⏪⏬
أن يمتلك سيارة ، ظل ّهذا حلمه الكبير الذي يراوده ، وحاول أن يحققه حتى قبل التفكير في الزواج أو الشقة أو أي شيء آخر !
و ها هو اليوم قد حقق أكثر مما كان يتمنى ، أصبح محاسبا في بنك مشهور ، وظيفة مرموقة ، توفر دخلا كبيرا ، جعله قادرا على شراء شقة كبيرة في أعلى برج في المدينة وتزوج من فتاة رائعة خلْقا و خلُقا ، أنجبت له بنتا وولدا هما بالنسبة له الشمس والقمر، كما أن رصيده في البنك لا بأس به !
أصبح محط الأنظار ، يرى نظرات الإعجاب والانبهار في عيون من حوله ، كما يرى نظرات الحسد في عيون من يحترقون بنار الحقد على كل صاحب إنجاز!
كل ذلك كان كفيلا بأن يمنحه السعادة والهناء ، وراحة البال ، وهو ما يحاول أن يُظهره للناس باستمرار ! دائما يرسم على وجهه نفس الابتسامة الكرتونية وكأنه يقف أمام الكاميرات ، ولا يسمح لذرة حزن أو ألم بالظهور ، كما حدث له في ذلك اليوم !
إنه لا يعرف بالضبط ما هو كنه هذا الشعور الذي يعصف به منذ رأى اسم زميله القديم " رفعت " في كشوف عُملاء البنك ، ربما هو غيرة أو حسد ، وربما حيرة ! فزميله هذا مجرد مدرس بسيط من أسرة فقيرة ، و مع ذلك فرصيده في البنك كسر حاجز المليون !!
أنهى عمله وذهب إلى كازينو البحر ، إنه الأشهر ، فلا يجلس فيه سوى النخبة وأعيان البلد .
وهو يركن سيارته لمحه يمر من أمامه مثل الشبح ، وكأنه يتوارى منه ! فقد كان يرتدي ثيابا قديمة باهتة الألوان ، ويبدو عليه التعب والإرهاق ، ناداه ، وصافحه بحرارة ، ثم دعاه إلى فنجان من القهوة ، وأصر ّعليه أن يقبل الدعوة .
داخل الكازينو لم يستطع أن يملك زمام لسانه ، فما يبدو له من هيئة زميله يناقض تماما ما تقوله كشوفات وبيانات العملاء ! ولولا أنه يعرفه حق المعرفة لظن أنه مجرد متسوّل !
سأله :
- هل أنت مريض يا "رفعت "
- لا .. لا ، أنا بخير ، الحمد لله
- فقدت أكثر من نصف وزنك ! .. .. في ابتدائي وإعدادي كنت بدينا ، وكان لك كرش !
- هاها .. ما زلت تذكر شكلي يا " أشرف" ، الدنيا تغيرت ، والحمد لله على كل حال .
- الحمد لله في كل وقت ، لكن ماذا أصابك ؟ ! وجهك شاحب ، أصبحت جلد على عظم ! لا تؤاخذني يا أخي فصداقتنا القديمة تحتم علي أن أطمئن عليك وعلى أحوالك .. هل أنت مصاب بشيء ؟!
- الحقيقة .. أنا مصاب بالفقر ، المرتب لا يكفي مصاريف البيت والأولاد !
- مرتب ؟! أنت مدرس ، وأكيد تعطي دروسا خصوصية ، وإلا .. ..
- أنا صحيح مدرس .. لكن تربية فنية ، والتلاميذ لا يأخذون دروسا خصوصية في التربية الفنية .. .. لكن ، أشعر أنك كنت تريد أن تقول شيئا آخر ، على لسانك كلام تريد أن تقوله !
- الحقيقة .. أنا مندهش من حالك
- حالي !! ماذا تقصد ؟
- أقصد أن شخصا مثلك لديه رصيد في البنك يتجاوز المليون ، ويكون هذا حاله !
- مليون !! في البنك ؟!!!
- أليس اسمك " رفعت سليم عبد الغني " ؟
- صحيح ، أنت تعرف اسمي منذ كنا في ابتدائي وإعدادي ، كنا زملاء مقعد واحد !
- لا يا " رفعت " .. ليس هذا ما قصدته فأنا أعرف اسمك جيدا ، أنا أقصد أن هذا الاسم لديه رصيد أكثر من مليون من الجنيهات في البنك الذي أعمل فيه !
- هاها .. الله يسعدك .. مليون !! أنا راضي بألف أو ألفين منهم ، وحلال عليك الباقي !
- يا أخي أنا لا أمزح !
- ربما تشابه أسماء .. .. يا حبيبي أنا أعمل في مصنع حلويات على بعد شارعين من هذا المكان .. .. هل تعرف ما طبيعة عملي ؟ أغسل الصواني و السرافيس ، وأمسح البلاط كل ذلك من أجل خمسين جنيها يوميا ، فمرتبي كمدرس لا يكفي لكي أعيش أنا و أسرتي حياة آدمية ! لو كنت أملك مليونا من الجنيهات كما تقول لاشتريت مصنع الحلويات ، وكسرت أنف صاحبه الظالم المتغطرس .
بُهت " أشرف " وبدا على وجهه التأثر الشديد ، وتفاقمت حيرته ، ولم يفق من هذه الحيرة إلا على صوت " رفعت " وهو يقول له :
- لم أتعامل مع البنوك إلا مرة واحدة في حياتي ، وكان ذلك منذ عشرين سنة ، وقتها فتحت دفتر توفير ، ووضعت فيه مبلغا من المال ، وبعد فترة سحبت المبلغ ، وتركت في الدفتر عشرة جنيهات فقط .
- وأين هذا الدفتر ؟!
- منذ حوالي عامين ، ذهبت إلى البنك أستعلم ، وكنت أطمع أن يعطوني العشرة جنيهات ، الحقيقة كنت في أمس ِّالحاجة إليها ، ولكن مسئول الاستعلامات خطف الدفتر من يدي بطريقة غريبة ، وقال لي ان فترة صلاحيته انتهت !
هز " أشرف " رأسه ، وقال لزميله :
- واضح جدا أن دفترك لم تنته صلاحيته ! بل إن هناك من يستخدم حسابك لمصلحته ! الأمر ليس تشابه أسماء !
- وماذا علي ّ أن أفعل ؟!
- لديك فرصة لم تكن تحلم بها ، ستحل لك كل مشاكلك ، والفرص لا تأتي إلا مرة واحدة
- لكن .. هذا المال ليس مالي !
- لكنه في حسابك !
- ربما يكون مالا حراما ! مال مخدرات أو سلاح أو آثار ..
- لكنه في حسابك ! خذ وقتك في التفكير ، وعندما تنوي ستجدني إلى جانبك ، لكن لن نصرفه من هذا الفرع ، سنصرفه من أي فرع آخر في محافظة أخرى .
- وأصحاب هذا المال .. أليس له أصحاب ؟!
- مؤكد ، لكنه ليس شخصا واحدا ، إنهم مجموعة أشخاص يديرون هذا الحساب ، فلو كان شخصا واحدا لانكشف الأمر منذ زمن .
- إذا سحبنا المبلغ سينتقمون منا !
- سأجعل الأمر يبدو وكأن واحدا منهم نصب على الآخرين ، أنت وأنا خارج اللعبة .
- أنت تريد مني أن أذهب وأصرف المال ، فكيف أكون خارج اللعبة ؟!
- هذا شغلي أنا ، أنسيت أنني محاسب في هذا البنك ؟!
* متولي محمد متولي
أن يمتلك سيارة ، ظل ّهذا حلمه الكبير الذي يراوده ، وحاول أن يحققه حتى قبل التفكير في الزواج أو الشقة أو أي شيء آخر !
و ها هو اليوم قد حقق أكثر مما كان يتمنى ، أصبح محاسبا في بنك مشهور ، وظيفة مرموقة ، توفر دخلا كبيرا ، جعله قادرا على شراء شقة كبيرة في أعلى برج في المدينة وتزوج من فتاة رائعة خلْقا و خلُقا ، أنجبت له بنتا وولدا هما بالنسبة له الشمس والقمر، كما أن رصيده في البنك لا بأس به !
أصبح محط الأنظار ، يرى نظرات الإعجاب والانبهار في عيون من حوله ، كما يرى نظرات الحسد في عيون من يحترقون بنار الحقد على كل صاحب إنجاز!
كل ذلك كان كفيلا بأن يمنحه السعادة والهناء ، وراحة البال ، وهو ما يحاول أن يُظهره للناس باستمرار ! دائما يرسم على وجهه نفس الابتسامة الكرتونية وكأنه يقف أمام الكاميرات ، ولا يسمح لذرة حزن أو ألم بالظهور ، كما حدث له في ذلك اليوم !
إنه لا يعرف بالضبط ما هو كنه هذا الشعور الذي يعصف به منذ رأى اسم زميله القديم " رفعت " في كشوف عُملاء البنك ، ربما هو غيرة أو حسد ، وربما حيرة ! فزميله هذا مجرد مدرس بسيط من أسرة فقيرة ، و مع ذلك فرصيده في البنك كسر حاجز المليون !!
أنهى عمله وذهب إلى كازينو البحر ، إنه الأشهر ، فلا يجلس فيه سوى النخبة وأعيان البلد .
وهو يركن سيارته لمحه يمر من أمامه مثل الشبح ، وكأنه يتوارى منه ! فقد كان يرتدي ثيابا قديمة باهتة الألوان ، ويبدو عليه التعب والإرهاق ، ناداه ، وصافحه بحرارة ، ثم دعاه إلى فنجان من القهوة ، وأصر ّعليه أن يقبل الدعوة .
داخل الكازينو لم يستطع أن يملك زمام لسانه ، فما يبدو له من هيئة زميله يناقض تماما ما تقوله كشوفات وبيانات العملاء ! ولولا أنه يعرفه حق المعرفة لظن أنه مجرد متسوّل !
سأله :
- هل أنت مريض يا "رفعت "
- لا .. لا ، أنا بخير ، الحمد لله
- فقدت أكثر من نصف وزنك ! .. .. في ابتدائي وإعدادي كنت بدينا ، وكان لك كرش !
- هاها .. ما زلت تذكر شكلي يا " أشرف" ، الدنيا تغيرت ، والحمد لله على كل حال .
- الحمد لله في كل وقت ، لكن ماذا أصابك ؟ ! وجهك شاحب ، أصبحت جلد على عظم ! لا تؤاخذني يا أخي فصداقتنا القديمة تحتم علي أن أطمئن عليك وعلى أحوالك .. هل أنت مصاب بشيء ؟!
- الحقيقة .. أنا مصاب بالفقر ، المرتب لا يكفي مصاريف البيت والأولاد !
- مرتب ؟! أنت مدرس ، وأكيد تعطي دروسا خصوصية ، وإلا .. ..
- أنا صحيح مدرس .. لكن تربية فنية ، والتلاميذ لا يأخذون دروسا خصوصية في التربية الفنية .. .. لكن ، أشعر أنك كنت تريد أن تقول شيئا آخر ، على لسانك كلام تريد أن تقوله !
- الحقيقة .. أنا مندهش من حالك
- حالي !! ماذا تقصد ؟
- أقصد أن شخصا مثلك لديه رصيد في البنك يتجاوز المليون ، ويكون هذا حاله !
- مليون !! في البنك ؟!!!
- أليس اسمك " رفعت سليم عبد الغني " ؟
- صحيح ، أنت تعرف اسمي منذ كنا في ابتدائي وإعدادي ، كنا زملاء مقعد واحد !
- لا يا " رفعت " .. ليس هذا ما قصدته فأنا أعرف اسمك جيدا ، أنا أقصد أن هذا الاسم لديه رصيد أكثر من مليون من الجنيهات في البنك الذي أعمل فيه !
- هاها .. الله يسعدك .. مليون !! أنا راضي بألف أو ألفين منهم ، وحلال عليك الباقي !
- يا أخي أنا لا أمزح !
- ربما تشابه أسماء .. .. يا حبيبي أنا أعمل في مصنع حلويات على بعد شارعين من هذا المكان .. .. هل تعرف ما طبيعة عملي ؟ أغسل الصواني و السرافيس ، وأمسح البلاط كل ذلك من أجل خمسين جنيها يوميا ، فمرتبي كمدرس لا يكفي لكي أعيش أنا و أسرتي حياة آدمية ! لو كنت أملك مليونا من الجنيهات كما تقول لاشتريت مصنع الحلويات ، وكسرت أنف صاحبه الظالم المتغطرس .
بُهت " أشرف " وبدا على وجهه التأثر الشديد ، وتفاقمت حيرته ، ولم يفق من هذه الحيرة إلا على صوت " رفعت " وهو يقول له :
- لم أتعامل مع البنوك إلا مرة واحدة في حياتي ، وكان ذلك منذ عشرين سنة ، وقتها فتحت دفتر توفير ، ووضعت فيه مبلغا من المال ، وبعد فترة سحبت المبلغ ، وتركت في الدفتر عشرة جنيهات فقط .
- وأين هذا الدفتر ؟!
- منذ حوالي عامين ، ذهبت إلى البنك أستعلم ، وكنت أطمع أن يعطوني العشرة جنيهات ، الحقيقة كنت في أمس ِّالحاجة إليها ، ولكن مسئول الاستعلامات خطف الدفتر من يدي بطريقة غريبة ، وقال لي ان فترة صلاحيته انتهت !
هز " أشرف " رأسه ، وقال لزميله :
- واضح جدا أن دفترك لم تنته صلاحيته ! بل إن هناك من يستخدم حسابك لمصلحته ! الأمر ليس تشابه أسماء !
- وماذا علي ّ أن أفعل ؟!
- لديك فرصة لم تكن تحلم بها ، ستحل لك كل مشاكلك ، والفرص لا تأتي إلا مرة واحدة
- لكن .. هذا المال ليس مالي !
- لكنه في حسابك !
- ربما يكون مالا حراما ! مال مخدرات أو سلاح أو آثار ..
- لكنه في حسابك ! خذ وقتك في التفكير ، وعندما تنوي ستجدني إلى جانبك ، لكن لن نصرفه من هذا الفرع ، سنصرفه من أي فرع آخر في محافظة أخرى .
- وأصحاب هذا المال .. أليس له أصحاب ؟!
- مؤكد ، لكنه ليس شخصا واحدا ، إنهم مجموعة أشخاص يديرون هذا الحساب ، فلو كان شخصا واحدا لانكشف الأمر منذ زمن .
- إذا سحبنا المبلغ سينتقمون منا !
- سأجعل الأمر يبدو وكأن واحدا منهم نصب على الآخرين ، أنت وأنا خارج اللعبة .
- أنت تريد مني أن أذهب وأصرف المال ، فكيف أكون خارج اللعبة ؟!
- هذا شغلي أنا ، أنسيت أنني محاسب في هذا البنك ؟!
* متولي محمد متولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق