بائعة هوى ولكن..
دخل الجنرال وخلفه اثنان من عناصره .. وبنظرة استعلاء من عينيه الزرقاوين الشاحبتين جال بهما أرجاء المكان .. ومج مجة من سيجاره الفاخر .. وببرود أشار بإصبعه : هذه ..!!
هرع صاحب الماخور ليبلغها.. بضع لحظات واعتلت السلم الخشبي المؤدي إلى الغرف ..
يجلس ممددا قدميه على حافة السرير ، يحتسي الخمر بشراهة ، يلتهم بعينيه جمالها الساحر .. وبلحظة عنجهية بلهاء ، يمط شفتيه قائلا : يا للبطل الفرنسي المنحدرمن اللورين .. ها أنا أملك الشام .. و أجمل نسائها لمتعتي .
تمايلت في غنج ، شدته من ربطة عنقه متجهة به إلى الحمام .. طاوعها علها تفاجئه بالمزيد .. وبلمح البصر خطفت من يده الكأس وبضربة سريعة شظتها ،وجزته من الوريد للوريد ، مخاطبة إياه بتهكم : لا تنسَ بأن تخبر رؤساءك في قصر الإليزية عندما تجتمعون في الجحيم ، بأن غانية ما ، جزتني مثل الخراف ، و تركت رقبتي تلفظ دمها ، في إحدى بلاعات الشام !!!
*
في بقعة ما من هذا العالم ..
صبي يجثو في زاوية الغرفة ، وعلى أرضها المتهالكة ، سُمّي بجميل ، يستر جسده الغضّ بضع أسمالٍ باليةٍ .
شعره الذهبيّ الأشعث المخلوط بلونٍ دخانيٍ، يدلي بأنه و منذ زمن ، لم تطلق يد حانية، تمسح عنه مخلّفات الشقاء، و حظّه العاثر !
راح يقضم خبزه المرّ، و يتابع مجيئ، و مرواح أبيه، الذي تبدّت قسمات وجهه، كميت بُعث مجدّداً من لحده !
وعاد ليرمقه بعينيه الخضراوين ، اللّتين تشعّان كزمردتين، تخالهما درّتين نفيستين .
ثم باغت أباه بسؤال مفاجئ :
ـ أبي .. هل يمكن لي يوماً ما، أن أقتني دراجةً و ساعة يد ..و و ؟؟
جاءه الردّ، وبابتسامةٍ باردةٍ ، ووجهٍ كوجه ( العشماوي ) :
ـ تعال .. تعال ..اقترب ..
أمسك برأسه لاقطا بأصابعه أذنه الصغيرة ، و راح يهزّها يمنة ويسرة :
ـ من أين لك بهذا الكلام !؟ كفى ثرثرة .. هيّا لقد تأخرت على شغلك في الكراج ، لا تدع العمّ محمود يغضب منك، فإن طُردت هذه المرة ،قسماً : ليس لك من مبيت سوى الشارع.
ـ حاضرأبي ..
قالها ،و انطلق من حجره، كفأر مذعور !!!
*
مجنون خطر جدا
تراه يتواجد دائماً قرب الحاوية .. بثيابه الرثّة وشعره المنكوش ! يبحث بين القمامة عن فُتاتٍ يقتات بها .. ليلبّي نداء بطنه الخاوية ..
ما بين ضحكات المارّة و عبث الأطفال وسخرّيتهم .. ولأوّل مرّة ! تسمّر فجأة ..تحنّط وجهه .. جحظت عيناه تنظران للبعيد ..
تناول شظيّة قارورةٍ مكسورةٍ .. و راح يركض كالمذعور !
تفرّق الناس من حوله .. هالهم ركضه المفزوع ..
ما بين هياج الرجال . وولولة وعويل النساء .. وحجارة الأطفال التي تتقاذف وجهه مسيلة الدماء ! أكمل خطوه لاهثاً .. حتى بلغ شجرة التوت ..
وجزّ بشظيته المكسورة حبلاً متيناً كان قد لُفّ حول رقبة تيسٍ صغير ! يبدو أنه
أكثر الدوران حتى شُدّ بقوّة أوشك بها على الاختناق !
أطلق التيس الصغير فركض كالأهوج العائد من الموت ..
جلس الرجل تحت ظلّ الشجرة يلتقط أنفاسه ..
وصوت دويّ عربة مشفى الأمراض العقليّة يتعالى ويملأ المكان ! ويعلن قدومه بحثا عن ال .....
*
أصدقاء
صمت مطبق ! تثرثر جدرانه بآلاف الحكايا ..
في هذا البيت العتيق ..
وقف بقامته كجزع شجرة سنديان ..
بخصلاته الثلجية المنسقة .. وربطة عنقه الحريرية
تناول قرصا أسطوانيا و أداره في تلك الآلة الهرمة ..
و ألقى برأسه على مسند كرسيه الهزاز
أنبعث صوت أغنية يشدو ..
\\ وهذا المساء سيقبل صحبي .. ونسهر حتى الصباح \\
\\ وهذا المساء سيطرب قلبي .. خليا ولا من جراح \\
فانطلقت من الجدران قامات بأبهى الحلل !
وراحت تراقص غبار الزمن ..
وبخطى رشيقة ترسم على البلاط المنسي .. دوائر .. دوائر
تتشابك الأيدي .. تتعالى ضحكات مشرقة
تتحدى صمت القبور !
غاص الرجل بإغفاءته .. على صدر ماض مات ! لكن روحه تتغلغل بالمكان
تسكن زواياه .. تلف حناياه كملاك حارس ..
أطل الفجر بوجهه الحاني ..
ولم يزل الصوت يشدو ليقول ..
\\ وزال العذاب ووهم الشباب .. انا سلونا !
دخل الجنرال وخلفه اثنان من عناصره .. وبنظرة استعلاء من عينيه الزرقاوين الشاحبتين جال بهما أرجاء المكان .. ومج مجة من سيجاره الفاخر .. وببرود أشار بإصبعه : هذه ..!!
هرع صاحب الماخور ليبلغها.. بضع لحظات واعتلت السلم الخشبي المؤدي إلى الغرف ..
يجلس ممددا قدميه على حافة السرير ، يحتسي الخمر بشراهة ، يلتهم بعينيه جمالها الساحر .. وبلحظة عنجهية بلهاء ، يمط شفتيه قائلا : يا للبطل الفرنسي المنحدرمن اللورين .. ها أنا أملك الشام .. و أجمل نسائها لمتعتي .
تمايلت في غنج ، شدته من ربطة عنقه متجهة به إلى الحمام .. طاوعها علها تفاجئه بالمزيد .. وبلمح البصر خطفت من يده الكأس وبضربة سريعة شظتها ،وجزته من الوريد للوريد ، مخاطبة إياه بتهكم : لا تنسَ بأن تخبر رؤساءك في قصر الإليزية عندما تجتمعون في الجحيم ، بأن غانية ما ، جزتني مثل الخراف ، و تركت رقبتي تلفظ دمها ، في إحدى بلاعات الشام !!!
*
في بقعة ما من هذا العالم ..
صبي يجثو في زاوية الغرفة ، وعلى أرضها المتهالكة ، سُمّي بجميل ، يستر جسده الغضّ بضع أسمالٍ باليةٍ .
شعره الذهبيّ الأشعث المخلوط بلونٍ دخانيٍ، يدلي بأنه و منذ زمن ، لم تطلق يد حانية، تمسح عنه مخلّفات الشقاء، و حظّه العاثر !
راح يقضم خبزه المرّ، و يتابع مجيئ، و مرواح أبيه، الذي تبدّت قسمات وجهه، كميت بُعث مجدّداً من لحده !
وعاد ليرمقه بعينيه الخضراوين ، اللّتين تشعّان كزمردتين، تخالهما درّتين نفيستين .
ثم باغت أباه بسؤال مفاجئ :
ـ أبي .. هل يمكن لي يوماً ما، أن أقتني دراجةً و ساعة يد ..و و ؟؟
جاءه الردّ، وبابتسامةٍ باردةٍ ، ووجهٍ كوجه ( العشماوي ) :
ـ تعال .. تعال ..اقترب ..
أمسك برأسه لاقطا بأصابعه أذنه الصغيرة ، و راح يهزّها يمنة ويسرة :
ـ من أين لك بهذا الكلام !؟ كفى ثرثرة .. هيّا لقد تأخرت على شغلك في الكراج ، لا تدع العمّ محمود يغضب منك، فإن طُردت هذه المرة ،قسماً : ليس لك من مبيت سوى الشارع.
ـ حاضرأبي ..
قالها ،و انطلق من حجره، كفأر مذعور !!!
*
مجنون خطر جدا
تراه يتواجد دائماً قرب الحاوية .. بثيابه الرثّة وشعره المنكوش ! يبحث بين القمامة عن فُتاتٍ يقتات بها .. ليلبّي نداء بطنه الخاوية ..
ما بين ضحكات المارّة و عبث الأطفال وسخرّيتهم .. ولأوّل مرّة ! تسمّر فجأة ..تحنّط وجهه .. جحظت عيناه تنظران للبعيد ..
تناول شظيّة قارورةٍ مكسورةٍ .. و راح يركض كالمذعور !
تفرّق الناس من حوله .. هالهم ركضه المفزوع ..
ما بين هياج الرجال . وولولة وعويل النساء .. وحجارة الأطفال التي تتقاذف وجهه مسيلة الدماء ! أكمل خطوه لاهثاً .. حتى بلغ شجرة التوت ..
وجزّ بشظيته المكسورة حبلاً متيناً كان قد لُفّ حول رقبة تيسٍ صغير ! يبدو أنه
أكثر الدوران حتى شُدّ بقوّة أوشك بها على الاختناق !
أطلق التيس الصغير فركض كالأهوج العائد من الموت ..
جلس الرجل تحت ظلّ الشجرة يلتقط أنفاسه ..
وصوت دويّ عربة مشفى الأمراض العقليّة يتعالى ويملأ المكان ! ويعلن قدومه بحثا عن ال .....
*
أصدقاء
صمت مطبق ! تثرثر جدرانه بآلاف الحكايا ..
في هذا البيت العتيق ..
وقف بقامته كجزع شجرة سنديان ..
بخصلاته الثلجية المنسقة .. وربطة عنقه الحريرية
تناول قرصا أسطوانيا و أداره في تلك الآلة الهرمة ..
و ألقى برأسه على مسند كرسيه الهزاز
أنبعث صوت أغنية يشدو ..
\\ وهذا المساء سيقبل صحبي .. ونسهر حتى الصباح \\
\\ وهذا المساء سيطرب قلبي .. خليا ولا من جراح \\
فانطلقت من الجدران قامات بأبهى الحلل !
وراحت تراقص غبار الزمن ..
وبخطى رشيقة ترسم على البلاط المنسي .. دوائر .. دوائر
تتشابك الأيدي .. تتعالى ضحكات مشرقة
تتحدى صمت القبور !
غاص الرجل بإغفاءته .. على صدر ماض مات ! لكن روحه تتغلغل بالمكان
تسكن زواياه .. تلف حناياه كملاك حارس ..
أطل الفجر بوجهه الحاني ..
ولم يزل الصوت يشدو ليقول ..
\\ وزال العذاب ووهم الشباب .. انا سلونا !
*بيان الدرع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق