اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

تامارا.. هل ألهمت نابوكوف روايته الشهيرة لوليتا

" أحب هذه الفتاة في صباه الباكر بمدينته سانت بطرسبرج "
تامارا.. هل ألهمت نابوكوف روايته الشهيرة لوليتا ؟

*جهاد فاضل
إذا كان الروائي الروسي الكبير فلاديمير نابوكوف قد اشتهر بروايته (لوليتا) التي يروي فيها افتتان رجل بالغ بصبيّة صغيرة السن تحمل هذا الاسم، فإن سيرته الذاتية المترجمة حديثاً إلى العربية في بيروت والتي تحمل عنوان (تكلمي أيتها الذكريات) تروي حكاية
حبه الأول في المدينة الروسية التي ولد وعاش فيها شبابه سانت بطرسبرج التي صار اسمها بعد ثورة أكتوبر لعام 1917 لينينجراد.

كان نابوكوف صغير السنّ وكانت لوليتا الأولى تُدعى "تامارا"، كان عمرها خمسة عشر عاما وكان يصغرها بعام واحد، ولم يكن حبهما على ضوء ما يرويه مجرد علاقة من علاقات المراهقة السطحية التي سرعان ما تزول مع الوقت بدليل أنه يتذكر كل التفاصيل الدقيقة المتصلة بها بعد مرور سنوات طويلة عليها.

ما الحب إلا للحبيب الأول يقول الشاعر العربي ويظهر أنها تصحّ أيضا على محبّين من بلدان أخرى، ولعل (لوليتا) التي لم يبق ربما سواها من كل إرث نابوكوف الأدبي هي في جوهرها عملية استرجاع لذكريات الروائي الروسي عن حبه الأول في سانت بطرسبرج لتامارا.

تامارا لم تكن مجرد صبية عابرة في حياة نابوكوف، بل كانت الصبية المركزية في قلبه ووجدانه. يؤكد ذلك الحرارة التي تنبعث من سطوره وصفحاته التي يحكي فيها ذكرياته عنها. سيكتشف القارئ بكل يسر وهدوء أن نابوكوف لم يهجر بطرسبرج أبداً، ولم يحبّ في حياته امرأة كما أحبّ تامارا. ولندعه يروي بنفسه حكايته أو حكاية حياته معها.

يقول: عندما التقيت تامارا للمرة الأولى كان عمرها خمسة عشر وكنت أصغرها بعام واحد. كان مكان اللقاء في قرية جنوب سانت بطرسبرج وعرة ولكن جميلة.

أول مرة رأيتها كانت برفقة فتاتين أقل جمالاً منها وكانتا تناديانها. توّاً رأيتهن فوق النهر، يعبرن الجسر، يطقطقن بكعوب أحذيتهن العالية.. وسرعان ما تتبعت تامارا حتى واشكا (كوخ صيفي) كان ذووها قد استأجروه في القرية. كنت أركب حصاني، أو دراجتي في المنطقة المجاورة.

وذات مرة، ومع الإحساس المفاجئ بانفجار مبهر (الذي احتاج قلبي بعده بعض الوقت ليعود من حيث هبط) التقيت تامارا بالصدفة عند التفاف في هذا الطريق أو ذاك. أقصت الطبيعة الأم أول فتاة من مرافقاتها، ثم الثانية، لأقف إزاءها. أرى جمال وجهها عبر عدسات مسح الزمن غبشها بعناية، قريباً ولامعاً، أكثر من أي وقت مضى.

كانت قصيرة وممتلئة، ولكن عالية الرشاقة، مع كاحلين نحيلين وخصر لدن. قد تكون قطرة من الدم التتري أو ربما الشركسي الذي تحمله مسؤولة عن ذاك الانحراف اللطيف لرسم عينيها الداكنتين، وسمرة وجنتيها المتوردتين. زغب خفيف، كذاك الذي نراه فوق ثمار من فصيلة اللوز، يؤطر جانبي وجهها بإشعاع ناعم، التهم شعرها البني الغزير بأنه صعب التمشيط وثقيل، وهدّدتْ بقصّه قصيرا. وقد نفذّت تهديدها بعد سنة. ولكني أذكره دائماً كما رأيته أول مرة بضفيرته الثخينة المشدودة، المرفوعة عند أعلى رأسها، تربطها أنشوطة حريرية سوداء عريضة.

لم أكن أستطيع التمييز إذا كانت جدّية أم لا. تمُّوج ضحكها السريع، خطابها السريع، لفظها للحرف الأول من الأبجدية الصادر من لهاة حلقها، البريق الرطب الحنون لجفنها السفلي. كانت كل ميزاتها تسحرني ولكن بشكل أو بآخر، لم تكشف لي تلك الميزات عن شخص تامارا، بل على العكس ألقت فوقها حجاباً براقاً ورّطني بمزيد من الغموض في كل مرة حاولت معرفة المزيد عنها.

وحين قلت لها إننا سنتزوج في أواخر عام 1917 بمجرد تخرجي من الثانوية، نعتتني بالجنون بكل هدوء. لا أتذكر منزلها إلا بشكل غامض. اسم والدتها وكنيتها (وهذا ما عرفته عنها) كان ذا دلالة تجارية أو كهنوتية. أما والدها، فعلى قدر ما عرفت عنه، لم يكن مهتماً بأسرته، وكان مدير أعمال عقار كبير في مكان ما من الجنوب.

وصل الخريف مبكراً تلك السنة. المعلم الذي أُنيطت به رعايتي ورعاية أخي خلال ذلك الموسم كان غريب الأطوار. كان يختبيء بين الشجيرات ليتلصص عليّ مع تامارا بمساعدة ناظور قديم، ولكنه بدوره كان مراقباً من قبل بستاني خالي العجوز. وقد وشى عنه لأمي التي كانت على دراية بكل ما يهمها معرفته عن غرامياتي من خلال قصائدي التي كنت أتلوها عليها بروح موضوعية جديرة بالثناء. كان أبي بعيداً. عاد من الجبهة بعد شهر. وصله الأمر، فطرح عليّ بعض الأسئلة مدفوعاً بإحساس يمليه عليه واجبه.

ويتابع نابوكوف في مقاطع لاحقة من ذكرياته وصف ذلك الغرام المبكر الملتهب الذي كان ربما النواة الخلفية لروايته الشهيرة (لوليتا): صحبت محبوبتي إلى كل تلك البقع السحرية في الغابة حيث كنت أحلم بلقائها. وقد تمكنّا من التجول بحرية في متنزهه الفسيح.

تمشّينا "ممرجحين أيدينا" على طريقة عشاق القرى، قطفت لها زهور الأضاليا عن حواف درب الحصى.

ترددنا كثيراً على المتاحف. كانت مملة وفارغة من الناس في صباحات عطل نهاية الأسبوع، ولكن دافئة جداً على عكس الضباب الجليدي فوق النوافذ الشرقية التي يتدلى قرص الشمس الأحمر من ورائها كقمر متوهج. كنا هناك نسعى خلف الغرف الخلفية الهادئة حيث البدائل الأسطورية التي لا ينظر إليها أحد: النقوش، الميداليات، نصوص مكتوبة بالخطوط القديمة، قصة الطباعة، وأمور بسيطة كتلك. أفضل الغرف التي وجدناها تلك التي كانت مستودعاً للمكانس والسلالم. ولكن مجموعة من الإطارات انزلقت هناك فجأة وبدأت تتهاوى في الظلام محدثة ضجيجاً.

ادعت تامارا بعد مدة في لحظات مزاجها السيء النادرة أن حبّنا لم يصمد أمام جموح الشتاء ذاك. "هناك خلل"، قالت. خلال تلك الشهور استمريت في تأليف القصائد لها، وعنها، بمعدل قصيدتين أو ثلاث أسبوعياً.

خلال ربع 1916 نشرت مجموعة منها، وقد ارتعبت عندما لفتت انتباهي لأمر لم أكن قد لاحظته البتة عندما طرحت الكتاب للتداول. وهناك كان ذاك الخلل المشؤوم ذاته، تلك الحفرة البلهاء التي وقعت فيها حين أوحيتُ بزلة قلم أن حبّنا كان محكوماً بالفشل طالما أنه لم يكن قادرا على استعادة سحر لحظاته الأولى.

حفيف تنهّد أشجار الزيزفون تلك تحت المطر، والتعاطف الذي أحاطنا به الريف. وعلاوة على ذلك رغم الملاحظة التي لم ينتبه إليها أي منا مسبقاً، فإن قصائدي كانت مادة يافعة مجردة من أية جدارة تؤهلها لمرتبة ديوان مطروح للبيع.

حين أذكر ربيع 1916، في معرض حديثي عن صور معينة كتلك الخاصة بتامارا، فإني أقصد ربيع سانت بطرسبرج، حين كانت تعتمر قبعة بيضاء غير مألوفة، بين المتفرجين على مباراة كرة قدم عنيفة تجري بين طلاب المدارس والتي ذات يوم أحد كان الحظ الرائع حليفي في صدّ الهجمات الواحدة تلو الأخرى.

فراشة "كامبرويل بيوتي"، بنفس عمر قصة حبنا، تفرد أجنحتها السوداء، كانت جاثمة فوق ظهر مقعد في حديقة ألكساندروفسكي. كنا أنا وتامارا تواقين للعودة إلى مساكننا الأولى، ولكن أمّها بقيت طيلة الربيع مترددة ما بين استئجار الكوخ ذاته وبين البقاء في المدينة لأسباب اقتصادية. أخيراً، وتحت شرط معين قبلت به تامارا دون جدل تم استئجار الكوخ. وها هو صيف جميل يحيط بنا من جديد. وها هي محبوبتي السعيدة تقف على رؤوس أصابعها وتحاول شدّ غصن كرز عنقودي لتقطف ثمرته الذابلة مع كل العالم وأشجاره الذي يدور في حرم عينيها الضاحكتين.

انتقلتْ إلى المدينة في الخريف للالتحاق بوظيفة، وهي كانت ككل الحوريات الروسيات مولعة بالحياكة. وفي الشهور التي تلت والتي لم أتمكن من رؤيتها خلالها، غرقتٌ في تأمل قصتنا، كما لو كانت نوعاً من الخبرات التي ينبغي لكل أديب راقٍ أن يطمح إليها.

ومهما عانيتُ الآن لإعادة شدّ براغي الذاكرة فإنني لا أتذكر كيف انفصلنا أنا وتامارا. قد يكون هناك سبب آخر لهذا التشويش: لقد انفصلنا مرات عدة من قبل.

ومع ذلك فإنني أتذكر بوضوح يفطر الفؤاد مساء معينا من صيف 1917، بعد انفصال دام طوال الشتاء لأسباب غير مفهومة، قابلت حينها تامارا في محطة قطار إحدى الضواحي. لدقائق قليلة، بين محطتين، فوق منصّة عربة تهتزّ وتصدر صريراً، كنا وجها لوجه، أنا في حالة شديدة من الحرج والأسف المهين، وكانت هي تتناول لوحاً من الشوكولا، مقسماً إلى أجزاء متناظرة صغيرة وقاسية، وكانت تتحدث عن المكتب الذي تعمل فيه على أحد جانبي المسارات، وفوق المستنقعات الزرقاء، كان الدخان القاتم الناتج عن حرق الطحالب يندمج مع ألوان الغروب العنبرية، البقايا الناجية من حريق الشمس.

أعتقد أن بإمكاني الإثبات، بالاستناد إلى سجلات منشورة، أن ألكسندر بلوك لم يكن بعد قد أشار في يومياته إلى دخان حريق الطحالب الذي رأيته، والسماء الناجية من حريق، ويبدو أني في فترة لاحقة من حياتي، قد وجدت الرابط بين تلك الصور وبين نظرتي الأخيرة إلى تامارا، وكانت قد عادت بضع درجات لتلقي عليّ نظرتها الأخيرة قبل أن تهبط إلى غروب آخر بعطر الياسمين حيث لا شيء يُسمع إلا صرير الجنادب. ولكن اليوم لا يمكن لأية ملاحظة هامشية دخيلة أن تلطخ نقاء ألمي!

الصفحات التالية من ذكريات نابوكوف تتحدث عن قيام الثورة البولشفية في روسيا عام 1917 واضطراره مع والده المناهض للشيوعية، وسائر أسرته لترك سانت بطرسبرج على عجل إلى جنوب روسيا وتحديدا إلى جزيرة القرم التي كانت في بداية الثورة في منأى نسبي عن قبضة البلاشفة، يبقى نابوكوف في القرم 16 شهراً قبل أن يصل البلاشفة فيضطر للمغادرة إلى اليونان وبعدها إلى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة ليعود إلى سويسرا ويستقر فيها ويموت.

عندما كان في القرم وصلته رسالة من تامارا في ظروف بالغة المأساوية لأسرة أرستقراطية غنية كانت في مدينتها الأصلية تعيش في وضع وتعيش الآن في وضع مختلف تماماً. كانت قصص المنفى بعضاً من يومياته. فقد نابوكوف بلده كما فقد حبه، "وكان فقدان بلدي يعادل فقدان حبي".

لا يعلم نابوكوف عدد الرسائل التي بعثت بها تامارا إليه في القرم من الطبيعي في تلك الظروف أن تتيه الرسائل عن عناوينها وأن لا تصل بالتالي إلى المرسلة إليهم، وهو يرى: "سعيد" هو الروائي الذي يتمكن من أن يحفظ رسالة حب كان تلقاها أثناء شبابه، داخل عمل خيالي ورسخها فيه كطلقة اخترقت لحما حيا واستقرت فيه. أتمنى لو أني احتفظت بكل مراسلاتنا بتلك الطريقة. كانت رسائل تامارا استثارة دائمة للمناظر الريفية التي عرفناها جيداً معا. وكانت تلك الرسائل، بمعنى ما، ردا غنائيا بعيدا ولكن شديد الوضوح على كل كلمات الأغاني التي سمعتها منها يوماً. باستخدامها لكلمات عفوية دون سابق إعداد استطاعت فتاة الثانوية أن تنفخ بقوة من خلال نثرها على كل ورقة شجر رطبة وكل ساق سرخس صدأ لونه خلال خريف الريف في سانت بطرسبرج.

لا ترد تامارا بعد ذلك في ذكريات نابوكوف، ولكن الواضح لقارئ كتابه أن حكايته مع تامارا كانت حكاية حقيقية اجتاحت ذات يوم أو ذات فترة قلبه ووجدانه، ولكن كان من الطبيعي أن يزحف النسيان لاحقاً على هذه الحكاية نظراً لانقطاع التواصل بين الحبيبين. بقيت تامارا في سانت بطرسبرج مع أسرتها في حين هاجر نابوكوف نهائيا من روسيا إلى أوروبا الغربية. ولكن ندوب تلك العلاقة المبكرة في حياة الروائي الروسي ظلت تحفر في نفسه إلى أن مات. وهو في ما رواه يشبه روائيا سوفياتيا منشقا هو بوريس باسترناك روى بدوره حكايات مرة في الحياة في ظل الشيوعية في روايته الدكتور زيفاجو.

"ذكريات" نابوكوف وثيقة من وثائق الحياة في سانت بطرسبرج وفي روسيا في الربع الأول من القرن العشرين، وتصلح لأن تتحول إلى فيلم سينمائي على غرار الفيلم الآخر الذي انبنى على رواية الدكتور زيفاجو لباسترناك. والعملان معاً من أفضل ما كتبه المنشقون الروس عن الحياة في ظل نظام استبدادي معادٍ للإنسانية.


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...