ليس للغياب ماهية محددة ولا ذات واضحة، فنحن فقط من نعطيه ملامح الحزن والأسى.
عند الغياب تتضخم التفاصيل الصغيرة وكأن وجود من نحب كفيل بأن يعصمنا عن صغائر الأشياء والسقوط إلى الأسفل.
من شلال الماء الذي كان يمار س هطوله في غفلة عن حواسنا، نتساءل أين ذهب بخار
المادة ونخوض جدلاً حول الإنتشار والتلاشي ينتهي إلى الإقرار بنتيجة مقنعة في معادلاتها لكنها محزنة في واقعها الذي يحيلنا إلى الإقرار بالعدم.
من هناك، إلى رغوة القهوة التي كانت تختفي في سوادها بغتة في لحظة شرود، ثم نعاتب نادل المقهى على التقصير، إلى هناك حيث أصوات الأطفال، ضحكاتهم وصراخهم، صوت التلفاز المتسلل من شقوق الجدران بعد الفجر، إلى أصوات الكنائس التي كانت تدق مع آذان المدينة عصرا باستفزاز وشماتة.
في كل هذه الصور المتكررة، في ظل من غاب من أحبتنا، نكتشف أننا قد أهملنا مسؤوليات كان من المفروض أن تكون أولى أولوياتنا كنجاحاتنا ومستقبلنا.
كان وجودهم يجعلنا نغتنم لحظات سعادة قد تختفي فجأة، نشغل تفكيرنا بهم، بالحضور كما الغياب، بالحديث الذي سنخوضه معهم، بترتيب الكلمات بين شهقات اللهفة وانقطاع النفس في حضورهم.
كنا نأكل على عجل وننام على غفلة من النعاس لنستيقظ بعد وهلة من السبات الخاطف، وننتظرهم من جديد وهم في غياهب انشغالاتهم وأولوياتهم.
حينها فقط ستعي أن في الغياب ستشتاق لصوتك، ضحكاتك، وحتى التنهيدات والشهقات التي كنت تزفر بها في لحظات انتظارك لهم والتي تحولت إلى صمت، وكأنك صنم لم يعد الغياب يعذبه أو يشق قلبه إلى أنصاف، وروحه إلى زجاج مهشّم.
في الغياب، قد تلامس نجوم السماء بنجاحاتك وتحديك ليأسك، أو تغرق في قاع المستنقع لتصبح مجرد جثة متعفنة لن يعيرك أحد اهتماما.
في الغياب، ستسافر يوميا لتهرب من ذاكرتك وذكرياتك لكنك ستجد نفسك تنظر إلى ساعة يدك وشاشة هاتفك آلاف المرات، أو ربما من نوافذ أمل ضعيف ولن تجد سوى عقارب الخيبة تلدغ لهفتك وشوقك، والصمت الجارح لكبريائك يسكنك ويسكن هاتفك ومقعد انتظارك.
في الغياب، ستتوه ملامحك في أرصفة المدينة الباردة، وقد تحولتَ مزارعاً يحرث طرقاتها بفأس الوحدة ويَبذُرها ببذور الذاكرة الحزينة.
في الغياب، ستسهر في المقاهي والأرصفة، تتظاهر بالسعادة لكنها دائما ما تهرب منك بمكر ودهاء لحظة خروجك منها.
بعد الغياب و الغياب، سيموت الشّوق وتنتحر اللّهفة بداخلك بطعنات الخيبات وستدشن ذكراهم ورسائلهم في جنائز النسيان .
_____________
بقلم الأستاذة:
وسام أبو حلتم
عند الغياب تتضخم التفاصيل الصغيرة وكأن وجود من نحب كفيل بأن يعصمنا عن صغائر الأشياء والسقوط إلى الأسفل.
من شلال الماء الذي كان يمار س هطوله في غفلة عن حواسنا، نتساءل أين ذهب بخار
المادة ونخوض جدلاً حول الإنتشار والتلاشي ينتهي إلى الإقرار بنتيجة مقنعة في معادلاتها لكنها محزنة في واقعها الذي يحيلنا إلى الإقرار بالعدم.
من هناك، إلى رغوة القهوة التي كانت تختفي في سوادها بغتة في لحظة شرود، ثم نعاتب نادل المقهى على التقصير، إلى هناك حيث أصوات الأطفال، ضحكاتهم وصراخهم، صوت التلفاز المتسلل من شقوق الجدران بعد الفجر، إلى أصوات الكنائس التي كانت تدق مع آذان المدينة عصرا باستفزاز وشماتة.
في كل هذه الصور المتكررة، في ظل من غاب من أحبتنا، نكتشف أننا قد أهملنا مسؤوليات كان من المفروض أن تكون أولى أولوياتنا كنجاحاتنا ومستقبلنا.
كان وجودهم يجعلنا نغتنم لحظات سعادة قد تختفي فجأة، نشغل تفكيرنا بهم، بالحضور كما الغياب، بالحديث الذي سنخوضه معهم، بترتيب الكلمات بين شهقات اللهفة وانقطاع النفس في حضورهم.
كنا نأكل على عجل وننام على غفلة من النعاس لنستيقظ بعد وهلة من السبات الخاطف، وننتظرهم من جديد وهم في غياهب انشغالاتهم وأولوياتهم.
حينها فقط ستعي أن في الغياب ستشتاق لصوتك، ضحكاتك، وحتى التنهيدات والشهقات التي كنت تزفر بها في لحظات انتظارك لهم والتي تحولت إلى صمت، وكأنك صنم لم يعد الغياب يعذبه أو يشق قلبه إلى أنصاف، وروحه إلى زجاج مهشّم.
في الغياب، قد تلامس نجوم السماء بنجاحاتك وتحديك ليأسك، أو تغرق في قاع المستنقع لتصبح مجرد جثة متعفنة لن يعيرك أحد اهتماما.
في الغياب، ستسافر يوميا لتهرب من ذاكرتك وذكرياتك لكنك ستجد نفسك تنظر إلى ساعة يدك وشاشة هاتفك آلاف المرات، أو ربما من نوافذ أمل ضعيف ولن تجد سوى عقارب الخيبة تلدغ لهفتك وشوقك، والصمت الجارح لكبريائك يسكنك ويسكن هاتفك ومقعد انتظارك.
في الغياب، ستتوه ملامحك في أرصفة المدينة الباردة، وقد تحولتَ مزارعاً يحرث طرقاتها بفأس الوحدة ويَبذُرها ببذور الذاكرة الحزينة.
في الغياب، ستسهر في المقاهي والأرصفة، تتظاهر بالسعادة لكنها دائما ما تهرب منك بمكر ودهاء لحظة خروجك منها.
بعد الغياب و الغياب، سيموت الشّوق وتنتحر اللّهفة بداخلك بطعنات الخيبات وستدشن ذكراهم ورسائلهم في جنائز النسيان .
_____________
بقلم الأستاذة:
وسام أبو حلتم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق