اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

شعبان في خبر كان - 3 ...قصة: *متولي محمد متولي

⏪⏬
عندما استيقظ من نومه ، أحس بوخز شديد في جانبه الأيسر ، تحامل على نفسه حتى لا يزعج والديه الكبيرين، نظر في ساعته فوجدها تشير إلى الخامسة مساء ! تعجب من نفسه ، فقد ظل نائما ما يقرب من عشرين ساعة كاملة !

أثناء نومه أشفقت عليه أمه ، و فضلت عدم إيقاظه ، وتركته ليأخذ حظه من النوم ، لكنها بمجرد أن عرفت أنه قام من نومه ؛ أعدت له غذاءه ووضعته على الطبلية ! تظاهر أمامها أنه بخير ؛ و ليؤكد لها ذلك ؛ جلس وأخذ يتناول بعض الطعام الذي كان عبارة عن أرز وسمك مشوي ، دعاها لتأكل معه ، وهو يعرف أنها لن تمد يدها إلى الطعام إلا عندما يعود أبوه ، هو نفسه في الظروف العادية كان ينتظر عودته ؛ حتى يجتمعوا حول الطعام ، لكنه كان يعرف أنه في العمل ، و أنه لن يعود منه قبل ساعة ؛ فهو يعمل من السادسة صباحا حتى السادسة مساء ! تعودوا تناول الغداء مع غروب الشمس بسبب طبيعة عمل والده ! وربما بسبب ذلك لم يكن يشعر بأي معاناة في صيام شهر رمضان !
نجح في أن يخفي عنها ما يشعر به من آلام تلهب جانبه ، بل و أقنعها أنه أكل حتى شبع ؛ وخرج تكلله دعواتها له بالتوفيق .
بعد قليل كان في إحدى غرف الطوارئ بالمستشفى الأميري المواجه لمبنى المحافظة ، لقد كره أن يتوجه الى طوارئ المستشفى التخصصي الذي كان فيه بالأمس هو وحوالي أربع عشرة جثة كانوا هم ضحايا الميكروباص الغارق ، انتظر طويلا حتى جاء الطبيب ليكشف عليه كان طبيب امتياز صغير السن ! بعد أن كشف عليه كتب في تذكرة الدخول اشتباه زائدة دودية ، وأعطى التذكرة لممرضة ، لتقوم بإجراءات الحجز ! عرف من حديث الطبيب مع الممرضة أنه سيحجزه داخل المستشفى لإجراء عملية الزائدة الدودية ، اندهش شعبان وقال بينما كان الطبيب قد انصرف الى حالة أخرى :
- هي الزائدة مش بتبقى في الجنب اليمين ؟!
سألته الممرضة وهي تبتسم ابتسامه باهتة :
- هو انت تعبان مالك .. .. حاسس بإيه ؟!
ضحك رغم الألم الشديد الذى يشعر به في جانبه الأيسر ، وقال :
- أنا صحيت من النوم لقيت جنبي الشمال .. .. واخدة بالك .. .. جنبي الشمال بيوجعني .. .. جنبي الشمال مش اليمين حضرتك !
لمح طبيب آخر يعبر من أمامه ، كان يبدو أكبر سنا من الأول ؛ فاستوقفه وسأله بلهفة :
- لو سمحت .. .. لو سمحت هي الزائدة في الجنب الشمال ولا اليمين ؟
أجابه بسخرية واضحة :
- في اليمين طبعا .. .. معقوله انت مش عارف ، مع إن شكلك متعلم !!
لم ينتظر الطبيب ليسمع رده ! إنهم لا يتوقفون ؛ فغرف الاستقبال مكتظة بحالات كثيرة ، وكل لحظة يستقبلون الكثير من الحالات ، وبعضهم حالات صعبة جدا ! اقتربت منه الممرضة ومعها تذكرة الدخول والحجز ، وطلبت منه أن يذهب معها لإتمام عملية حجزه في المستشفى وجد نفسه يقوم من على السرير الذي كان راقدا عليه ،ويقول لها
- أنا بقيت كويس .. .. الحمد لله جنبي بقى تمام !
لم ينتظر حتى يرى علامات الدهشة التي ارتسمت على وجهها ، وخرج مسرعا يطوي الممر الذي أمامه ، وعندما عبر بوابة المستشفى ، وخرج ، قال بصوت عالي كأنما يخاطب الطريق أمامه :
_ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .. .. يااااااااااه .. .. فعلا الداخل مفقود والخارج مولود !
خرج من الباب ، ووقف على الرصيف يحاول أن يستنشق أكبر كمية من الهواء العليل من هواء النيل ، كان يريد أن يُخرج الهواء الذي استنشقه داخل المستشفى ! كان يشعر أنه هواء غير صحي !
شيئا فشيئا خفت حدة الألم ، وأحس أن جانبه يتحسن بصورة عجيبة أشبه بالسحر! هل كان في حاجة إلى جرعة من الهواء النقي ليشفي جانبه ، أم أنه شفي بإيحاء منه عندما قال للممرضة أنه لم يعد يشعر بأي ألم ! المهم أنه بالفعل لم يعد يشعر بأي ألم .
وهو يقف على الرصيف كان مبنى المحافظة أمامه مباشرة ، يفصل بينه وبين النيل، تذكر عندما شاهد هذا المبنى لأول مرة ، حدث هذا عندما كان في السادسة من عمره أي منذ سبع وعشرين سنة و كان بصحبة أبيه داخل حنطور ، في طريقهما إلى المستشفى لعلاجه من عضة كلب، تحسس يده فقد كانت آثار الجرح لا تزال موجودة على معصم يده من الجانبين ، لقد ظل أبوه يصحبه الى المستشفى أكثر من عشرين يوما ؛ ليأخذ الحقنة حتى لا يصاب بداء الكلب !
هذا المبنى الذي أمامه ما زال كما هو لم يتغير ! مات الكثير، وولد الكثير ، و تغيرت أشياء كثيرة ، ومازال هذا البناء على صورته الأولى لدرجة أنه يشعره وهو ينظر إليه أنه يريد أن ينقض ! عبر الطريق واقترب منه حتى أصبح يقف على رصيفه ، شعر أن المبنى يستغيث به ، تعجب ، لقد قاموا بترميمه ودهانه وها هي الأعلام تزينه وترفرف على أبوابه ونوافذه حتى أكوام القمامة التي كانت قديما تنال من هيبته ومن صورة حديقته القريبة اختفت ،ولم يعد لها أثر؛ فالمحافظ الجديد كالغربال الجديد له شدة ، وأي شدة ! فلماذا يستغيث المبنى ، ومما يستغيث إنه بعد ترميمه يبدو كالجديد ! سمع هاتفا يهتف به ، ومن العجيب أنه كان يأتي من أعماقه ، كان يقول له :
- أيها المخدوع إياك أن تصدق كل ما تراه عيناك ،فكل ما حولك ليس إلا فالصو !
اندهش وظن أنه أصيب بهلاوس سمعية ، ربما بسبب الأشياء الخضراء التي دخلت جوفه مع ما ابتلعه من مياه الترعة أمس !
وقعت عيناه على عدد كبير من الكراتين كبيرة الحجم إنها مرصوصة فوق بعضها على رصيف مبنى المحافظة ، فتح كرتونة ونظر بداخلها فإذا دفاتر وأوراق وسجلات ومحاضر إنها اوراق في غاية الأهمية ! لماذا وضعوها هكذا على الرصيف ؟! ربما أخرجوها مؤقتا حتى يستطيعوا تنظيف الغرف والمكاتب جيدا ، وبعد ذلك سيعيدونها الى مكانها في الأدراج والدواليب داخل المكاتب !
اختفت الشمس في الأفق البعيد ، وبدأ الظلام يخيم على المكان ، وفي هذا الوقت تصبح هذه المنطقة مهجورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، لا ترى في المكان إلا المترددين على المستشفى الأميري من المرضى وأقارب المرضى أما مبنى المحافظة فحتى الحرس يكونون جميعا في الجهة الأخرى من المبنى أمام البوابة الرئيسية المواجهة للنيل !
أغراه فضوله بأن يمد يده مرة أخرى داخل الكرتونة التي فتحها منذ قليل ، سحب أحد الدفاتر، فتحه وبدأ يقلب صفحاته إنه دفتر حضور وانصراف موظفي التنظيم والإدارة ! أعاده مكانه و التقط دفترا آخر فوجده يخص ميزانيات ورواتب الموظفين في المجلس المحلي ! أمسك بعض الأوراق والملفات فوجدها تضم بيانات العاملين بمبنى المحافظة ! أعاد الأوراق إلى مكانها في الكرتونة ، و أعاد الشريط اللاصق عليها كما كان تقريبا
سمع صوت أقدام تقترب شلت المفاجأة قدميه ؛ فلم يستطع أن يتحرك في أي اتجاه ، هربت الدماء من عروقه ؛ فمن رأى وجهه وهو على هذه الحال ظن أنه أصيب بالصفراء ! كان وسط صفوف الكراتين فلم يره الرجلان اللذان اقتربا ، وتوقفا أمام صفوف الكراتين التي ترتفع ما يقرب من المترين ! قال الأول لزميله :
- العربية تأخرت قوي همه مش خايفين على نفسهم ولا إيه ؟
رد عليه الآخر بتوتر واضح :
- مشكلة كبيرة لو الباشا عدى من هنا و شاف المنظر ده وانت عارف .. .. معاليه ما بيخصمش يوم و لا حتى أسبوع !
هز الأول رأسه مصدقا على كلام الآخر ؛ وقال :
- أيوه ما فيش على لسانه إلا خصم شهر أو شهرين يا راجل ده خراب بيوت .. .. خراب مستعجل !
تساءل الآخر ، وكأنه يسأل نفسه وليس صاحبه :
- طيب نعمل إيه نشيلهم إحنا على أكتافنا لحد محرقة الزبالة اللي بعد مدينة شطا
- ربنا يستر والعربية توصل ، وتشيلهم ، ونخلص من الهم ده !
انصرف الرجلان ، وغابا داخل المبنى ، بينما كان شعبان متجمدا بين الكراتين كالتمثال ، تعجب مما سمعه ، وقال في نفسه :
- محرقة الزبالة .. .. الأوراق المهمة دي زبالة !
لمح شعبان سيارة ربع نقل تهدئ من سرعتها أمام المطب ، بدون تردد أشار للسائق ، فتوقف على الفور ، وجد نفسه يسأله :
- فاضي يا أسطى
هز السائق رأسه بالإيجاب ، وسأله بدوره :
- معاك ايه ؟
بدون أن يتفوه بكلمة أشار إلى الكراتين ؛ فما كان من السائق إلا أن نزل ، وبدأ في تحميلها ووضعها في صندوق السيارة ، وشعبان واقف في مكانه كأن على رأسه الطير، انتهى السائق ودخل كابينة السيارة ، وأشار له بالركوب ؛ فألقى بنفسه داخل الكابينة ، و انطلقت السيارة بهما !
كانت قديمة جدا ؛ لدرجة أن صوت الموتور كان عاليا جدا كمريض يصرخ من الوجع ، وكانت تهتز بطريقة واضحة وهي تسير كالسلحفاة على أسفلت الطريق ، ورغم ذلك لم يشعر " شعبان " بأي شيء من ذلك ، فقد كان صوت دقات قلبه المتلاحقة أعلي من صوت الموتور، وكان جسده ينتفض ويرتعش وكأنه داخل باب فريزر وليس كابينة سيارة تتحرك !
بعد أن اختفت السيارة بقليل ، ظهر أحد الرجلين وعندما وجد الرصيف خاليا من الكراتين قبل كف يده باطنا وظاهرا ، وقال :
- الحمد لله العربية شالتهم يااااه نفدنا من الجزا
: "في نفس الوقت كان السائق يسأل " شعبان
- رايحين فين بالضبط يا أستاذ ؟
قال له وهو يحاول ابتلاع الغصة التي تقف في حلقه :
شارع طلعت .. -
عندما دخل البيت وهو يحمل كرتونة بعد أخرى ، وأخذ يرص هذه الكراتين كلها في حجرته القديمة ؛ تساءل والداه في حيرة عما بداخل هذه الكراتين ، فطمأنهما قائلا :
- هي دي الشغلة الجديدة اللي قلت لكم عليها !
سألاه في نفس واحد :
- شغلة ايه يا ابني ؟
- انتم ناسيين إن معايا دبلوم فني تجاري .. .. فيه شركة وافقت تشغلني بالمؤهل ده بس شرطهم الوحيد عشان يعينوني إني أراجع لهم حسابات ودفاتر قديمة من سنين فاتت يعني زي اختبار .. .. ولو نجحت ها يوافقوا يعينوني !
كان الأبوان أميان لا يعرفان القراءة أو الكتابة ولم يجد شعبان أي حيلة أخرى غير هذه ليوافقا على وجود هذه الأوراق داخل البيت ، إن فضوله الشديد جعله يأتي بها ، وهو يعلم أنها ليست أوراقا عادية إنها قنابل وألغام ، قد تودي بحياته وحياة والديه في أي لحظة !
ظل بضعة شهور عاكفا على هذه الأوراق ، لدرجة أنه أصبح نادر الخروج من البيت ،
انقطع عن أصحابه وأقاربه ؛ حتى إنه أصبح لا يقابل أحدا ممن يزورونهم في البيت ، إنه دائما داخل حجرته ، والباب دائما مغلق ، وكان رد أمه او أبيه على من يسألونهما عنه ،
أنه يقوم ببعض الحسابات في الشركة التي سيعمل بها
من خلال الأوراق التي كان شعبان يقرأها مرات ومرات حتى يفهم كل ما فيها ، ويقارن بين البيانات المدونة في الملفات والسجلات ، عرف معلومات و حقائق لم يكن يعرف عنها أي شيء ! كل ما كان يدور و يجرى داخل حجرات المحافظة ، و في مكاتبها أصبح بين يديه !
تعب كثيرا ! طوال هذه الشهور تقوس ظهره من كثرة انحنائه على الأوراق ، وضعفت عيناه ، يبست عظامه من قلة الحركة ، لذلك قرر أن يقطع هذا السكون وهذا الحبس الانفرادي الذي فرضه على نفسه ، ويتمشى على الكورنيش ، ويستمتع بهواء النيل المنعش .
-
*متولي محمد متولي بصل
دمياط

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...