أيُّ ركب دبَّ في جوْف الفلاةْ***يَقْتَفي التاريخُ في شوق خطاهْ؟
تحتَ جُنْحَ الليل يسري خُفْيةً***في سبيل الله والحقِّ سُراه
يقطع الليلَ مَسيرًا، فإذا***وشَت الشمسُ به، ألقى عصاه
وقريشٌ خلفَه لاهثةٌ***تسأل الركبانَ عنه والمشاة
فكأنَّ البرقَ في خَطْفَتِهِ***أعْيُنٌ شزراءُ، وَدَّتْ لو تراه
وكأن الطودَ في إطراقِهِ***سامعٌ تُنْصِتُ منه أُذُناه
وكأن الرملَ يُحْصِي خطوَه***وكأن النجمَ من بعض الوُشاة
غير أن الركبَ يمضي ثابتًا***وشعاراه: اتْئادٌ، وأناة
ويقينٌ بالذي يحرسُه***من يلُذْ بالله لم يَخْشَ سواه
في سبيل الله يمشي آمنًا***كيف يخشى وَهْو يمشي في حِماه؟
قِلَّةٌ لكنها في عزمةٍ***لا قليلٌ ذَرْعُها أو مُتنَاه
ما نجومُ الليل إن قيست بها؟***ما رمالُ البيد؟ ما قَطْرُ المياه؟
لا دُروعٌ سابغات، لاقنا***مشرعاتٌ، لا سيوفٌ منتضاه
قوة الإيمانِ تُغْني ربَّها***عن غِرار السيف أو سنِّ القناة
ومن الإيمان: أَمنٌ وارف***ومن التقوى: حصونٌ للتقاة
ركبُ طه وأبي بكر سَرى***في حواشي الليلِ؛ فانجابَ دجاه
ما اهتدى بالنجم في جنح الدُّجى***بل سرى النجمُ لعَمْري في سَناهْ
آه لو تعرف أطباقُ الثرى***من أقلَّت أرضُها الصمَّاءُ آه!
لو دَرَتْ من حملتْهُ، لثمت***قدميه حين تخطو قدماه
واستحالت جنةً وارفةً***من نخيل يانعٍ، دان جَناه
لو دَرَى المُزنُ به ظلَّلَهُ***من هجيرٍ يشتكي الضبُّ لظاه
وهَمَي مَاءً عليه باردًا***وحميمًا فوق من يبغي أذاه
لو دَرَى الفقرُ بمن يجتازهُ***ضجَّ بالتسبيح والذكر حَصاه
لو درى الدَّوْحُ بمن مَرَّ بهِ***لحنى الدوحُ له شمَّ الجبِاه
لو درى الوحش به، ما نفرت***ظبيةٌ منه، ولا فَرَّت مهاه
لو درى الطير به، ما أجفلت***منه ورقاءُ، ولا ريعَتْ قطاه
من هو الركبُ؟ نبيُّ مرسَل***وحواريٌّ تهدى بهداه
رَجُلاء بهما الدارُ نَبَتُ***فغزا العالمَ طُرًّا رجلاه
ومشى التاريخُ من خلفهما***مرهفَ الآذانِ تَرْنو مُقلتاه
في يديه لَوْحُه، ما همَسَا***همسة إلا وخطتها يداه
إن يكن هاجر منها كارِهًا***فَغَدًا يأتي على رأسِ الغزاة
وغدًا يُشْعلها بيضاءَ في***بلدٍ جَارَ عليهِ ونفاه
وغدًا يعفو، ولو شاءَ غَدَا***كلُّ مكيِّ غريقًا في دماه
وغدًا يجني رءوسًا أينعت***في القصاص العدل للناس حياة
ومن العفو: ضرارٌ، وأَذَى***ومن العفو: عقابٌ للجُناة
حلَّ ركبُ المصطفى في يثربٍ***كيف لا، واللهُ يَرْعَى من رعاه؟
رحَّبَتْ يثربُ، بل ألقت على***أُذُن الدهرِ هُتافًا؛ فَوَعاه
«طلع البدر»: نشيدٌ خالد***كلما ردَّدَه الدَّهرُ شجاه
بئِّرَ الشِّرْك بموت عاجِل***أيها الشركُ، دَنَا يومُ الوفاة
أيها الأنصارُ، هذا يومُكم***يا سيوف اللهِ في حربِ الطغاة
اذكري، يا بدرُ، ما شاهدتهِ***من جنود الله في حربِ عداه
واحكِ، يا إيوان كسرى، للوَرَى***ذلك البرج المُعَلَّى: من محاه؟
وارو، يا يرموكُ، ماذا صَنَعتْ***برءوس الرومِ أَسيافُ الكماة؟
يا طَرِيدًا، ملأ الدنيا اسمُه***وغَدَا لحنًا على كل الشفاه
وغدت سِيرتُه أُنشودةً***يتلقَّاها رُواةٌ عن رواه
ليت شعري: هل درى من طاردوا***عابدو اللات، وأتباع مناه؟
هل دَرَتْ من طاردتْه أُمةٌ***هُبَلٌ معبودُها؟ شاهَتْ وشاه!
طارَدت في الغارِ مَنْ بوَّأَها***مَقْصِدًا لا يبلغ النجمُ مداه
طارَدتْ في البيد مَنْ شادَ لها***دينُه في الأرضِ جاهًا أيَّ جاه
سؤدد عالي الذُّرَا ما شادهُ***قيصرٌ يومًا، ولا كسرى بناه
ورأى التاريخُ ما أذهلهُ***فانثنى مِنْ دَهْشتِهِ يَفْغرُ فاه
هالهُ فتحٌ ترامي أفْقُه***وأَذانٌ ردَّدَ الكونُ صداه
ومحاريبٌ بشرق الأرض، أو***غربِها تَشْدُو بتكبيرِ الإله
يُهْرَع الناسُ إليها زُمَرًا***كلما نادى المنادي للصلاة
أيُّ دينٍ ذلك الدينُ الذي***حَوَّل الأفكارَ عن كلِّ اتجاه؟
صَهَرَ الأنفُسَ حتى لم تعُدْ***تدركُ الأنفسُ شيئًا ما عداه
كم أب خاصم في الله ابنَهُ***وأخٍ حارب في الله أخاه
باسمه أمْسَى يسُوسُ الأرض مَنْ***يحلبُ النوقَ، ومَنْ يرعى الشِّيَاه
ويجوبُ البحرَ من لم يَرَهُ***غيرَ طْيف من خَيالٍ في كراء
ناشِرًا من فوقه أعلامَه***تفزَعُ العِقْبانُ منها والبُزَاة
لم يكن طه لعَمْري ساحرًا***يخرِقُ العادات يَتْلو رُقاة
كلُّ ما جاءَ به من معجزٍ***سحَر الألبابَ: قرأنٌ تلاه
مُرسَلٌ نال بآي الذكرِ ما***لم ينلْ من قبلُ موسى بعصاه
وحَّد العُرْبَ، وكانوا بَدَدًا***مثلما يخرجُ طَلْعٌ منْ نواه
فإذا التيجانُ تهوِي، وإذا***بِرُعاةِ الإبْلِ للدنيا رُعاه
تحتَ جُنْحَ الليل يسري خُفْيةً***في سبيل الله والحقِّ سُراه
يقطع الليلَ مَسيرًا، فإذا***وشَت الشمسُ به، ألقى عصاه
وقريشٌ خلفَه لاهثةٌ***تسأل الركبانَ عنه والمشاة
فكأنَّ البرقَ في خَطْفَتِهِ***أعْيُنٌ شزراءُ، وَدَّتْ لو تراه
وكأن الطودَ في إطراقِهِ***سامعٌ تُنْصِتُ منه أُذُناه
وكأن الرملَ يُحْصِي خطوَه***وكأن النجمَ من بعض الوُشاة
غير أن الركبَ يمضي ثابتًا***وشعاراه: اتْئادٌ، وأناة
ويقينٌ بالذي يحرسُه***من يلُذْ بالله لم يَخْشَ سواه
في سبيل الله يمشي آمنًا***كيف يخشى وَهْو يمشي في حِماه؟
قِلَّةٌ لكنها في عزمةٍ***لا قليلٌ ذَرْعُها أو مُتنَاه
ما نجومُ الليل إن قيست بها؟***ما رمالُ البيد؟ ما قَطْرُ المياه؟
لا دُروعٌ سابغات، لاقنا***مشرعاتٌ، لا سيوفٌ منتضاه
قوة الإيمانِ تُغْني ربَّها***عن غِرار السيف أو سنِّ القناة
ومن الإيمان: أَمنٌ وارف***ومن التقوى: حصونٌ للتقاة
ركبُ طه وأبي بكر سَرى***في حواشي الليلِ؛ فانجابَ دجاه
ما اهتدى بالنجم في جنح الدُّجى***بل سرى النجمُ لعَمْري في سَناهْ
آه لو تعرف أطباقُ الثرى***من أقلَّت أرضُها الصمَّاءُ آه!
لو دَرَتْ من حملتْهُ، لثمت***قدميه حين تخطو قدماه
واستحالت جنةً وارفةً***من نخيل يانعٍ، دان جَناه
لو دَرَى المُزنُ به ظلَّلَهُ***من هجيرٍ يشتكي الضبُّ لظاه
وهَمَي مَاءً عليه باردًا***وحميمًا فوق من يبغي أذاه
لو دَرَى الفقرُ بمن يجتازهُ***ضجَّ بالتسبيح والذكر حَصاه
لو درى الدَّوْحُ بمن مَرَّ بهِ***لحنى الدوحُ له شمَّ الجبِاه
لو درى الوحش به، ما نفرت***ظبيةٌ منه، ولا فَرَّت مهاه
لو درى الطير به، ما أجفلت***منه ورقاءُ، ولا ريعَتْ قطاه
من هو الركبُ؟ نبيُّ مرسَل***وحواريٌّ تهدى بهداه
رَجُلاء بهما الدارُ نَبَتُ***فغزا العالمَ طُرًّا رجلاه
ومشى التاريخُ من خلفهما***مرهفَ الآذانِ تَرْنو مُقلتاه
في يديه لَوْحُه، ما همَسَا***همسة إلا وخطتها يداه
إن يكن هاجر منها كارِهًا***فَغَدًا يأتي على رأسِ الغزاة
وغدًا يُشْعلها بيضاءَ في***بلدٍ جَارَ عليهِ ونفاه
وغدًا يعفو، ولو شاءَ غَدَا***كلُّ مكيِّ غريقًا في دماه
وغدًا يجني رءوسًا أينعت***في القصاص العدل للناس حياة
ومن العفو: ضرارٌ، وأَذَى***ومن العفو: عقابٌ للجُناة
حلَّ ركبُ المصطفى في يثربٍ***كيف لا، واللهُ يَرْعَى من رعاه؟
رحَّبَتْ يثربُ، بل ألقت على***أُذُن الدهرِ هُتافًا؛ فَوَعاه
«طلع البدر»: نشيدٌ خالد***كلما ردَّدَه الدَّهرُ شجاه
بئِّرَ الشِّرْك بموت عاجِل***أيها الشركُ، دَنَا يومُ الوفاة
أيها الأنصارُ، هذا يومُكم***يا سيوف اللهِ في حربِ الطغاة
اذكري، يا بدرُ، ما شاهدتهِ***من جنود الله في حربِ عداه
واحكِ، يا إيوان كسرى، للوَرَى***ذلك البرج المُعَلَّى: من محاه؟
وارو، يا يرموكُ، ماذا صَنَعتْ***برءوس الرومِ أَسيافُ الكماة؟
يا طَرِيدًا، ملأ الدنيا اسمُه***وغَدَا لحنًا على كل الشفاه
وغدت سِيرتُه أُنشودةً***يتلقَّاها رُواةٌ عن رواه
ليت شعري: هل درى من طاردوا***عابدو اللات، وأتباع مناه؟
هل دَرَتْ من طاردتْه أُمةٌ***هُبَلٌ معبودُها؟ شاهَتْ وشاه!
طارَدت في الغارِ مَنْ بوَّأَها***مَقْصِدًا لا يبلغ النجمُ مداه
طارَدتْ في البيد مَنْ شادَ لها***دينُه في الأرضِ جاهًا أيَّ جاه
سؤدد عالي الذُّرَا ما شادهُ***قيصرٌ يومًا، ولا كسرى بناه
ورأى التاريخُ ما أذهلهُ***فانثنى مِنْ دَهْشتِهِ يَفْغرُ فاه
هالهُ فتحٌ ترامي أفْقُه***وأَذانٌ ردَّدَ الكونُ صداه
ومحاريبٌ بشرق الأرض، أو***غربِها تَشْدُو بتكبيرِ الإله
يُهْرَع الناسُ إليها زُمَرًا***كلما نادى المنادي للصلاة
أيُّ دينٍ ذلك الدينُ الذي***حَوَّل الأفكارَ عن كلِّ اتجاه؟
صَهَرَ الأنفُسَ حتى لم تعُدْ***تدركُ الأنفسُ شيئًا ما عداه
كم أب خاصم في الله ابنَهُ***وأخٍ حارب في الله أخاه
باسمه أمْسَى يسُوسُ الأرض مَنْ***يحلبُ النوقَ، ومَنْ يرعى الشِّيَاه
ويجوبُ البحرَ من لم يَرَهُ***غيرَ طْيف من خَيالٍ في كراء
ناشِرًا من فوقه أعلامَه***تفزَعُ العِقْبانُ منها والبُزَاة
لم يكن طه لعَمْري ساحرًا***يخرِقُ العادات يَتْلو رُقاة
كلُّ ما جاءَ به من معجزٍ***سحَر الألبابَ: قرأنٌ تلاه
مُرسَلٌ نال بآي الذكرِ ما***لم ينلْ من قبلُ موسى بعصاه
وحَّد العُرْبَ، وكانوا بَدَدًا***مثلما يخرجُ طَلْعٌ منْ نواه
فإذا التيجانُ تهوِي، وإذا***بِرُعاةِ الإبْلِ للدنيا رُعاه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق