كان الطريق إلى قرية "مرج كرم " يبعد حوالي (20 كم )عن مدينة حمص ، حيث تنام هذه القرية على كتف نهر العاصي بهدوء .
للوهلة الأولى تبدو من بعيد البيوت المتنافرة على الجبال ،كأنها مهجورة . غير أن أشجار المشمش التي اغتبطت أفنانها بزهور بيضاء صغيرة ، كانت تتمايل مع نسائم الربيع ، وهذه العروس المتوجة بأزهار المشمش تأسر لُبّ الزائر .
تلمس لدى الأهل هنا -إن عاشرتهم - نخوة وعزة نفس كبيرين وشهامة نفتقدها هذه الأيام تشبه شهامة ابن البادية . أما إذا كان
لدى أحدهم حجة في أمر فإنهةلا يقبل العدول عن رأيه مهما كان ، فالمركب الذي يقوده قبطانان يغرق ، وهذا مبدؤهم .
قلما يمر يوم دون حدوث أمر كنت أستهجنه في بداية عملي هنا منذ أكثر من سنة ، أصبح الآن عادياً بالنسبة لي . يمر مرور الكرام إنما لا يخلو من بعض الخوف أن يمد أذرعه نحوي .. إنه " المكاونة " وتعني : المشاجرة .
نبهنا سائق الحافلة بوصولنا إلى آخر موقف وهو بداية سوق القرية .
تطالعك محلات كثيرة : بقاليات ، ملابس، أدوات منزلية ،خضروات .. أتأملها كل يوم حين أسير إلى مكان عملي كأني لأول مرة أراها .
فجأة ارتطمت بي امرأة وهي تركض دون اتجاه يحدد خطاها تشد شالها تعقده بعنف على رأسها بينما يتطاير صدى استغاثتها شلالاً يحاول حَثّ همم الرجال الواقفين حولها كصخور :
- ياويلي .. سيقتلون الفتاة ..
في الرصيف المقابل كان بعض الرجال والنسوة يتجمهرون وصوت شجار يعلو كلما اقربتُ منهم أكثر . لمحت شاباً يصرخ وهو يمسك سترة شاب آخر بقوة :
- مادمت من الديرة الغربية فلم تنظر إلى بناتنا ؟!
اتجهت تلك المرأة نحوي من جديد وهي تصرخ :
- يا أهل المروءة ستنتهي البنت بين يديه .
امرأة في العقد الخامس من العمر يشع وجهها طيبة رغم الغضون التي رسمها الزمن على جبينها ويديها ، كأن وراء كل خط حكاية ألم رسمها انكسار غصن من أغصانها .
أكاد أعرفها إذ نظرت إليها ملياً كانت المرأة نفسها التي زارتني منذ شهر ونيف . ودون إذن دخلت قاعة التدريس وبصوت خجول قالت :
- السلام عليكم ، لا تؤاخذيني ياابنتي أريد معرفة مستوى ولدي التعليمي ، تسمحين لي بالجلوس فلم يمض وقت طويل على خروجي من المشفى .
- عافاك الله ... خير ؟!
- زائدة بعيد عنك .. لدي خمسة أولاد والدهم متوفي وأنا أعيلهم من أرض أزرعها أبيع محصولها في محل كان سابقاً غرفة في الدار وابني هشام عندك ... كيف رأيته .. أتمنى أن يحصل على شهادة عالية حتى لو احتاج الأمر مدرساً خصوصياً لا مانع لدي .
لم أتمكن من اخبار هذه الشجرة الوارفة أن فننها ضعيف استيعابه محدود ، خجلت من رسم خط آخر على وجهها .
- إنه جيد ..أقصد لابأس به لكنه يرتبك أحياناً وهذا يؤثر على حسن استيعابه لذلك يحتاج إلى مزيد من الدراسة .
صوت قوي أيقظني من شرودي حين صاح رجل في الشارع وهو ينفض يده باليد الاخرة :
- لاحول ولا قوة إلا بالله .
سكن الهلع أوردتي وأخذ ينهشها كذئب مفترس . هذه الفتاة تخصني ففارسي الذي أنتظر يشبه فارسها. أحمل نبضه في خافقي وأشيح نظري دائماً عمن يسالني عنه . تسألني البيادر عن امتلاء السنابل بعنفوانه . يسألني الربيع عن سر امتداده الى يديه وكيف أتى هذاالمارد الذي أهوى وطرق باب الزمن ليلغي المسافة أمام خطواتنا:
- أيتها الأم الطيبة .. خالتي .. أنا طالب القرب منكم .
تصرخ أمي بعصبية :
- لكنك من الديرة الشرقية وهذا محال .. أتفهم .. يعني ليس لك نصيب عندنا.
يتعانق صوت أمي مع صوت مذيعة التلفاز :
- ولكن هل أخذت المرأة حقها ..تابعوا معنا هذا الاستفتاء الذي أجرته أسرة البرنامج ونرجو منكم المساهمة من خلال آرائكم عبر الاتصال بالأرقام الظاهرة على الشاشة .
تختفي صورة المذيعة لتظهر امرأة تقول بحزن :
- أمسح ، أجلي، أنظف ، أطبخ ، اعتني بالأولاد بالإضافة إلى عملي خارج المنزل . . أهتم بمتطلبان زوجي ومع ذلك يشتمني إذا بدر أي تقصير مني ..نتشاجر أحياناً وببساطة ينهي الشجار مهدداً بزواجه بأخرى .
للوهلة الأولى تبدو من بعيد البيوت المتنافرة على الجبال ،كأنها مهجورة . غير أن أشجار المشمش التي اغتبطت أفنانها بزهور بيضاء صغيرة ، كانت تتمايل مع نسائم الربيع ، وهذه العروس المتوجة بأزهار المشمش تأسر لُبّ الزائر .
تلمس لدى الأهل هنا -إن عاشرتهم - نخوة وعزة نفس كبيرين وشهامة نفتقدها هذه الأيام تشبه شهامة ابن البادية . أما إذا كان
لدى أحدهم حجة في أمر فإنهةلا يقبل العدول عن رأيه مهما كان ، فالمركب الذي يقوده قبطانان يغرق ، وهذا مبدؤهم .
قلما يمر يوم دون حدوث أمر كنت أستهجنه في بداية عملي هنا منذ أكثر من سنة ، أصبح الآن عادياً بالنسبة لي . يمر مرور الكرام إنما لا يخلو من بعض الخوف أن يمد أذرعه نحوي .. إنه " المكاونة " وتعني : المشاجرة .
نبهنا سائق الحافلة بوصولنا إلى آخر موقف وهو بداية سوق القرية .
تطالعك محلات كثيرة : بقاليات ، ملابس، أدوات منزلية ،خضروات .. أتأملها كل يوم حين أسير إلى مكان عملي كأني لأول مرة أراها .
فجأة ارتطمت بي امرأة وهي تركض دون اتجاه يحدد خطاها تشد شالها تعقده بعنف على رأسها بينما يتطاير صدى استغاثتها شلالاً يحاول حَثّ همم الرجال الواقفين حولها كصخور :
- ياويلي .. سيقتلون الفتاة ..
في الرصيف المقابل كان بعض الرجال والنسوة يتجمهرون وصوت شجار يعلو كلما اقربتُ منهم أكثر . لمحت شاباً يصرخ وهو يمسك سترة شاب آخر بقوة :
- مادمت من الديرة الغربية فلم تنظر إلى بناتنا ؟!
اتجهت تلك المرأة نحوي من جديد وهي تصرخ :
- يا أهل المروءة ستنتهي البنت بين يديه .
امرأة في العقد الخامس من العمر يشع وجهها طيبة رغم الغضون التي رسمها الزمن على جبينها ويديها ، كأن وراء كل خط حكاية ألم رسمها انكسار غصن من أغصانها .
أكاد أعرفها إذ نظرت إليها ملياً كانت المرأة نفسها التي زارتني منذ شهر ونيف . ودون إذن دخلت قاعة التدريس وبصوت خجول قالت :
- السلام عليكم ، لا تؤاخذيني ياابنتي أريد معرفة مستوى ولدي التعليمي ، تسمحين لي بالجلوس فلم يمض وقت طويل على خروجي من المشفى .
- عافاك الله ... خير ؟!
- زائدة بعيد عنك .. لدي خمسة أولاد والدهم متوفي وأنا أعيلهم من أرض أزرعها أبيع محصولها في محل كان سابقاً غرفة في الدار وابني هشام عندك ... كيف رأيته .. أتمنى أن يحصل على شهادة عالية حتى لو احتاج الأمر مدرساً خصوصياً لا مانع لدي .
لم أتمكن من اخبار هذه الشجرة الوارفة أن فننها ضعيف استيعابه محدود ، خجلت من رسم خط آخر على وجهها .
- إنه جيد ..أقصد لابأس به لكنه يرتبك أحياناً وهذا يؤثر على حسن استيعابه لذلك يحتاج إلى مزيد من الدراسة .
صوت قوي أيقظني من شرودي حين صاح رجل في الشارع وهو ينفض يده باليد الاخرة :
- لاحول ولا قوة إلا بالله .
سكن الهلع أوردتي وأخذ ينهشها كذئب مفترس . هذه الفتاة تخصني ففارسي الذي أنتظر يشبه فارسها. أحمل نبضه في خافقي وأشيح نظري دائماً عمن يسالني عنه . تسألني البيادر عن امتلاء السنابل بعنفوانه . يسألني الربيع عن سر امتداده الى يديه وكيف أتى هذاالمارد الذي أهوى وطرق باب الزمن ليلغي المسافة أمام خطواتنا:
- أيتها الأم الطيبة .. خالتي .. أنا طالب القرب منكم .
تصرخ أمي بعصبية :
- لكنك من الديرة الشرقية وهذا محال .. أتفهم .. يعني ليس لك نصيب عندنا.
يتعانق صوت أمي مع صوت مذيعة التلفاز :
- ولكن هل أخذت المرأة حقها ..تابعوا معنا هذا الاستفتاء الذي أجرته أسرة البرنامج ونرجو منكم المساهمة من خلال آرائكم عبر الاتصال بالأرقام الظاهرة على الشاشة .
تختفي صورة المذيعة لتظهر امرأة تقول بحزن :
- أمسح ، أجلي، أنظف ، أطبخ ، اعتني بالأولاد بالإضافة إلى عملي خارج المنزل . . أهتم بمتطلبان زوجي ومع ذلك يشتمني إذا بدر أي تقصير مني ..نتشاجر أحياناً وببساطة ينهي الشجار مهدداً بزواجه بأخرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق