اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

نصوص الشيخوخة ــ قصة قصيرة .... **محمد ابوالدهب ــ مصر

عيد النّصر

فى الأول من يناير عام 1974 كان الناس خارجين للتوّ من انتصار كبير. لم أُحْصِ مظاهر ذلك الخروج، لأنى لم أملك، وقتئذٍ، موهبة الإحصاء.
*
اليوم، احتفلوا بذكراه الخامسة والأربعين -نفس الناس تقريباً بعد أن شاخوا قليلاً أو كثيراً، مضافاً إليهم انتاجهم الغريزى التكاثرى!- بروتينيّةٍ مضجِرة، ووجوهٍ وأغانٍ وأفلام ومسلسلات مؤبّدة. بدوا، رغم ذلك، كأنما خرجوا من انتصارهم، ذلك الكبير، بلا عودة!
صرتُ، للأسف، موهوباً فى الإحصاء!
*

فى الأول من يناير عام 1974، كان أبى نحيلاً وذا سوالف طويلة، وكانت أمى بدينة ولاتتحرّج من كشف شعرها أمام الغرباء، ولم يكن فى بيتنا أجهزة كهربائية، وكان لى من العمر اثنتا عشرة ساعة!
*
فى العام 1984 انتقلنا إلى بيت جديد بالمسلّح، ملأه أبى، العائد من الخليج، بالأثاث والأجهزة. كنت مولعاً بالجلوس أمام التليفزيون الملوّن، أتابع كل المعروض على القناتيْن، الأولى والثانية، خاصّة الأفلام والمسلسلات التى تذاع بمناسبة عيد النصر والأعياد المشابهة.
*
اليوم، السادس من أكتوبر 2018، أعكف على اللاب توب، مفاوضاً عدائيّتى المتنامية تجاه الموجودات، ولا أعمل لايكات لأىّ مُحتفِل. قد مات أبى -خلال الوقت- بديناً وماتت أمى نحيلة، غير أنى أقف الآن دقيقة صمت على أرواح: مباريات الكرة بتعليق محمد لطيف وأحمد عفت.. برنامج (نادى السينما) من تقديم درّية شرف الدين.. (ألف ليلة وليلة) من تأليف طاهر أبوفاشا.. وأشخاص مَرُّوا لم تكن ابتساماتهم العريضة تخيفنى.

تكفير الكافر
فى عام 1991 كنتُ مندوب جماعة (تكفير الكافر) فى قريتى. مندوب دعَوِى سِرِّى، أجاهد باللسان. هذا ما اكتسبته من التردّد على كليّة الآداب قسم اجتماع لشهرَيْن. كنتُ مقتنعاً، ومخلصاً، ومتحمّساً، ووحيداً. اخترتُ -بعد تمحيص- "سعيد السعدنى" ليكون أوّل أهدافى. تفاءلتُ بانضمامه السريع والكتوم. كان مدرّساً بمدينةٍ تبعد عن القرية حوالى أربعين كيلومتراً، يقطعها يومياً بالقطار ذهاباً وعودة. وكان يصدّق أن الناس صاروا بعيدين عن الدين، ولا يستبعد أنهم -للأسف- يحاربون الله من حيث لا يدرون.
*
بعد حواراتٍ عديدة، هادئة وغير مباشرة، استوتْ المسألة تقريباً. لم يعد متبقيّاً إلا مصارحته، والصدْع له بالحقيقة الغائبة، الواضحة. رأيتُ أن يكون ذلك ليلة الخميس القادم، بعد صلاة العشاء -لم يزل سعيد يرتاد المساجد مع الكفار- أثناء تمشيةٍ فى الطراوة على طريق المقابر.
*
صباح الخميس، قمتُ من النوم، وميكروفونات المساجد تعلن فى تزامنٍ أن جنازة سعيد عند حضور جثّته. كان قد سقط من باب القطار، بسبب التزاحم، وهو عائد من المدرسة مساء الأربعاء.
*
كنتُ مضطراً للسير فى جنازته، مع أنه قد سبق عليه القوْل قبل أن يدخل فى دين الله، وذلك لمصلحة الدعوة التى أمثّلها وحدى فى ناحيتنا، فالناس كانوا يحسبوننا صديقين مقرّبين.
*
بِتُّ أتقلّب فى الفراش، طول الليل، مغتاظاً من شىءٍ لاأفهمه، أتخيل مصير سعيد. الشيطان اللعين وسوس لى بمصائر أخرى محتَملة. وكنت أقاوم وساوسه من دون الحماس المعتاد. فى النهاية -وبحلول عام 1992- لم أعد مرتاحاً لأى مصير!

جبل الحديد


فى عام 1993 مات رجلٌ آخر من قريتنا، مهروساً داخل مفرمة قطار. كان الرجل غفير شاكوش -أظن أنها مهنةٌ عفا عليها الزمن- على سكّة فرعيّة تصل قريتنا بتسع قرى بين مركزَيْن. ظلّ يسير على القضبان، متجاوزاً المسافة المقرّرة له، دون أن يلاحظ صامولةً واحدة. كان شارداً بحزن وغيظ فى ابنته التى على وشك الطلاق بعد أسبوعين من الزفاف. شروده سوّل له أن يلاقى جبل الحديد المتحرّك كما لو أنه نملةٌ تسعى.
*
خضوعاً لرغبة أبى، تنازلتُ عن نهاية فيلم (الطيّب والشرس والقبيح) المذاع -نهاراً- على القناة الثانية، وخرجت إلى الجسر لأنتظر وصول الجنازة مع الناس.
*
فى المقابر، كان الحاضرون صادقين فى حزنهم، كما جرت العادة فى جنائز الحوادث، خاصّة إذا أضيفتْ إلى التفاصيل بهاراتٌ دراميّة (لم نفتقد مَن تحدّث بأن الرجل انتحر) لكنّ شخصاً تفوّق بحزنه على الجميع، حتى أنه تعلّق بفتات الجثة، ودخل القبر. قالوا إنه سائق القطار، من قرية مجاورة، وصديق المرحوم.
*
اليوم، من عام 2018، وبعد أن صرتُ أخصائياً اجتماعيّاً مخضرماً بالمستشفى النفسى بمركزنا، دخلتُ قسم المسنّين لمراجعة ملفاتهم. مررتُ فى الطرقة بمريض متربعٍ على الأرضية، جذَب طرف بنطلونى حين حاذيته. توقفتُ، والتفتُّ إليه. ابتسم كأنما يعتذر، وقال كأنما يستغفر: (جات سليمة)... قرأت فى ملفه أنه كان يعمل سائق قطار على سكتنا الفرعية، وأنه محجوز منذ خمسة وعشرين عاما.

الحاجّة فاطمة


فى العام 1994 كنتُ فى الفرقة الثانية (مكرّر) بكلّيّة الآداب. طالب مكتئب انطوائى، كلّ تِرْمٍ هُو فِى شَأْن.
بعد محاضرة فى السيسيولوجى -ما كان أقلّ تواجدى فى قاعات الدرس!- قرّرتُ أن أصبح سائق قطار!
*
كتبتُ خطاباً، يتضمّن ملابسات قرارى المفاجىء، إلى رئيس هيئة سكك حديد مصر. وكإجراء عملىّ إعدادى، تواجدتُ بمحطة قطار المركز ساعتين يوميّا، أراقب السائقين، الذين لم يبدُ عليهم -خلال لحظات توقّفهم بالمحطة- ما يثير الإعجاب لدرجة اعتبارهم مثلاً أعلى. لم أسمح للإحباط بالتسلّل. سأقود قطاراً لايقف بالمحطات المتوسّطة، التوربينى تحديداً، الذى تمّ تكهينه منذ عدة سنوات (أعترف فى أكتوبر 2018).. التزمتُ بعملى الإضافى بالمحطة لأسبوعين، إلى أن جاء تليفون من الحاجة فاطمة.
*
ناولتنى أختى السمّاعة، وفى عينيها تساؤل. ولابد أنها نقلت -من وراء ظهرى- تساؤلها إلى الذين تكدّست بهم صالة البيت, المخصّصة لتناول الطعام ومشاهدة التليفزيون واستقبال الضيوف، وكانت كاملة العدد وكاملة الأغراض.
قالت الحاجّة فاطمة إنها مديرة مكتب رئيس الهيئة، فندمتُ على كتابة رقم التليفون. المراسلات البريدية كانت ستوفّر أماناً ونفَساً أطول. أفرغتْ كل قدراتها الأمومية لتنفيرى من هيئتها الحكومية، ولمّ شملى من جديد على كلية الآداب. قلت (ماشى وحاضر) لأحافظ على سِرّى المُخزى أمام عائلتى وأقاربى وجيرانى، المنصتين باهتمام، وقد انتهت المباراة قبل أن تبدأ.
*
أراجع ذلك الآن، دون ضغينة متأصّلة، إلا حقداً بسيطاً على سائقى القطارات لأنهم يتقاضون ثلاثة أضعاف ما أتقاضاه.. وعلى الحاجة فاطمة التى تحرّرت يوماً من اللوائح!

*محمد أبوالدهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من متتالية قصصية تصدر قريبا بنفس العنوان

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...