ترددت كثيرا قبل أن استشير صديقاتي. فأنا لا أعلم بعد إن كن سيقبلن بي وأنا حديثة العهد بهن. كنت أجلس كل مساء بالقرب من الجسر الذي كن يرتدنه ذهابا وإيابا في حركة قلقة أشبه ما تكون بامرأة تعاني آلام المخاض. لم أقترب منهن. ماذا سأقول ؟ ربما لست جاهزة بعد لأصارحهن بنيتي في مصاحبتهم. مر وقت طويل وأنا أقف بذلك المكان أراهُن يغبن داخل نفق طويل لانهاية له. ولا يعدن.كانت فرحتي تكبر كلما اقتربت دون أن ألقى معارضة أو طرد، فرُحت يوما بعد يوم أحاول أن أحدّث أقرب واحدة تمر بجانبي. لم تلتفت لي ولا واحدة غير أني استطعت أن أتنصت على ما دار بين صديقتين من حديث. كانت الأولى قالت ووجهها يعكس شرارة غضب امتزجت بقلق رافعة حاجب عينها اليمنى:
-”كنت تمنيت أن أكون من ضمن صديقاتي اللواتي اختارتهن، رغم أنها أوشكت على اختيار ي، غير أن الغبية التي كانت ورائي زلت قدمها فسقطت أمامها محتلة مكاني ووقع عليها الاختيار رغم أنها أقل مني شأنا وقيمة”.
ردت صديقتها ساخرة في ابتسام:
-”لا عليك، إن لم يتم اختيارك الآن فأكيد ستختارك لاحقا. بالنهاية هي تحتاجنا جميعا، فقط يبقى لكل منا أوان ومكان”.
لم أفهم شيئا مما دار بينهما. نزعت قبعتي أمد أذني ويدي اليسرى تحوطها كمكبر صوت..لم أسمع شيئا..ولم أنتبه إلا ويد إحداهما تقبض على أذني بشدة:
-”من أنت؟ وماذا تفعلين؟”.
ارتبكت. لم أعرف ماذا أقول، رحت أحاول شغلهما بحك موضع الألم حتى سمعت صاحبتها تقول:
-”لعلها منافستنا الجديدة!”.
وأطلقت ضحكة أشعلتني غيظا ووترتني. كدت أقول: “عن أي منافسة تتحدثين؟”. ردت الأخرى بعد أن حررت يدي:
-”تتظاهر أنها لا تعرف. أكيد هي من الوافدات الجدد. فصديقتنا كما تعلمين مهووسة بالمطالعة كثيرا ومدمنة سهر”.
صمتت قليلا ثم أضافت:
“تبا.. ليلة أمس لم تنم، باتت تردد كما في صلاة اسما غريبا “دوسوسير.. دوسيوسير..” رجوتها أن تبتعد عن نافذة حروفي وإلا تطلبني وتختارني لأكون معها، أما وتزعجني فقط دون أن تختارني…؟”
وأطلقت تنهيدة ضجر عميقة لتواصل وصديقتها الطريق نحو الجسر. أفقت على دهشتي من كلامهما.. أحفظ اسم “دوسوسير” ليطرق برأسي سؤال ملح نفضتَه على مسمعي قبل رحيلها:”من أنت؟”.
صحيح. من أنا؟متى ولدت؟وما الذي أفعله داخل هذا العالم الضيق الذي تتكاثر رائداته يوما بعد يوم. اسم دوسوسير كان حرك كياني كأن شيئا ما به يربطني. هل أنتمي إليه؟ هل يشبهني؟ هل يعنيني أمره؟.
وأنا غارقة بالبحث عن هويتي أسأل نفسي دون أن أجد ردا حتى سمعت صراخا كأنه قادم من بعيد:
-”وجدتها..نعم.. هي هذه…”
وراحت تكتبني بدفترها بعد أن تدحرجت تلقائيا عابرة ذلك الجسر الذي كان يخفي الكثيرات قبلي وما عرفت منتهاه آنذاك.. لأصطف أمام سطر من الكلمات التي اختارتها قبل أن يحين دوري..فرأيت تلك التي كانت سبقتني بلحظات خلتها هناك يوما كاملا. آلمني مصيرها فقد كانت سعيدة جدا لأنها ستخرج للحياة. كانت مبتورة الحروف وقد وضعت بجانبها ممحاة علق بها بعض أشلائها من حركات ونقاط. ورأيت صديقتي الجديدة مكبلة بخيوط زرقاء بشكل عشوائي بعدما شطبتها. وأدركت أنني كنت الكلمة الضائعة التي ظلت تفتش عنها والتي حفظتها ليلة أمس لأجل هذا الامتحان. وما فاجأني حقا أن المفردة التي سمعتها أمس كانت حاضرة تسبقني بكلمة ما كان لي أن آخذ معنى بينهما دون هذا الترتيب. كنت مجرد كلمة “اعتباطية” أنا.. نعم.. كنت “اعتباطية” يسبقني “دوسوسير” وتلحق بي “علامة”.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاصة وباحثة أكاديمية من الجزائر
-”كنت تمنيت أن أكون من ضمن صديقاتي اللواتي اختارتهن، رغم أنها أوشكت على اختيار ي، غير أن الغبية التي كانت ورائي زلت قدمها فسقطت أمامها محتلة مكاني ووقع عليها الاختيار رغم أنها أقل مني شأنا وقيمة”.
ردت صديقتها ساخرة في ابتسام:
-”لا عليك، إن لم يتم اختيارك الآن فأكيد ستختارك لاحقا. بالنهاية هي تحتاجنا جميعا، فقط يبقى لكل منا أوان ومكان”.
لم أفهم شيئا مما دار بينهما. نزعت قبعتي أمد أذني ويدي اليسرى تحوطها كمكبر صوت..لم أسمع شيئا..ولم أنتبه إلا ويد إحداهما تقبض على أذني بشدة:
-”من أنت؟ وماذا تفعلين؟”.
ارتبكت. لم أعرف ماذا أقول، رحت أحاول شغلهما بحك موضع الألم حتى سمعت صاحبتها تقول:
-”لعلها منافستنا الجديدة!”.
وأطلقت ضحكة أشعلتني غيظا ووترتني. كدت أقول: “عن أي منافسة تتحدثين؟”. ردت الأخرى بعد أن حررت يدي:
-”تتظاهر أنها لا تعرف. أكيد هي من الوافدات الجدد. فصديقتنا كما تعلمين مهووسة بالمطالعة كثيرا ومدمنة سهر”.
صمتت قليلا ثم أضافت:
“تبا.. ليلة أمس لم تنم، باتت تردد كما في صلاة اسما غريبا “دوسوسير.. دوسيوسير..” رجوتها أن تبتعد عن نافذة حروفي وإلا تطلبني وتختارني لأكون معها، أما وتزعجني فقط دون أن تختارني…؟”
وأطلقت تنهيدة ضجر عميقة لتواصل وصديقتها الطريق نحو الجسر. أفقت على دهشتي من كلامهما.. أحفظ اسم “دوسوسير” ليطرق برأسي سؤال ملح نفضتَه على مسمعي قبل رحيلها:”من أنت؟”.
صحيح. من أنا؟متى ولدت؟وما الذي أفعله داخل هذا العالم الضيق الذي تتكاثر رائداته يوما بعد يوم. اسم دوسوسير كان حرك كياني كأن شيئا ما به يربطني. هل أنتمي إليه؟ هل يشبهني؟ هل يعنيني أمره؟.
وأنا غارقة بالبحث عن هويتي أسأل نفسي دون أن أجد ردا حتى سمعت صراخا كأنه قادم من بعيد:
-”وجدتها..نعم.. هي هذه…”
وراحت تكتبني بدفترها بعد أن تدحرجت تلقائيا عابرة ذلك الجسر الذي كان يخفي الكثيرات قبلي وما عرفت منتهاه آنذاك.. لأصطف أمام سطر من الكلمات التي اختارتها قبل أن يحين دوري..فرأيت تلك التي كانت سبقتني بلحظات خلتها هناك يوما كاملا. آلمني مصيرها فقد كانت سعيدة جدا لأنها ستخرج للحياة. كانت مبتورة الحروف وقد وضعت بجانبها ممحاة علق بها بعض أشلائها من حركات ونقاط. ورأيت صديقتي الجديدة مكبلة بخيوط زرقاء بشكل عشوائي بعدما شطبتها. وأدركت أنني كنت الكلمة الضائعة التي ظلت تفتش عنها والتي حفظتها ليلة أمس لأجل هذا الامتحان. وما فاجأني حقا أن المفردة التي سمعتها أمس كانت حاضرة تسبقني بكلمة ما كان لي أن آخذ معنى بينهما دون هذا الترتيب. كنت مجرد كلمة “اعتباطية” أنا.. نعم.. كنت “اعتباطية” يسبقني “دوسوسير” وتلحق بي “علامة”.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاصة وباحثة أكاديمية من الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق