ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ=أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا=يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً=يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدته، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي=جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق=إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -=لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ=ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا=أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفً، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى=أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميً، فأَسَا=ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا=اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي؟
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى=يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ=وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا=أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودً، أسـفرت، وَجَلتْ=عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا=أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا=للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ=إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى=يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه=أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه=أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟=وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب=ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى=مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ=وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ=كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا=يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً=يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدته، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي=جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق=إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -=لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ=ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا=أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفً، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى=أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميً، فأَسَا=ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا=اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي؟
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى=يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ=وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا=أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودً، أسـفرت، وَجَلتْ=عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا=أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا=للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ=إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى=يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه=أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه=أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟=وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب=ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى=مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ=وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ=كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ – خاطبَةٌ=مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها=جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناه، أَو جنايتهــا=المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراه، وهـي سـاهرةٌ=لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ=وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه=إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا=مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما=أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا=والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه=فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ=والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى=طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ=فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على=مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله=عِـزَّ الشفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ=قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ=يُمْسِـكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ=مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه=فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه=ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه=وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ=متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً=فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه=مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا=ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم=نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه=بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل عَلما=مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا=بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا=أَشـهى من الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه=ومَـن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ=فاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه=غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها=قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا=يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. تعـالى اللـهُ قائلُهـا=لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت=أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُه؟=وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ؟
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم=رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه=هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ=ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ=بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت=وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ=يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ=يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً=حديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به=فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه=تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده=في الشرق والغرب مَسْرى النورفي الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ=وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت=مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم=إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورً، مُسَـخَّرَةٌ=لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ=وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ=ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم=كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـل، إِذ ملائكُـه=والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم=كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ=ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم=عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ=لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه=وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا=عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ
وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه=ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ
خــطَطت للـدين والدنيـا علومَهمـا=يـا قـارئَ اللـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ
أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ=لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ
وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ=بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ
سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً=لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ
هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا=همْسَ التسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟
وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم=كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟
فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم=كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ
لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما=وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ
توارَيــا بجَنــاح اللــهِ، واسـتترَا=ومــن يضُـمُّ جنـاحُ اللـه لا يُضَـمِ
يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي=وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟
المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ=لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ
مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى=وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ
اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه=مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟
وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن=يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ
هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ==تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ
البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ=والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ
شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت=والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ
والليــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه=إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السـلاح كَمِي
تهفــو إِليـكَ - وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا=فـي الحـربِ - أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
محبـــةُ اللــهِ أَلقاه، وهيبتُــه=عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ
كـأَن وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى=يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ
بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه=كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظلَـمِ
ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً=وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ
اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ=وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ
إِن قلتَ في الأَمرِ:"لا"أَو قلتَ فيه: "نعم"=فخيرَةُ اللهِ في "لا" منـك أَو "نعمِ"
أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ=وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ
والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً=فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا=لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ
جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ=فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ
لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ=تكفَّــلَ الســيفُ بالجهـالِ والعَمَـمِ
والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه=ذَرْعً، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ
سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت=بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ
طريـدةُ الشـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها=فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ
لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا=بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ
لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ=وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ
لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشـريفُ على=لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ
جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ=إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ
أَخُـو النبـي، وروحُ اللـهِ فـي نُـزُل=فُـوقَ السـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ
علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه=حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ
دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ=والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ
لـولاه لـم نـر للـدولاتِ فـي زمـن=مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ
تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ=في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ=لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ
أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ=ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ
مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها=تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللـهُ بـالرُّجُمِ
عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ=لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ
مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ=شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى=بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ
بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم=من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ
كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ=من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ
لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما=تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ
شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا=عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ
يلـوحُ حـولَ سـنا التوحـيدِ جوهرُها=كــالحلْي للسـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ
غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى=ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ
نـورُ السـبيل يسـاس العـالَمون بهـا=تكــفَّلتْ بشــباب الدهــرِ والهَـرَمِ
يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزمانِ على=حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ
لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت=مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ
وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً=رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ
كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها=فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعِلـم، والعـدلِ، والتمـدينِ ما عزموا=مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ
ســرعان مـا فتحـوا الدنيـا لِملَّتِهـم=وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ
سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم=إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ
لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ=وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ
نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا=عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ
دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا=كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ
وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه=هــوى عـلى أَثَـرِ النـيران والأيُـمِ
واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ=فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ
دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ=دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ
مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم=ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ
ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها=عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ
مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم=تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتخُـمِ
ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ=فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ
يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا=مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ
ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ=ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ
خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ=فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ
مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟=وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟
وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا=بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ
الزاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ=والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟
أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ=يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ
ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا=عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟
جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما=جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي
ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم=بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ
بـالحزم والعـزم حـاطَ الدين في محنٍ=أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ
وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ=فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ
يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه=فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟
لا تعذلــوه إِذا طــاف الذهـولُ بـه=مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على=نـزيل عرشِـك خـيرِ الرسْـل كـلِّهمِ
مُحــيي الليـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا=إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ
مســبِّحًا لـك جُـنْحَ الليـل، محـتملاً=ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا=ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ=جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ
بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ=شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي
وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً=فـي الصحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم=مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ
الصــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ=الضــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ
يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا=واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ
سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه=تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ
رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه=أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ
فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا=ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ
يـا ربِّ، أَحسـنت بَـدءَ المسـلمين به=فتمِّـم الفضـلَ، وامنـحْ حُسـنَ مُخْتَتَمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها=جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناه، أَو جنايتهــا=المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراه، وهـي سـاهرةٌ=لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ=وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه=إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا=مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما=أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا=والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه=فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ=والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى=طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ=فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على=مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله=عِـزَّ الشفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ=قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ=يُمْسِـكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ=مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه=فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه=ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه=وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ=متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً=فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه=مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا=ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم=نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه=بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل عَلما=مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا=بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا=أَشـهى من الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه=ومَـن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ=فاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه=غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها=قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا=يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. تعـالى اللـهُ قائلُهـا=لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت=أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُه؟=وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ؟
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم=رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه=هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ=ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ=بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت=وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ=يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ=يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً=حديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به=فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه=تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده=في الشرق والغرب مَسْرى النورفي الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ=وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت=مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم=إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورً، مُسَـخَّرَةٌ=لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ=وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ=ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم=كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـل، إِذ ملائكُـه=والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم=كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ=ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم=عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ=لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه=وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا=عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ
وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه=ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ
خــطَطت للـدين والدنيـا علومَهمـا=يـا قـارئَ اللـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ
أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ=لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ
وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ=بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ
سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً=لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ
هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا=همْسَ التسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟
وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم=كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟
فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم=كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ
لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما=وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ
توارَيــا بجَنــاح اللــهِ، واسـتترَا=ومــن يضُـمُّ جنـاحُ اللـه لا يُضَـمِ
يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي=وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟
المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ=لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ
مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى=وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ
اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه=مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟
وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن=يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ
هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ==تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ
البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ=والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ
شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت=والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ
والليــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه=إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السـلاح كَمِي
تهفــو إِليـكَ - وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا=فـي الحـربِ - أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
محبـــةُ اللــهِ أَلقاه، وهيبتُــه=عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ
كـأَن وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى=يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ
بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه=كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظلَـمِ
ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً=وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ
اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ=وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ
إِن قلتَ في الأَمرِ:"لا"أَو قلتَ فيه: "نعم"=فخيرَةُ اللهِ في "لا" منـك أَو "نعمِ"
أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ=وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ
والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً=فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا=لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ
جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ=فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ
لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ=تكفَّــلَ الســيفُ بالجهـالِ والعَمَـمِ
والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه=ذَرْعً، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ
سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت=بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ
طريـدةُ الشـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها=فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ
لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا=بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ
لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ=وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ
لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشـريفُ على=لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ
جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ=إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ
أَخُـو النبـي، وروحُ اللـهِ فـي نُـزُل=فُـوقَ السـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ
علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه=حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ
دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ=والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ
لـولاه لـم نـر للـدولاتِ فـي زمـن=مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ
تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ=في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ=لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ
أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ=ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ
مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها=تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللـهُ بـالرُّجُمِ
عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ=لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ
مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ=شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى=بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ
بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم=من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ
كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ=من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ
لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما=تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ
شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا=عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ
يلـوحُ حـولَ سـنا التوحـيدِ جوهرُها=كــالحلْي للسـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ
غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى=ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ
نـورُ السـبيل يسـاس العـالَمون بهـا=تكــفَّلتْ بشــباب الدهــرِ والهَـرَمِ
يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزمانِ على=حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ
لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت=مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ
وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً=رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ
كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها=فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعِلـم، والعـدلِ، والتمـدينِ ما عزموا=مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ
ســرعان مـا فتحـوا الدنيـا لِملَّتِهـم=وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ
سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم=إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ
لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ=وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ
نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا=عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ
دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا=كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ
وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه=هــوى عـلى أَثَـرِ النـيران والأيُـمِ
واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ=فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ
دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ=دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ
مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم=ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ
ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها=عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ
مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم=تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتخُـمِ
ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ=فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ
يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا=مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ
ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ=ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ
خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ=فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ
مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟=وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟
وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا=بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ
الزاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ=والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟
أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ=يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ
ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا=عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟
جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما=جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي
ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم=بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ
بـالحزم والعـزم حـاطَ الدين في محنٍ=أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ
وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ=فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ
يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه=فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟
لا تعذلــوه إِذا طــاف الذهـولُ بـه=مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على=نـزيل عرشِـك خـيرِ الرسْـل كـلِّهمِ
مُحــيي الليـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا=إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ
مســبِّحًا لـك جُـنْحَ الليـل، محـتملاً=ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا=ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ=جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ
بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ=شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي
وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً=فـي الصحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم=مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ
الصــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ=الضــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ
يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا=واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ
سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه=تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ
رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه=أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ
فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا=ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ
يـا ربِّ، أَحسـنت بَـدءَ المسـلمين به=فتمِّـم الفضـلَ، وامنـحْ حُسـنَ مُخْتَتَمِ
الشاعر الكبير: أحمد شوقي |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق