⏫⏬
"يوميات نصراوي"من عادتنا أن نستقبل الشخصيات الوطنية في أعراسنا بزفة واحترام وعناق وحب، لكن أن يتحول صاحب العرس الذي يبرز نفسه
كالطاؤوس في الساحة الوطنية متفاخرا بعلاقاته الوثيقة مع شخصيات وطنية، إلى عناق وتبجيل وترحيب فوق العادة بعرس يخص احد أبنائه بشخصية تتنكر لهويتها القومية وتؤيد أكثر مواقف اليمين الفاشي في إسرائيل تطرفا، بل وان يطلب من المغني الترحيب بمثل هذا الضيف ويعطى بشكل غير مسبوق منصة ليلقي تهنئة كسر فيها اللغة العربية وأهانها بأسلوب نطقه، وذلك بحضور قوى وطنية شريفة. صحيح أن أنسباء صاحب العرس هم الداعين لتلك الآفة، الحل كان أن يُستقبل باحترام مثل سائر المدعوين، أما الإحاطة به وكأنه شخص يتجاوز بقيمته سائر المدعوين، فهذا أمر لا يمكن أن يتحمله إلا إنسان هلامي بدون عقل وبدون أعصاب.
كلما رأيت صاحب العرس منفوخا وهو يتظاهر بالوطنية أصاب برغبة أن أذكره بعناق تلك الآفة السياسية النكرة، ألا يبيعنا مواقف شريفة في ظاهرها وقذرة من وراء الكواليس.
للأسف بعض الوطنيين المخلصين ومنهم أصحاب مناصب هامة في السلطات المحلية مثلا، لا يترددوا عن تسيير شؤونه الخاصة حتى ضد القانون، ولدي اثبات على ذلك، لكني لا ابحث عن انتقام شخصي. أولئك الوطنيين يتوهمون ان حقيقته هي ما يطفو على السطح، لو حضروا ذلك العرس، الذي استبعدهم منه بقصد كما أظن، لما جعلوه شخصية مميزة عن سائر المواطنين.
الحادث وقع قبل فترة زمنية ليست بعيدة، حاولت ان لا أسجلها في يومياتي. لكني سأخون قلمي ودوري كمثقف إذا لم احذر من هذه الظاهرة، تحويل الأعراس الى مهرجانات سياسية، قد نقبل شخصا وطنيا، رغم أني لا أرى ضرورة لتبجيله الزائد عن سائر المدعوين، لكن من المستحيل ان يُفرض علينا عناق وتبجيل من يرفض مجرد الانتماء لشعبه، ويعلن انتمائه بكل وقاحة للصهيونية أكثر من أصحابها الصهاينة المتطرفين.
الإهانة التي طالتني حصة منها وطالت كل المدعوين الشرفاء، لم أتوقعها حتى في أسوأ أحلامي، وخاصة من صاحبنا الوطني جدا جدا مثل البطيخة الحمراء. لم أقبل الإهانة وغادرت الحفل فورا.
الحكاية: حل ضيف على حفل، دخل مع حرسه الملكي، عربي بايعها، فصار ليكودي يميني متطرف، استقبله أصحاب العرس استقبال الفاتحين، رحب به المغني قليل العقل، التبجيل والتكريم الذي استقبل به أثار رغبتي بالتقيؤ. كأن مئات الحضور في كفة وحضرته في كفة أخرى وزنها بالترحيب والتكريم جعلها تتغلب على الكفة الأخرى. "لو عرفت انه مدعو لما حضرت" قلت لقريب له، فأجابني بالصمت. آخر برر ان انسباء صاحبنا هم أصحاب الدعوة. علقت بتوتر: كنت سألغي العرس ولن استقبل آفة من هذا النوع، أو مرغما أخاك لا بطل، أستقبله بنفس مستوى استقبالي للآخرين ولا اجعله محور الحفلة !!
طبعا بان على صاحبنا الإحساس بالنجومية، وزع ابتساماته التي امتدت على نصف دائرة كاملة شمالا ويمينا، بعد لحظات كانت مفاجأة أكثر سوءا. دعي للمنصة ليدلي بما في جرابه من تهاني لأصحاب العرس. غرق الحضور بصمت مطبق وذهول عميق وربما بنوع من اللخمة، أو الحيرة من حالة مزرية، أو مصيبة لا دخل لهم فيها.
أمسك حضرته الميكروفون وهو يبتسم بسرور ظاهر ويوزع نظراته وكأنه مشارك في مسابقة "العرب آيدول" توقعت ان يصدح صوته بأغنية "جفنه علم الغزل"، لكنه واصل التعبير عن فرحته بالابتسامات الدائرية والتمايل يمينا وشمالا (ليس يسارا لأن حضرته يكره اليسار!) غمغم بكلمات غير واضحة، واصل التمايل فأيقنت اننا سنسمع أغنية عجرمية، توقعت ان تكون "آه ونص" -"نس" كما تلفظها الأمورة نانسي عجرم، ربما سيجلس وراء الطشت كاشفا عن "محاسنه"، لكنه واصل الابتسام، فهل أصابه سوء من استقبال الناس البارد؟ لم تطل حيرتنا ففتح الله عليه بكلمات تهنئة للعروسين والأهل. جاءت جمله مكسرة تحتاج إلى تجبير، من الصعب للأذن احتمالها كلغة عربية. توقعت بعد الانتهاء من تهنئته ان يسارع بعض قليلي العقل لرفعه فوق أكتافهم والرقص به محملا أسوة بالشخصيات الوطنية، فهو "زعيم خطير" ووزنه ثقيل على القبان أيضا، له تصريحات بالراديو والصحافة المختلفة ولمن يريد واسطة هو عنوان جيد!!
في الحقيقة رأيت اسودادا غريبا في الوجوه، سالت أحدهم ساخرا: أين الشباب ليحملوا الزعيم؟!
رد حانقا: ما تزال بقية من كرامة!!
سالت: أين هي ؟!
فلم أتلق جوابا!!
انسحبت فورا من الحفل مغموما وشعور القرف يغمرني... لكني مضطر أن أقول لكل أصحاب الأعراس: اجعلوا أعراسكم لجميع المدعوين. الناس هي نجوم حفلاتكم. "الزعماء" من شاكلته اهانة لضيوفكم. إن حذاء إنسان مغمور يقوم بالواجب في أفراحكم أشرف من بعض "الزعماء". لا تهينوا المدعوين بجعل أحدهم مهما كان "نجما" مفروضا منكم عليهم. الناس تكرم من تثق بوطنيته وشرفه حتى بدون اهتمامكم وتبجيلكم وتحويل المنصة لعرض يثير التقزز في النفس الشريفة.
nabiloudeh@gmail.com
منطقة المرفقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق