اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

قراءة في المجموعة القصصية (عيون القلب) للقاصة المغربية ليلى مهيدرة.. خاصية السرد ومرآته في الكتاب القصصي

بقلم :: الشريف ايت البشير
تكرس ليلى مهيدرة اسميتها في الإبداع المغربي عن طريق إصدار مجموعتها القصصية (عيون القلب) بعد ديوان شعري تحت عنوان (هوس الحلم).نخصص هذه المقالة هنا لتحليل مجموعتها القصصية التي صدرت في طبعتها الأولى من سنة 2013 عن مطبعة safigraphe بمدينة آسفي
يخطفنا ، للتو، عنوان هذه المجموعة القصصية إلى ريبيرتوارالأغنية العربية مع الرائعة ذات البحة المتفردة : نجاة الصغيرة. في رائعتها : (عيون القلب سهرانة ما بتنامشي). من خلال ذلك تعلن وبشكل مباشر عن أن إحدى إمكاناتها النصية هي الاعتماد على التضمين أو ما يسمى بالمتناص في مفهوم النقد الحديث. وهو تناص لايتم بالنظر إلى الحالة المحايثة وإنما هو تضمين مباشر . يتأكد ذلك بالعودة إلى القصة – البؤرة التي
تحمل العنوان ذاته . وهي القصة رقم 9، حيث تتم إعادة مقطع بالكامل من هذه الأغنية مع نجاة الصغيرة . الصفحات 35 – 36 – 37 .
وإذا كان العنوان بالمعنى الذي يطرحه جيرارجنيت. بمثابة النص الموازي ، و بالنظر إلى الطبيعة اللفظية التي يحوزها ،فانه يعلن أيضا عن كون المجموعة القصصية تتكئ في غرف معرفتها من الحدس باعتباره معرفة عرفانية مبنية على الإشراق و الإحساس . وكان الدليل الذي يقودها في” غابة السرد” ومتاهاته هو القلب ،وليس أبدا العقل لان الأمر لايتعلق هنا بالنزوع نحو النظام الأكسيوماتي . كما لايتعلق الأمر بمعرفة الوجود المنتزعة من التجربة . إنما هي معرفة الحدس ومعرفة القلب .
لكن لماذا التركيز على لفظ العين في خاصية القلب؟ ثم هل حقا للقلب عين؟و ما الخلفية التي تقوم وراء اعتماد صيغة الجمع (عيون) هكذا ؟
يشير عبد الفتاح كيليطو في دراسته لقصة بورخيس : (بحث ابن رشد) إلى أن أول معجم في العربية كان من إنتاج الخليل بن احمد الفراهيدي المشهوربتقعيده لإيقاعية الشعر في مجموعة من البحور تتشكل من تفعيلات مخصوصة بكل منها على حدة . هذا المعجم سماه (معجم العين) . سمي كذلك لأنه لا يحترم فيه الترتيب الأبجدي للعربية . لقد ابتداه بحرف العين . قد يكون السبب وراء ذلك هو أن الخليل كان اعور . كما اهتم بعده ابن سيدة بالمعجم وكان هو الآخر يعاني من عاهة في العين . لم يكتف بورخيس بالإشارة إلى هذين المعجميين في الثقافة العربية الوسيطة بل أشار إلى ابن رشيق الذي كان به حول أيضا ، فضلاعن الجاحظ الذي سمي كذلك لجحوظ عينيه …. كما تمت الإشارة إلى بشار و إلى المعري ثم إلى هوميروس باعتبارهم عميانا . ليصبح العمى هو الموضوعة الأثيرة لدى بورخيس . لدا قام بتمجيدها و العناية بها لان فقد البصر كان ايذانا حقيقيا بانجاز الرؤية الوجودية بواسطة الكيان . و التي تكون حقيقية و صادقة . مادام العالم يدرك من خلال الرؤية الخاصة وبواسطة النبض المباشر دون وساطات قد تكون بمثابة الرؤية االبصرية . ستكون حتما حالة بورخيس شبيهة بحالة طه حسين في التفكير الإنساني الحديث و المعاصر . لان كليهما حول إخفاق النظر إلى انتصار بواسطة الكتابة . فهما ينظران إلى العالم بنصوص مكتوبة في مختلف المجالات .
بالنسبة لحالة الخليل فانه استبدل العين الجارحة بعين أخرى هي العين المعجمية . ونظر بواسطتها كمكون : قاعدة و أساس للغة و إلى العالم . ومن خلال كل ذلك تصبح القاصة ليلى مهيدرة أيضا مورطة في هذا التحول من النظر إلى العالم بواسطة العين . إلى النظر إليه بواسطة القلب باعتباره عين الحس و الحدس والعاطفة…. معها نكون أمام معرفة تتأتى عن طريق الكشف و التجلي مادام شفيعها القلب . وليس أبدا العقل لأن هذا الأخير وأثناء اعتماده في الرؤية إلى جغرافيا الكون يصادر لذاذاتها ومتعها ويمنح مباشرة على شكل أوجاع ومنغصات . إن العقل مصدر حقيقي للتعب و الألم والقلق . وكأن تعاسة العالم ليست إلا نتيجة طبيعية للرؤية العقلية إليه . قد تكون الرؤية القلبية رؤية حالمة و طفولية وأكثر إنسانية . وهو ما جعل القاصة هنا في كثير من نصوصها تصدر عن هذه الرؤية الطفولية القاضية بالتفاعل مع الوجود على علاته دون سبق و إصرار . تكون محكومة بمبدأ التفاعل و الانفعال ….. إذ بدت في الغالب الساردة ذاتا متأثرة بكل ما يقع حولها دون أن يكون لها التدخل لتصحيح الأوضاع و تغييرها . وهو ما جعل مسحة الكآبة تطبع سماء أغلب القصص أسلمتها لنزعة مأساوية أكثر حزنا على ما يجري حول الذات وعليها .
في المجموعة القصصية (عيون القلب) لاتوجد الخلفية الإيديولوجية ولا النزعة البرغماتية في تعاطي الوجود. إذ عبر الرؤية بواسطة عين القلب يكون التوق نحو الصدق ونحو العمق والشفافية . مادامت الرؤية بواسطة البصيرة هي الأعمق وهي الأكثر نبلا في ألقها الإنساني . والتاريخ العربي شاهد على ذلك من خلال حالات بشار والمعري و طه حسين- كما أشرنا سابقا –
يتقاطع عنوان المجموعة إذن ، مع عنوان القصة التاسعة. و كأن عنوان هذه الأخيرة يشع في مساحة المتن. إنها القصة – البؤرة والمركز والنواة التي تمتص بقية الأجزاء وتذوبها فيها . فكيف تحقق ذلك بالنظر إلى صناعة السرد وجماليتها ؟
تبئر هذه القصة التاسعة في متخيلها السردي القضية الفلسطينية من خلال حوار الذات الساردة مع عازف موسيقي على آلة العود:هويته فلسطين . وهي هوية تنشر ظلالها على السارد . والتي هي المحاورة في الآن نفسه . وكأن هذا الانتماء ليس مخصوصا . و إنما هو مشاع في جغرافيا الوطن العربي . كما أنه يتم تبئير هذه القصة في أغنية من روائع نجاة الصغيرة يجعل عنوانها يتصادى مع عنوان المجموعة ويكرره و كأنها رغبة في إعادة الاستماع إلى هذه الأغنية . ما دام كل تكرار هو اكتشاف للذات بطعم آخر وبنكهة أخرى؟
تتحكم الذات الساردة في خيوط السرد في مقابل هشاشتها واضطرابها أمام الموضوعة . فكان وضعها مزدوجا: في الداخل يكون الإحساس غامضا ،إذ لايتم الكشف عن ذلك و لا عن سببه . و لكن من خلال التحول في الدلالة . وبإيعاز من العازف يتضح بأن سبب الاضطراب هو العشق ما دام الأمر متعلقا بالبحث عن ملاذ في أغنية نجاة الصغيرة. ليتبين بعدها أن الموضوع ليس إنسانيا. فقط يرتبط بلوعة الهجر فقط ، وإنما ،وأيضا يرتبط بوضع فلسطين في إطار حالة الغطرسة الإسرائيلية التي تستحوذ على كل شيْء ،ولا تترك للفلسطيني أي شيْء .
يكون ذلك بمتابة الإعلان الحقيقي عن أن ما يحقق الوجود الفلسطيني وفي الآن نفسه الذات الساردة في مرجعيتها القومية ليست المهرجانات الخطابية و لا المؤتمرات ، وإنما العمل عبر الإنتاج الجمالي لإظهار الفرادة والتميز والخصوصية … وتأكيد الشخصية الفلسطينية من خلال الخالد و الأبقى والشاهد على تاريخ أبدي في ذلك . وليس أبدا من كلام يتم إنتاجه في الليل العربي يمحوه النهار العربي أيضا .
وعليه فان موضوع هذه القصة متراكب فيه ما يرتبط بالذات وفيه ما يرتبط بالموضوع ، الأول يحيل على الإنساني في إطار القلق الوجودي و مايستتبعه من طرح أسئلة تتغيى اقتناص خيمة دلالية تطمئن إليها الذات وتستكين . أما الثاني ففيه ألم الإنسان ومحنته تجاه الزج به في مسارات من التهميش و الإقصاء والتشريد … لتنشأ العلاقة بينهما مرآويا . يكون الموضوع مرآة للذات لتقتنع بأن ما تعانيه لاشيء أمام فداحة الوجود بالنسبة للثاني المتصل بالموضوع. وكأن هذا الأخير أيضا هو المشجب الذي تعلق عليه الذات أعطابها والذي عبره تمتص غضبها وتعمل على تذويبه من باب الإقتناع بان آخرين هناك أكثر تراجيدية من الذات هنا.
يظهر أيضا من خلال هذه القصة البِؤرة ، ومنها يمكن تعميم الأحكام أيضا ، أن القاصة تحتمي في كتابتها بمرجعية سردية أساسها الوضع المفارق والمزدوج بين:التقشف في التعبير يصل إلى حد الإشارة والإيحاء . في مقابل الاشتغال على مواضيع ثرية ،وأكثر فسحة في الدلالة … اذ هنا يرتبط الأمر بالإنسان ووضعه بفلسطين الممهور بالمنغصات قد يكون أساس ذلك التقشف هو البحث عن بديل تعبيري للاحتجاج، أي تعبير يكون أبلغ من الكلام هو الصمت . ليس ذلك وحسب . فما الذي يقدر أن يفعله الإنسان تجاه هذا الوضع؟
يمكن أن يفعل شيئا واحدا إذا استطاع أن يخرج من جلده .
أو أن يفعل شيئا آخر إذا استطاع الفيل أن يدخل الشق.
وهما أمران مستحيلان،وكأنها تقول لنا بما أن ذلك يستحيل فلنعمل معا على العبور باتجاه فظاعة العالم وفداحته بأقل تكلفة ممكنة من اللغة . باعتبارها الحكمة التي يمكن استخلاصها من استقراء أوضاع القضية.
في القصة التاسعة أيضا هناك أصالة لغوية عن طريق المزج بين كتابة السرد وكتابة الشعر . كما هو الأمر في النصوص المقامية، و التي يلجأ فيها إلى الاستشهاد بالشعر من شأنه أن يختزل وأن يلمح وأن يبلغ باطنيا الفكرة في حالة من التكثيف والتلخيص ، والتي تكون مشتركا بين متلقين كثر كحالة اغنية” نجاة”. عبرها يتم الإعلان عما يلي :
هذه جراحي الذاتية / الإنسانية والقومية معلقة على جسد الكلمات ومشروخة في بحة الصوت المترجم باقتدار فداحة العالم وأوديسا الوجود.
وعليه فان عشق فلسطين الأرض والوطن ضارب في التاريخ القديم وهو الذي يطرح في أشكال التشبث والتمسك به. كما أنه يترجم في الحركة والنضال والمقاومة من أجل التحرير. وكأن الأرض ، ومن خلال عاطفتها وحنوها النبيلين تحفز الإنسان كي يسعى “إذا استطاع إلى ذلك سبيلا”و كي يحافظ عليها : (أعدي لي الأرض كي أستريح، فاني أحبك حتى التعب) كما يقول محمود.درويش.
وعليه فان الساردة من جهة ،وأغنية نجاة من جهة أخرى،هما الشيء ذاته في إطار تبادل المواقع، أساسه الرمز و الإيحاء إلى التقارب والتقاطع على نفس الهاجس و الإحساس الذي يطفح بنبض الإنسان تجاه وجوده.
إن الأغنية شجية، وهي في منتهى تفتيق الجرح وتوسيع دائرة الشجن والجهر به. تصلح أن تكون بمثابة التعبير الحقيقي عن حالات الذات هي هنا مزدوجة: ذات مغربية وذات فلسطينية. كلاهما مترع في اتجاه الآتي الناهض بالألق وبالغلال وبالوعد،وان تعددت الأسباب فالوضع يخضع لحالة من التصادي يجعل المغربي يحس بالوضع الفلسطيني في إطار تمثل الخطاب القومي وأنواع الخطاب الأخرى التي تمشي في ركابه، و التي جعلت القضية الفلسطينية هي قضية الأوطان العربية قاطبة. يكون التوحد والانصهار لتذويب الحزن والتقليل من فداحته بتعاطي الفن باعتباره الأكثر تعبيرا عن إنسانية الإنسان. وكيفما كانت الحال فبالفن يحيا الإنسان.
يتشوف الفلسطيني هنا مستقبله في ما تحمله الأغنية من وعد يتفتق من الثنائية الحادة التي تنبني عليها: فهي تحت سلطة السهاد والأرق وجفاء النوم… وهو في حالة اللامبالاة بسبب لا مسؤوليته تجاه الكلام الذي يقوله:(أنت بتقول وبتمشي.وأنا أسهر ما نامشي. ياللي ما بتسهرشي ليلة يا حبيبي).إن الساردة تتشوف ما تؤول إليه الأغنية،في الوقت الذي يتشوف الفلسطيني غده أيضا في الأغنية ذاتها. عملهما الهدف منه هوتذويب فداحة الألم والاغتراب الوجوديين. تماما كحالة عبد الرحمان الداخل الذي تشوف إلى الشرق حين نفي إلى الغرب،قال مخاطبا نخلة بالأندلس:
نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
هكذا يمكن التأكيد على خاصية بنيوية تستغلها القصة في صناعة نصها والمرتبطة بمسألة المعادل الموضوعي أو الرمزي سيان بلغة ت.س.اليوت.
وبالنظر الى المواضيع التي تستأثر باهتمام هذه المجموعة يمكن التأكيد على خاصيتها الذاتية عن طريق تسريد الحياة الخاصة للساردة. وعلى خاصيتها الموضوعية بالتقاط علامات البؤس وتجلياته في بنية المجتمع.
هكذا فإن القصة الأولى( خطة التراجع عن قرار التراجع) و إن بأرت موضوعة الحرب. والتي تترجم من خلال عنوان مواز آخر ملحق بالمركز فيه السخرية من قرارات الحرب التي يظهر بأن أجندتها تخدم لغة الانتصار، في حين هي، في العمق ، ترجمة لكل ما يعمل على إذلال الإنسان وقهره. على اعتبار أن ما يتحكم في الوجود هي قرارات عبثية وممعنة في السوريالية.
ترسم هذه القصة إذن،عوالم مختلفة لفئات وأجيال من المجتمع:
– شخصية المرأة باعتبارها النموذج الذي يجني كبوات الرجل و إخفاقاته وأخطاءه كأوديسا قاهرة زجت به في أتون الانزواء والصمت والإحساس القاهر بالذل.
– شخصية الرجل الذي يجعل المسار الذي وضع فيه ليصبح الأداة العمياء التي تنفذ الاستراتيجيات المرسومة والتي هي مغرضة وماكرة وملتبسة. وحدهم مهندسو الحروب يعرفون خياناتها كما يعرفون الفظاعات التي تؤول إليها.
– شخصية الابن: الذي يرمز للجيل الجديد والواعد، والذي يتخذ من الوعي بالذات عن طريق مركزتها منطلقا لامتلاك الوجود والعيش دون الاكتراث بالغير ولا بالماضي.
وفي الوقت الذي لايكترث الابن بأقوال الناس ولا بتعليقاتهم،فان الزوجة “زينب” أحست الخزي و الإذلال فكان لذلك أثره على نفسيتها التي أفضت بها إلى الانهيار والإحساس بالهشاشة تجاه العلاقة مع الجارات. في حين البطل وهو هنا الرجل، فإنه يكون بمثابة جسد التاريخ الذي يكتب عليه التحول الذي خضع له،والذي يترجم التحول في وجدان المجتمع تجاه البطل من الاعتبار والتمجيد والأمل في النصر،إلى الإذلال والخزي والخذلان وكل
أشكال الاحتقار… وفي الوقت الذي تعملق إحساسا بالمشاركة في الحرب، أصبح كالخرتوت وهو يجر أذيال الخيبة كل يوم وسط جيرانه الذين يحسون بأنه أخلف موعده مع رغبتهم في التمثل الوجداني للنصر.
تعتمد ليلى مهيدرة هنا،في هذه القصة الأولى،على تقنية المونولوج لترجمة العوالم النفسية والعقل الباطن لخيبة الانتصار بالنسبة للبطل.كما تعتمد خاصية أسلوبية تتمثل في ما يسمى باللكسيم بالنظر الى لفظ (التراجع) الذي حولته من قيمة السلب الى قيمة الإيجاب حينما أصبح استراتيجية في الحرب بغية توقيف النزيف.واعتماده أيضا كاستراتيجية مجتمعية في السلوك اليومي بالنسبة للفرد الذي يحس بالمهانة جراء ما وقع، وهو لا يد له فيه كما مع شخصية الزوجة:زينب.
وتستمر القاصة في طرق مواضيع مأهولة بفسحة المعرفة؛ففي قصة “الدولاب” هناك رسالة تقضي برفض تهريب الوطن من خلال سرقة ذاكرته. حيث تعمل على اختزال تاريخ الذات و الهوية وتاريخ الوطن في رمزية الدولاب الذي كان في حوزة أحد المعمرين لتتم استعادته عن طريق اقتنائه للحفاظ على كرامة الذات وهويتها.كما أنها في قصة (قلم أحمر) تتناول موضوعة وطنية تتصل بسعة الحلم. والحلم بضيق الزنزانة، عن طريق تسريد موضوعة البطالة في علاقتها بمشروع الحلم في توفير الأمن الغذائي. ومشروع البحث عن وظيفة. والتي تفتحها على الواقع الذي يجعلها من نصيب من لم يكتمل علمه. وذلك باستغلال المنعطفات التاريخية والظروف المواتية لتحويل الذات إلى النزوع البرغماتي الفج. ليصبح الحصول على وظيفة مرتبطا بانتهاز الفرص. وليس أبدا الانتظار حتى يتقوى الرصيد العلمي.
وبالانتقال إلى قصة (انسلاخات) نجد الساردة مفعمة بالحياة، إذ تعمل على تمجيدها والإعلاء من شأنها. وكأن الانسلاخ عن الذات يصبح حالة من الفارمكون. حيث تصبح القرارات حاسمة تظهر صلابة الشخصية بسبب ما تخزنه من وعي مرجعي لما يجري حولها .إنها ذات متيقظة ومتمسكة بإنسانيتها وبهويتها. من ثم كان الإحساس بالاغتباط تجاه ما تنجزه من حركة في الوجود كما هو الأمر مع الجولات المنجزة. وفي مفارقية مأهولة بالألم يتم الوصف الفظيع للإحساس الذي انتابها قبل إجراء العملية الجراحية وما اسلم السرد الى إيقاف كل علاقة باللوغوس في مقابل تعليق كل شيء على التيولوجي.وتخلل ذلك بتناول محفلين سرديين يرتبطان بالانسلاخ تجاه البيت وإحالته على الأم و الإخوة،
وآخر تجاه الزوج وما يرتبط به من إحساس مبني على العلاقة المؤسسية من خلال تسريد الرابط المتصل بالدعم وبالوثائق … وفي لاوعي القصة يمكن رصد حالة العلاقة بين الناس وما وصلت إليه من فظاعات تترجم في العزلة و الوحدة و أحيانا في سوء التفاهم. حيث يحضر الزوج هنا بخلفية اجتماعية فقط، دون ان يكون الدافع من منطلق الحميمي والسيكولوجي.وكأن الذات المسردة تعاني من صقيع الواقع، وتفتقد السكن الدافئ لطرده.
و لعل قصة (المصارحة) تترجم ذلك بوضوح؛ ففي الوقت الذي تظهرفيه المرأة هشة أمام الرجل، تكون ماكرة،على اعتبار أنها حقيقة اجتماعية،في حين على العكس من ذلك يكون الرجل وهما. من ثم تحاكم المرأة الرجل،لأنها تريده واقعيا ،في حين هو يريد أن يكون حالما. يريد أن يكون شخصية افتراضية تتمتع بخصوبة في الخيال وجفاف في الواقع. وكأن الرجل هو نموذج كذبة المجتمع ووهمه. في حين المرأة هي حقيقته وواقعه. من ثم كان تفويض الأمور للرجل خطورة، في حين المرأة هي بر الأمان وهي الحماية الأكيدة.
ومن ثم فان هذه القصة تترجم حالات الاغتراب التي يستشعرها الإنسان المعاصر في وجوده. كما تترجم العلاقات الدفينة بين الأزواج إذ في لاوعي كل منهما قلب للصورة الكسولة التي يرسمها عنهما المجتمع.
في قصة (هواجس) اشتغال سردي على هاجس مختلف هو موضوع الكتابة؛ ذلك أن الشخصية المسردة تعيش حالة انفصام من خلال استيهامها هذا الفعل وكيفية تدبيره في إطار الجمالية المسرحية ،وما يكتنفها من قلق أمام ثنائيات حادة كالقبول والرفض. الواقع و الخيال. الجمال والفقرأو القبح ثم صناعة النص في مقابل كتابته. لينشأ السؤال جارحا في سوسيولوجيته: ما جدوى الكتابة في وجود لا يؤمن بالفكر؟
وفي نفس الموضوعة، أو في اطار تسريد النص الواصف المتصل بالجمال،نجد قصة (خطوط عمودية) وتبئيرها لشخصية الفنان في إطار خطاب التشكيل الذي ينخطف تجاه الومضة. وتجاه الهارب و اللايفسر لتشكيل رؤيته بواسطة الجمال باللون والخطوط.يكون ذلك عماء مطبقا لدى الدهماء والدوكسا. الذي يعد، أحيانا،بمثابة الشخصية الطفولية ذات الإحساس المرهف، والتي لاتتذوق الجمال و لاتستكنه عمقه، بعملها ذاك تعمق اغتراب الفنان وعزلته.
تنزاح قصة (تخيلات)عن الموضوعات السابقة، لترتبط بالمحلي في فضائه؛حيث تم تفضيء مدينة الصويرة بالنظر إلى الجزيرة وإلى “المكانة”… وأيضا في ثقافته بالإشارة إلى أن المرأة الصويرية تعيش حالة من الاقتدار الوجودي مأهولا بالمعاصرة والتحديث وإنتاج لغة الجسد حينما تخلق من الرجل موضوعا للرغبة و استيهام الجنس.
وبالعودة إلى قصة (الوثيقة الوهمية) نجدها ترصد موضوعة مجتمعية تتصل بسوء التفاهم بين الأزواج.وانعدام التواصل بينهم. حيث يبدو هنا بأن لكل من الطرفين همومه وأحلامه واستشرافاته الخاصة. أنتجت حوارا متقطعا به يستعيد حالة من العبث كما هي مطروحة لدى أغلب كتاب العبث في المسرح خاصة. نجد ذلك مبلورا في مسرحيات الثالوث الدراماتورجي المعروف: يونسكو، بيكيت و أداموف. كما نجده مع كتاب العبث في المسرح العربي كما في تجربة (يا طالع الشجرة) و (الطعام لكل فم) لتوفيق الحكيم. و (اسمع يا عبد السميع) لعبد الكريم برشيد.
واعتماد هذه التقنية في قصة (الوثيقة الوهمية) احتجاج واضح على الوضع المأزوم عن طريق تضعيف أزمته و تحليكها أكثر لإظهار فداحته الماتحة من اغتراب الإنسان في وجوده.
وإذا كانت نصوص كتاب العبث تنبني في أغلبها على شخصيتين،فهو الشيء ذاته مع هذه القصة التي يتم تبئير متخيلها في وثيقة تشكل مادة الحلم.وهي طريقة إيحائية بامتلاك “رسالة إنسانية”تحضر بنفس المعنى في الأعمال المسرحية المشار إليها سابقا.
تتم أيضا صياغة قصة “ضيفة العيد” وفق بنية سردية تقليدية تحوز نموا منطقيا ثلاثي المحطات شأن التتابع المتحكم في منطقة أرسطو؛ حيث البداية المحددة لقدوم امرأة في زمن مخصوص. ودائرة التحول وما ترتبط به من أزمة حادة بين البنت و الأم وما فرضته على هذه الأخيرة من عزلة وانكماش. ثم نهاية جعلتها القاصة سعيدة بإعادة المياه إلى ماجرياتها بين الأم وبنتها.
وتستمر في تسريد الموضوعات الكبرى كمسألة الزمن في (الخريف الأخير)حيث الحياة تخضع لتحول في فصولها. وتستبد بها رهبة الزمن. هذا الذي يكون بمثابة النهر الذي يجرفنا كما يقول هيرقليطس.
ومع قصة (بلاغ عن طفلة ضائعة) تعود القاصة إلى موضوعاتها الأثيرة ذات النسغ المجتمعي، حيث تتبع حالات من التفكك الأسري بوجود مشاكل ترتبط بالانفصال عادة ما بين الزوجين. أو الفقد والعيش في حالة الترمل. أو نتيجة الثقافة الابيسية للمجتمع؛ ذلك أن الأب أثناء زيارته لها وهي طريحة الفراش كان يترجم نموذج الشرقي المتسلط، فهو يأمر أمها بإنهاء الزيارة ويرغمها على كفكفة الدمع… وقد بدت العلاقة بين الأم و البنت ممعنة في الصمت والهامشية،فهي لم تنعم بدفء يد الأم الذي أحسته…
وعليه فإن العلاقات الاجتماعية في هذه المحاولات تعيش حالات جد متوترة وفادحة في غياب الإحساس بالدفء تجاه أفراد الأسرة بعضهم البعض. وقس على ذلك بالنسبة للعلاقات المجتمعية. و أمام الإحساس بالضياع لايملك الإنسان إلا التشبت بحالته الطفولية مادامت الطفولة هي الشيء الحقيقي في الإنسان. إن الوجود يدرك بالألم و الشغب في قصة (طفل صغير).
تتناول القاصة موضوعات اجتماعية،لكنها لا تفسرها وجوديا، هناك حالة من الوقف المترجمة بجدار التدين ؛ ذلك أن زمن الولادة في قصة (إحساس الأمومة) تغلفه بالخطاب الديني في ارتباطه بالموت. فمحطات المخاض والحقن والمجسات والعملية القيصرية كانت تحضر لزمن الموت. لكن الحياة تغلبت بعد صراع مرير لأجل البقاء، يتم تفسيرها ثيولوجيا وردها إلى المشيئة الإلهية. وكيفما كانت الحال فإننا نعتبر هذه القصة محاولة لتناول عالم المرأة من الداخل. حيث الإحساس المتضارب والموزع بين الفرحة و الألم بين تحقيق ثقافة المجتمع في الإنجاب كشكل من أشكال الجدارة الاجتماعية. وبين تحقيق الذات في اطار الغريزة والتشبث بإحساس الأمومة اللايفسر.
مع ليلى مهيدرة في (عيون القلب) تبدو الحياة سريرا من الموت أمام استفحال الموضوعات المأساوية في حالتها المجتمعية؛ فهناك الطلاق. والعطالة والفقر والعجز البدني بل الاستقالة من الحياة على جميع المستويات. إن أبطال قصصها مأساويين ما داموا يحملون بؤسهم على أكتافهم وينظرون إلى جراحهم وهي تتفتق أكثر ويلوحون من تعب شارة الوداع إلى الحتف الأخير و النهائي.
ما خطفنا كثيرا في هذه المجموعة القصصية هو قصة (الفائز بالشهادة) لأنها تدشن الدخول الحقيقي إلى عالم القص وما يرتبط به من دهشة ناتجة عن تضمين البرنامج السردي كما هو معروف في الأدبيات السردية الفرنسية حيث مواصفات الشخصية، رغبتها.امتلاك القدرة على تنفيد الموضوع وحيازته أي الاتصال به. يتعلق الأمر هنا بالانخطاف إلى اللون والجمال والتعبير عن الإحساس باللوحة. الهدف منه هو الإيحاء إلى ان الوضع الفلسطيني سوريالي،فهو فن معطى على علاته. ولا يحتاج إلى اشتغال وتحويل كي يصبح فنا. فغزة تعد مرتعا خصبا لاستحصال فظاعة الحرب ووجود الإنسان وتحويلها إلى خطاب ماتع في إيحائه واستعارتيه.
لقد كانت النهاية متخمة بالدهشة وبالفجائية، وعملت على تضعيف الألم وترك الغصة في الحلق.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...