بالإرادة بالعزيمة بالنضج، بالأشياء الغير اعتيادية بالمرة. فمع كل فصل ومع كل سطر ومع كل كلمة ومع كل حرف، أجدني ذاهلة مأخوذة مني على ما أتجرع من أيام زكية عطرها فائح وبريقها ساطع.
ليس غريباً أن نجد طه حسين على ما هو عليه من بهاء وشموخٍ وسمو ورفعة، وهو الكفيف الذي فقد بصره ذات يوم مشؤوم وقد شب منذ نعومة أظافره على حفظ القرآن الكريم وتعلم علوم التجويد، وأجاد في الأخذ بها بكل عزيمة تملكها الدنيا بأكملها. وهنا تبرز لنا قيمة ديننا ومدى تجذره في ذاتنا وما له من علينا من خيرٍ وفير إن اتبعناه على الوجه الصحيح الذي قدره لنا ربنا عز وجل. وقد وُفق هذا الحُسين في حصد ما زرعه تماماً.
الكتاب يضم الأجزاء الثلاث وهي كالتالي:
الجزء الأول:
وهو الجزء الذي أثر فيّ كثيراً، فأضحكني برهة وأحزنني هنيهة وبعث في نفسي عزيمة وحبًا لتعلم بحجم كبير، قد يسع لحظتها كل أمالي وأحلامي. تحدث هنا عن صغره وكيف تلقى تعلم القرآن في الكُتَّاب وما إلى ذلك من أحداث جميلة تدمع لها العين ويرف لها القلب.
الجزء الثاني:
هنا بدأ عمر الزهور، حيث شب الفتى على التعلم بكل حاسة يملكها متناسياً عجزه، راضياً محتسباً ساخطًا مرة ومتأملا مراتٍ لا تُحسبُ لكثرتها مجتمعاً مستأنسًا نادراً منعزلاً مكتفيا بذاته طول العمر. كان مقبلاً على كل فرصة قد توصله إلى هدفه ذلك الهدف الذي لا يسرُ به إلى مخلوق متظاهرًا بالاتجاه نحو كل أمرٍ مقدرٍ على عكس ما في داخله من تعطشٍ إلى اكتساب العلوم وما جاورها.
الجزء الثالث:
هو الجزء الأشهى عندي لبروز رهافة حس الفتى وما تخالجه نفسه من نزاعات نحو كل مرغوب مشتهى ألا هو الحب، الروح تهفو والقلب ينبض بالصوت العذب، وقد قال عنها "المرأة التي أبصرتُ بعينيها". كانت تقرأ له معينته تلك الفرنسية الأصل وقد رفضت حبه في البدء وقد جاء لحظتها "إنه لا يريد لحبه صدى ولا جواباً وإنما يحبها وحسب" ولكنها ما إن استقرت إلى قلبها حتى قبِلته كما لم تقبل امرأة قط رجُلا أوى إليها بتلك الطريقة!
كان يعرف نفسه حين يشقى في سبيل ما يرى أنه الحق، وينكرها أشد الإنكار بل يبغضها أشد البغض إذا نعم بالخفض واللين لأنه صانَعَ أو داجَى أو جهر بغيرها يسر أو آثر رضا السلطان على رضا الضمير. وكان شعاره دائماً الشعار الذي كان يبادي به من يخاصمه كما كان يبادي به من يغريه، قول أبي نواس: "وما أنا بالمشغوفِ ضَرْبةَ لازبٍ ولا كلّ سلطانٍ عليّ أمير "أي إنسان قد يكونه هذا العظيم في إرادته! جل كلماتي تخفق خفقاناً ذريعاً أمام شخص لن يكرره الزمان، فهنيئاً لمصر والدنيا بهذا الموروث الثقافي الأدبي.
إن الكتب كفيلة بأن تجعلنا نمارس الحياة على الوجه الذي نرتضيه نحن لأنفسنا لا الغير، إنها تأخذ بقلوبنا وعقولنا إلى عوالم أخرى نحن فقط من نحلم بها ونُشيد أسوارها في عالمنا الخاص. في القراءة تجد حريتك التي قد تنتزع منك دون علمك! اقرأ فإنك مع الكتب قد تضمن زيارة العالم وتتعرف على الجميع وأنت في سريرك الدافئ! واختم بهذا الاقتباس الملازم لي دائما لألبرتو مانغويل: "أعطتني القراءة عذرًا مقبولًا لعزلتي، بل ربما أعطت مغزىً لتلك العزلة المفروضة عليّ".
*فائزة بن شلبي
مدونة تونسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق