اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

في مطار العالم المكسور ... حافية بقلم حفيظة قارة بيبان



حين رفعت يدي بالدعاء إلى السماء وأنا طفلة، أن يمنحني الله عذابه، حتى أصبح أديبة، مستدركة : "  عذاب الروح !  لا عذاب الجسد! " ذاك الذي كنت أعرفه ككل الصغار وأخشاه، ( فقد سمعت في برنامجي الإذاعي الأثير أن الأدب وليد العذاب والمعاناة )،
حينها لم أكن أدري أن السماء ستستجيب لدعاء الطفلة التواقة إلى عالم تصنعه من خيالاتها، وأن ثنايا العذاب، لن تكون تلك الخاصة البسيطة التي كنت أظن، بسذاجة الطفولة وبراءتها، بل ستمتد وتتشعب، وستفتنني في تخوم الأرض، وتسكن مساحات الروح. وإذا أنا، حتى مع مجرد دعوة للشهادة، أجدني مدعوة للقلق والتوتر والوجع، وأنا أفتح أوراق الذات، وأعكس مرآة العالم.


*        *        *
    في ما مضى، كان حلم الخلق يمنحني تلك اللذة الخارقة الفريدة التي تكلل الوجع القادح لنار الكتابة.لذة تحييني، وتبعثني أكثر قوة وأشد توهجا وتحديا. فأعود، أدخل ذاتي. أحفر عميقا، في سراديب بكر، حتى وأنا بين جدراني، داخل أسوار مدينتي الصغيرة، في عزلتي، أتحرق للإنطلاق إلى العالم الرحب، أعود أستذكر قولة كافكا، " ليس من الضروري أن تخرج من بيتك. لازم طاولتك وأصغ. بل دع الإصغاء واكتف بالعزلة، فالعالم سيحضر واهبا نفسك إليك، حتى ترفع عنه أقنعته، منتشيا أمامه"
... كان العالم يحضر وكنت أمتلكه.. أهدمه وأعود أبنيه على هواي.
ولكن ، الآن، العالم لم يعد يهب نفسه إلي.
أصبح يأتيني، مقتحما أبوابي، طاردا عزلتي، كاسرا أشيائي الحميمة، محاصرا الذات من كل الجهات !
والذات أصبحت مستهدفة، وحيدة، مقرورة، في عالم يقف ضدها.. يغزوها.. يفتتها ويغرقها في خرابه.
    وها هو! يمزقني كل مساء مع أشلاء الشهداء، ويغرقني في بحار الموت مع الفتيان المعدمين الهاربين بأحلامهم إلى أوطان توفر الخبز وأوهام الحرية والرفاه.. ويظل يطاردني في الصحو والمنام. في غرفة نومي وعلى طاولة عشائي، مدينا عروبتي، قاصفا ذاكرتي، خاطفا أطفالي  بتهمة جريمة مجهولة المعالم، غامضة ... جريمة الإرهاب !
وإذا لغتي، يكاد العجز يترقرق دمعا في مآقيها. وإذا أنا رغما عني في صراع، لا مع الآخر ،  بل مع العالم بأسره : العالم الجديد، المنمط بالقوة، الموبوء.
*        *        *
    القصة القصيرة، ملجئي وملاذي من خراب الوجود، ما عادت قادرة على تحمل أوزار الهموم التي تشابكت وتمازجت، ما عادت قادرة على رتق مزق الذات.
وصرختي أصبحت في حاجة إلى أقصى مدى، لتنقذ الروح المختنقة، وليعود طائر الفينيق، من رماد الحريق، قادرا على التحليق من جديد.
    للنجاة، أجر ذاتي الممزقة، من مساحاتي الصغيرة، إلى مساحات أكبر.. إلى "دروب الفرار" ، روايتي الأولى ، وأرفع سلاح الكلمة : سلاح الفن ضد العالم الموبوء، لتكون شهادة إدانة للعالم العربي القامع المقموع، الذي ضيع نقاء الذات وسحقها بعد أن حاصرها بكل أنواع القمع، فأحال الحب وهما، وجمال الفن والوجود هباء، وفتح أبوابه للإستعمار السرطاني الجديد. فإذا قصة " شرود" قصة مصير مدمر،" تعكس كما يقول د. محمد القاضي ، تشظي الذات وتشظي الوطن وتشظــــــــي المثل"(1) .
*    *    *
    ولكن، حتى الرواية الوليدة، لم تنج من شظايا التدمير يرسلها لنا العالم الجديد. وإذا يوم التبشير بصدور الرواية، يأتي النعي ( 9 أفريل 2003 ) وتسقط بغداد،        "جنة الله " بالفارسية، تحت سيطرة الجيش الأمريكي ، ليصبح يوم الميلاد هو يوم السقوط !
*        *        *
    أترك روايتي لمصيرها، لتبعث ثانية في دمشق عن دار كنعان.  وأستعد لاحتفاء جديد بالرواية وتوقيعها في دمشق وبيروت، صيف الصدور.
 ولكن يشتعل الحديد والفولاذ في سماء الشرق، ويتأجج الحقد الصهيوني لمحق كل ذرة كرامة أو كبرياء ترفع الرؤوس، حارقا أرض لبنان مدمرا جسوره ومبانيه، قاتلا أطفاله وشبابه.
    مرة ثانية ، يأتي خبر مولد روايتي معمدا بالدم.
هكذا، يقبر عندنا كل موسم يحلم بالفرح.
وإذا شموعنا لا يكتمل ارتفاع لهباتها حتى تنطفئ وتقف الفتائل العارية نقط استفهام في وجه العالم الجديد يكسوها السواد.
*        *        *
مرة أخرى أترك روايتي لمصيرها، وأعود أدخل ذاتي أبحث عن لهب لا ينطفئ.. لآ أجد غير الكلمات ، وأذكر قولة ذاك الراهب الأثيني : " كل إنسان وكل شيء متوج بعنقود من لهب ، فإذا انطفأ هذا اللهب، انطفأ الإنسان، وانطفأ الشيء".
أتشبث باللهب ... الكلمات ... واتركني للريح العاصفة تذكيه.
*        *        *
    وأعود أدخل في غمار رواية جديدة تسكنني منذ سنوات عنوانها الحالي "العراء"  لأكتب معاناة جد خاصة وحميمة لـ" دجلة"  مع الجسد. ولكن غسان سلمان المهجر من جحيم بيروت 82 مع الألف مقاتل فلسطيني في باخرة المنفى إلى حمام الشط بتونس، غسان القادم، معطوب الداخل، مغلول الغضب، يحتل الأوراق البيضاء يدفع بتجربة الجسد الأنثوي إلى الهامش، ليكتب تجربة الجسد الممزق بين الأصقاع.
وإذا أنا أمضي في رواية، يكتب جل أوراقها عاشق دجلة، غسان سلمان .

*        *        *

ورغم تركي القصة التي ضاقت وتناءت مواعيدها تفرض أحيانا نفسها علي ولكنها تقودني إلى نفس المتاهة كما حدث لي مع آخر قصة كتبت " صمتا ! إنه التاسع "، قصة انبثق فيها جسدان تدعوهما الطبيعة للقاء على مساحات ليل غامض في غابة نائية ، ولكن العالم الجديد يطارد الجسدين ، وإذا القصة تشق مجراها ، وتسير رغما عني إلى نهايتها لتكون اليقظة من الحلم، وليتضح وجه آدم : العراقي، ولتنتهي بهذه الكلمات " وقتها، شاهدت ظلك يعود.. يعلو.. ويختفي في دخان الشموع. يترك الغرفة، ويترك بغداد، على شموع ميلادي ، معي .. تحترق ! " .
*        *        *
    نفس المآل كان لقصة " زهرة " قصة أخرى لم ترتح بعد بين دفتي كتــــاب. " زهرة " غزالة البساتين ونحلة الحدائق المعشوقة الآسرة، تحملت خيانة ذوى القربى ولم تتحمل خيانة غرب قتل العنفوان في جسدها العربي الذي استنجد بحلم باريس لمداواة القلب المرهق، ولكنه عاد إلى مطار الوطن على كرسي متحرك وفم مائل يسيل منه اللعاب، مع رسالة بتوصيات المستشفى الباريسي وتمنياته بالشفاء !
*        *        *
    أتساءل ما الذي يحدث لي ؟
أين ذهبت قصص الحب الجميلة ؟ أين راحت حكاياتنا الحميمة ؟ بل ما الذي يحدث لنا، لتصبح اللغة الجميلة غارقة في معاناة الكون المجنون؟
 تراني، خذلت الذات، وتركتها للآخر يغزوها ؟
أم هو الآخر رغما عني تغلغل في خلايا الذات بكل الطرق، ليسهل تمزيقها وتفتيتها ؟
هل هو النضج يحملني هموم العالم المكسور؟  أم هو العصر الأمريكي المرعب المهيمن، الذي تشيأت فيه الذات وأمست مزقا تئن تحت هول الأخطبوط الرهيب القادم، وقد أعد خرائطه الجديدة لعالم تفتت أوطانه وتسرق ذاكرته، وتستهدف فيه أصالة الإنسان، لأجل جشع أعمى مجنون؟ !
*        *        *
    قلق متجدد كاسح يسكن الذات.. ينخرها ... تصغر الكلمات .. تنكمش ... تنعى عجزها ... تصرخ بعجزها وهوانها.
*        *        *
    حتى البحر الذي كان ملاذ الروح المتعبة والجسد المدان ، ما عاد يبعث تلك المتعة القديمة الرحيمة ، ما عاد يوحي بوهم الحرية. البحر أصبح يحاصرني بالدخان المصفر القادم من حروب الشرق، ويذكرني ببقع الفيول المنتشرة في المتوسط ، آلاف الأطنان فجرها قصف خزانات الوقود في شواطئ لبنان في الحرب الأخيرة، ما زالت تعفن طهارة الماء وتسمم أسماكه.
    والسماء إذ أطل على غيمها من نافذة الطائرة، ما عادت تمنحني ذاك الإحساس الجميل السابق عند السفر. فللمرور إلى الضفة الأخرى وقبل الوصول إلى قاعة انتظار الطائرة، توقفني أصواتهم لتفتك قارورة الماء من حقيبتي وبخاخة عطري فلعلي بهما أقوم بتفجير الطائرة بعد الركوب.
ويأتي الأمر بنزع حذائي، وتقديمه للبساط المراقب، قبل المرور.
حافية ! أعبر الحاجز المرسوم، ألتقط حذائي المتهم بالإرهاب لأمضي إلى قاعة البرزخ في مطار العالم المكسور.
*        *        *
    تتناسل الأسئلة :
- هل هي جينات في دمي تتركني شديدة الهشاشة، سريعة التمزق على موائد القتلة ؟
- أم هو ألم المخاض لكتاب جديد ؟
- أو لعله توق وراثي للألم، وماز وشية تسكنني ؟ !
وأذكر أمي في قاعة الإنعاش، رمادية الوجه، على حافة النهاية، تربطها
الأنابيب إلى الآلات وتشدها إلى حوجلة الأكسيجين ، إذ تجهش فجأة بالبكاء، قائلة بصوتها المرتعش الباكي :
- إذا كنت أنا... في المصحة... بين الأطباء والأبناء، على هذه الحال، فكيف حال أولائك النازفين، وحيدين في شوارع فلسطين؟
    وإذا كانت أمي على حافة الموت، في غرفة الإنعاش، تحمل وجع الشرق النازف الذي لا يقدر على نزع رصاصه من روحها الأطباء، فكيف بي أنا، وأنا في قلب واقعنا السريالي ؟ !
وقلمي، ما عاد المزن يروي أراضيه، ما عاد يرويه غير نزف الوجع الإنساني لذات تتشظى كل يوم.
*        *        *
    أهو قدري،  لأني حملت القلم ودعوت إلاهي طفلة أن يمنحني عذابه لأستحق لذة الخلق ؟
أم هو قدرنا نحن العرب يرجع بنا عقودا إلى الوراء وينسينا الآمال الماضية الجميلة، لنغرق في زمن تنتهك فيه الذات الإنسانية الأصلية وتدان، وتدفع إلى مهاوي اليأس والتلاشي ؟ !
*        *        *

" مت كل يوم. انبعث كل يوم.
الفضيلة المتفوقة هي أن لا تكون حرا، وإنما أن تقاتل من أجل الحرية"
 يقول كازنتزاكيس.

    ومع ذلك، لأن العشق داخلي لا يموت، تستجمع الذات شتاتها، ترفع سلاحها من جديد. أعمدني ضد الموت، وبالكلمات ، أعود أرتق ذاتي الممزقة لتقف في وجه الدنيا وتقاوم من جديد،  فـ"خيانة أن تستسلم الكلمة " كما يقول أنسي الحاج.
بها، أستعيد مائي المفتك في مطار العالم المكسور، أستعيد لهبـــــــــــــي.
حتى إن عم الخراب، سيبقى الفن شاهــــــــدا، وستبقــــــى الكلمـــــــــات.

بنت البحر
حفيظة قاره  بيبان

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...