⏪⏬
جلس يراقب غروب الشمس من نافذته التي تطل على الشارع فإنساب صوت خشن هز أدنيه وجعله يستيقظ من جلسته التأملية تلك، ومن لا يعرف صوت الحاجة فاطمة تلك العجوز التي قاربت الثمانين من عمرها ولا تزال تقاوم مصاعب و عراقيل الحياة ،تركها
أولادها تحارب لكسب لقمة العيش و تدفع فواتير الكهرباء والكراء، سيدة بألف رجل تملك تلك الإبتسامة التي لن أقول عنها قبيحة لكنها ليست جميلة أيضا كلما تكلمت كان البصاق يتطاير من فمها كوابل من الرصاص كانت تستعمل يديها كثيرا لتوضيح ما تريد أن تتفوه به، كان الشارع مكتضا على غير العادة الليل يتهيأ ليسدل ستاره وظلمته على الحي أصبح الشارع شبه فارغ فجأة الكل إنزوى في منزله لمحت عيناه فتاة في أخر الشارع تجلس قرب المسجد تنتظر ربما والدها،أخوها أو بالأحرى لا أحد دائما ما تقع عيناه عليها كل ليلة منتظرة المجهول أو تمني النفس بأن يعطف عليها أحد العابرين، تنهد منصور ببرود وقلة حيلته فدخل بدوره إلى غرفته وأغلق النافذة بشيء من الغضب والنفور مما شاهده، أخد أسطوانة قديمة تحت عنوان “الذنوب الأزرق “لشتراوس تأملها بعمق شديد كان دائما معجب بالفن و بموسيقى العظماء كشوبان موزارت ،بيتهوفن ، فيفالدي لكنها بعد هنيهة تراجع عن قراره بشأن الإستماع للموسيقى، وقف ومد يده اليمنى النحيفة إلى رف مهجور يملئه الغبار يحتوي على كتب أبرز عناوينه المثيرة ” يوم من العمر “لمحسن بن ضياف و الجريمة والعقاب للعظيم فيودور، المعطف لغوغول” نفض الغبار من على الرف برفق وهدوء إبتسم إبتسامة ماكرة وولى ظهره للرف، إستعجل خطواته متجها نحو الخزانة ليرى ما سيرتديه إلى موعده الليلة كان وجهه تكسوه السعادة والتفاؤل تنتظره سهرة مع الحب و مع رفيقة الدرب سهرة مليئة بالمودة والشغف يطوقها العشق الغير معترف به فكلاهما يكابر ويعاند لكن العيون في مثل هذه المناسبات تخدع صاحبها، سرح على عين غرة بمشاعره وأفكاره إلى فيينا عاصمة الثقافة والفن في ما مضى تخيل نفسه يجوب شوارعها وأزقتها وبجانبه عائشة، تخيل نفسه يرقص معها يحدثها عن عظمة فيينا و ما قدمته للعالم يوما، سقطت عينه على بدلته السوداء المفضلة لديه للمواعيد ،سمع فجأة صوت لأغنيته المفضلة لفرانك سيناترا Sway with me في المدياع رفع مستوى الصوت لأخره ليستمتع بأقصى قدر من الجمال ويتحف أدنيه بصوت فرانك النادر، إنساب وتهادى مع الموسيقى فحرر نفسه من قيود العالم وتفاهة الوجود…إلى أن تذكر بأنه لم يشتري باقة من الورود لعائشة وهي التي تعشق الورد بجوارحها وستكون منزعجة منه، هو حب فطري زرعه القدير في قلبها لدرجة أنها قالت له في يوم كانا يتنزهان فيه عليك لعنات ألهة الحب إذا قابلتني مجددا بدون أن تحضر الورود كهدية، إبتسم إبتسامة خفيفة تعبر عن الرضى التام عند إنتهاء الموسيقى أطفىء المدياع وأخد يتخيل لقائه مع عائشة إلى أن أيقظه صوت الرعد يزمجر تم هبت رياح قوية إهتزت معها النوافذ والأبواب تبعتها زخات مطرية قوية، خرج وتدافعت خطاه بتثاقل في الشارع يسمع حفيف الرياح يهمس في أدنه بشيء من الخجل. تزقزق العصافير من فوق الأسطح مبتلة تغني بفرح وسرور كأنها ترحب بالمطر وعواصفه، مر به طفلان صغيران إصطدم به أحدهم و إنزلق معه وإبتلت ملابسه نظر إليه منصور بنظرات يتخللها غضب عارم و تأنيب مرير سقطت الورود من يديه فإمتلات بالطين وفقدت بريقها هرب الطفلان مرعوبين من ردة فعله لكنه سب وشتم عرضهم في ذاخله و عاد إلى المنزل غير راضي بالمصير الذي تكللت به ليلته و لقاءه مع عائشة الملغي، عاد إلى غرفته وضع المفتاح في المزلاج فأبى أن يفتح كالعادة شعر بغضب عارم يعتريه فعاد إلى الوراء وزج بالباب أرضا ودخل إتكأ على كرسيه المهترىء كلما حاول إصلاحه تراجع عن قراره في أخر لحظة، إتصل ب عائشة أخبرها بما حدث وأطفىء المصباح وغاص في نوم يشبه الموت بعد أن غير ملابسه وأحكم إغلاق النافذة،تنهد والنعاس يغلب على جميع أطرافه المرخية قائلا :
لنا لقاء قريب!
عبداللطيف وارمي
مدينة بني ملال - المغرب
جلس يراقب غروب الشمس من نافذته التي تطل على الشارع فإنساب صوت خشن هز أدنيه وجعله يستيقظ من جلسته التأملية تلك، ومن لا يعرف صوت الحاجة فاطمة تلك العجوز التي قاربت الثمانين من عمرها ولا تزال تقاوم مصاعب و عراقيل الحياة ،تركها
أولادها تحارب لكسب لقمة العيش و تدفع فواتير الكهرباء والكراء، سيدة بألف رجل تملك تلك الإبتسامة التي لن أقول عنها قبيحة لكنها ليست جميلة أيضا كلما تكلمت كان البصاق يتطاير من فمها كوابل من الرصاص كانت تستعمل يديها كثيرا لتوضيح ما تريد أن تتفوه به، كان الشارع مكتضا على غير العادة الليل يتهيأ ليسدل ستاره وظلمته على الحي أصبح الشارع شبه فارغ فجأة الكل إنزوى في منزله لمحت عيناه فتاة في أخر الشارع تجلس قرب المسجد تنتظر ربما والدها،أخوها أو بالأحرى لا أحد دائما ما تقع عيناه عليها كل ليلة منتظرة المجهول أو تمني النفس بأن يعطف عليها أحد العابرين، تنهد منصور ببرود وقلة حيلته فدخل بدوره إلى غرفته وأغلق النافذة بشيء من الغضب والنفور مما شاهده، أخد أسطوانة قديمة تحت عنوان “الذنوب الأزرق “لشتراوس تأملها بعمق شديد كان دائما معجب بالفن و بموسيقى العظماء كشوبان موزارت ،بيتهوفن ، فيفالدي لكنها بعد هنيهة تراجع عن قراره بشأن الإستماع للموسيقى، وقف ومد يده اليمنى النحيفة إلى رف مهجور يملئه الغبار يحتوي على كتب أبرز عناوينه المثيرة ” يوم من العمر “لمحسن بن ضياف و الجريمة والعقاب للعظيم فيودور، المعطف لغوغول” نفض الغبار من على الرف برفق وهدوء إبتسم إبتسامة ماكرة وولى ظهره للرف، إستعجل خطواته متجها نحو الخزانة ليرى ما سيرتديه إلى موعده الليلة كان وجهه تكسوه السعادة والتفاؤل تنتظره سهرة مع الحب و مع رفيقة الدرب سهرة مليئة بالمودة والشغف يطوقها العشق الغير معترف به فكلاهما يكابر ويعاند لكن العيون في مثل هذه المناسبات تخدع صاحبها، سرح على عين غرة بمشاعره وأفكاره إلى فيينا عاصمة الثقافة والفن في ما مضى تخيل نفسه يجوب شوارعها وأزقتها وبجانبه عائشة، تخيل نفسه يرقص معها يحدثها عن عظمة فيينا و ما قدمته للعالم يوما، سقطت عينه على بدلته السوداء المفضلة لديه للمواعيد ،سمع فجأة صوت لأغنيته المفضلة لفرانك سيناترا Sway with me في المدياع رفع مستوى الصوت لأخره ليستمتع بأقصى قدر من الجمال ويتحف أدنيه بصوت فرانك النادر، إنساب وتهادى مع الموسيقى فحرر نفسه من قيود العالم وتفاهة الوجود…إلى أن تذكر بأنه لم يشتري باقة من الورود لعائشة وهي التي تعشق الورد بجوارحها وستكون منزعجة منه، هو حب فطري زرعه القدير في قلبها لدرجة أنها قالت له في يوم كانا يتنزهان فيه عليك لعنات ألهة الحب إذا قابلتني مجددا بدون أن تحضر الورود كهدية، إبتسم إبتسامة خفيفة تعبر عن الرضى التام عند إنتهاء الموسيقى أطفىء المدياع وأخد يتخيل لقائه مع عائشة إلى أن أيقظه صوت الرعد يزمجر تم هبت رياح قوية إهتزت معها النوافذ والأبواب تبعتها زخات مطرية قوية، خرج وتدافعت خطاه بتثاقل في الشارع يسمع حفيف الرياح يهمس في أدنه بشيء من الخجل. تزقزق العصافير من فوق الأسطح مبتلة تغني بفرح وسرور كأنها ترحب بالمطر وعواصفه، مر به طفلان صغيران إصطدم به أحدهم و إنزلق معه وإبتلت ملابسه نظر إليه منصور بنظرات يتخللها غضب عارم و تأنيب مرير سقطت الورود من يديه فإمتلات بالطين وفقدت بريقها هرب الطفلان مرعوبين من ردة فعله لكنه سب وشتم عرضهم في ذاخله و عاد إلى المنزل غير راضي بالمصير الذي تكللت به ليلته و لقاءه مع عائشة الملغي، عاد إلى غرفته وضع المفتاح في المزلاج فأبى أن يفتح كالعادة شعر بغضب عارم يعتريه فعاد إلى الوراء وزج بالباب أرضا ودخل إتكأ على كرسيه المهترىء كلما حاول إصلاحه تراجع عن قراره في أخر لحظة، إتصل ب عائشة أخبرها بما حدث وأطفىء المصباح وغاص في نوم يشبه الموت بعد أن غير ملابسه وأحكم إغلاق النافذة،تنهد والنعاس يغلب على جميع أطرافه المرخية قائلا :
لنا لقاء قريب!
عبداللطيف وارمي
مدينة بني ملال - المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق