يوميات رمضان 7
( مازال هناك وقت ) قالتها أمي ، جارنا الذي أحبك كثيرا يعاني من مرض خطير ، يبدو أنه لن يقيم بيننا فترة طويلة ، أبو محمد هو ذاك الجار الصديق والأب الروحي ، بدوي عشق الترحال لما يفوق خمسة عقود من الزمن ، رعى الإبل والخيل والأغنام ، طويل القامة ، ذو شعر أبيض أجعد ، جميل الوجه ، لعل ابتسامته كانت سببا في حب الصبايا له ، هكذا أخبرني ذات يوم ، له صوت رخيم ،
مواويله الصباحية مازالت تدق أذني حتى اليوم ، رجل لا يهاب ظلمة ليل ، ولا مشاكسة ضباع ، يبدو بأن الصحراء علمته دروسا في الشجاعة ، وأن الموت لا يأتي إلا مرة واحدة ، بلغ عقودا تسعة من العمر ومازال هو الذي أعرفه ، علامته المميزة كانت أصابع يده اليمنى ، حيث التصقت بكف اليد ، إلا الإبهام فقد تمرد عليها وبقي متحررا ، لست أدري لما أحبني هذا الرجل ، ولما أحببته ، رغم السنين المتباعدة بيننا ، ربما لأنني أحببت حكاياه وكنت أصغي إليه كما لم يصغ أحد ، أمسى ركنا في حياتي ، لابد أن أجالسه كل يوم ، لاستمتع ولو بحكابة صغيرة من رواياته الترحالية الكثيفة ، ذات يوم أخبرتني أمي بأن جارنا مريض ، يومها كنت عائدا من سفر معتاد ، ذهبت إليه ، تحول اللقاء إلى دموع ، الأسئلة تتوقف في حنجرتي ، وربما تكاد تخنقه أيضا ، تشبث بيدي ،لكنني سحبتها مرغما ...
- ماذا قال الطبيب ... سألت ابنته ليلى ... صمتت ثم بكت .
- إنه المرض اللعين ...
كدت أسقط على الأرض مغشيا علي ، لكني تمالكت نفسي ...
- إذهب إليه فهو يحبك ... قالت ليلى ...
ربما لم تكن تعلم ما يختلج بداخلي ، قلت لها بأنني ذاهب إلى الحمام ، وسأعود ، لما كذبت عليك يا ليلى ، أيضا لست أدري ، شعرت بأن السماء تطبق على الأرض ، لا أمل ، لا شفاء ، لا لقاء ، حزمت حقيبتي في غفلة من الجميع ، أخبرت أمي بأن لدي عمل هام جدا ولن أغيب كثيرا ...
- لكن إذهب إلى أبو محمد يابني قبل أن تغادر ...
لم تتسع حنجرتي لكلمة واحدة ، حملت حقيبتي بعد أن قبلت يدي أمي ، ورحلت خلسة ، بينما صورة أبو محمد تنتصب أمام عيني ، لم تكتمل أيام الشهر عندما رن هاتف مكتبي ، ( أمك على الخط ) قالها عامل المقسم ، صوتها كان كما صوت رحى طاحونة عتيقة .
- رحل يابني ، رحل ... آخر مانطق به كان اسمك .
سقطت السماعة من يدي ، وتبعتها دمعة حمراء كبيرة ، لاتزل ساقطة حتى اليوم ...
..............
وليد.ع.العايش
٧/رمضان/٢٠١٧م
( مازال هناك وقت ) قالتها أمي ، جارنا الذي أحبك كثيرا يعاني من مرض خطير ، يبدو أنه لن يقيم بيننا فترة طويلة ، أبو محمد هو ذاك الجار الصديق والأب الروحي ، بدوي عشق الترحال لما يفوق خمسة عقود من الزمن ، رعى الإبل والخيل والأغنام ، طويل القامة ، ذو شعر أبيض أجعد ، جميل الوجه ، لعل ابتسامته كانت سببا في حب الصبايا له ، هكذا أخبرني ذات يوم ، له صوت رخيم ،
مواويله الصباحية مازالت تدق أذني حتى اليوم ، رجل لا يهاب ظلمة ليل ، ولا مشاكسة ضباع ، يبدو بأن الصحراء علمته دروسا في الشجاعة ، وأن الموت لا يأتي إلا مرة واحدة ، بلغ عقودا تسعة من العمر ومازال هو الذي أعرفه ، علامته المميزة كانت أصابع يده اليمنى ، حيث التصقت بكف اليد ، إلا الإبهام فقد تمرد عليها وبقي متحررا ، لست أدري لما أحبني هذا الرجل ، ولما أحببته ، رغم السنين المتباعدة بيننا ، ربما لأنني أحببت حكاياه وكنت أصغي إليه كما لم يصغ أحد ، أمسى ركنا في حياتي ، لابد أن أجالسه كل يوم ، لاستمتع ولو بحكابة صغيرة من رواياته الترحالية الكثيفة ، ذات يوم أخبرتني أمي بأن جارنا مريض ، يومها كنت عائدا من سفر معتاد ، ذهبت إليه ، تحول اللقاء إلى دموع ، الأسئلة تتوقف في حنجرتي ، وربما تكاد تخنقه أيضا ، تشبث بيدي ،لكنني سحبتها مرغما ...
- ماذا قال الطبيب ... سألت ابنته ليلى ... صمتت ثم بكت .
- إنه المرض اللعين ...
كدت أسقط على الأرض مغشيا علي ، لكني تمالكت نفسي ...
- إذهب إليه فهو يحبك ... قالت ليلى ...
ربما لم تكن تعلم ما يختلج بداخلي ، قلت لها بأنني ذاهب إلى الحمام ، وسأعود ، لما كذبت عليك يا ليلى ، أيضا لست أدري ، شعرت بأن السماء تطبق على الأرض ، لا أمل ، لا شفاء ، لا لقاء ، حزمت حقيبتي في غفلة من الجميع ، أخبرت أمي بأن لدي عمل هام جدا ولن أغيب كثيرا ...
- لكن إذهب إلى أبو محمد يابني قبل أن تغادر ...
لم تتسع حنجرتي لكلمة واحدة ، حملت حقيبتي بعد أن قبلت يدي أمي ، ورحلت خلسة ، بينما صورة أبو محمد تنتصب أمام عيني ، لم تكتمل أيام الشهر عندما رن هاتف مكتبي ، ( أمك على الخط ) قالها عامل المقسم ، صوتها كان كما صوت رحى طاحونة عتيقة .
- رحل يابني ، رحل ... آخر مانطق به كان اسمك .
سقطت السماعة من يدي ، وتبعتها دمعة حمراء كبيرة ، لاتزل ساقطة حتى اليوم ...
..............
وليد.ع.العايش
٧/رمضان/٢٠١٧م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق