اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رواية « أن تقرأ لوليتا في طهران» لآذار نفيسي ترجمتها وحققتها ريم قيس كبه


«أن تقرأ لوليتا في طهران» لآذار نفيسي ورواية القراءة
*محمد برزوق

تحكي الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي في روايتها السير ذاتية «أن تقرأ لوليتا في طهران»- التي ترجمتها وحققتها ريم قيس كبه، وصدرت في الطبعة العربية عام 2011عن منشورات دار الجمل البيروتية – كيف أنها استطاعت في بيتها- هي وطالباتها- التخلص لمدة عامين من الواقع الخانق في طهران بوساطة الأدب عبر حوارات طويلة كن ينسجنها حول علاقة الحياة بالكتابة، وسجالات كن يدرنها بخصوص تمفصلات الواقع مع الخيال، ونوع الصلة القائمة بين الإبداع وأشكال الرقابة، ونقاشات كن يتبادلنها حول جدوى الأدب وحدود الكتابة التخييلية بفعل ضغوطات ومثبطات المبادئ الأخلاقية؛ من خلال قراءتهن المستمرة للأدب الفارسي وللروايات العالمية.
هكذا مكن الطقس القرائي الشخصيات النسائية من التحرر صباح كل خميس من «سطوة الوقت والسياسة»، والانفلات من صرامة القوانين التي تتحكم في أبسط مناحي الحياة كالهندام، والتصرفات، والحركات، والضحك، والتكلم مع شخص من الجنس الآخر، والتنصل من سلطة أفكار المتشددين الذين «يطالبون بفصل الذكور عن الإناث في الفصول الدراسية، وبمعاقبة الأساتذة غير الملتزمين بالتعليمات والضوابط»، والتملص من سطوة القرارات العشوائية التي تمنع تدريس رواية إيميلي برونتي لكونها «لم تتغاض عن فعل الزنى».
لقد أتاحت لهن القراءة الخروج من شرنقة المحرمات والانسلال من قمقم التابوهات، فأطلقت نتيجة لذلك العنان لألسنتهن من أجل التعبير عما يختلج في صدورهن واختراع لغتهن السرية المشفرة، كما سمحت لفكرهن أن يبدع معاني جديدة. «كانت الروايات ملاذنا الآمن من قسوة الواقع، فكنا نستطيع أن نعبر بحرية عن إعجابنا بجمالها أو كمالها، تاركين جانبا كل القصص والحكايا عن العمداء والجامعة وميليشيا حماية الأخلاق في الشوارع»، واستطاعت الكاتبة/الراوية – بهذه الكلمات البسيطة- تلخيص أجواء تلك اللقاءات الأدبية التي كانت تجمعها مع طالباتها كل أسبوع.
تعد رواية «أن تقرأ لوليتا في طهران» بمثابة احتفاء أدبي بفعل القراءة، وتكريم خاص لدورها المهم في حياة الأفراد الشعوب، واستشفاف للحرية المفقودة التي يتيحها الأدب في بلاد تُصادَرُ فيه الأحلام بشكل يومي، ويقمَعُ فيه الخيال من دون سابق إنذار، وتمارس فيه الرقابة على نطاق واسع. لقد نجحت آذار نفيسي في أن تجعل من روايتها رواية القراءة بامتياز؛ إذ تمكنت بأسلوبها الخاص، وطرائق الحكي المتعددة لديها، ورؤيتها الثاقبة للمجتمع الإيراني المحافظ أن تقوم بتنويع متميز على ثيمة تطرق إليها روائيون معاصرون مثل الأرجنتيني خوليو كورتازار في روايته «ماريل»، والإيطالي أمبرتو إيكو في «اسم الوردة»، والفرنسي ذي الأصل الصيني داي ساي تجي في «بالزاك والخياطة الصينية الصغيرة». يمكننا الجزم بأن آذار نفيسي ساهمت في أن تعيد للقراءة ذلك الدور التحرري للفكر الإنساني من كل سلطة دينية أو سياسية أو مجتمعية.
ويمكن عد المنزل الذي تجتمع فيه الكاتبة/الراوية بطالباتها من أجل قراءة الروايات العالمية والمحلية، ومناقشة أبعادها المختلفة، وتأويل معانيها المتعددة بمثابة فضاء مفتوح يتنفسن فيه عبق الحرية الكاملة، ولو للحظات قصيرة؛ إذ يتحول هذا المنزل- في كل مرة- إلى «معقل للآثام»، ويصير عالما سحريا يُخَلِّص الأستاذة وطالباتها من كل ما بوسعه أن يضيق الخناق عليهن، ويسلبهن شرطهن الإنساني، ويُخْضعهن لسيف الرقابة ويحولهن «إلى مخلوقات مغطاة تنتمي إلى العصور الأولى». نقرأ في رواية آذر نفيسي: «كنا ونحن جالسات متحلقات حول طاولة القهوة الواسعة وقد كللتها باقات الزهور، نحلق بنشوة من رواية لأخرى نقرأها. وإذ أنظر للماضي الآن أراني مذهولة للكم الذي تعلمناه من دون وعي». إنه اعتراف صريح بالدور الأساسي الذي تلعبه القراءة في مصير الشخصيات. ومن ثمة تظهر دروس عديدة يمكن استنتاجها من خلال هذا الاعتراف: أولا، تحدث قراءة الكتب الأدبية نوعا من السعادة في نفسية القارئ. وثانيا، تمنح للقارئ حريته المسلوبة؛ وثالثا، تساعده على تكوين شخصيته؛ ورابعا، تصبح عنده مصدرا للمعرفة التي تؤسس رؤية جديدة للعالم مغايرة تماما لتلك التي تكرسها الدوكسا.
حددت الكاتبة/الراوية الإطار العام الذي تندرج فيه هذه اللقاءات الأسبوعية والهدف من ورائها منذ اللقاء الأول عام 1995: «كنت قد شرحت لهن الغرض من وراء هذا الصف الدراسي الخاص، وهو قراءة الأعمال الأدبية والنقاش بشأنها واستيعابها»، وبالتالي وجود ميثاق يربط بينها وبين طالباتها من خلال: عدم الاكتفاء بدرجة الصفر في القراءة أو الوقوف في حدود فك شيفرة المعنى الأول. كما ينبغي إخضاع العمل الأدبي للحوار والجدال وللتفكير والتأويل، وللتساؤل والمساءلة؛ أي للخطاب المتانصي الذي يملأ فراغات النص المقروء وبياضاته ينصت جيدا للمسكوت عنه في طياته. وتبعا لهذا السياق، تصبو الكاتبة/الراوية من وراء هذه اللقاءات إلى تكوين قارئ جيد وغير سلبي؛ قارئ منتج لا يكتفي بالتماهي الساذج مع أبطال الروايات، قارئ ذي نظرة نقدية فاحصة يستطيع بإمكاناته الذاتية، ذكائه، ورغباته، وثقافته، ووعيه، ولاوعيه، وتجربته، وتاريخه الشخصي… المرور من المدلول إلى الدلالة بوصفها اللحظة التي يتم فيها تحقيق المعنى في الوجود بتعبير بول ريكور. بيد أن اختيار الكتب الأدبية يستجيب هو الآخر لما سمته آذر نفيسي بـ«الإيمان العميق لكُتّابها بالطاقة الهائلة، بل ربما السحرية للأدب»؛ بحيث لا تتم قراءة الأثر الأدبي أيا كان نوعه دون أن يخضع للانتقاء. وتبقى الأعمال الأدبية القادرة على النظر إلى الواقع بعين ثاقبة وحدها تُقْرأ وتُطرح للنقاش؛ لأنها تقارب الإنسان والأشياء من زاوية نقدية حادة، وتكشف الحجاب عن المحظور والممنوع، وتظهر الحقيقة الخفية، وتدفع إلى التفكير مليا في الشرط الإنساني. إنها، ببساطة، تلك الأعمال التي تجابه سلطة السياسي، ورقابة رجل الدين بقوة الخيال والحكي، وتقاوم الأنظمة الشمولية بالفكر المستنير المبدع، وتدين بشكل أو آخر الآلة القمعية في كل تجلياتها، وتقارع الاستبداد بالنداء إلى الحرية في كل مستوياتها: الذوقية، والفنية، والفكرية، والثقافية، والجسدية، والمعتقداتية… من هذا المنظور، يضفي الأدب على الكتابة الإبداعية والتخييلية-بانتقاده فَنيا للسلطة- بعدا إيتيقيا يوازي بعدها الإستاطيقي؛ بحيث عبر عن هذا التداخل بين البعدين الناقد الفرنسي بونوا دوني حينما عدَّ في كتابه «الأدب والالتزام» أن «الهدف الإستيطيقي من فعل الكتابة لا يكفي وحده، بل يزاوج حتما بمشروع إيتيقي يشكل أساسا له ويبرره». كما أن العلاقة الجدلية بين هذين البعدين هي التي تعطي للأدب هذه الطاقة «الهائلة» و»السحرية» التي أشارت إليها الكاتبة في روايتها، وتدفع بالقارئ إلى أن يزاوج رؤيته مع رؤية النص؛ فيكتشف كنهه الداخلي، ويتشبث بجمال العوالم الروائية ضدا في قبح العالم الواقعي. فـ»كيف يمكن لهذه الأعمال الخيالية العظيمة أن تساعدنا وتنير لنا طريقنا كوننا نساء سقطن في شرك من الظروف العصيبة؟»؛ هذا هو السؤال الرئيس الذي حاولت آذار نفيسي الإجابة عنه طوال صفحات روايتها الضخمة؛ إذ من خلال قراءة «ألف ليلة وليلة»، و«لوليتا»، و«دعوة لقطع العنق»، و»الحياة الحقيقية لسيباستيان نايت»، و«مدام بوفاري»، و«غاتسبي العظيم»، و«ديزي ميللر»، الخ.
استطاعت الأستاذة وطالباتها أن يقمن مُقارنَة بين العالم المتخيل الفسيح ومجالهن الواقعي الضيق. لقد تمَكَّنَّ بوساطة هذه الأعمال الأدبية وغيرها من أن يستقرئن عمق حياتهن اليومية في ظل الحكم المطلق في الجمهورية الإيرانية، ويدركن جيدا الواقع المزيف حولهن، ويقفن على تفاهة الخطاب السياسي مقارنة مع النص الأدبي العميق الرصين. ليصبح مع آذار نفيسي كل من فلاديمير نابوكوف، وغوستاف فلوبير، وسكوت فيتزجيرالد، وهنري جيمس، وجين أوستين وغيرهم من الروائيين عبارة عن أصوات إبداعية متميزة «تصور الألم الجسدي الحقيقي والتعذيب في ظل نظام شمولي وتصور لنا طبيعة الحياة الكابوسية التي تكتنف العيش في أجواء من الرعب السرمدي»؛ كما صار أبطال رواياتهم رموزا وأيقونات لكل من يرفض الرزح تحت وطأة القمع، ويأبى العيش في مجتمع تملؤه الأكاذيب والوعود الخادعة، ويقاوم غرائزه بشجاعة، ويأمل في غد مشرق. إن الوعي بوجود صلة وطيدة بين ما يكتبه الروائيون الغربيون وما تعيشه الكاتبة/الراوية وطالباتها في بلادهن المشرقية، يضفي على الأدب بعدا كونيا إنسانيا يكسر الحدود بين الهويات المختلفة، ويحطم الجدران بين الثقافات المتنوعة، ويمد الجسور بين الداخل والخارج، المغلق والمفتوح، المحلي والعالمي، الهُنا وهناك. ذلك أنه عندما نقرأ في رواية آذر نفيسي ما يلي: «ومضى بنا الأمر إلى فهم ما هو أعمق من رصد التطابق ما بيننا وبين ما يرمي إليه نابوكوف في رواياته. (…) كان ثمة شيء في كتاباته وحياته يجعلنا فطريا ومن دون وعي منا نتمسك ونتعلق به»، لا يسعنا القول هنا سوى إنه لا قيمة للأدب من دون حضور لمفهوم المغايرة، ولا وجود للكونية من دون حوار مستمر مع الآخر، ولا جدوى للرواية من دون تواصل بين اللغات المختلفة والتيارات الأدبية المتعددة. لقد حققت، فيما يبدو، رواية الكاتبة الإيرانية ما كان ينادي به غوته في أوائل القرن التاسع عشر: «لا يمثل الأدب الوطني والمحلي اليوم أكبر شيء؛ إننا ندخل في عهد الأدب العالمي، وعلى كل واحد منا أن ينخرط في هذا التطور». استطاعت إذن آذر نفيسي أن تربح هذا الرهان بانفتاحها على العوالم الأدبية الأخرى، وأن تنخرط كليا في جعل الفن عامة والأدب خاصة فضاء شاسعا يلتقي فيه الإنسان بالإنسان على الرغم من اختلاف الأجناس، واللغات، والعادات، والتاريخ، والجغرافيا… وسمحت قراءة الروايات العالمية للطالبات الإيرانيات اكتشاف غَيْرِيَتـَـهُن؛ إذ يرسم أدب الآخر صورتهن، ويعطي لحياتهن ورغباتهن معنى عميقا، ويعكس بفنية عالية الواقع القمعي الذي يرزحن تحته، ويدفع بهن إلى الوقوف ضده وبالتالي مساءلته ومحاكمته.

*ناقد أدبي ومترجم مغربي

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...