اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

ذاكرة النسيان ....*علا شيحه

عاد الصباح مجدداً كان مختلفاً تماماً هذه المرة حيث صعدت تلك الملكة الذهبية لسمائها كراقصةٍ تتمايل فتتمايل خيوط النور من فستانها منسدلةً كشلالاتٍ بلوريةٍ تصل مابين السماء و الأرض يتأرجح على أقواسها أطفال انتظروها طوال الليل.
برغبةٍ قويةٍ قررت أن تفتح باب بيتها وخرجت من سجنها بعد عمرٍ طويلٍ مضى أغلقت الباب خلفها كي لا تضعفها رغبتها بالعودة مشت في ذلك الشارع الممتد باحثةً عن شيئ ما فقدته في ليلةٍ باردةٍ كئيبة خوف قاتل يعتريها تتساءل :
من أكون ؟
هل مررت من هنا يوماً ؟
هل كانت هذه الأشجار متسكعةً على جانب الطريق ذات يومٍ ؟
أتراها تذكرني ؟
هل تذكر ملامح وجهي الطفولية ؟

حاولت جاهدةً أن تستعيد شيئاً من ذاكرتها المثقوبة التي شوهتها رصاصة حربٍ قاتلةٍ وأحرقتها وحشةٌ في جدران هذا المنفى لكن دون جدوى فلم تتذكر أي شيء فالمرآة إن كسرت لا قوة تعيد شظاياها المنثورة إلى حالتها الصحيحة السابقة

عادت مكسورةً كتلك المرآة تعتريها خيبةٌ كبيرة مشت في الطريق نفسه بألم الفقدان للذات وصلت بيتها وعلى ذلك الدرج الذي تزينه أصائص الزهر من كلا الجانبين وبين وردتين جلست تساءل نفسها بحزنٍ شديد :

من أنا ها هنا ؟

أي ماضٍ عشت وأي حاضرٍ عليه أنا الآن وإلى أي مستقبل سأمضي ؟

ذاكرةٌ فارغةٌ من كل الصور والذكريات قد (أضعت) كل شيئ حتى اسمي وعنواني

هنا جلست تبكي وكل ما حولها يبكي عليها حتى تلك الدرجات الصغيرة والبنفسجات على عتبة الباب فهي أكثر من تذكرها وتحفظ خطوات أقدامها منذ طفولتها باب بيتها الذي احتضن بشغفٍ تلك الطفولة الباسمة الملائكية لم ينس ابتسامتها يوماً كان حزيناً يبكي كصفصافةٍ في خريف عمرها وتلك شجرة الياسمين تتعربش هناك على الجدار جانب الباب في الزاوية اليسارية لتفيأها خوفاً من أن يسقط عتم هذا الليل على ضفائرها الذهبية فيكسوها سوادٌ قاتم

كانت حزينةً كمن أصيب بالهرع فانحنى ظهرها وبدأت جدائلها البيضاء تتساقط تسبح مطراً على جدران بيتها التي شققتها برودة المنفى ووحشة القلب

قامت مسرعةً فتحت بابها أشعلت الأنوار تأملت كل شيئ هنا كان موحشاً كالموت ينتظر خلف الباب ريثما تنتهي مراسيم الوداع الأخير رغم كل الأضواء

أطفأت كل كل شيءٍ أوقدت قنديلاً خفيف الضوء بالكاد ترى ظلها جلست خاشعةً أمامه تحاول أن تسكت صوت الخوف الذي يصرخ في داخلها وهنا أنصتت لنبضها وللشعاع الذي يرتجف أثر عاصفةٍ تثور في أنفاسها وللريح وكيف تتراقص شعلة قنديلها أمام موسيقى الريح كصبيةٍ تتمايل غنجاً ودلالاً

خوفٌ من مجهولٍ لا تدري إلى أين سيقتادها بعد كل هذه السنين وهي فاقدةٌ لكل مايدل على شخصها.

أريد أن أبكي قالت في نفسها حملت دموعها خرجت متلهفةً وعلى شطآن العتم تعلقت بين سحابتين ضجيجٌ يتعالى في سمائها وجعٌ قاتلٌ يئن في روحها مصباحٌ بالكاد يضيئ الطريق أمامها يقبع بين يديها مشت في نفقٍ ضيقٍ طويلٍ مظلمٍ حملتها قدماها إلى البحر وعلى ذلك الرمل يسير الدمع مع الوجع عاشفين لا يفترقان أبداً يترافقان معاً دوماً كما يصاحب الموج رمل الشط متحدين في كل قبلةٍ كأنهما رُصدا لبعضهما عمراً.

ركعت أمام الموج بكت كما تبكي غيمةٌ ثكلى في ليلٍ تشريني تلطخه سحابةٌ خريفيةٌ سقطت أوراق عمرها صفراء متعبةٌ عصفت بها رياح العمر ومزقتها حروب الذاكرة ولم يعد بمقدورها أن تحمل كل هذه الآلام

ضبابةٌ لاحت أمام عينيها غباشةٌ شوهت رؤيتها تفرك عيونها بيدها ينخفض ضغط دمها فجأةٌ يسقط القتنديل من يدها فينطفئ ذلك النور وتسقط أرضاً مرتميةً على فراش الرمل ليحرق ملح الدمع عينيها الزرقاوتين لم تفكر في شيئ سوى بالبحث عن طريقةٍ سهلةٍ للموت .

هنا غيمات الخريف الرمادية تغسل الأرض تراقص الشجر تحاول أن تستجمع قواها تأخذ نفساً عميقاً تتنهد بآهاتٍ حارقةٍ وقفت متعجبةً :

- كيف لتلك العينين أن تهيجا بحراً على اتساع امتداده بدموعها ؟

- كيف لتلك الدمعات أن تمطر بهذه الغزارة وأن تغرق عمراً كاملاً من الأوجاع الصامتة ؟

تمشي إلى البحر بهدوء ما قبل العاصفة الموج يراقص قدميها المنهكتين والمطر يسبح على شلالات شعرها الذهبية البراقة بلطف كأنما تلك الغيوم جاءت حافيةً لاهثةً إليها

تتقدم إلى البحر أكثر غير أبهةٍ بشيء غطت مياه البحر جسدها كاملاً وها هي لا زالت تتقدم ببطءٍ إلى عمقٍ أكثر ومياه البحر تغمر وجهها رويداً رويداً وبينما هي تغوص في اعماق البحر وقف شاب قرب الشاطئ يعزف على كمانه مع البحر سيمفونية الامواج والقمر وهي لا زالت تحت الماء تفتح فمها تحاول أن تتنفس تشعر بالرعب فهي لا تجيد السباحة تحرك يديها وقدميها بقوةٍ وتوترٍ تحارب الأمواج محاولةً الخروج فوق سطح الماء ولكن دون فائدة كل محاولاتها باءت بالفشل

فجأةً يلتفت عازف الكمان الى البحر فتاخذه انظاره الى تلك الفتاة التي تكاد تغرق يسارع لإنقاذها وبينما هو يغوص تحت المياه متقدماً نحوها تصدمها ذاكرتها فبدت تتراءى صورٌ قديمةٌ في ذاكرةٍ مبتورةٍ أمام عينيها تفقد توازنها وتغٍيب في صمت وفي هذه اللحظة يصل اليها عازف الكمان يحملها كأنها جثةٌ مية بقايا وجع طويل العمر يمضي بها خارج الماء باتجاه الشاطئ مسرعاً يلقي بها على الرمل يضغط على بطنها ليخرج ما ابتلعت من ماءٍ مالحٍ وبينما هو يفعل ذلك كانت قد يدأت تستعيد وعيها فتستحضر في ذاكراتها صور الحرب المفجعة التي مزقت قلبها وسلبت منها كل شيء وحطمتها وجعلتها تفقد نفسها .

تفتح عينيها لترى عازف الكمان مزهولاً بها يحدق فيها كمن يحدق في وجه القمر كأنها أمامه تحفةٌ فنيةٌ أبدعتٌها يدٌ الهية يقول في نفسه ماذا أرى أيتها السماء نورٌ يسطع من لمعان شعرها الذهبي وذلك البريق في لؤلؤتين تتراقصان في عينيها الزرقاوتين مثل سماء الفرح

تعاود وتغمض عينيها لتستجمع قواها وتتمكن من النهوض تقف باكيةً فالحرب أفقدتها أهلها وسرقت منها ذاتها وابتساماتها بيتها وكل من مروا اقتلعت ذاكرة طفولتها وصوراً واشياء كثيرةً مزقتها رصاصة قاتلة

نظرت بحنانٍ في عينيه وطلبت منه أن يعزف لها على الكمان وبرغبةٍ شديدةٍ قام بتلبية رغبتها وعزف لحناً للحب شجياً برائحة الخريف وملامح الحب ترتسم على شفتيه في ابتسامةٍ تحكي أشياء كثيرة تجول في خاطره

وبكل إصغاءٍ وقفت مشدوهةً باللحن وسافرت في النغم إلى مكانٍ بعيدٍ في عينيه اللوزيتين .

أنهى معزوفته وبلهفةٍ سألها :

- أيمكننا البقاء معاً لبعض الوقت ؟

أجابته : لا بأس فأنا وحيدةٌ وليس لدي ما أفعله

قال لها : حدثيني عنكِ

ابتسمت بحزنٍ يختنق في صدرها وقالت : أنا شبحي لا اسم لي ولا عنوان ولا حتى هوية تدل علي من أكون قد جردتني هذه الحرب من كل شيء صور طفولتي الأولى سلبتها مني شظايا الموت التي استقرت في رأسي

كان صامتا ودمعات تختنق في أحداقه لم ينطق بحرف واحد لكن عينيه تكلمت بكل شيئ عنه

فمر ببالها أن تسأله :

- أتعلم كم من العمر نحتاج لكي نرمم هذا الداخل المكسور ؟

أجابها : كل العمر يا صديقتي

فردت عليه باستغراب : أتظنه سيكفي ؟

أجابها باسما وبعينيه بريق أمل : ولم لا نعم عمرنا معا سيكفي

قالت له والنزيف يزداد في داخلها : ما كسر يا سيدي لا يرمم ولو بعمر الكون كاملا

قال : إزرعي الأمل داخل روحك وكل ما كسر سنرممه معا ويعود أزهى مما كان

لم تقل شيئا فقط ابتسمت ابتسامة اللامبالاة وطلبت منه أن يعزف لها لحنا للوداع الأخير فلبى رغبتها والحزن يلتهم روحه عزف لها أنغام الوداع التي طلبت حملتها أوتار الكمان طارت بها في اللحن إلى روحها

ابتسمت له دامعة ومشت في طريق عودتها ولا زال ذلك النغم يرافق مسامعها إلى ذلك البيت الموحش المهجور مثل مقبرة هجرتها أرواح الراقدين وصلت بيتها بعد عناء مرير تأملت المكان بحزن عميق وهي تصعد الدرج مودعة كل شيئ هنا احتضنت ياسمينتها والبنفسجات على عتبة الباب وكأنها تسطر نهايتها في لحظاتها الأخيرة

فتحت باب بيتها ودخلت ولكن لم تغلق الباب خلفها هذه المرة بل تركته مشرعا للريح أضاءت كل الأنوار رفعت كل الستائر وفتحت كل النوافذ للسماء جلست في غرفتها الخاصة وعلى كرسيها المخملي الذي اعتادت على كل تفاصيله أمام البيانو وبدأت تضرب بقوة على مفاتيحه بانامل مبتورة

يعلو اللحن وفي قلبها يعلو صوت الوجع وصرخات الموت تعيد معزوفة الوداع ذلك اللحن الذي رافقها في طريق عودتها ولكن بالحان اعلى واوجع ليزداد صراع الموت والحياة داخلها فيصعقها ويرميها بقايا جثة ميتة راسها مترنحا على لوحة البيانو ويديها متهاديتين كوردتين ذابلتين مزقتهما عاصفة قوية وتموت في وحشة صمتها وفي هذه اللحظة كانت رجفة في القلب قد اصابت عازف الكمان ودون أن يشعر كان قد سقط الكمان من يده وقف مصدوما بمايحدث ولماذا وكيف

فأسرع راكضا في ذلك النفق لتقتاده قدماه إلي ذلك المنفى وصل بيتها واذا بكل شيئ هنا حزين وقد أصابه الذبول تلك الياسمينة الباكية والبنفسجات وقد أدماها جرح الغياب وباب البيت تلهو به رياح الألم لتهده وتعصف بكل شيئ هنا

دخل لااهثا إليها والخوف يفتك في شرايين قلبه ليجدها مرمية هناك على كرسيها أمام البيانو صديق لياليها الوحيد لكنه وصل متأخرا كانت قد فارقت الحياة اعتراه حزن شديد وتملكته خيبة فاجعة ودخل في حيرته بدوامة كبيرة

- ماذا سيفعل الآن؟

- أين سيدفنها ،؟

- ماذا يفعل بالحلم الذي سكنته ؟

- بأي لوحة سيرسم وجهها الباكي كقمر متعب حزين ؟

- ماذا سيحل به الآن ؟

- هل يغوص في عمق البحر عله يغرق فتنتهي أوجاعه ؟

رغم كل هذه التساؤلات إلا أنه لم يكن ليصدق مايحدث

حملها بين ذراعيه وأخذها لصدره باكيا ومضى بها إلى ذلك المكان قرب شاطئ البحر حيث جلسا معا لأول مرة وعزف لها على كمانه لحنا للحب هنا أعد لها قبرا ضمها إلى صدره بحزن قبلها قبلة الوداع الأخيرة ودموعه تملأ وجهها دفنها بتلك الكفين الباكيتين دما وعزف لها اللحن الشجي الذي تحب وجلس يحدث موج البحر والسماء وكل حبة رمل عنها كم كانت جميلة ورقيقة وكم ظلمتها وظلمته بفراقها هذه الحياة وكم كان هذا العمر قاسيا

مشى في ذات الطريق المظلة إلى بيتها سكب الماء لشجرة الياسمين ولكل أصائص الورد ليعيد لها رونقها محافظا على تفاصيل المكان دخل البيت أغلق النوافذ أسدل الستائر أطفأ الأنوار ثم خرج وأغلق الباب خلفه ومضى إلى بيته باكيا مختنقا في صمت تلك الليلة القاتلة ومنذ تلك الليلة لم ينسها بل اأصبح يزور قبرها كل ليلة يضيئ الطريق بذلك القنديل حاملا لها زهر الياسمين الذي يشبه بياض قلبها المكسور والبنفسجات التي تحبها وكمانه ليعزف لها ذات اللحن لحن الوداع الأخير ثم يجلس قربها يناجيها بصوته المبحوح الحزين الذي بترته خيوط شمسه التي غابت إلى الأبد

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...