⏪⏬
تجمع أغراضها لتبدأ حياتها بمكان آخر...ستأتي العربات لتحمل جهاز العروس..هرعت لأكبر حقيبة وقد أغلقت غرفتها عليها وأخذت تخبئ كل أصدقائها ..دواوين درويش المتنبي البحتري ..المجموعة الكاملة لغادة السمان المجموعة الكاملة لجبران جرائم أحلام
الروائية من فوضى الحواس حتى النسيان..كتب فرويد كلها كتب سارتر كلها عواصف نجيب محفوظ كلها كتب الدين كتب الفلسفة...لم تترك كتابا واحدا ..أغلقت الحقيبة ثمّ ربطت أعلاها بالشرائط الملوّنة التي زيّنوا بها كلّ جهاز عرسها ودفعت الحقيبة إلى الغرفة الأخرى لتصفّفها مع بقيّة الحقائب..تتذكّر كيف تعاون ؤجلان في يوم جلب الجهاز على حمل الحقيبة ..كانت تمسك ضحكاتها حين كانت ترى جديّتهما في حملها ونظرات الحاضرين المشدوهة لها وخمّنت ما تخيّلته النسوة في أذهانهنّ حول ما تشمله الحقيبة ملابس فاخرة كثيرة؟ تحف من الكريستال أو من الفضّة أحذية على كل شكل؟..زادت بإثارة خيالهنّ أكثرحين نادت الرجلين توصيهما بتلك الحقيبة بالذات؛ وأجاباها بكلّ إذعان وإمعان في الحرص :{أجل طبعا طبعا...} تذكر هذا اليوم فتبتسم وسرعان ما تنكمش ابتسامتها حين تتذكّر ما فعلت أيضا بذلك اليوم..لقد سرّبت كتبها إلى منزل الزوجيّة مع جهازها وتعرف أن زوجها سيسعد كثيرا بهذه الكتب وسيراها أثمن ما وصل إليه من جهاز العروس الذي كانت تجمعه لها والدتها من أحسن ما ترتضيه أمّ لابنتها الكبرى..تذكر أنّها ضحكت كثيرا مع زوجها وهي تصف له كيفية خروج الحقيبة ونظرات النسوة الفضوليّات إليها..ثم تشعر بالمرارة لأنّها في ذلك اليوم لم تقم بمغامرة الحقيبة فحسب بل قامت بذنب لم تستطع ان تغفره لنفسها..في ذاك اليوم ابقت صندوقا بغرفتها جمعت فيه رسائل صديقاتها اللاّتي كانت مستودع سرّهن وكنّ يكتبن لها ما تجيش به أنفسهنّ من أفراح ومن أحزان من خيبات ومن أسرار..لم تكن بعد قد ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي ولم يكن حتى الهاتف الجوّال رائجا في ذلك الوقت..نظرت لهذه الرسائل الحبيبة وتساءلت هل من حقها أن تخذها معها إلى منزلها؟.. قد تقع صدفة بيد زوجها وإن تركتها هنا لا تدري إن كانت ستظلّ في مأمن ؟..وشطح بها الخيال في احتمالات كثيرة يمكن ان تؤذي هذه الرسائل..تأمّلتها طويلا ثم إقتنعت بأن تحرقها فليس آمن للرسائل من ألسنة النّارالتي لن تحرق إلا أوراقا اما ماحوته تلك الرسائل من مشاعر فهو راسخ في قلبها منحوت بوجدانها..وماان وضعت الرسائل بمحرقة الأوراق ورأت النار تضعها بصدرها المستعر حتى خالجها إحساس بالندم والخجل من صديقاتها لقد القمت النّار أغلى ما كتبنه لها عن مشاعر محبّتهن لها وما تمازج معها من سطور يشكين فيها من حالهنّ او أوجاعهنّ من حبّ فاشل أو ينتظر الأمل..وظلّ إحساس الذنب يرافقها سنينا كلّما حنّت لصديقاتها ولذكرياتها معهنّ ؛وحمدت الظروف أحيانا أنّها باعدت بينها وبينهن وإلاّ ماكانت تلقى وجها تقابلهنّ به أو عينين ترفعهما في أعينهنّ..وحدث أن عادت يوما لمسقط رأسها وخرجت للتسوّق مع أختها وحين التفتت فجأة بإحدى محلاّت الأحذية رأت صديقة عمرها والأحبّ إلى قلبها ..لا تدري كم من قبلة قبّلتها وكم دام عناقها لها كم من اللحظات تمعّنتها وشدّت على يدها كأنها تخشى ان تتوه منها مرّة أخرى في زحمة الحياة ..انطلقت ضحكاتهما الحلوة كعادتهما بلا سبب كطفلتين سعيدتين فقط لأنّهما مع بعضهما...سارعت لأختها تعرّفها بصديقتها كأن أختها لا تعرفها كم وطيدة صداقتهما ...وبينما هنّ مستغرقات ثلاثتهنّ في الحديث قدمت نحوهن صبيّة بهيّة الطلعة ما إن اقتربت حتى هتفت صديقتها :{هاهي ابنتي ..}.التفتت إليها وارتمت عليها معانقة مقبّلة إنها ابنة أغلى صديقاتها..نظرت إليها الصبيّة بعد أن سمعت والدتها تنطق اسمها لتقدّمها لها..ثم سألتها وهما خارجتين بعد أن سلّمتا {أليست هي التي كتبت لك تلك الرسائل.؟.} ..لوّحت للأم وابنتها بالتحيّة الأخيرة وهما تغادران ..لم تنقطع ابتسامة الودّ حتى تداعيتا للغياب..زادت ابتسامتها اتّساعا وهي تحدّث نفسها ...لقد أحسنت التصرّف حين خبّات رسائل صديقاتها بقلب النّار.. ليس أثيق من النّار في احتضان الذكريات..حاولت ان تتذّكر ما كانت قد كتبت على رسائلها وما كانت قد قرأته تلك الصبيّة ..كانت دموع وأحزان لرسوبها ..وآلام غربتها..وأسئلة الوجود التائهة ..وقصائد فاشلة..الحمد للّه أن ثرثرة رسائلها لم تكن لتخجلها من تلك الصبيّة لكنّها عاتبت صديقتها كثيرا فما كان لها أن تستبيح حرمة الرسائل حتى لذلك الكيان الصغيرالعزيز الذّي تفرّع عنها..لملمت خيبتها وحيّت النار في سرّها ...سيّدة الكتمان...
*وفاء الرعودي
تونس
تجمع أغراضها لتبدأ حياتها بمكان آخر...ستأتي العربات لتحمل جهاز العروس..هرعت لأكبر حقيبة وقد أغلقت غرفتها عليها وأخذت تخبئ كل أصدقائها ..دواوين درويش المتنبي البحتري ..المجموعة الكاملة لغادة السمان المجموعة الكاملة لجبران جرائم أحلام
الروائية من فوضى الحواس حتى النسيان..كتب فرويد كلها كتب سارتر كلها عواصف نجيب محفوظ كلها كتب الدين كتب الفلسفة...لم تترك كتابا واحدا ..أغلقت الحقيبة ثمّ ربطت أعلاها بالشرائط الملوّنة التي زيّنوا بها كلّ جهاز عرسها ودفعت الحقيبة إلى الغرفة الأخرى لتصفّفها مع بقيّة الحقائب..تتذكّر كيف تعاون ؤجلان في يوم جلب الجهاز على حمل الحقيبة ..كانت تمسك ضحكاتها حين كانت ترى جديّتهما في حملها ونظرات الحاضرين المشدوهة لها وخمّنت ما تخيّلته النسوة في أذهانهنّ حول ما تشمله الحقيبة ملابس فاخرة كثيرة؟ تحف من الكريستال أو من الفضّة أحذية على كل شكل؟..زادت بإثارة خيالهنّ أكثرحين نادت الرجلين توصيهما بتلك الحقيبة بالذات؛ وأجاباها بكلّ إذعان وإمعان في الحرص :{أجل طبعا طبعا...} تذكر هذا اليوم فتبتسم وسرعان ما تنكمش ابتسامتها حين تتذكّر ما فعلت أيضا بذلك اليوم..لقد سرّبت كتبها إلى منزل الزوجيّة مع جهازها وتعرف أن زوجها سيسعد كثيرا بهذه الكتب وسيراها أثمن ما وصل إليه من جهاز العروس الذي كانت تجمعه لها والدتها من أحسن ما ترتضيه أمّ لابنتها الكبرى..تذكر أنّها ضحكت كثيرا مع زوجها وهي تصف له كيفية خروج الحقيبة ونظرات النسوة الفضوليّات إليها..ثم تشعر بالمرارة لأنّها في ذلك اليوم لم تقم بمغامرة الحقيبة فحسب بل قامت بذنب لم تستطع ان تغفره لنفسها..في ذاك اليوم ابقت صندوقا بغرفتها جمعت فيه رسائل صديقاتها اللاّتي كانت مستودع سرّهن وكنّ يكتبن لها ما تجيش به أنفسهنّ من أفراح ومن أحزان من خيبات ومن أسرار..لم تكن بعد قد ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي ولم يكن حتى الهاتف الجوّال رائجا في ذلك الوقت..نظرت لهذه الرسائل الحبيبة وتساءلت هل من حقها أن تخذها معها إلى منزلها؟.. قد تقع صدفة بيد زوجها وإن تركتها هنا لا تدري إن كانت ستظلّ في مأمن ؟..وشطح بها الخيال في احتمالات كثيرة يمكن ان تؤذي هذه الرسائل..تأمّلتها طويلا ثم إقتنعت بأن تحرقها فليس آمن للرسائل من ألسنة النّارالتي لن تحرق إلا أوراقا اما ماحوته تلك الرسائل من مشاعر فهو راسخ في قلبها منحوت بوجدانها..وماان وضعت الرسائل بمحرقة الأوراق ورأت النار تضعها بصدرها المستعر حتى خالجها إحساس بالندم والخجل من صديقاتها لقد القمت النّار أغلى ما كتبنه لها عن مشاعر محبّتهن لها وما تمازج معها من سطور يشكين فيها من حالهنّ او أوجاعهنّ من حبّ فاشل أو ينتظر الأمل..وظلّ إحساس الذنب يرافقها سنينا كلّما حنّت لصديقاتها ولذكرياتها معهنّ ؛وحمدت الظروف أحيانا أنّها باعدت بينها وبينهن وإلاّ ماكانت تلقى وجها تقابلهنّ به أو عينين ترفعهما في أعينهنّ..وحدث أن عادت يوما لمسقط رأسها وخرجت للتسوّق مع أختها وحين التفتت فجأة بإحدى محلاّت الأحذية رأت صديقة عمرها والأحبّ إلى قلبها ..لا تدري كم من قبلة قبّلتها وكم دام عناقها لها كم من اللحظات تمعّنتها وشدّت على يدها كأنها تخشى ان تتوه منها مرّة أخرى في زحمة الحياة ..انطلقت ضحكاتهما الحلوة كعادتهما بلا سبب كطفلتين سعيدتين فقط لأنّهما مع بعضهما...سارعت لأختها تعرّفها بصديقتها كأن أختها لا تعرفها كم وطيدة صداقتهما ...وبينما هنّ مستغرقات ثلاثتهنّ في الحديث قدمت نحوهن صبيّة بهيّة الطلعة ما إن اقتربت حتى هتفت صديقتها :{هاهي ابنتي ..}.التفتت إليها وارتمت عليها معانقة مقبّلة إنها ابنة أغلى صديقاتها..نظرت إليها الصبيّة بعد أن سمعت والدتها تنطق اسمها لتقدّمها لها..ثم سألتها وهما خارجتين بعد أن سلّمتا {أليست هي التي كتبت لك تلك الرسائل.؟.} ..لوّحت للأم وابنتها بالتحيّة الأخيرة وهما تغادران ..لم تنقطع ابتسامة الودّ حتى تداعيتا للغياب..زادت ابتسامتها اتّساعا وهي تحدّث نفسها ...لقد أحسنت التصرّف حين خبّات رسائل صديقاتها بقلب النّار.. ليس أثيق من النّار في احتضان الذكريات..حاولت ان تتذّكر ما كانت قد كتبت على رسائلها وما كانت قد قرأته تلك الصبيّة ..كانت دموع وأحزان لرسوبها ..وآلام غربتها..وأسئلة الوجود التائهة ..وقصائد فاشلة..الحمد للّه أن ثرثرة رسائلها لم تكن لتخجلها من تلك الصبيّة لكنّها عاتبت صديقتها كثيرا فما كان لها أن تستبيح حرمة الرسائل حتى لذلك الكيان الصغيرالعزيز الذّي تفرّع عنها..لملمت خيبتها وحيّت النار في سرّها ...سيّدة الكتمان...
*وفاء الرعودي
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق