هُنَاكَ أَدِلَّة ؟ !
قَالَ الطَّبِيبُ باهْتِمام صَارِمٌ :
خُيُوط اخذتنا لِبَعْض النِّقَاط .
تَرَبَّع بِجَانِب الْجِدَار بِبُكَاء شَدِيدٌ الغزارة ، حَتَّي تَفَاوَتَت كَلِمَاتِه الْمِسْكِينَة الْمَائِلَة لشفقة والغلب عِنْد مرآي الْمُحَقِّق (قسم) :
لِي ثَلَاثُ أَيَّامٍ واحشائي فَارِغَة ، أَنَا رَجُلٌ مَرِيضٌ الْعُضَال ، أَرْحَم ضَعْفِي وفقري يَا بية .
أَخَذ الْمُحَقِّق وَضْعِيَّتُه بكرسية الفخم ، عَلِيٍّ حَسَنٌ ذَلِك ، كَان ( حُسْنِي الغلبان) يَتَأَهَّب بُرْدَة فَعَلَه ، حَتَّي فَاجَأَه بصفعة سَرِيعَة ، قَذَفَت وَجْه بِشِدَّة ، مِنْ تِلْكَ الْفزعة ، ارتمي (الغلبان) جَنَح الْأَرْض ، حَتَّي اسْتَنَد بعظامة مُتَمَلِّكًا بِحَالِه ، يسول نَفْسِهِ بِسُؤَالٍ يَرْتَعِد بفكي أَسْنَانِه :
مَاذَا فَعَلْتُ يَا بية ؟ !
جَهَر الْمُحَقِّق بِقُوَّة عَزْمِه :
كَفًّا بِالْمُمَاطَلَة وَالتَّصَنُّع وَاسْتَمَع جَيِّدًا ، . هُنَاك صَفْقَة .
بِكَي (حسني الغلبان) كَاشِفًا عَنْ يَدَيْهِ الْمَعْرُوف المهزوزة :
أَنَّا لَا أَفْهَمُ يَا بية .
جَلَس الطَّبِيب الشَّرْعِيّ يُسْنَد كفوفة بِرُكْبَتَيْه متنهدا : مَنْ كَانَ يَصَّدَّقُ كُلُّ تِلْك الشُّؤُون .
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ :
لَوْلَا جِهَاز التصنت والبصمات ، مَا كَانَ تَمَّ الْأَمْرُ .
الطَّبِيب كَأَنَّه يَسْتَكْمِل مُحَاكَاة :
الَّذِي دَفَعَ العميل لخطف (الأمين الشرطي) لإستقطابة وترويضة لِصَالِحِهِم ، جِهَاز التصنت هَذَا ، حَيْسٌ تَبَيَّنَ مِنْ لَهْجَة الْأَمِين عَن مَعْلُومَاتٌ سَرِيّة ، كَانَ لَا يُرِيدُ الْإِفْصَاح عَنْهَا ، لِذَلِك قَامُوا بِخَطْفَة .
الْمُحَقِّق :
إنَّمَا المقايدة كَانَت بِأَثَر الْمَوْضُوع مُوجِبَةٌ الْفَائِدَة .
الطَّبِيب :
حَقًّا التَّبَادُل الَّذِي تَمَّ بَيْن (حسني الغلبان) و(الأمين الشرطي) كَانَ لَهُ جدوي .
الْمُحَقِّق :
عَلَيْنَا بنَخْب الِانْتِصَار عَلِيّ أَعْدَائِنَا .
الطَّبِيب بتباهي :
يَشْهَدَ لَكَ الْكَفَاءَة ، بمطاردة الدخلاء ، وَالْكَشْفِ عَنْ هويتهم ، حيث اعتقلت كل الاذناب والرؤوس .
الْمُحَقِّق :
عَلَيْنَا أَنْ نَتَحَقَّق عَنِ الْغُرَبَاءِ اللَّذَيْن يُظْهِرُون باحيائنا فَجْأَة بِلَا ادني سَبَبٌ .
الطَّبِيب :
رُبَّمَا يَكُونُ هَذَا دَافِعٌ لتجسس ، مِثْل العميل (حسني الغلبان) والعميل (عتريس الجن)
الْمُحَقِّق :
الْإِحْيَاء الشَّعْبِيَّة طَيِّبَة بِطَبْعِهَا .
الطَّبِيب :
إنَّمَا الْحَذَر دَائِمًا مَطْلُوبٌ ، إذْ كَانَتْ مصائر الشُّعُوب تَتَوَقَّف عَلِيّ الْعَطْف وَالشَّفَقَة .
الْمُحَقِّق :
كَم ضَاعَ مِنْ الشُّعُوب سَعْيًا لِإِتْمَام الْخَيْر وَمِنْ أَجْلِ الْحَبّ وَالشَّفَقَة .
الطَّبِيب :
سِيَاسَة الاستِقْطَاب الْجَدِيد ، تَقَع تَحْت بَنْد الْحَاجَة وَالطَّلَب .
الْمُحَقِّق :
وَالْقُلُوب الطَّيِّبَة تُعْطِي بِلَا ادني حُسْبَان .
المحقق :
الدخلاء عطائهم إمَامِه أَلْف مُقَابِل .
الطَّبِيب :
شَعُوب الشَّرْق عطائهم للأوطان اقوي .
الْمُحَقِّق :
والأذناب لن تكف عن المحاولة .
-
*عَبِير صَفْوَت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق