اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الطريق السريع | قصة قصيرة ...*محمد أبوالدهب

⏪⏬
هل حدث الذي طالما فَررتُ من حدوثه؟ لم ترتعشْ يداي وقدماي، وهواجسي، هكذا منذ سنوات. إنها المرة الأولي منذ ابتدأ الأمر. كنت حريصاً جداً، مُدقّقاً ومتأنيّاً، لأني أخاف من الموت برقبة مكسورة أو جمجمة محطّمة في ميدانٍ عام، ولأني لم أكن أحتمل
التعليقات الساخرة ممّن يظنّون أنفسهم يتقنون كل شيء، ويضيفون إلي ذلك الظن بأني لا أتقن أي شيء، ويريدون في النهاية أن أصدّقهم، حتي تكون لديّ الفرصة للإصلاح من شأني. ما أكثر مرور هذه الطائفة علي المراحل المتنافرة لأيامي. كانت تلك هي البشاعة التي درّبتُ نفسي علي عدم القبول بها، أثناء تدريبي، القديم جداً، علي قيادة السيارات. لكن لا مفرّ من إتيان البعيد ما دام هناك زمن يسير.
يبدو أن الفانوس الخلفي قد تهشّم. الإشارة اليمني بالتحديد. حدستُ ذلك رغم أني تصلّبتُ في مكاني، ولم أترك المقود. ربما كنت شارداً كما جرَتْ عادتي في الأوقات الأخيرة. لكن الشرود نفسه لا يمكن أن يمضي بي علي هذا النحو. لقد استحال تسليتي المفضّلة والآمنة أثناء القيادة. وكانت النتائج جيدة علي عكس المتوقّع. تباهيتُ كثيراً من قبل بقدرتي علي الخروج بها من الجراج، راجعاً إلي الخلف وأنا مغمض العينين. ليس جراجا بالمعني المفهوم، إنما قطعة أرض كبيرة، يملكها أخي الأصغر، يحوطها سور علي شكل مربّع، يتوسّطه باب فسيح، يسمح بدخول سيارة ضعف حجم سيارتي. صحيح أن التباهي كان موجَّهاً للذين لم يقودوا سيّارة في حياتهم أبداً، لكني كنت متيقناً من أني لا أبالغ، ولا أتلفّظ بما لا طاقة لي علي فعله.
لم تكن المرة الأولي هذا الأسبوع. هل هذا مفزع؟ السيارة زمجرتْ وحاولت القفز إلي الأمام قبل أن تهمد تماما، كما لو أنها عاشت ما يسمونه بصحوة الموت. ذلك أني، وبتحريضٍ من رعشة الفزع المفاجئة، رفعتُ قدمي عن دوّاسة الدبرياج بينما ناقل الحركة كان لا يزال في وضع الانطلاق إلي الوراء. نعم، كانت هناك واقعة سابقة. تذكّرتُ الآن بكل وضوح، والبرهان ساطع ومشروخ علي الجانب الأيسر من الرفرف الخلفي.
أعدتُ تشغيل المحرّك. روّضتُ السيارة بنجاح، مسافة مترين أو ثلاثة، حيث موضعها الثابت إلي يسار سيارة أخي. تنهدتُ بارتياح كما لو أني نجوتُ للتوّ من رحلة طويلة وخطيرة. وصفّقت بزهو لأني اكتشفتُ مواهبَ عندي كانت مدفونة. لا أزال غير متحمّس لمعاينة الأضرار الخلفيّة. هل من ضرورة لاقتراف حماقة كهذه. الإنسان يكون شفّافاً أكثر داخل سيارته. ألا يكفي أني استلمتُ إنذاراً وراءه آخر. القوة العظمي الخفيّة تعمل بكامل طاقتها. مصيبة كبري كانت ستكتمل أركانها لو استدرجتُ سيارتي إلي الطريق السريع. الآخرون كانوا سيتحاكون عنها لأيامٍ قبل النسيان الأبديّ. يتحاكون باهتمام يروي غليل فضولهم، وبامتنان لأن التفاصيل القاتلة تخصّ شخصاً غيرهم، وبسخريةٍ لأنهم كالعادة يتقنون كل شيء.
قررتُ ألا أذهب إلي العمل اليوم. بالأصح ألا أخرج بالسيارة. ولم أكن علي ثقة بأني سأفعل ذلك في الغدّ. الغد صار بعيداً وغير مأمول، خاصة بعد التأكّد من الفشل الثاني علي التوالي في العبور بالسيارة الصغيرة من الباب الذي لن يمانع في تمرير شاحنة بمقطورتها. لكني لم أقرر الخروج من السيارة بعد. فتحتُ درج التابلوه، وقلّبت محتوياته، التي لم يبدُ أني قصدتُ التقاط شيء منها، مفاتيح ومفكّات ومسامير وصواميل لم أستعملها طيلة السنوات، رغم حرصي علي وجودها بكل المقاسات التي من المنتظر أن تحوجني إليها الظروف. كان هناك دائماً من يقوم بهذا الدور.
أرسلتُ يدي أسفل مقعد السائق. والسائق لم يكن يوماً سواي. تحسّستُ علَب الدواء الفارغة، التي لم تعلم عنها زوجتي المرحومة شيئاً، مع أني بلعتُ كل تلك الأقراص من أجلها. المهمّ أن تكون ماتت راضية. الانتصاب القويّ كان غايةً أسَريّةً نبيلة. كلما اتكأتُ علي المقود لأغوص بذراعي في عمق أسفل المقعد استخرجتُ مزيداً من العلب. هالتْني الكمية الكبيرة، التي استهلكتُها وحدي. السنوات وحْشٌ مخادع، يلتهم كل شيء، ويبقيك علي الاعتقاد بأنه لم يتناول فطوره بعد. المئات من الأقراص ذابت في دمي، وكل قرص يحمل ذكري مضاجعة، لم أعد أذكر من تفاصيلها إلا الخطوط العريضة المتكرّرة!.. لا مجال للشكّ في أنها ماتت راضية. لمحتُ كيس بلاستيك مطوياً في مطفأة السجائر المفتوحة. ملأته بالعلب الورقية الفارغة، أتخلّص منها، كما لو أني انتبهتُ أخيراً إلي أنها كانت عبئاً علي السيارة، يتسبّب من وقت لآخر في حالاتٍ عشوائية من الاكتئاب للمحرّك!
شغّلتُ المحرّك من جديد. لابدّ أن أحرّرها. أُطلقها من حصار السور المربّع، إلي الشوارع التي ما تزال ممتدّة، ثم إلي الطريق السريع الذي لم يكن إلا مسالماً. ناقل الحركة تحجّر في مكانه. لا يريد أن يتزحزح إلي وضع الرجوع إلي الخلف، ولا حتي التقدّم إلي الأمام. مع محاولاتي العنيدة اليائسة، انكسرت عصاه في يدي، فَرُحتُ أحدّق فيها بلا ضغينة، قبل أن ألقيها من النافذة. عرفتُ أنها لن تغادر مكانها، مثل ميّتٍ حديث، أُغلِق عليه قبره.
في المرآة الوسطي، نظرتُ إلي الوجه الذي تخيّلتُه كثيراً، بملامح متحوّلة وعينين متهافتتين وانطباعٍ أسيف، طوال ثلاثين عاماً فائتة.. وجه يليق بعجوزٍ واعد، أُحيل الي المعاش قبل أقل من أسبوع.


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...