مقدمة: أهالي كفر برعم المهجرة يصرون على حق العودة.
اسرائيل تشترط ان يعترف بها الفلسطينيون “دولة يهودية”، الفكرة ليست جديدة الفرق انها انتقلت الى ارغام الضحية لإقرار بما ينفذ على ارض الواقع .. هناك اشكال التهويد البدائية تحويل كل قبر في بلاد فلسطين الواسعة الى قبر له تاريخ يهودي. يبدو ان سياسة المقابر هي افضل وسيلة لإثبات يهودية الدولة منذ ايام نوح .. بالتأكيد وجد نوح يهوديا ويهودية أنقياء العرق ليواصلوا النسل ولم يعتمد على قدرة الله بإنقاذ شعبه من الطوفان. السؤال المحرج ماذا لو لم يبن نوح سفينته العملاقة وينقذ الأجناس التي
عاشت على الأرض هل كانت الأرض ستظل قفرا بدون يهود وبدون فلسطينيين وبالتالي بدون ظاهرة “دفع الثمن” (بالعبرية: “תג מחיר”)؟ وبماذا سينشغل زعماء العالم والأمم المتحدة بدون نتنياهو وليبرمان وسوائب المستوطنين؟!
لماذا أنقذ نوح الجنس الفلسطيني بالتحديد والعربي عموما؟! هل كان ذلك من أجل ان يُذكر الله “شعبه المختار” بقدرته دائما على عقابهم بالعرب والفلسطينيين؟!
بعد العام 48“عام الحرية والاستقلال” في ارض بلا سكان، لسكان بلا أرض، الذي يسميه الفلسطينيون “زورا واغتصابا” بعام النكبة، تحولت عشرات القبور، خاصة المقامات ألدينية الإسلامية، الى مقامات وقبور أولياء صالحين من حاخامات الشعب المختار.
لن أروي تفاصيل سرقة القبور (المقامات) وتزوير تاريخها، وتحول الأولياء الشيوخ من محمد وحسين وعلي الى شمعون ويحزقيل وبن يعقوب… هناك قصص مثيرة بتفاصيلها، ومضحكة جدا لولا انها جزء من سرقة تاريخ الوطن وهويته!!
كتب مؤرخون وباحثون يهودا وعربا الكثير من القصص المضحكة والمحزنة في نفس الوقت حول “تجارة القبور” التي وجدت لها سوقا دينية في إسرائيل .. طبعا ليس بدون هدف سياسي وترويج روايات أسطورية غيبية ترعاها دولة إسرائيل “العلمانية”.
مقام الولي حسن او مقام الشيخ برهان او غيرهم، تحول الى مقام الرابي شمعون الصديق، او الرابي يحزقيل صاحب العجيبة، او الرابي بن يعقوب الشافي من الأمراض او غير ذلك من الأسماء والصفات الغريبة والعجيبة .. فكر “قروسطي” مضحك ولكن وراءه أجهزة واسعة النفوذ في السلطة والحركة الصهيونية (عقل اوروبي تحول الى عقل حجري) باندماج حتى العلمانيين اليهود بجزء كبير من هذا التزوير التاريخي والديني، ان لم يكن بكلامهم فبصمتهم ألمريب!!
بالطبع بعد مصادرة الأرض بدأت مصادرة التاريخ، مثل مصادرة الأسماء العربية الفلسطينية او الكنعانية للمواقع والجبال والسهول والوديان والينابيع والبلدات وتسميتها بأسماء يهودية، هكذا اصبحت سرقة القبور وتهويدها دينيا من المسائل السهلة والبسيطة، أليسوا هم حكام البلاد بعد ان هزموا العرب مرة إثر أخرى حتى صارت بعض الدول العربية، بما فيها مصر أكبرها وأهمها، صديقة مستسلمة من فوق ومن تحت لإسرائيل؟!
على المستوى الشخصي بإمكانهم ان يصادروا كل المقابر بما في ذلك القبور المسيحية وليس قبور الأولياء المسلمين فقط. لهم مطلق الحرية أن ينسبوها لمن يشاؤون من الأسماء وان يطلقوا عليها الصفات الربانية والعجائبية ويبنون الخرافات كما يحلو لهم ليقضوا عمرهم في البكاء عليها والتمسح بحجارتها .. والدعاء من الأموات ان تحل بركتهم على الأحياء لعلها أفضل من مليارات ما يخصص لهم من ميزانيات يحرم منها ليس العرب فقط، بل والكثير من اليهود أنفسهم. ثم يتحدث نتنياهو بأنها نباتات شاذة، متجاهلا انها النبات الوحيد تقريبا في ارض الفلسطينيين المحتلة وبدأ هذا النبات يمتد الى داخل اسرائيل – مناطق 48 - لذا ليس بالصدفة ان رئيس حكومة سابق – يتسحاق رابين – وصف الاستيطان بالسرطان الذي يهدد الدولة.. لكنه قتل… ربما عقابا على رفضه احتضان “نباتات نتنياهو الشاذة” !!
بقر الكيبوتسات أهم من المواطن العربي
ما حدث في قرية كفربرعم المهجرة هو استمرار لفكر “القروسطي” ألايماني الغيبي… وكفر برعم لمن لا يعلم قرية مسيحية مارونية تجاور جبل الجرمق الفلسطيني الشاهق، ضمت عائلة واحدة تنتمي للطائفة الكاثوليكية (عائلة المطران شقور) والموارنة على العموم ينتمون للكاثوليك.
اليوم يعتصم اهل برعم في قريتهم مطالبين بتنفيذ قرار المحكمة العليا منذ سنوات الخمسين القاضي بإرجاعهم الى بلدتهم كما جرى الاتفاق مع الجيش الاسرائيلي الذي اخرجهم من برعم بالاتفاق معهم لأسبوع او اسبوعين عام 1948 ثم هدم القرية بالقصف الجوي وأعلنت الحكومة اراضي القرية منطقة عسكرية مغلقة لمنع عودة اهلها. توجه البراعمة لمحكمة العدل العليا التي اقرت حقهم بالعودة ولكن قوانين الأراضي الغريبة العجيبة في دولة اسرائيل وكثرتها وكأنها امبراطوية لا تغيب الشمس عن اراضيها، وقفت سدا مانعا ضد قرار محكمتها العليا. وهو درس ديمقراطي آمل ان يدرس في مدنيات اسرائيل وان تنشر تفاصيله على الملأ خاصة في الهيئات الدولية.
يعتصم العشرات من أهل برعم، من الجيل الذي هُجر حتى الجيل الذي ورث التهجير، في بلدتهم، معتصمون مصرون على البقاء قي ارضهم وإعادة بناء كفر برعم بما تبقى لهم من ارض لم تصادر للكيبوتسات حولهم او لبقر الكيبوتسات .
وزير عدل سابق تساءل في وقته عن مصير ابقار الكيبوتسات التي ترعى في اراضي القرية “كيف ستحل مشكلة ايجاد مراع لهم ؟!” رد عليه البرعمي ابراهيم عيسى (ابو الرايق):” هل البقر اهم من الإنسان؟ ارجعونا لقريتنا ونتعهد ان نشترى لهم العلف على حسابنا”. فزعل الوزير الذي كان يعتبر من اليسار الاسرائيلي ومن تيار السلام مع الشعب الفلسطيني، ولكن ليس للسلام مع الفلسطينيين من اهل البلاد. لأن مراعي بقر الكيبوتسات أكثر أهمية من حقوق المواطن ألفلسطيني في “اسرائيل الديمقراطية” !!
البراعمة يصرون على العودة واعتصامهم في برعم متواصل
يقيم البراعمة المعتصمين في كفربرعم المهجرة في مبنى لم يهدم قرب الكنيسة التي لم تهدم هي أيضا، يرفضون مغادرة قريتهم رغم كل محاولات “الكيرن كاييمت” ان تفرض عليهم اخلاء اراضي بلدتهم. (الكيرن كاييمت – هي تنظيم صهيوني اسس عام 1901 كوسيلة لجمع الأموال من اليهود من اجل شراء اراضي العرب وتجهيزها لسكن اليهود).
“الكيرن كاييمت” ذهبت قبل أشهر قليلة الى المحكمة في صفد ولكن القاضي انصف البراعمة، رد دعوى “الكيرن كاييمت” بقوله كما نقل لي، ان المشكلة مع الدولة وليس مع “الكيرن كاييمت” ، هناك قرار اصدرته المحكمة العليا لصالح اهل برعم فما دخل “الكيرن كاييمت” بالموضوع؟
رغم ذلك فرض كفالة 50 ألف شاقل على ابناء برعم المعتصمين كضمان لعدم قيامهم بإضافة أي بناء جديد أو اصلاح المباني شبه المهدمة وغرم “الكيرن كاييمت” بمصاريف المحكمة وأجرة المحامي الذي تبرع بالمبلغ لأهل برعم – اهله!!
1 - قبر “ابو خلو” صار مقاما لـ “الرابي الصديّق (تلفظ تسديق بالعبرية) زولترا!!
الآن الى سرقة ألقبور يبدو ان سرقة مقامات المسلمين انتهت، لم يعد ما يسرق… الآن الدور على مقابر المسيحيين.
روى امامي برعمي شاب انهم اكتشفوا بالصدفة وجود شبان متدينين يهود يقيمون مبنى على احد قبور اهل برعم، ويعرف باسم “قبر ابو خلو” (“ابو خلو” أي “ابو خليل” بلهجة البراعة القريبة من اللهجة اللبنانية) … المضحك ان الشبان اليهود وضعوا لوحة فوق القبر تحمل اسم “الرابي الصديق زولترا”.
في حديث مع ابراهيم عيسى (ابو الرايق) وهو بالمناسبة حاد ألذاكرة عاش مأساة برعم منذ كان صبيا يافعا، يشارك بكل نشاطات البراعمة، اعاد بناء المقبرة وتوسيعها وإصلاح قبورها، الى جانب اصلاح الكنيسة ،ساهم بإدخال الكهرباء للكنيسة وتنشيطها، اليوم تقام فيها الشعائر الدينية الأسبوعية بالإضافة لشعائر الأعياد، بل وبات البراعمة لا يزوجون ابنائهم ولا يعمدونهم إلا بكنيسة برعم، كذلك جند الشباب لتنظيف حارات برعم من بقايا الهدم الذي نفذته طائرات اسرائيل بعد قيام الدولة، ووضع لوحات بأسماء الحارات وعلق على بقايا المنازل أسماء أصحابها، عمليا هو تاريخ متحرك لقرية برعم رغم ال 70 سنة من المعاناة والتهجير والنضال ضد المُهجرين.
يعتبر ابراهيم عيسى للكثيرين من الزوار مرجع برعمي للتاريخ والنضال الطويل المتواصل للعودة الى برعم. سألته عن “ابو خلو” قال لي ان القبر لشخص برعمي اسمه ابراهيم انطون خليل (ابو خلو) وانه مات منذ أكثر من 85 سنة، أي قبل قيام دولة اسرائيل. . وحسب ذاكرة ابراهيم عيسى قد يكون القبر لوالد السيد ابراهيم ألذي مات قبل ابنه بسنوات كثيرة أي أكثر منذ مائة عام!!
شبان برعم سألوا الشباب اليهود الذين استولوا على قبر ابو خلو: ماذا تفعلون بقبر ابو خلو ولماذا هدمتم شاهد القبر حيث نقش الصليب؟ الا تعلمون انه قبر لمواطن من برعم مات قبل 100 سنة واسمه ابو خلو ، وهو الاسم الذي اشتهر به القبر والمكان ، لأنه لم يدفن في المقبرة ، حسب وصيته بل دفن في بيارة تين كان يملكها ؟!
ردوا بدون تلعثم انه بئر وليس قبرا، وانه دفن حسب “سجلاتهم” (سجلات سماوية؟؟؟) في هذا البئر الراب الصديّق زولترا!!
قال ابراهيم عيسى (ابو الرايق) انا نشلت من هذا البئر الماء في صغري، كنا ننشل الماء لنسقي ألطرش فكيف صار قبرا او مقاما دينيا للرابي زولترا؟ البئر ليس قبرا، القبر معالمه واضحة قرب البئر، اصلا لم يكن أي يهودي يسكن في هذه المنطقة .. وبئر الماء كما يقول ابو الرايق هو لدار عيسى العبود .. قربه توجد حفرة في صخرة بعمق متر ونصف المتر، ويقول عجوز آخر ان المقبرة كانت قرب البئر ولكنها نقلت قبل 80 سنة الى خارج القرية حيث هي اليوم، تبعد حوالي 3 كيلومتر عن منازل كفر برعم المهدمة. آخرين يقولون انه لا يوجد قبر لأبو خلو انما مقبرة كانت ضمن حدود البلدة قبل ان تُنقل .. لكن أكثرية كبار السن يؤكدون انه قبر ابراهيم انطوان خليل (ابو خلو -ابو خليل) وظل بارزا لأنه دفن في بيارة تين كان يملكها ، لذلك اكتسب شهرة خاصة.
يقول ابو الرايق ان هناك مبنى روماني قديم، حاولوا بعد التهجير ان يدعوا انه كنيس، ليزوروا تاريخ برعم ويجعلوها يهودية، لكن الحاخامات اليهود من مدينة صفد القريبة رفضوا موقف السلطة ليس لحسن نيتهم بل بسبب وجود اكليل الغار الروماني الذي كان يتوج المدخل (وهو شعار روماني معروف) وقالوا بوضوح انه مبنى تاريخي روماني وليس كنيسا يهوديا … خاصة وان ما قيل انه الهيكل داخل الكنيس لم يكن بالاتجاه الصحيح نحو القدس .. وهو أمر لا أفقه منه شيئا.
يقول ابو الرايق ان المحتلين اقتلعوا من باب مدخل المبنى الروماني الحجر الذي نقش عليه اكليل الغار الروماني لإخفاء الحقيقة، وكلما حضر سياح اجانب لا يعرفون شرقهم من غربهم يدعي دليل السياح امامهم ان المبنى هو هيكل يهودي… ربما هي تغطية لمنظر القرية العربية المهدمة التي “احتلت” ارضا يهودية… لذلك عوقب اهلها بالتهجير وهدمت لمنع عودتهم لأرض وعد بها الله شعبه المختار!!
بقيت كلمات قليلة: من سيقنع الشباب اليهود ان ابو خلو سيظل برعميا اصيلا حتى لو سموه الرابي الصّديق زولترا؟!
اليس موقف رئيس الحكومة نتنياهو باشتراطه للسلام ان يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة اولا، هي قصة مطابقة تماما لحكاية قبر أبو خلو؟! ولو اعترف اهل برعم بان “ابو خلو” هو “الرابي زولترا” فلن يسمح لهم بإعادة بناء قريتهم من جديد!!
2 - كيف صار قبر دبور مقاما مقدسا للرابي دفور؟
الاحتلال يتمدد للقبور
بعد ان صار قبر ابو خلو (ابو خليل) في بلدة كفربرعم المهجرة مقاما مقدسا للرابي الصديق زولترا، كما كتبت عن ذلك سابقا، وصلتني حكايات عديدة من القراء، عن قبور ومقامات زورت وسرق تاريخها وصارت يهودية أسوة بالوطن الذي يُهود بأسماء مواقعه وجباله ووديانه وينابيعه ولكن لن ينجحوا بتغيير أسماء أهله ولغتهم وذاكرتهم التاريخية وارتباطهم بتراب وطنهم وقضايا شعبهم تحت الاحتلال او في مخيمات اللجوء!!
من تلك الحكايات قصة تحويل قبر دبور الى مقام لرابي سمي “الرابي دفور صاحب العجيبة”، طبعا لا احد يعرف ما هي عجيبته .. لكن المتدينين ذوي السوالف الطويلة يزورونه ويتمدّدون فوقة ويغسلونه بدموعهم… ولو عرفوا سر المدفون تحت التراب لوفروا على انفسهم دموعهم وابتهالاتهم… وعناء وصولهم وتمدّدهم على قبر لا شيء يخصّهم فيه، بل لا شيء يخصّ البشر!
كيف صار الدبور شيخا؟
ما يعرف بقبر الشيخ دبور يقع في قرية من قرى الضفة الغربية المنكوبة بفلتان سوائب المستوطنين، لن نكشف عن اسمها حتى لا تخرب الحكاية، ولن أكشف اسم الرابي الحقيقي ليبقى طرفة من طرف احتلال القبور وتهويدها، وليستمر طويلو السوالف بالبكاء فوق الضريح الموهوم لعلّ ذلك يخفّف شرهم ضدّ أصحاب الوطن.
كما تبين من روايات عديدة وصلتني ان حكاية الشيخ دبور بدأت بمزحة .. جلس صديقان راعيان يتناولان ما يسكت جوعهما .. والأبقار حولهما ترعى من خير الأرض ما طاب لها.
انهيا وجبتيهما .. وقررا ان يشعلا بعض الحطب لغلي الماء واعداد فنجاني شاي. جمع أحدهما بعض الأعشاب البرية التي تعطي نكهة لذيذة مثل دقة العدس والشيبا ونبتة الليمون، وكان معهما بعض السكر لتحلية شاي الأعشاب، جلس الراعيان بشعور ملوكي يحتسيان شايهما ويراقبان ابقارهما وهي تجول بين النباتات والأعشاب تلتهم ما تشاء من خير الأرض.
يبدو ان الشاي المحلّى بالسكر أقحم عليهما في جلستهما الهادئة مجموعة دبابير جاءت تطالب بحصتها من الشاي المحلّى.
عبثا حاولا طردها، بل قتلا بعضها، لكن الدبابير لم تفرّ وواصلت إصرارها على اقتحام خلوتهما وتذوّق شايهما المُحلّى…أحد الدبابير دخل الفنجان فسارع احدهما الى إغلاق الفنجان بكفة يده معلنا انه أسر احد الغزاة… ولم يكمل جملته أذ شعر بلسعة حادة جعلته يقفز في الهواء صارخا من الألم وشادا قبضته على مكان اللسعة، عندما فهم ان أسيره لسعه، فتح كفة يده فوجد الأسير قد فارق الحياة ممعوسا داخل كفة يده…
الراعي الثاني كاد يتمزق من قوة الضحك على زميله. بعد ان هدأت المعركة بانسحاب الراعيان الى مكان آخر تاركين وراءهما بعض الشاي المحلّى للغزاة. وهما بذلك يحافظان على النهج العربي الأصيل بالانسحاب امام ضغط العدو كلما واجهوه بمعركة.
كان الدبّور الميت مسجى باحترام داخل كفة الراعي، تشاور الراعيان عن أفضل طريقة لدفن الأسير المعتدي.
– انظر ما أضخمه ابن العرص..
– يجب تكريمه ودفنه باحترام يليق بالمقاتلين
– سأدوسه بقدمي وأسويه مع الأرض
– لا يا صديقي.. يجب تكريمه وإحترامه.. قاتل من أجل بعض السكر وحافظ على شرفه العسكري.
– انظر كيف تورّمت كفة يدي..
– اشكر ربك انه لم يلسعك بوجهك.. لو فعل ذلك لصرت يا صديقي بوجهين..
– هل تسخر مني؟
– استغفر الله.. واحمده أيضا لأنه حماني من لسعته
– يدي تؤلمني..
– لا تقلق، اذا دعاك الخالق ستكون شهيدا سقط في الجهاد ضد جيش من الدبابير الغزاة…
– لا تسخر مني.. وكفاك ضحكا.
– والله لا أسخر ولكنها حالة مضحكة… عندي اقتراح ان ندفن الدبور بكل احترام ونقيم له قبرا وشاهدا ونسميه “الشيخ الصالح دبور”..
– الشيخ الطالح وليس الصالح..
– الدبور لن يحتج…
وفعلا دفن الشيخ الصالح/ الطالح دبور باحترام يليق بالمقاتلين. بعد عدة ايام وضعت قطعة خشب كتب عليها : ”هنا يرقد المرحوم الشيخ الطالح دبور”!
ومضت الأيام .. مئات مروا على القبر الصغير واللوحة التي ثبتت على القبر .. لكن معظم الناس قالوا إن من كتب “الطالح” على لوحة الخشب غشيم بلغة العرب أو أخطأ بالإملاء لأن القصد “الصالح”.. طبعا دون فهم حقيقة القبر والمرحوم الذي مٌدِّد تحت ترابه. كما يحدث عادة تناقل السكان القصة وغيروا وبدلوا في التفاصيل حتى ضاعت الحقيقة مع الزمن، وصار الدبور شيخا جليلا تؤلف حوله الحكايات.
صار للشيخ دبور تاريخ حافل
بعد سنوات وحلول أجيال جديدة كانت تزداد الحكايات التي تروى عن قبر الشيخ دبور بالتحريف والاضافات، وقام احد الغيورين على دينه ولغته بإصلاح الخلل اللغوي من “طالح” الى “صالح” !!
انتشرت حكايات كثيرة عن الشيخ الصالح دبور، بعضها يقول انه كان من المجندين للجيش التركي .. وهرب من العسكر، وان الجنود الأتراك حاصروه وقتلوه لأنه فراري بعد ان قتل عشرة جنود أتراك على الأقل بمعركة غير متكافئة، وتكريما له من اهل البلدة، الذين يكرهون الأتراك لما سببوه لهم من جوع بسبب نهبهم لمخزوناتهم من الطعام ولماشيتهم دفنت جثة الشيخ دبور في الحقل الذي شهد المعركة بينه وبين أعدائهم الأتراك.
البعض جعله شيخا وقورا وليس مجرد مقاتل يرفض خدمة اعداء شعبه الذين نهبوا القرى ومحصول الأرض ومخزونات الفلاحين .. وجندوا الشباب في جيوشهم لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
البعض قال انه كان شيخاً صالحاً ورِعاً وكاتب أحجبة يستجيب الله لحامليها، بل ونسبت عجائب كثيرة تحققت على يد الشيخ دبور، ووصل الأمر بأحد اغنياء البلدة ان قرر اقامة مقام يليق بمكانة الشيخ دبور .. الذي تباركت زوجته من خشوعها امام قبره ومن يومها وهي لا تلد الا الصبيان، بعد مصيبة ولادة ثلاث بنات واحدة بعد الأخرى، حتى ثار شك الزوج بنفسه ورجولته.
وهكذا تطور قبر الدبور الى مقام مقدس يعرف بمقام الشيخ الصالح دبور.
المحتلون يصادرون الشيخ دبور
لكن جاءت اسرائيل، ومعها مستوطنيها طوال السوالف. اقتلعوا بعض الأشجار المثمرة من الأراضي المحيطة بهم، اكتشفوا فجأة قبر الشيخ دبور في هذا الفضاء الطبيعي الهادئ.
بدأت المشاورات بين طوال اللحى والسوالف، جاء عشرات منهم يحملون التوراة وينشدون ويرقصون، لم يفهم اهل البلد ما الذي يجري، كانوا يخافون من الاقتراب من المستوطنين الذين يتصرفون بعنف وشراسة مع الأغيار الفلسطينيين .. طبعا تحت حماية الجيش.
حدثت مناوشات لطردهم من الأرض التي تستعمل للرعي .. في فجر أحد الأيام بدأ الشبان طويلو السوالف بإقامة سياج حول القبر ووضع يافطة جديدة بلغة استعصى على اهل البلد فك رموزها، لكن المختار استفسر عن الأمر في المدينة القريبة وجاء بالخبر المزعج بان المستوطنين المتدينين اليهود يعتقدون ان القبر لحاخام يهودي مشهور قتله العرب في ثورة 36، وانهم قرروا استعادة حقهم واصلاح الغبن الذي طاله من الأغيار (الغويم بالعبرية).
اهل البلد كانوا على ثقة ان المدفون هو شيخ عربي صالح من ابناء جلدتهم ودينهم، بل قال كبار السن ان البلدة عام 36 كانت عبارة عن عشرة مضارب بدوية يقطنها بعض الرعاة الفقراء الذين لا همَّ لهم الا الحصول على ما يقيتهم ويقيت اولادهم، وانهم لم يشاركوا في ثورة ال 36 ولم يكن في المنطقة أي يهودي ليقتلوه.
استهجنوا ان يهتم طويلو اللحى والسوالف بقبر الشيخ دبور الذي كل ما يعرف عنه انه مقاتل مؤمن وقف وحيدا ضد السلطنة العثمانية الظالمة ولم يتردد في مواجهة جنودها في معركة شرسة، قتل منهم عشرة قبل ان ينفذ منه ما يحمله من “فشك” مما سهّل على الجنود الأتراك قتله. بعض كبار السن يتناقلون معلومة تقول ان القبر لدبور لسع راعيا فأقام الراعي على شرفه قبرا لأنه أثبتت رجولة يفتقدها قادة العرب، لكن هذا الكلام وصف بكلام “خرفانين”.. وان الشيخ دبور شيخ له فضله الكبير على أهل البلد .. بل ذهب البعض الى سلسلة أصله وفصله واوصلوه الى قبيلة عربية من ارض الحجاز المباركة.
بعد شهر من بدء سيطرة طويلي السوالف على مقام طيب الذكر الشيخ دبور، اطلقوا عليه اسما يهوديا وعلّقوا لوحة مكتوبة بلغتهم عن اسمه وتاريخ مولدة وسنة قتله على ايدي العرب، نظفت الأرض حوله، زرعت الزهور، حضر حاخامات واقاموا الصلوات وادخلوا التوراة للمقام وعلقت يافطة تعلن ان المكان مقدس حيث دفن رابي صاحب عجيبة. ثم أحضروا شاهد للقبر من الرخام، كتب عليه: ” هنا يرقد الرابي صاحب العجيبة دفور بن منشي”!!
لو عرف الدبور ما سيؤول اليه مصيره لما لسع كفة يد الراعي المسكين!!
اسرائيل تشترط ان يعترف بها الفلسطينيون “دولة يهودية”، الفكرة ليست جديدة الفرق انها انتقلت الى ارغام الضحية لإقرار بما ينفذ على ارض الواقع .. هناك اشكال التهويد البدائية تحويل كل قبر في بلاد فلسطين الواسعة الى قبر له تاريخ يهودي. يبدو ان سياسة المقابر هي افضل وسيلة لإثبات يهودية الدولة منذ ايام نوح .. بالتأكيد وجد نوح يهوديا ويهودية أنقياء العرق ليواصلوا النسل ولم يعتمد على قدرة الله بإنقاذ شعبه من الطوفان. السؤال المحرج ماذا لو لم يبن نوح سفينته العملاقة وينقذ الأجناس التي
عاشت على الأرض هل كانت الأرض ستظل قفرا بدون يهود وبدون فلسطينيين وبالتالي بدون ظاهرة “دفع الثمن” (بالعبرية: “תג מחיר”)؟ وبماذا سينشغل زعماء العالم والأمم المتحدة بدون نتنياهو وليبرمان وسوائب المستوطنين؟!
لماذا أنقذ نوح الجنس الفلسطيني بالتحديد والعربي عموما؟! هل كان ذلك من أجل ان يُذكر الله “شعبه المختار” بقدرته دائما على عقابهم بالعرب والفلسطينيين؟!
بعد العام 48“عام الحرية والاستقلال” في ارض بلا سكان، لسكان بلا أرض، الذي يسميه الفلسطينيون “زورا واغتصابا” بعام النكبة، تحولت عشرات القبور، خاصة المقامات ألدينية الإسلامية، الى مقامات وقبور أولياء صالحين من حاخامات الشعب المختار.
لن أروي تفاصيل سرقة القبور (المقامات) وتزوير تاريخها، وتحول الأولياء الشيوخ من محمد وحسين وعلي الى شمعون ويحزقيل وبن يعقوب… هناك قصص مثيرة بتفاصيلها، ومضحكة جدا لولا انها جزء من سرقة تاريخ الوطن وهويته!!
كتب مؤرخون وباحثون يهودا وعربا الكثير من القصص المضحكة والمحزنة في نفس الوقت حول “تجارة القبور” التي وجدت لها سوقا دينية في إسرائيل .. طبعا ليس بدون هدف سياسي وترويج روايات أسطورية غيبية ترعاها دولة إسرائيل “العلمانية”.
مقام الولي حسن او مقام الشيخ برهان او غيرهم، تحول الى مقام الرابي شمعون الصديق، او الرابي يحزقيل صاحب العجيبة، او الرابي بن يعقوب الشافي من الأمراض او غير ذلك من الأسماء والصفات الغريبة والعجيبة .. فكر “قروسطي” مضحك ولكن وراءه أجهزة واسعة النفوذ في السلطة والحركة الصهيونية (عقل اوروبي تحول الى عقل حجري) باندماج حتى العلمانيين اليهود بجزء كبير من هذا التزوير التاريخي والديني، ان لم يكن بكلامهم فبصمتهم ألمريب!!
بالطبع بعد مصادرة الأرض بدأت مصادرة التاريخ، مثل مصادرة الأسماء العربية الفلسطينية او الكنعانية للمواقع والجبال والسهول والوديان والينابيع والبلدات وتسميتها بأسماء يهودية، هكذا اصبحت سرقة القبور وتهويدها دينيا من المسائل السهلة والبسيطة، أليسوا هم حكام البلاد بعد ان هزموا العرب مرة إثر أخرى حتى صارت بعض الدول العربية، بما فيها مصر أكبرها وأهمها، صديقة مستسلمة من فوق ومن تحت لإسرائيل؟!
على المستوى الشخصي بإمكانهم ان يصادروا كل المقابر بما في ذلك القبور المسيحية وليس قبور الأولياء المسلمين فقط. لهم مطلق الحرية أن ينسبوها لمن يشاؤون من الأسماء وان يطلقوا عليها الصفات الربانية والعجائبية ويبنون الخرافات كما يحلو لهم ليقضوا عمرهم في البكاء عليها والتمسح بحجارتها .. والدعاء من الأموات ان تحل بركتهم على الأحياء لعلها أفضل من مليارات ما يخصص لهم من ميزانيات يحرم منها ليس العرب فقط، بل والكثير من اليهود أنفسهم. ثم يتحدث نتنياهو بأنها نباتات شاذة، متجاهلا انها النبات الوحيد تقريبا في ارض الفلسطينيين المحتلة وبدأ هذا النبات يمتد الى داخل اسرائيل – مناطق 48 - لذا ليس بالصدفة ان رئيس حكومة سابق – يتسحاق رابين – وصف الاستيطان بالسرطان الذي يهدد الدولة.. لكنه قتل… ربما عقابا على رفضه احتضان “نباتات نتنياهو الشاذة” !!
بقر الكيبوتسات أهم من المواطن العربي
ما حدث في قرية كفربرعم المهجرة هو استمرار لفكر “القروسطي” ألايماني الغيبي… وكفر برعم لمن لا يعلم قرية مسيحية مارونية تجاور جبل الجرمق الفلسطيني الشاهق، ضمت عائلة واحدة تنتمي للطائفة الكاثوليكية (عائلة المطران شقور) والموارنة على العموم ينتمون للكاثوليك.
اليوم يعتصم اهل برعم في قريتهم مطالبين بتنفيذ قرار المحكمة العليا منذ سنوات الخمسين القاضي بإرجاعهم الى بلدتهم كما جرى الاتفاق مع الجيش الاسرائيلي الذي اخرجهم من برعم بالاتفاق معهم لأسبوع او اسبوعين عام 1948 ثم هدم القرية بالقصف الجوي وأعلنت الحكومة اراضي القرية منطقة عسكرية مغلقة لمنع عودة اهلها. توجه البراعمة لمحكمة العدل العليا التي اقرت حقهم بالعودة ولكن قوانين الأراضي الغريبة العجيبة في دولة اسرائيل وكثرتها وكأنها امبراطوية لا تغيب الشمس عن اراضيها، وقفت سدا مانعا ضد قرار محكمتها العليا. وهو درس ديمقراطي آمل ان يدرس في مدنيات اسرائيل وان تنشر تفاصيله على الملأ خاصة في الهيئات الدولية.
يعتصم العشرات من أهل برعم، من الجيل الذي هُجر حتى الجيل الذي ورث التهجير، في بلدتهم، معتصمون مصرون على البقاء قي ارضهم وإعادة بناء كفر برعم بما تبقى لهم من ارض لم تصادر للكيبوتسات حولهم او لبقر الكيبوتسات .
وزير عدل سابق تساءل في وقته عن مصير ابقار الكيبوتسات التي ترعى في اراضي القرية “كيف ستحل مشكلة ايجاد مراع لهم ؟!” رد عليه البرعمي ابراهيم عيسى (ابو الرايق):” هل البقر اهم من الإنسان؟ ارجعونا لقريتنا ونتعهد ان نشترى لهم العلف على حسابنا”. فزعل الوزير الذي كان يعتبر من اليسار الاسرائيلي ومن تيار السلام مع الشعب الفلسطيني، ولكن ليس للسلام مع الفلسطينيين من اهل البلاد. لأن مراعي بقر الكيبوتسات أكثر أهمية من حقوق المواطن ألفلسطيني في “اسرائيل الديمقراطية” !!
البراعمة يصرون على العودة واعتصامهم في برعم متواصل
يقيم البراعمة المعتصمين في كفربرعم المهجرة في مبنى لم يهدم قرب الكنيسة التي لم تهدم هي أيضا، يرفضون مغادرة قريتهم رغم كل محاولات “الكيرن كاييمت” ان تفرض عليهم اخلاء اراضي بلدتهم. (الكيرن كاييمت – هي تنظيم صهيوني اسس عام 1901 كوسيلة لجمع الأموال من اليهود من اجل شراء اراضي العرب وتجهيزها لسكن اليهود).
“الكيرن كاييمت” ذهبت قبل أشهر قليلة الى المحكمة في صفد ولكن القاضي انصف البراعمة، رد دعوى “الكيرن كاييمت” بقوله كما نقل لي، ان المشكلة مع الدولة وليس مع “الكيرن كاييمت” ، هناك قرار اصدرته المحكمة العليا لصالح اهل برعم فما دخل “الكيرن كاييمت” بالموضوع؟
رغم ذلك فرض كفالة 50 ألف شاقل على ابناء برعم المعتصمين كضمان لعدم قيامهم بإضافة أي بناء جديد أو اصلاح المباني شبه المهدمة وغرم “الكيرن كاييمت” بمصاريف المحكمة وأجرة المحامي الذي تبرع بالمبلغ لأهل برعم – اهله!!
1 - قبر “ابو خلو” صار مقاما لـ “الرابي الصديّق (تلفظ تسديق بالعبرية) زولترا!!
الآن الى سرقة ألقبور يبدو ان سرقة مقامات المسلمين انتهت، لم يعد ما يسرق… الآن الدور على مقابر المسيحيين.
روى امامي برعمي شاب انهم اكتشفوا بالصدفة وجود شبان متدينين يهود يقيمون مبنى على احد قبور اهل برعم، ويعرف باسم “قبر ابو خلو” (“ابو خلو” أي “ابو خليل” بلهجة البراعة القريبة من اللهجة اللبنانية) … المضحك ان الشبان اليهود وضعوا لوحة فوق القبر تحمل اسم “الرابي الصديق زولترا”.
في حديث مع ابراهيم عيسى (ابو الرايق) وهو بالمناسبة حاد ألذاكرة عاش مأساة برعم منذ كان صبيا يافعا، يشارك بكل نشاطات البراعمة، اعاد بناء المقبرة وتوسيعها وإصلاح قبورها، الى جانب اصلاح الكنيسة ،ساهم بإدخال الكهرباء للكنيسة وتنشيطها، اليوم تقام فيها الشعائر الدينية الأسبوعية بالإضافة لشعائر الأعياد، بل وبات البراعمة لا يزوجون ابنائهم ولا يعمدونهم إلا بكنيسة برعم، كذلك جند الشباب لتنظيف حارات برعم من بقايا الهدم الذي نفذته طائرات اسرائيل بعد قيام الدولة، ووضع لوحات بأسماء الحارات وعلق على بقايا المنازل أسماء أصحابها، عمليا هو تاريخ متحرك لقرية برعم رغم ال 70 سنة من المعاناة والتهجير والنضال ضد المُهجرين.
يعتبر ابراهيم عيسى للكثيرين من الزوار مرجع برعمي للتاريخ والنضال الطويل المتواصل للعودة الى برعم. سألته عن “ابو خلو” قال لي ان القبر لشخص برعمي اسمه ابراهيم انطون خليل (ابو خلو) وانه مات منذ أكثر من 85 سنة، أي قبل قيام دولة اسرائيل. . وحسب ذاكرة ابراهيم عيسى قد يكون القبر لوالد السيد ابراهيم ألذي مات قبل ابنه بسنوات كثيرة أي أكثر منذ مائة عام!!
شبان برعم سألوا الشباب اليهود الذين استولوا على قبر ابو خلو: ماذا تفعلون بقبر ابو خلو ولماذا هدمتم شاهد القبر حيث نقش الصليب؟ الا تعلمون انه قبر لمواطن من برعم مات قبل 100 سنة واسمه ابو خلو ، وهو الاسم الذي اشتهر به القبر والمكان ، لأنه لم يدفن في المقبرة ، حسب وصيته بل دفن في بيارة تين كان يملكها ؟!
ردوا بدون تلعثم انه بئر وليس قبرا، وانه دفن حسب “سجلاتهم” (سجلات سماوية؟؟؟) في هذا البئر الراب الصديّق زولترا!!
قال ابراهيم عيسى (ابو الرايق) انا نشلت من هذا البئر الماء في صغري، كنا ننشل الماء لنسقي ألطرش فكيف صار قبرا او مقاما دينيا للرابي زولترا؟ البئر ليس قبرا، القبر معالمه واضحة قرب البئر، اصلا لم يكن أي يهودي يسكن في هذه المنطقة .. وبئر الماء كما يقول ابو الرايق هو لدار عيسى العبود .. قربه توجد حفرة في صخرة بعمق متر ونصف المتر، ويقول عجوز آخر ان المقبرة كانت قرب البئر ولكنها نقلت قبل 80 سنة الى خارج القرية حيث هي اليوم، تبعد حوالي 3 كيلومتر عن منازل كفر برعم المهدمة. آخرين يقولون انه لا يوجد قبر لأبو خلو انما مقبرة كانت ضمن حدود البلدة قبل ان تُنقل .. لكن أكثرية كبار السن يؤكدون انه قبر ابراهيم انطوان خليل (ابو خلو -ابو خليل) وظل بارزا لأنه دفن في بيارة تين كان يملكها ، لذلك اكتسب شهرة خاصة.
يقول ابو الرايق ان هناك مبنى روماني قديم، حاولوا بعد التهجير ان يدعوا انه كنيس، ليزوروا تاريخ برعم ويجعلوها يهودية، لكن الحاخامات اليهود من مدينة صفد القريبة رفضوا موقف السلطة ليس لحسن نيتهم بل بسبب وجود اكليل الغار الروماني الذي كان يتوج المدخل (وهو شعار روماني معروف) وقالوا بوضوح انه مبنى تاريخي روماني وليس كنيسا يهوديا … خاصة وان ما قيل انه الهيكل داخل الكنيس لم يكن بالاتجاه الصحيح نحو القدس .. وهو أمر لا أفقه منه شيئا.
يقول ابو الرايق ان المحتلين اقتلعوا من باب مدخل المبنى الروماني الحجر الذي نقش عليه اكليل الغار الروماني لإخفاء الحقيقة، وكلما حضر سياح اجانب لا يعرفون شرقهم من غربهم يدعي دليل السياح امامهم ان المبنى هو هيكل يهودي… ربما هي تغطية لمنظر القرية العربية المهدمة التي “احتلت” ارضا يهودية… لذلك عوقب اهلها بالتهجير وهدمت لمنع عودتهم لأرض وعد بها الله شعبه المختار!!
بقيت كلمات قليلة: من سيقنع الشباب اليهود ان ابو خلو سيظل برعميا اصيلا حتى لو سموه الرابي الصّديق زولترا؟!
اليس موقف رئيس الحكومة نتنياهو باشتراطه للسلام ان يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة اولا، هي قصة مطابقة تماما لحكاية قبر أبو خلو؟! ولو اعترف اهل برعم بان “ابو خلو” هو “الرابي زولترا” فلن يسمح لهم بإعادة بناء قريتهم من جديد!!
2 - كيف صار قبر دبور مقاما مقدسا للرابي دفور؟
الاحتلال يتمدد للقبور
بعد ان صار قبر ابو خلو (ابو خليل) في بلدة كفربرعم المهجرة مقاما مقدسا للرابي الصديق زولترا، كما كتبت عن ذلك سابقا، وصلتني حكايات عديدة من القراء، عن قبور ومقامات زورت وسرق تاريخها وصارت يهودية أسوة بالوطن الذي يُهود بأسماء مواقعه وجباله ووديانه وينابيعه ولكن لن ينجحوا بتغيير أسماء أهله ولغتهم وذاكرتهم التاريخية وارتباطهم بتراب وطنهم وقضايا شعبهم تحت الاحتلال او في مخيمات اللجوء!!
من تلك الحكايات قصة تحويل قبر دبور الى مقام لرابي سمي “الرابي دفور صاحب العجيبة”، طبعا لا احد يعرف ما هي عجيبته .. لكن المتدينين ذوي السوالف الطويلة يزورونه ويتمدّدون فوقة ويغسلونه بدموعهم… ولو عرفوا سر المدفون تحت التراب لوفروا على انفسهم دموعهم وابتهالاتهم… وعناء وصولهم وتمدّدهم على قبر لا شيء يخصّهم فيه، بل لا شيء يخصّ البشر!
كيف صار الدبور شيخا؟
ما يعرف بقبر الشيخ دبور يقع في قرية من قرى الضفة الغربية المنكوبة بفلتان سوائب المستوطنين، لن نكشف عن اسمها حتى لا تخرب الحكاية، ولن أكشف اسم الرابي الحقيقي ليبقى طرفة من طرف احتلال القبور وتهويدها، وليستمر طويلو السوالف بالبكاء فوق الضريح الموهوم لعلّ ذلك يخفّف شرهم ضدّ أصحاب الوطن.
كما تبين من روايات عديدة وصلتني ان حكاية الشيخ دبور بدأت بمزحة .. جلس صديقان راعيان يتناولان ما يسكت جوعهما .. والأبقار حولهما ترعى من خير الأرض ما طاب لها.
انهيا وجبتيهما .. وقررا ان يشعلا بعض الحطب لغلي الماء واعداد فنجاني شاي. جمع أحدهما بعض الأعشاب البرية التي تعطي نكهة لذيذة مثل دقة العدس والشيبا ونبتة الليمون، وكان معهما بعض السكر لتحلية شاي الأعشاب، جلس الراعيان بشعور ملوكي يحتسيان شايهما ويراقبان ابقارهما وهي تجول بين النباتات والأعشاب تلتهم ما تشاء من خير الأرض.
يبدو ان الشاي المحلّى بالسكر أقحم عليهما في جلستهما الهادئة مجموعة دبابير جاءت تطالب بحصتها من الشاي المحلّى.
عبثا حاولا طردها، بل قتلا بعضها، لكن الدبابير لم تفرّ وواصلت إصرارها على اقتحام خلوتهما وتذوّق شايهما المُحلّى…أحد الدبابير دخل الفنجان فسارع احدهما الى إغلاق الفنجان بكفة يده معلنا انه أسر احد الغزاة… ولم يكمل جملته أذ شعر بلسعة حادة جعلته يقفز في الهواء صارخا من الألم وشادا قبضته على مكان اللسعة، عندما فهم ان أسيره لسعه، فتح كفة يده فوجد الأسير قد فارق الحياة ممعوسا داخل كفة يده…
الراعي الثاني كاد يتمزق من قوة الضحك على زميله. بعد ان هدأت المعركة بانسحاب الراعيان الى مكان آخر تاركين وراءهما بعض الشاي المحلّى للغزاة. وهما بذلك يحافظان على النهج العربي الأصيل بالانسحاب امام ضغط العدو كلما واجهوه بمعركة.
كان الدبّور الميت مسجى باحترام داخل كفة الراعي، تشاور الراعيان عن أفضل طريقة لدفن الأسير المعتدي.
– انظر ما أضخمه ابن العرص..
– يجب تكريمه ودفنه باحترام يليق بالمقاتلين
– سأدوسه بقدمي وأسويه مع الأرض
– لا يا صديقي.. يجب تكريمه وإحترامه.. قاتل من أجل بعض السكر وحافظ على شرفه العسكري.
– انظر كيف تورّمت كفة يدي..
– اشكر ربك انه لم يلسعك بوجهك.. لو فعل ذلك لصرت يا صديقي بوجهين..
– هل تسخر مني؟
– استغفر الله.. واحمده أيضا لأنه حماني من لسعته
– يدي تؤلمني..
– لا تقلق، اذا دعاك الخالق ستكون شهيدا سقط في الجهاد ضد جيش من الدبابير الغزاة…
– لا تسخر مني.. وكفاك ضحكا.
– والله لا أسخر ولكنها حالة مضحكة… عندي اقتراح ان ندفن الدبور بكل احترام ونقيم له قبرا وشاهدا ونسميه “الشيخ الصالح دبور”..
– الشيخ الطالح وليس الصالح..
– الدبور لن يحتج…
وفعلا دفن الشيخ الصالح/ الطالح دبور باحترام يليق بالمقاتلين. بعد عدة ايام وضعت قطعة خشب كتب عليها : ”هنا يرقد المرحوم الشيخ الطالح دبور”!
ومضت الأيام .. مئات مروا على القبر الصغير واللوحة التي ثبتت على القبر .. لكن معظم الناس قالوا إن من كتب “الطالح” على لوحة الخشب غشيم بلغة العرب أو أخطأ بالإملاء لأن القصد “الصالح”.. طبعا دون فهم حقيقة القبر والمرحوم الذي مٌدِّد تحت ترابه. كما يحدث عادة تناقل السكان القصة وغيروا وبدلوا في التفاصيل حتى ضاعت الحقيقة مع الزمن، وصار الدبور شيخا جليلا تؤلف حوله الحكايات.
صار للشيخ دبور تاريخ حافل
بعد سنوات وحلول أجيال جديدة كانت تزداد الحكايات التي تروى عن قبر الشيخ دبور بالتحريف والاضافات، وقام احد الغيورين على دينه ولغته بإصلاح الخلل اللغوي من “طالح” الى “صالح” !!
انتشرت حكايات كثيرة عن الشيخ الصالح دبور، بعضها يقول انه كان من المجندين للجيش التركي .. وهرب من العسكر، وان الجنود الأتراك حاصروه وقتلوه لأنه فراري بعد ان قتل عشرة جنود أتراك على الأقل بمعركة غير متكافئة، وتكريما له من اهل البلدة، الذين يكرهون الأتراك لما سببوه لهم من جوع بسبب نهبهم لمخزوناتهم من الطعام ولماشيتهم دفنت جثة الشيخ دبور في الحقل الذي شهد المعركة بينه وبين أعدائهم الأتراك.
البعض جعله شيخا وقورا وليس مجرد مقاتل يرفض خدمة اعداء شعبه الذين نهبوا القرى ومحصول الأرض ومخزونات الفلاحين .. وجندوا الشباب في جيوشهم لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
البعض قال انه كان شيخاً صالحاً ورِعاً وكاتب أحجبة يستجيب الله لحامليها، بل ونسبت عجائب كثيرة تحققت على يد الشيخ دبور، ووصل الأمر بأحد اغنياء البلدة ان قرر اقامة مقام يليق بمكانة الشيخ دبور .. الذي تباركت زوجته من خشوعها امام قبره ومن يومها وهي لا تلد الا الصبيان، بعد مصيبة ولادة ثلاث بنات واحدة بعد الأخرى، حتى ثار شك الزوج بنفسه ورجولته.
وهكذا تطور قبر الدبور الى مقام مقدس يعرف بمقام الشيخ الصالح دبور.
المحتلون يصادرون الشيخ دبور
لكن جاءت اسرائيل، ومعها مستوطنيها طوال السوالف. اقتلعوا بعض الأشجار المثمرة من الأراضي المحيطة بهم، اكتشفوا فجأة قبر الشيخ دبور في هذا الفضاء الطبيعي الهادئ.
بدأت المشاورات بين طوال اللحى والسوالف، جاء عشرات منهم يحملون التوراة وينشدون ويرقصون، لم يفهم اهل البلد ما الذي يجري، كانوا يخافون من الاقتراب من المستوطنين الذين يتصرفون بعنف وشراسة مع الأغيار الفلسطينيين .. طبعا تحت حماية الجيش.
حدثت مناوشات لطردهم من الأرض التي تستعمل للرعي .. في فجر أحد الأيام بدأ الشبان طويلو السوالف بإقامة سياج حول القبر ووضع يافطة جديدة بلغة استعصى على اهل البلد فك رموزها، لكن المختار استفسر عن الأمر في المدينة القريبة وجاء بالخبر المزعج بان المستوطنين المتدينين اليهود يعتقدون ان القبر لحاخام يهودي مشهور قتله العرب في ثورة 36، وانهم قرروا استعادة حقهم واصلاح الغبن الذي طاله من الأغيار (الغويم بالعبرية).
اهل البلد كانوا على ثقة ان المدفون هو شيخ عربي صالح من ابناء جلدتهم ودينهم، بل قال كبار السن ان البلدة عام 36 كانت عبارة عن عشرة مضارب بدوية يقطنها بعض الرعاة الفقراء الذين لا همَّ لهم الا الحصول على ما يقيتهم ويقيت اولادهم، وانهم لم يشاركوا في ثورة ال 36 ولم يكن في المنطقة أي يهودي ليقتلوه.
استهجنوا ان يهتم طويلو اللحى والسوالف بقبر الشيخ دبور الذي كل ما يعرف عنه انه مقاتل مؤمن وقف وحيدا ضد السلطنة العثمانية الظالمة ولم يتردد في مواجهة جنودها في معركة شرسة، قتل منهم عشرة قبل ان ينفذ منه ما يحمله من “فشك” مما سهّل على الجنود الأتراك قتله. بعض كبار السن يتناقلون معلومة تقول ان القبر لدبور لسع راعيا فأقام الراعي على شرفه قبرا لأنه أثبتت رجولة يفتقدها قادة العرب، لكن هذا الكلام وصف بكلام “خرفانين”.. وان الشيخ دبور شيخ له فضله الكبير على أهل البلد .. بل ذهب البعض الى سلسلة أصله وفصله واوصلوه الى قبيلة عربية من ارض الحجاز المباركة.
بعد شهر من بدء سيطرة طويلي السوالف على مقام طيب الذكر الشيخ دبور، اطلقوا عليه اسما يهوديا وعلّقوا لوحة مكتوبة بلغتهم عن اسمه وتاريخ مولدة وسنة قتله على ايدي العرب، نظفت الأرض حوله، زرعت الزهور، حضر حاخامات واقاموا الصلوات وادخلوا التوراة للمقام وعلقت يافطة تعلن ان المكان مقدس حيث دفن رابي صاحب عجيبة. ثم أحضروا شاهد للقبر من الرخام، كتب عليه: ” هنا يرقد الرابي صاحب العجيبة دفور بن منشي”!!
لو عرف الدبور ما سيؤول اليه مصيره لما لسع كفة يد الراعي المسكين!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق