*عدي الزعبي
يُقال إن المرء لا يتعلم إلا من أخطائه: هذه المقولة أكبر الأخطاء قاطبة. المرء يتعلم باستمرار من غيره، بل ما يتعلمه من أخطاء غيره يفوق بمراحل ما يتعلمه من أخطائه.
سن الشباب هو سن الأخطاء، والانتحار، والحب العاصف، والملل الدائم غير الأصيل، والصداقة الحقة، والبدايات التي لا نهايات لها، والحيرة التي تنتهي تلقائياً مع الزمن.
ولتفادي هذه الأخطاء، المنتشرة بكثيرة بين الأدباء والكتّاب الشباب، كتبتُ النصائح العملية الواردة أدناه، لأنني منذ بلغت الخامسة والثلاثين قبل سنتين، وأنا أفكر بأخطائي الكثيرة في عالم الكتب، وبنفوري من الشباب المثقف لأنهم يكررون الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها أنا وأصدقائي. هذه الأخطاء كانت موجودة قبل الثورة، ولكنها تضاعفت وتعمّقت بعدها، لأسباب متعددة.
معظم هذه النصائح للشباب، ولا يصلح بعضها للجيل الأكبر. هذا الجيل لم ينصحنا بصدق، ولم يساعدنا على تفادي الأخطاء القاتلة، للأسف.
اتباعك النصائح لا يعني بالضرورة نجاحك في عالم الكتابة: هذا الأمر يحتاج موهبة وعملاً شاقاً مستمراً؛ تجاهلك النصائح يعني، بالضرورة، فشلك في عالم الكتابة. بلغة أهل الفلسفة، نقول إن اتباعك النصائح شرط ضروري، ولكنه ليس كاف، للنجاح.
كل النصائح جدّية جداً، ولا يجوز التفريط بأي منها، لأي سبب كان.
لا تناقش هذه النصائح مع الأصدقاء، لا فائدة تُرجى من ذلك. احتفظ بها لنفسك، ولا تشاركها مع الآخرين.
ترتيب النصائح عشوائي، لا يوجد نصيحة أكثر أهمية من نصيحة أخرى.
أولاً، لا تشتم أحداً.
ثانياً، لا تستخدم كلمات كبيرة، من قبيل تفكيك وجدل وديالكتيك وحداثة وترانسدنتال وصيرورة وسيرورة وأي مصطلح فيه ”ما-بعد“.
ثالثاً، لا تقرأ نيتشه.
رابعاً، احترم الأسماء المكرّسة، بجدية كاملة.
خامساً، لا تجعل الأدب مطيّة للسياسة. هذه من الكبائر التي سادت بعد الثورة، بسبب غياب الإيمان الحي الصادق الخاشع بقيمة الأدب. ترى هذه الكبيرة، بأشكال مختلفة، في أعمال روّاد الثقافة السورية، من نزار قباني إلى محمد الماغوط وأدونيس وسعد الله ونوس، وغيرهم. تبقى لهذه الأعمال قيمة فنية عالية، في معظم الأحيان، إلا عند تحوّلها إلى بيان سياسي بشكل كامل.
الأدب ليس بياناً سياسياً يُتلى للدفاع عن فكرة أو عن حق أو عن ثورة.
أما ما هو الأدب، فسؤال لا إجابة عليه.
لستَ بحاجة إلى الإجابة لتكتب أدباً.
سادساً، لا تلعب دور الضحية: كل شاب يكتب عليه أن يتمرمط ويُهمل ويتبهدل. طبيعة مهنة الكتابة تستلزم هذه البهدلة.
سابعاً، عندما تريد أن تبدي إعجابك بالمشاهير، حافظ على حد أدنى من احترامك لنفسك: لا يجوز أن يكون كل ما تقرأه لهم أفضل وأعظم وأجمل ما قرأت، كل مرة. مرة واحدة تكفي يا أخي.
ثامناً، لا تدخل في صراعات شخصية، ولا في شلل. إن كنت قد فعلت ذلك، انسحب بهدوء. أيضاً، لا تهاجم الشللية ليل نهار؛ لا يستحق الموضوع أن تحرق أعصابك من أجله.
تاسعاً، "لسان الفتى نصفٌ، ونصفٌ فؤاده“.
كنت أعتقد أن النصائح التسع أعلاه كافية، ولكن هناك نصائح أخرى لم نغطيّها بعد. لذا، سأكون كريماً مع الشباب وسأسدي لهم المزيد من النصح.
- لا تستمع إلى المديح، خصوصاً عندما يأتي من أولئك الأكبر سناً. ابحث عن المدح والانتقاد من خلال علاقة متوازنة مع مجايليك.
- تجاهل الهجوم الشخصي الذي قد تتعرّض له بشكل كامل، ولا تعبأ بسوء الفهم، بشكليه المقصود وغير المقصود. ولكن ابحث عن النقد الصادق، واستمع له، وتفكّر فيه مطوّلاً.
- الموهبة جزء واحد من النجاح: العمل الشاق ثلثي النجاح، الموهبة أقل من الثلث؛ الفارق بينهما هو الحظ.
- لا تستهن بالحظ، ولا تلعنه، ولا تفكر به.
- بالرغم من أن كل الفنانين والكتّاب الذين تعرفهم تقريباً يدخنون الحشيش، إلا أنه لا يوجد علاقة سببية بين الحشيش والثقافة. لا تدخن الكثير من الحشيش، والأفضل أن تمتنع عنه بشكل كامل.
- لا تدّعي أنك لا تستمع إلى أم كلثوم: لا يوجد من لا يستمتع بأغنية "رق الحبيب" أو "رباعيات الخيام"، حتى لو ادّعى عكس ذلك. القضية ليست قضية آراء وأذواق وديمقراطية واحترام الرأي الآخر، بل قضية حس إنساني بسيط سليم. من غير المعقول ألا يحب المرء أم كلثوم أو فيروز أو أحمد زكي.
- اكتب بوضوح وبشكل مفهوم، سواء كنت تكتب في الأدب أو في الفكر. الغموض دليل ضعف وبلادة ذهنية وعجز أدبي.
- الصبر مفتاح الفرج.
- شاهد كل ما أخرجه محمد خان في الثمانينيات.
- حافظ على حس نقدي صاف اتجاه ما تقرأه، مليء بالحب والتفهّم والرغبة بالتواصل مع الكاتب. النقد، في جوهره، محبة فكرية.
- لا تنطبق النصيحة السابقة على نجيب محفوظ: في حالة محفوظ، لا حاجة لأي حس نقدي. عليك أن تراقب وتتعلّم، فقط لا غير.
- لا تتباهى بقراءاتك، على طريقة بورخيس المغرور، ولا تنثر أسماء الكتاب بلا طعمة ولا معنى في كلامك وفي كتابتك، على طريقة الفرنسيين الفارغة. لا أحد يستطيع أن يقرأ أكثر مما كُتب له؛ وكلّنا جهلة. نستطيع أحياناً إضافة القليل هناك أو هناك، وأحياناً قليلة، إضافة الكثير؛ ولكن هذا لا صلة له بحجم قراءاتنا، بل بعمقها.
- الإبهار المتعمّد، في الشكل أو في المضمون، زيف رخيص.
- لا تستخدم كلمة باحث. أرجوك، لا تستخدمها إطلاقاً.
- لا تكتب تحت تأثير المشاعر الجياشة الدافقة: الغضب والحزن واليأس مراجل عاطفية للكتابة. عليك ترويضهم وعقلنتهم، قبل أن تمسك القلم.
- اقرأ أوسكار وايلد: اقرأ كل ما كتبه، اقرأ مسرحياته وقصصه وأشعاره ومقالاته وروايته الوحيدة.
- السخرية ليست حجة فكرية ولا نقداً أدبياً. ناقش أفكار وأعمال خصومك بجدية وعمق. السخرية، على أهميتها، ليست بديلاً عن الفكر.
- لا تحاول التعبير عن كل ما في قلبك دفعة واحدة: الأدب غربال النفس.
- حاول أن تتخذ موقفاً من المذاهب الفكرية الموجودة. لا تستطيع أن تكون علمانياً ومحباً للصوفية في نفس الوقت؛ أو ملتزماً بقضايا المساواة والتحرر والعدالة والاجتماعية ومعجباً بخزعبلات ما بعد الحداثة؛ أو نسبوياً ومحباً بعمق لبعض الكتّاب الغربيين أو الروس أو اليابانيين: هذه تناقضات شائعة شنيعة، وجزء من الموضة السائدة.
- لا تتبع الموضة السائدة.
- لا تجعل الكتابة حياتك: الكتابة إما مهنة أو هواية؛ أما حياتك الحقة فهي الحب والصداقة.
- أخيراً، لا تستمع إلى صوتك الخاص الداخلي، استمع إلى الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق