القضية)، أو (شاعر المقاومة)؛ يذكّر بفلسطين وتذكّر به دائماً، سواء رغب الشاعر في هذه (الألقاب) أو رفضها". مؤكداً أن "درويش نفسه شكا غير مرة من تناول شعره (فلسطينياً)، دونما التفات إلى الجانب الجمالي فيه؛ كأنما القضية الوطنية هي رافعة هذا الشعر ومدعاة رقيّه وانتشاره".
الكتاب، الصادر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، ودار الفارس- عمّان، والذي قدم له الناقد الدكتور فيصل درّاج، يقع في 159 صفحة من القطع الكبير، ويضم بين دفتيه مجموعة من المقالات تحت العناوين التّالية: "شبه نظرية للإيقاع وتطوّره في الشعر العربي"؛ "نظم كأنّه نثر، التباس الحوار بين محمود درويش وقصيدة النّثر"؛ "تحوّلات الأب في شعر محمود درويش"؛ "ريتا الواقع والقناع"؛ "مرثيّة لمحمود؟"؛ "السّهل المعقّد: نظرة سريعة في إيقاع القصيدة الدرويشيّة"؛ "عودة أخيرة إلى "الأخطاء" في مجموعة درويش الأخيرة: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»"؛ "أثر الفراشة"؛ "تعقيب على تعقيب: المقابلة الصحافيّة ليست منبراً علميّا!". وهذه المقالات كُتبَت بأوقات مختلفة، لكنّها تمتثل لخطّ سير واحد واضح وهو إثبات أنّ الشاعر محمود درويش لم يتخل أبداً عن الإيقاع فالتزم بالتفعيلة حتى في قصائده المتأخرة التي تبدو ظاهرياً نثرية الطّابع أو منتمية لقصيدة النثر.
صاحب «نقدات أدبية» يؤكد أنّه "يمكن اعتبار درويش أبرز وأكثر من تبنّى الإيقاع التفعيلي في مسيرته الشعرية الطويلة. إلا أنّ مرحلة التجديد الشاملة التي أطلقها في أواخر الثمانينات تطلّبت التجديد في الإيقاع أيضاً، بعد سنوات طويلة ونتاج متواصل من القصيدة التفعيلية أدّت بهذا الشكل إلى النمطية والرتابة، بعد أن كان في بداية الطريق ثورة على الشكلين العمودي والمقطوعي وكسراً لكليهما". لافتاً أنّه "لم يكن أمام درويش من شكل إيقاعي جديد يوافق مشروعه التجديدي في المرحلة المذكورة سوى قصيدة النثر. إلا أنّه تجنّب الأخذ بهذا الشكل الإيقاعي الجديد، عامداً، رغم إدراكه العميق لميزاته وطاقاته". وهو ما يؤكده درويش في تصريح له: "بين ما يعطي شرعيّة لقصيدة النثر أنّها تقترح كسر نمطية إيقاعية وتسعى إلى إنشاء إيقاع آخر، ليس بديلاً لكنّه فعّال، فضلاً عن أنّه يؤسّس لحسّاسية جديدة. اقتراح قصيدة النثر هذا هو أهمّ العوامل التي جعلتني أشعر بقدرة الوزن على أن يكون نمطياً. هناك بيني وبين قصيدة النثر بالتالي حوار ضمني أو مبطّن. لكنّي أجد حلولي داخل الوزن… والوزن ليس واحداً، ولو كانت له العروض نفسها".
يلفت المؤلف هنا إلى أنّه "في الحوارات الكثيرة مع درويش، وبعض المحاورين كانوا من شعراء قصيدة النثر البارزين، أقرّ الشاعر أنّ قصيدة النثر هي "الظاهرة الأبرز في الشعر العربي، وخلال العقدين الأخيرين بصورة خاصّة"، إلا أنّه لم يكتبها "لأنّه لم يشعر بأن الوزن يقيّده ويحجب عنه حرّيته في المغامرة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق