يطرح الكاتب عبدالرحمن أحمد الفرهود في روايته "بداخلي كاتب" سؤال الكتابة من داخل النص الروائي، وكلها أسئلة تحمل في طياتها قوة الزخم الباطني الذي يستعر كلما راودت من يكتب فكرة التجديد واستشراف عوالم روائية مغايرة، أي أنه يطرح تصوراً جديداً لمفهوم الكتابة، ونحسب أن الكاتب الفرهود تجاوز ما هو مألوف وسائد عندما جعل الأشياء الموصوفة لا تنفصل عن الذات/الكاتبة، هذا التماهي المطلق بين المؤلِّف ومؤَلَّفِه، يبرز بوضوح بين صوت الراوي وأصوات الشخصيات الأخرى والتي هي عبارة عن صوت متداخل بين (عبدالرحمن وخالد ومازن).
وبهذا الاشتغال يجعل الكاتب الفرهود من السرد فضاءً يجمع شظايا أصوات مبعثرة ومن ثم يحيلها إلى مصادر تأويلية ممكنة على القارئ اكتشافها؛ بفعل نموذج القراءة المشاركة والخلاقة. ولعل قراءة خطاب الاستشهاد في هذه الرواية جاء لتثبيت هذا التوجه وتدعيمه. ونقرأ فيه:
"يقال بأن الكتاب واضح من العنوان، ويجب أن لا أحكم على الكتاب من الغلاف في بعض الأحيان. قد تهت وتاه معي من بحث. صديقي عبدالرحمن، فقد نفسه كما قال أبوه طارق، وإن عاش بالكتاب فلا نعلم أين الباب، وهل سيجيب صوت الطَّارِقُ.
قوة الكتابة
التماهي المطلق بين المؤلِّف ومؤَلَّفِه
هنا صديقي عبدالرحمن كما أعرفه وخالد كما يدعي. كل ما أملك هو بعض من مدوناته وتسجيل طبيبه النفسي لأبحث عليه بنفسي. لا تبحث عن التسلسل الروائي، أردت أن أخبرك مبكراً كإجراء احترازي. هو الآن بالمصحة، أقنعته بالنشر لعل أحدا يجده فنخرجه من فخه. هنا بعض من مدوناته التي كتب فيها أيام حياته. الكُتَّاب يصنعون بالكتابة القصص، والمشاعر والأحاسيس، فهل يستطيعون خلق تجربة كاملة. لا أعلم ما الذي أصابه، أظن بالكتاب ستجد الإجابة. أنا مازن صديقه، ابحث معي لنجد طريقه".
في الرواية يتعرض عبدالرحمن لصدمة نفسية على إثر فقدان أمه وأخيه، يرافقه والده طارق إلى عيادة الدكتور حمزة بهدف العلاج، فجاء تشخيص الحالة أنه مصاب باضطراب الشخصية؛ أو أنه يعاني من تعدد في الشخصيات؛ فحاول الهرب إلى شخصية خالد عندما ضعف عبدالرحمن جدّاً؛ وخالد يعاني الاكتئاب؛ وبهذا صنع عبدالرحمن عالماً خاصاً به حينما بدأ تدوين مذكراته باسم خالد. لقد وجد أن بداخله كاتباً وربما كتاب!
"بداخلي كاتب" نص سردي مفتوح يستثمر كاتبه عبدالرحمن أحمد الفرهود تقاليد السرد الحديثة ويفرد للتجريب حيزاً مهماً، فتجدر قراءته.
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وجاءت في 240 صفحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق