⏪⏬
وصلت الرحلةُ بعد مُنتصفِ الليلْ ، السكونُ الذي طالما أحببتهُ كان هنا ، بينما حفيفُ الأوراق يُقلقُ راحة الليل الذي يحاول أن يغفو
قليلا ، حملتُ حقيبتي الصغيرة المُهشّمةَ الأضلاع ، كلّ ما فيها أمسى مجرد بقايا ، وانطلقتُ برُفقةِ أخي الصغير الذي مازال في سنواتهِ العشرِ الأولى ، مذياعٌ صغيرٌ كانَ بحوزتي ، تكْسِرُ أمّ كلثوم بصوتها المتراخي بعضَ السكون والخوف ، الذي لم يكنْ قد حضرَ بعدْ ، البيتُ هُناكَ خلفَ تلَّةٍ مُنخفضة ، الدربُ الترابيُّ يكادُ لا ينتهي ، حوافَّهُ تتأرجحُ بين شجيرات وساقية ، دارٌ قديمةٌ مازالت تتشبثُ بالحياة ، رغمَ ويلاتِ الوهنِ التي أصابتها ، تطلُّ عليها شجرة الكينا ، تلك الشجرةُ التي طالما جلسنا تحت ظلالها ونحنُ في طريقِ العودة من مدرستنا كل يومْ ، لم تكن كما عَهِدْتُّها ، بدأ الخوف يتسربلُ خِفّية ، رفعتُ صوتَ المذياع ، حثثَنا الخُطا أكثرَ وأكثرْ ، ضجّةٌ ما ... تثور فجأة منْ خلفنا ، تشبثَ أخي بمريولي المدرسي ...
- لا تخف إنه صريرُ ريح ...
ربما لم يُصدّقني ، سمعتُ هسيسَ بُكاءهِ الخافتْ ، انتابني الخوفُ هذه المرّة...
- إنه جِنيُّ الدارْ ... هكذا حكى لنا والدي ذات ليلة...
قال أخي وهو يزددْ تشبثاً بي ، كلماته أعادتني سنوات إلى الوراء ( نعمْ قالها والدي ... هنا يَقطنُ الجانُ ، والكلُ يخشى العبورَ ليلاً ... يتحاشى هذا الدرب ... ) أسْرَرتُ في نفسي...
- إنها حكايةٌ ليس إلاّ ... لا تُصدق كلّ ما تسمعْ ، فمعظم الحكايا نَسْجُ خيال ، لا وجود للجانِ يا أخي ... ( هل كنتُ أواسيه أم أواسي نفسي ... )...
- لكن ألا تسمع صوت قدميه ، إنه خلفنا تماما ....
نظرت إلى الوراء خلسة ، لا شيء يظهر في العتمة ، فالليلة هي من أواخر ليالي الشهر القمريّ ، لكنَّ خبطَ الأقدام يطنُّ في أذنيَّ رغمَ صوتِ المذياع...
كانت المسافة تطول أكثر ، ضجيجُ القدمين أصبح أمامنا ، يا للرعبْ ، هل حقاً هو الجنيُّ الذي أخبرنا به والدي ؟ ... لم يعدْ يسير كما نحن ، كانت قدماه تخبطانِ الأرضَ بقسوةْ ، قلبي حينها كادَ يفرُّ هارباً ، بينما بُكاءُ أخي أمسى مسموعاً...
خيالٌ أسودُ يلوحُ ثُمَّ يختفي ، مرّةً في الأمامْ , وأخرى منْ الخلف ، يدنو أكثرَ مِنّا ، المِذياع يضْطربُ ، كلماتهُ أصبحتْ شعثاءَ الشعرِ ، الليلُ يضرِبُ موعداً مع الخوفْ ، لا بُدَّ منْ قرارٍ ما ، (قلتُ)
- هاتِ يدكَ ... وحين أشدُّ عليها تجري معي بكل ما تملكُ منْ سرعة ولا تنظر خلفكْ...
استجابَ أخي ، الآنَ فقط اختفى ذاكَ الشبحُ الجنيُّ ، فضجيجُ أقدامنا أصبحَ يركِلُ الخوفَ ، البيتُ يلوحُ في العتمةْ ، تنفسّنا قليلاً , كُنّا نلهثُ كما كلبين صغيرين...
- أين المذياع ، أين المذياع ... سألتُ ... ضحِكَ الطفلُ بعدما بللَ بِنطاله بشيءٍ ما
- سرقهُ الجنيُّ , سرقهُ الجنيُّ ...
.... الليلُ يُشهرُ سيفهُ !!! ...
-
*وليد.ع.العايش
وصلت الرحلةُ بعد مُنتصفِ الليلْ ، السكونُ الذي طالما أحببتهُ كان هنا ، بينما حفيفُ الأوراق يُقلقُ راحة الليل الذي يحاول أن يغفو
قليلا ، حملتُ حقيبتي الصغيرة المُهشّمةَ الأضلاع ، كلّ ما فيها أمسى مجرد بقايا ، وانطلقتُ برُفقةِ أخي الصغير الذي مازال في سنواتهِ العشرِ الأولى ، مذياعٌ صغيرٌ كانَ بحوزتي ، تكْسِرُ أمّ كلثوم بصوتها المتراخي بعضَ السكون والخوف ، الذي لم يكنْ قد حضرَ بعدْ ، البيتُ هُناكَ خلفَ تلَّةٍ مُنخفضة ، الدربُ الترابيُّ يكادُ لا ينتهي ، حوافَّهُ تتأرجحُ بين شجيرات وساقية ، دارٌ قديمةٌ مازالت تتشبثُ بالحياة ، رغمَ ويلاتِ الوهنِ التي أصابتها ، تطلُّ عليها شجرة الكينا ، تلك الشجرةُ التي طالما جلسنا تحت ظلالها ونحنُ في طريقِ العودة من مدرستنا كل يومْ ، لم تكن كما عَهِدْتُّها ، بدأ الخوف يتسربلُ خِفّية ، رفعتُ صوتَ المذياع ، حثثَنا الخُطا أكثرَ وأكثرْ ، ضجّةٌ ما ... تثور فجأة منْ خلفنا ، تشبثَ أخي بمريولي المدرسي ...
- لا تخف إنه صريرُ ريح ...
ربما لم يُصدّقني ، سمعتُ هسيسَ بُكاءهِ الخافتْ ، انتابني الخوفُ هذه المرّة...
- إنه جِنيُّ الدارْ ... هكذا حكى لنا والدي ذات ليلة...
قال أخي وهو يزددْ تشبثاً بي ، كلماته أعادتني سنوات إلى الوراء ( نعمْ قالها والدي ... هنا يَقطنُ الجانُ ، والكلُ يخشى العبورَ ليلاً ... يتحاشى هذا الدرب ... ) أسْرَرتُ في نفسي...
- إنها حكايةٌ ليس إلاّ ... لا تُصدق كلّ ما تسمعْ ، فمعظم الحكايا نَسْجُ خيال ، لا وجود للجانِ يا أخي ... ( هل كنتُ أواسيه أم أواسي نفسي ... )...
- لكن ألا تسمع صوت قدميه ، إنه خلفنا تماما ....
نظرت إلى الوراء خلسة ، لا شيء يظهر في العتمة ، فالليلة هي من أواخر ليالي الشهر القمريّ ، لكنَّ خبطَ الأقدام يطنُّ في أذنيَّ رغمَ صوتِ المذياع...
كانت المسافة تطول أكثر ، ضجيجُ القدمين أصبح أمامنا ، يا للرعبْ ، هل حقاً هو الجنيُّ الذي أخبرنا به والدي ؟ ... لم يعدْ يسير كما نحن ، كانت قدماه تخبطانِ الأرضَ بقسوةْ ، قلبي حينها كادَ يفرُّ هارباً ، بينما بُكاءُ أخي أمسى مسموعاً...
خيالٌ أسودُ يلوحُ ثُمَّ يختفي ، مرّةً في الأمامْ , وأخرى منْ الخلف ، يدنو أكثرَ مِنّا ، المِذياع يضْطربُ ، كلماتهُ أصبحتْ شعثاءَ الشعرِ ، الليلُ يضرِبُ موعداً مع الخوفْ ، لا بُدَّ منْ قرارٍ ما ، (قلتُ)
- هاتِ يدكَ ... وحين أشدُّ عليها تجري معي بكل ما تملكُ منْ سرعة ولا تنظر خلفكْ...
استجابَ أخي ، الآنَ فقط اختفى ذاكَ الشبحُ الجنيُّ ، فضجيجُ أقدامنا أصبحَ يركِلُ الخوفَ ، البيتُ يلوحُ في العتمةْ ، تنفسّنا قليلاً , كُنّا نلهثُ كما كلبين صغيرين...
- أين المذياع ، أين المذياع ... سألتُ ... ضحِكَ الطفلُ بعدما بللَ بِنطاله بشيءٍ ما
- سرقهُ الجنيُّ , سرقهُ الجنيُّ ...
.... الليلُ يُشهرُ سيفهُ !!! ...
-
*وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق