مقاربة لنصّ الشاعر حسام بدوي :
إنّ عمليّة النقد تعتمد أساساً على نظريتين هامتين * التواصل * والتقويم .
ونحن بصدد نظرية التواصل التي نادراً ما تُسعفنا ثقافتنا لمعرفة مايريد الشاعر وخاصّة إن كانت الدلالات في النصّ تستند إلى قاموس خاصّ بالشاعر نفسه مما يوقع المتلقي في الحيرة والإبهام وتأتي انطباعاته حول النص مرتبكة وتقويماته عامّة مبهمة .
ولهذا ترى للنصّ عددا من القراءات النقدية وقد تتضارب أحيانا مما يوقع القارئ في حيرة أخرى .
وهذا النصّ من النصوص المنفتحة على المثيولوجيا والماورائيات والشاعر حسام بدوي
شاعر مصدوم ككلّ الشعراء اليوم بعد أن سقطت ورقة التّوت وظهرت عوراتنا وسقط معها ذلك الشعور بالبطولة والفخر . وباختصار لقد تغير العالم ولم يعد كما كان .
لقد عاش الشاعر كغيره من شعراء عصره الواقع المرّ وتأثّر به ؛ واقع الخيبات وانكسار الأحلام وموت التطلعات في المهد . ولأنّ الواقع ينذر بالكثير من الطوفان والموت كان لا بدّ من البحث عن طريق للنجاة فما الطريق ؟
لقد اعتمد النصّ على ثلاثة محمولات ؛ أولها بين الديني والعلمي والثاني أسطورة والثالث ديني ولكنّها تنتهي جميعاً إلى ذات النهاية :
1_ إشارة إلى التناسخ : والتناسخ انتقال الروح من جسد إلى جسد آخر بعد الموت وهو ما تناولته الكثير من الأديان . ومنه الفسخ وهو انتقال الروح إلى نبات والمسخ وهو انتقالها إلى حيوان والرسخ وهو انتقالها إلى جماد .
2_إشارة إلى العنقاء : وهي طائر يمتاز بالقوة والجمال . وفي معظم القصص عندما يموت هذا الطائر يحترق ويصبح رماداً ويخرج من الرماد طائر عنقاء جديدٌ .
3_إشارة إلى سفينة نوح : السفينة التي أنقذت من آمن وهي التي نجّت المؤمنين بعد أن قرّر اللّه عزّ وجلّ إغراق جميع الكفّار ؛ إنّه الطّوفان . وكانت السفينة تشكّل البديل المؤقت للأرض وبعد الطوفان ستكون ولادة جديدة للحياة بكلّ أشكالها وكأنّ الطوفان طهّر النّاس من كلّ الآثام وجاءت ولادتهم بعد الطوفان جديدة .إذا هو طوفانٌ تطهيريّ .
ومن ذلك كلّه نجدُ أنّ النصّ يومئ إلى الحلول والتناسخ والانتقال ؛ انتقال الإنسان وولادة جديدة .
الهروب من الواقع والعذاب والألم وقد أشار الشاعر إلى صورها في أكثر من مكان وفي دائرة البحث عن الحلّ لتلك المعاناة يجدها في الهروب إلى الله والعودة إليه للخلاص والتّوبة والتّطهير .
ولن أكثر من الحديث في هذا الجانب لأنّه إشكاليّ لكني سألفت انتباه الشاعر إلى الترهّل الذي وقع فيه عندما راح يعدّد أسماء الأنبياء والمفكرين والفلاسفة .... وكان بالإمكان الاكتفاء بالإشارة فقط أو ذكر البعض لا الكلّ خاصّةً وأنّ الشعر الحديث لا يحتمل مثل هذا التّطويل والسرد وهي في النهاية لا تقدم الكثير للنصّ .
أما تكرار اللازمة فهو أمر ضروري لتماسك النصّ في نسيج جميل ولأنّ هذه اللازمة تختصر وتوجز النصّ ومقولته ( أطفئ أحلامك أيها الإنسان وسابق الزّمن في الخلاص كيلا تمتلئ بالحزن أكثر ) .
والحقيقة أنّ النصّ جميل يستحقّ كلّ ثناء . وأجدر به !
_____________________________
(النص):
أطفئ منارة حلمك
وأركض على بحيرة الوقت
عساه لايبتل حذاؤك بحزنك أكثر..
إن مشيت بين قارمتين
ولم يعتريك الدوار الفكري..
ولم تضع نصف حياتك
في البحث عن الخبز..
ولم تتأخر..
أطفئ منارة حلمك
وأركض على بحيرة الوقت
عساه لايبتل حذاؤك بحزنك أكثر..
إن صادفتك سفينة نوح
ولم تعلق أماني الطفولة على دفة المستحيل..
ولم تلتف أفعى الطابق العلوي للحقيقة على قدميك..
ولم تتعثر..
أطفئ منارة حلمك
وأركض على بحيرة الوقت
عساه لايبتل حذاؤك بحزنك أكثر..
ان احتجزت في زنزانة
ووجدت مفكرة" لأحد العابرين الكثر
واختلجتك المعصية على كل ما لاتريد..
ولم يمنعك أحد"
ولم تتكدر..
إن واصلت النباح على ثدي أنثاك
في ليلة لاقمر لها إلا أنت..
ولم تجد كل الكلاب الهاربة من أسيادها ليلا"
حول ذكورتك
و انتشيت..
أو إن لم تقدر..
أطفئ منارة حلمك
وأركض على بحيرة الوقت
عساه لايبتل حذاؤك بحزنك أكثر..
إن عرجت إلى التقمص السابع لذاتك..
بحثا" عن حقيقة التكوين..
ولم تتعثر بكل الأنبياء..والعظماء..
محمد
موسى
عيسى
يوسف
سليمان
أرخميدس
أفلاطون
سقراط
أرسطو
فيثاغورث
نابليون بونابرت
هتلر
لينين
ستالين
ولم تتبشر..
إن شربت ماء الحياة من منقار حمامة..
ورفرفت بك المخيلة البريئة
لقمح الجبال..
أو لغصن زيتون تدلى على نهر السلام الأبدي..
ولم تقص العنقاء جناحيك
قبل أن تفتح عينيك..
ولم تتغير..
أطفئ منارة حلمك..
وأركض على بحيرة الوقت..
عساه لايبتل حذاؤك بحزنك أكثر.
إن صادفتك المنية..
على طريق الوجع..
وإمتدت يد ملاك إليك..من السماء..
قل في سرك..
الحمدلله..
الحمدلله..
وأركض إلى الله...وأركض...
حسام بدوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق