المسافة التي قطعتها طويلة ومتعبة ، لكنها وصلت .
" أخيراً " : تنهدت بارتياح . لازال المكان على حاله ، كما تركته بالضبط ، رغم كل الوقت الذي مضى .
ثلاث سنوات ، ليست فترة طويلة جداً ولا قصيرة تماماً .
تطلب المصعد ، تضغط الزر الرابع ، ذاك الباب على الشمال .
تهم بمد يدها لتخرج المفتاح من حقيبة يدها ، كما كانت العادة . تتذكر ..هناك حيث كانت ، تفقد الأشياء معناها فيتخلصون منها . إنها لا تملك حقيبة أو مفتاحاً ..
غير مهم ..
تطرق الباب بقبضة مرتجفة ، وتنتظر..
دقيقة أو بعضها ..
تفتح الباب صبية جميلة ، وجهها نضر وأسيل ، وجنتاها متوردتان ، عيناها زرقاوان .
تتوقع منها أن تحضنها وتدعوها للدخول ، لكنها تتسمر في مكانها صامتة .
تضحك المرأة بارتباك ، و تقول لها : - ما بك ؟ ألم تعرفيني ؟ أنا أمك .. أمك .
ترد الفتاة ببرود : - أأنت هي ؟ حسبتك مت .
تقول المرأة وقد آلمها وقع الكلمة : - صحيح .. لكني حاولت المستحيل حتى أعود .. ذلك اليوم ، أقصد ، يوم مت ، كنت شاحبة ومتألمة بكيت فوقي كثيراً ، بللتني دموعك ، لم تمر علي لحظة هناء واحدة ، كان صراخك في أذني يقض مضجعي .
صوت رجل من الداخل يسأل : - من في الباب ؟
الشابة الجميلة تجيبه : - إنها أمي .
يظهر الرجل وهو يرتب هندامه ، ينظر إلى وجه زوجته مستغرباً : - لقد كبرت !
تقول المرأة : - أما أنت فلا ، على العكس تماماً ، تبدو أصغر مما كنت ، يوم تركتك كنت محني الظهر ، أشهب الشعر ، في عينيك غم وحزن ، كنت ...
يقاطعها : - كيف عدت ؟
تتنهد وتقول له : - لو تدري كم عانيت من فراقكما ، لم أتوانَ عن التوسل والرجاء .. كنت أفكر بكما دائماً .
يقول لها : - لكننا في أحسن حال .
صوت نسائي ناعس يناديه من الداخل : - أين ذهبتَ ؟ .. من في الباب ؟
يجيب الرجل بسرعة : - لا أحد تعرفينه ، سآتيك حالاً .
يرغب بالانسحاب ، فيظهر التململ ، تقول له الفتاة : - اذهب إليها قبل أن تغضب منك .
يستأذن زوجته السابقة ويدخل وهو يغمز لها بطرف عينه : - إنها زوجتي الجديدة ، تعرفين النساء !!
تطرق المرأة برأسها ، تفكر .. كان ينوح قربها ، بل تتذكره ، يلثم يدها الباردة ويرجوها أن تأخذه معها .
ترفع عينيها ، كانتا تفيضان بزرقة صدئة . تتأمل ابنتها ، تجد في إصبعها خاتماً ماسياً ، فتسألها : - مخطوبة ؟
تجيبها الفتاة : - بعد أيام سنقيم حفلة عرس ضخمة ، إنه يحبني وأنا كذلك ، بعت من أجله كل مجوهراتك ، واشترينا منزلاً مناسباً .
تضحك المرأة بسخرية تشبه التأوه .
فتمتعض الفتاة : - هل قلت لك نكتة ، ألا تفرحين لي ؟ .
وتشيح بوجهها عن أمها . حين تنظر إليها مرة أخرى تجدها تبكي ، تسألها : - ما بك الآن ؟
المرأة لا تجيب ، تظل تبكي دون صوت .. ودون دمع . تضع يدها على قلبها ، يؤلمها مثل المرة الماضية .
تتمنى لو تدخل إلى البيت لتستريح وتشرب كأس ماء ، كل ركن لها فيه ذكرى ، هل بقي كما تركته ؟
يراودها الشك .. لم تعد الأشياء على حالها ، كان عليها أن تتوقع .
تطلب المصعد ، فيما تلقي على ابنتها المتألقة نظرة أخيرة .
كانت فكرة العودة ساذجة ، لكن لم يستطع أحد كبح جماحها . يرهقها قلبها بخفق متزايد يشبه الإحباط ، يزداد الألم . ينضح جسدها كله بدمع ساخن لم تذرفه عيناها ، تعيد ضغط زر المصعد ، تستعجله ، تريد أن تعود إلى حيث كانت ، لا تحب أن تزعجهم بدفنها مرة أخرى .
" أخيراً " : تنهدت بارتياح . لازال المكان على حاله ، كما تركته بالضبط ، رغم كل الوقت الذي مضى .
ثلاث سنوات ، ليست فترة طويلة جداً ولا قصيرة تماماً .
تطلب المصعد ، تضغط الزر الرابع ، ذاك الباب على الشمال .
تهم بمد يدها لتخرج المفتاح من حقيبة يدها ، كما كانت العادة . تتذكر ..هناك حيث كانت ، تفقد الأشياء معناها فيتخلصون منها . إنها لا تملك حقيبة أو مفتاحاً ..
غير مهم ..
تطرق الباب بقبضة مرتجفة ، وتنتظر..
دقيقة أو بعضها ..
تفتح الباب صبية جميلة ، وجهها نضر وأسيل ، وجنتاها متوردتان ، عيناها زرقاوان .
تتوقع منها أن تحضنها وتدعوها للدخول ، لكنها تتسمر في مكانها صامتة .
تضحك المرأة بارتباك ، و تقول لها : - ما بك ؟ ألم تعرفيني ؟ أنا أمك .. أمك .
ترد الفتاة ببرود : - أأنت هي ؟ حسبتك مت .
تقول المرأة وقد آلمها وقع الكلمة : - صحيح .. لكني حاولت المستحيل حتى أعود .. ذلك اليوم ، أقصد ، يوم مت ، كنت شاحبة ومتألمة بكيت فوقي كثيراً ، بللتني دموعك ، لم تمر علي لحظة هناء واحدة ، كان صراخك في أذني يقض مضجعي .
صوت رجل من الداخل يسأل : - من في الباب ؟
الشابة الجميلة تجيبه : - إنها أمي .
يظهر الرجل وهو يرتب هندامه ، ينظر إلى وجه زوجته مستغرباً : - لقد كبرت !
تقول المرأة : - أما أنت فلا ، على العكس تماماً ، تبدو أصغر مما كنت ، يوم تركتك كنت محني الظهر ، أشهب الشعر ، في عينيك غم وحزن ، كنت ...
يقاطعها : - كيف عدت ؟
تتنهد وتقول له : - لو تدري كم عانيت من فراقكما ، لم أتوانَ عن التوسل والرجاء .. كنت أفكر بكما دائماً .
يقول لها : - لكننا في أحسن حال .
صوت نسائي ناعس يناديه من الداخل : - أين ذهبتَ ؟ .. من في الباب ؟
يجيب الرجل بسرعة : - لا أحد تعرفينه ، سآتيك حالاً .
يرغب بالانسحاب ، فيظهر التململ ، تقول له الفتاة : - اذهب إليها قبل أن تغضب منك .
يستأذن زوجته السابقة ويدخل وهو يغمز لها بطرف عينه : - إنها زوجتي الجديدة ، تعرفين النساء !!
تطرق المرأة برأسها ، تفكر .. كان ينوح قربها ، بل تتذكره ، يلثم يدها الباردة ويرجوها أن تأخذه معها .
ترفع عينيها ، كانتا تفيضان بزرقة صدئة . تتأمل ابنتها ، تجد في إصبعها خاتماً ماسياً ، فتسألها : - مخطوبة ؟
تجيبها الفتاة : - بعد أيام سنقيم حفلة عرس ضخمة ، إنه يحبني وأنا كذلك ، بعت من أجله كل مجوهراتك ، واشترينا منزلاً مناسباً .
تضحك المرأة بسخرية تشبه التأوه .
فتمتعض الفتاة : - هل قلت لك نكتة ، ألا تفرحين لي ؟ .
وتشيح بوجهها عن أمها . حين تنظر إليها مرة أخرى تجدها تبكي ، تسألها : - ما بك الآن ؟
المرأة لا تجيب ، تظل تبكي دون صوت .. ودون دمع . تضع يدها على قلبها ، يؤلمها مثل المرة الماضية .
تتمنى لو تدخل إلى البيت لتستريح وتشرب كأس ماء ، كل ركن لها فيه ذكرى ، هل بقي كما تركته ؟
يراودها الشك .. لم تعد الأشياء على حالها ، كان عليها أن تتوقع .
تطلب المصعد ، فيما تلقي على ابنتها المتألقة نظرة أخيرة .
كانت فكرة العودة ساذجة ، لكن لم يستطع أحد كبح جماحها . يرهقها قلبها بخفق متزايد يشبه الإحباط ، يزداد الألم . ينضح جسدها كله بدمع ساخن لم تذرفه عيناها ، تعيد ضغط زر المصعد ، تستعجله ، تريد أن تعود إلى حيث كانت ، لا تحب أن تزعجهم بدفنها مرة أخرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق