اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

موْعِدٌ على العَشَاءِ... *فاطمة سعدالله

باعدتْ بيْنهُما المسافاتُ..وحينَ رآها لمْ يُصدِّقْ عيْنيْه.كانتْ كما هِيَ منْذُ سنين..اِمْرأةٌ عابرةٌ للزمن هي ..قاومتْ كلّ التغييراتِ ،صدّتْها وانتصرتْ عليها..
رنّ جَرسُ البابِ ..توجّه نحْوه متثاقلًا يفْتحُه..آلامُ "الرّوماتزْم"عقَدتْ معه عهْدا لا تُفارقُ فُصولَه وتعمّرُ مفاصِله ساكنا مقيما..
عندما فتَح البابَ تراجعَ القهْقرى..فَرَكَ عيْنيْه،أغْمضَهما،أعاد فتْحهما،اسْتنْجد بنظارتيْه ..إنها "غادة"..بلا شكٍّ إنه أمامها..هي "غادتُهُ" التي كانتْ ذاتَ انْسيابِ عُمْرٍ ..هي ..هِيَ غادة التي حلّقَتْ بأجْنحةِ الرّحيل ذاتَ غضبٍ..لمْ تعْملْ سَنَواتُ الفِراقِ عَمَلَها..ولمْ يَنْسَ قلْبُها طريقَه إلى البيْتِ..مسْكنُ أحْلامها عندما كان للأحلامِ طعْمٌ ورائحةٌ ومَلْمَسٌ حريريٌّ.
قال: تفضّلي سيّدتي،بمَ أخْدِمُكِ؟
هلْ أنْتِ..؟هلْ أنا..؟ لا،لا، لا بُدَّ أنّكِ ضلَلْتِ الطريقَ.
لا بُدَّ أنّني لمْ أُفِقْ من النوْم أو لعلّ آلامَ الظهْر والرُّكْبتيْن خلّفتْ لي شريطا من التهيّؤاتِ..لايُمْكنُ أنْ أكونَ في حالةِ هَلْوَسَةٍ فحتّى التدْخين أقْلعْتُ عنه..طَبِيبِي-ـ سامحه الله ـ مَنَعَ عنّي كلّ الطيّباتِ..
ابْتَسَمتْ..فافْترّتْ شَفتاها عنْ سطْريْن من اللؤلئ الطبيعيِّ يُغْري بياضُه بالحُلْمِ ..قالتْ: أيسْمحُ سيّدي بالدّخولِ؟ لعلّي أنْفُضُ عنّي غبارَ الغيابِ وأتخفّفُ من ثقْلِ السنين..كما عهِدها شامخةٌ..أنيقةٌ..لمْ تسْمحْ للزّمنِ أنْ يخُطَّ على ملامِحِها له أثرا..ظلّ يمْشي إلى الخَلْفِ والبابُ مفْتوحٌ وهْيَ تنتطِرُ الإذْنَ بالدّخُولِ..
ذاتَ جِلٌسَةِ صَفاءٍ قالتْ له: "اخْلعْ نعْليْك " فأنْتَ في حضْرَةِ البوْحِ..مدْخَلُ قاعةِ الجلوسِ كان متوّجاً بإكليلٍ من القرَنْفل الأبْيضِ..إنّها تعْشقُ البياضَ والعِطْرَ..أمّا الممرُّ فقدْ نَثِرتْ على حافّتيْه ما طالتْهُ يدُها من ورودٍ ورياحين.وبيْن وردةٍ وورْدةٍ زُرِعتْ شمْعةٌ مُضيئةٌ..الأرضيّةُ كلّها مُغطّاةٌ بسجّادٍ من الورْد الجوريِّ..قالتْها وهْيَ تبْتسِمُ:"اخْلعْ نعْليْكَ" ودَعْ قدَميْك يُصافِحانِ خدَّ العِشْقِ المتورّدِ.. كان الممرُّ يؤدّي إلى جنّةٍ عرْضُها سَنَواتٌ شَمْسِيّةٌ وطولُها محيطاتٌ ورِمالٌ وصحارٍ تدفّقتْ أحلامًا وأشْواقًا ..مرّ هذا الشريطُ أمامه صورةً وصوْتاً..ومْضةً حارقةً في حضْرةِ الذّهولِ..كان يمْشي القهْقرى وعيْناهُ مثْبتتانِ عليْها..كان يخشى أنْ ينْغلِق البابُ فيُفيقُ من هذا الحُلْمِ..كان يتمنّى أنْ تكون تلْك الواقفةُ عنْد عتبةِ البابِ طيْفًا..خَبِرَها كثيرًا وحفِظ عاداتِها وطُقوسَها، عنْدما يغيبُ عنْها يوْما أو يوْميْن في مهمّةٍ ما،كانتْ تُفاجِئُه في كلّ مرّةٍ بما لا يخْطرُ له على بالٍ..انّها امْرأةُ المفاجآتٍ..اسْتقْبلتْه ذات عوْدةٍ له منْ غيابٍ بعرَبَةٍ يجرّها فَرَسَانِ..أخذتْ بيده اليُمْنى تمامًا كطِفْلٍ في راحةِ أمٍّ حنونٍ..صعِدا إلى العربةِ وبضحْكةٍ تقْطُرُ فَرَحًا وغَنَجًا قالتْ للحوذيِّ: طُفْ بنا بيْن البساتين المحيطةِ بالمدينة قبل الرّجوعِ إلى البيْتِ..أنا في حاجةٍ إلى جوْلَةٍ تُعيدُني سَنَواتٍ إلى الخلْفِ...واستقْبلتْه عنْدَ خروجه من المشْفى إثْرَ تعرّضِه لحادثِ مرورٍ بفْرقةِ عازفاتٍ في مدْخَلِ البيْتِ..تعهّدَتْ موهِبتها في العزْفِ على الكمان منْ أجْلهِ..دَعَتْ صديقاتِها اللاتي تعرّفتْ عليْهنّ في معْهدِ الموسيقى وكوّنتْ فِرْقةً عاجلةً نالتْ شرف قيادتها وعزفْن له يومها "بحيْرةَ البجع" ترحيبا وتهنئة .. رأسُها الصغيرُ لا يتوقّفُ عن إيجادِ وسائلِ الإبهار وقلْبُها الكبيرُ لا يعْرفُ سبيلا إلى الوهَن والاستكانةِ ..حتى أنّه تحوّل إلى طفْلٍ يتعمّدُ الغيابَ ليحظى بمفاجأةٍ جديدة ويترشّفَ سلْسبيلَ عشْقٍ ينْبضُ حياةً وتجدُّدًا..
تنهّدَ وهو يُفتّشُ في طيّاتِ الذاكرة عنْ بقايا سعادةٍ تعطّرُ وِقْفته المتردّدةَ وتنْتشله منْ شفا جُرْفِ الحيْرةِ..طرقتْ البابَ..ضخّتْه النقراتُ المتتاليةُ برذاذِ يقْظةٍ بدأ يُنْعِشُ شرايينَه ..دبّتْ الحَياةُ في مَفاصِلِه المُتيبّسَةِ..
عاد إليْه وعْيُهُ ،حدّق مليّا في تلْك التي تقِفُ عنْد عتبَةِ الصباح تنتظرُ الإذْنَ ..قالَ مخاطباً ذاته القصيّةَ تراها عَفَتْ عنّي؟..هلْ شُفِي جُرْحُها فعادتْ إليّ؟ لكنْ لماذا الآن بعدما فشِلتْ كلُّ التوسّلاتِ والوساطاتِ؟..هو لا ينْكرُ فداحةَ خطئه في حقّها لكنّه استسمحها..ندم كثيرًا..لمْ تُصْغِ إليْه ورِحَلَتْ..
سَرتْ رِعْشةُ ابْتِسامةٍ خفيفةٍ لمْ تحرّكْ إلّا مساحةً ضئيلةً من شفتيْه عنْدما تذكّر يوْم احْتضنتْه بكلّ الدّفْء وكلّ الحبّ ..يوْمها عاد مشْلولَ القلْبِ والعقْلِ..جاء مُكسّرًا ومنْكسِرًا..رآها فودّ لو بكى على كتفيْها..لمْ تسْمحْ للدْموعِ أنْ تتكوّن في مُقْلتيْه ..كيْف لها أنْ ترى جبَلَها الشامخَ ينْهارُ؟!
كان يوْمًا ثقيلا،قاسيا..رجعَ منْ عيادةِ الطبيبِ واحْتِمالُ إصابتهِ بسرطانِ المثانةِ مطْرقةٌ تكادُ تهشّمُ رأسَه وتنثُرُه شظايا ..لكنّها انْتشلتْه..ضمّتْه..شدّتْ على ساعده..عاهدتْه على اجْتيازِ المحْنةِ معًا..لمْ يشعُرْ بالوحْدة ولا الخوْفِ منْ هوْلِ المُصابِ...لمْ يشكَّ لحْظةً في أنّ هذا الذئب الخبيث سيهْزِمهُ مادامتْ يدُ غادة تشدُّ عضدَه...
أسْرع إليْها..مدّ يدا مرْتعشة تطمعُ في المصافحةِ.."غادة" أهذه أنْتِ؟..تفضّلي..أنْتِ صاحبةُ البيْت ..تفضّلي..
قالتْ: لا عليْك لمْ آتِ للضيافةِ...جئتُ أدْعُوكَ للعشاءِ..ابتسمتْ ..لا تستغربْ أظنُّك مازلْتَ تذكرُ أنّني مجنونةٌ بالبحْرِ ..بالمطر ..بالطين وبكلّ الأشياء العجيبةِ ..نعمْ مازلْتُ كذلك..نلْتقي مساء عنّد الشاطئ..شاطئنا المعهود..لا تجْلبْ شيْئا..كلّ مانحتاجه جاهزُ..أعْلمُ..أعْلمُ الفصْلُ ليس صيْفا والشاطئ سيكونُ خاليا..نعمْ
نعمْ لقدْ تعمّدْتُ ذلك ، سيكونُ البحرُ لنا وحْدنا..والشاطئ براحُنا الشاهِدُ عليْنا ..الساردُ لحكايتنا..والقمرُ سيكونُ السميرَ والنديمَ لأحلامنا..تعالَ ..لا تتأخّرْ سأنْتظرك..مساء اليوْم ..بيننا رنّةُ خلْخالٍ..
عنْد الشاطئ وصلتْ قبْل الموعدِ بوقْتٍ لا تدري أكان طويلا أمْ عاديّا.هيّأتِ المكانَ فرشتْ حصيرةً نسجتْها أناملُ فنّانة ماهرة ..زيّنتْها رسومٌ وتصاويرُ ملوّنة: جملٌ يمْسك به عبّدٌ في ريْعان الشبابِ وعلى سنامه هوْدجٌ مزرْكشٌ..تطلُّ من ستارته نصفِ المنّسدلةِ عروسٌ شابّةٌ تنافس القمرَ إشراقًا وجلالا..تناثر هذا المشهدُ على امتداد الحصيرة كلّها ..رسومٌ تنبض وتروي قصصا وتخلّد مشاعرَ اخترقتِ الزمنَ..
أخرجتْ من صندوق سيّارتها كراسي صغيرة وأواني وعُلب الأكْلِ المتنوّعِ..التي أعدّتْها بحبٍّ وأغْلقتْها بإحْكامٍ..
أخْرجتْ من حقيبةَ يدها لوازمَ الزينةِ التي هجرتْها سنواتٍ ومرآةً صغيرةً يحيطُ بها إطارٌ فضّيٌّ مذهّبٌ عليه نقوشٌ هنْديّةٌ جميلةٌ.
كانتْ تنْظُرُ إلى تقاسيمِ وجْهها تصْلحُ ما أفْسده الدهرُ..تنفضُ غبارَ الألمِ الذي تمدّد على وجْنتيْها..كانتْ الفرشاةُ تنْتقلُ منْ وجْنةٍ الى أخرى كأنها رفيفُ جناحٍ..غطّتْ عيْنيْها بظلالٍ سميكةٍ حتّى تمْحُوَ كلّ أثرٍ للأرقِ والبكاء والوهمِ والأحلامِ الكاذبةِ..رسَمتْ وجْهاً لا يشْبِهُها ..وجْهاً لبِسَتْ ملامحُهُ قناعًا جميلاً قادرًا على الصمود أمامَ العاصفةِ إنْ ثارتْ ..وستثورُ..البحْرُ هائجٌ..الريحُ تشْحذُ صوْتها اسْتعْدادًا لِلْولْولَةِ..الأمْواجُ تنْتفضُ كحوتٍ فخم يتخبّطُ داخلَ شبكةٍ غادرةٍ..الأمواجُ تعْلو وتنْخفِضُ..تطولُ وتعْرُضُ..تتهيّأ لمصافحةِ الساحلِ واكتساحِهِ...
أعدّتْ مائدةً عرائسيّةً لشخصيْن ..لاغيْر..
أعدّتْ ماكان يطيبُ له من أكْلاتٍ..كان يعْشقُ "السمّانَ" محشوّا ومُحَمَّرآً ولا يشبعُ أبدًا من السلطاتِ الشرْقيّةِ بكلّ أنْواعها..تعلّمتْها منْ أجْله..ومنذ فارقته لم تجرُؤْ على إعْدادها أو تذوّتْقها وإنْ كانتْ ضيْفةً..هيّأتْ له اليومَ عشاءً مُمَيَّزًاستبْهرُهُ بِهِ..نوّعتْ الأطْباقَ منها التبّولة اللبْنانيّة والمكْبوس الخليجي والباذنجان المخلْل الشامي دون أنْ تنسى الطاجين على الطريقة التونسيّة وغير ذلك مما لذّ وطاب..
لحظات ويأتي قالت ذلك وابتسمت..أخرجتْ قارورةَ عطرها المفضّل منْ حقيبة يدها وتعطّرت بلْ امتدّ كرمُها الى المكان فرشّتْ هنا وهناك..وأعادتْها إلى مكانها ..تعثّرتْ أناملُها بقنّينة ذاك المحْلولِ السّحريّ العجيب..ربّتتْ عليْها بحنانِ منْ تعَطّشتْ للحنانِ..وسرى خدَرٌ غريبٌ في كلّ مفاصلها غيّبَها عن الوعْي بالمكان والزمان حملها إلى حلقةِ رقْصٍ صوفيٍّ كانتْ خزّنتْ نقٍراتِ دفوفها ودوران راقصيها..اشتاقتْ فتحتْ ذراعيْها أغْمضتْ عيْنيْها وبدأتْ تدورُ وتدورُ..أحسّتْ بذاتها تنسلِخُ عنْها ترْقى ..تبْتعدُ
وقُبيْل الانفصالِ عاد بها صوتُ محرّك سيارته إلى الحضور فالتحمتْ بجسدها منْ جديد..وكانتْ العودة وكان الحلولُ..
اقترب صوتُ المحرّك أكثر..رأتْ ذاك الذي أحبّته بعنْفٍ يترجّلُ من السيّارة ويتّجه نحْوها خفيفًا تكادُ قدماه لا تلامسان تلك التربة الذهبيّة..كان اليوْمُ صَحْوًا..والشمسُ ترسلُ أشعّتها بلطف الخائف أنْ يوقِظَ طفلا من حلمه الجميل..سلسلة المفاتيح الذهبية كانت تنطّ بسعادة بيْن أصابعه..فكّتْ ضفائرها عند اقترابه وأطلقتْ سراح خصْلاتِ الشعر تنساب على كتفيْها يتلاعبُ بها النسيمُ.
همّ بمعانقتها..مدّتْ يدًا وتراجعتْ إلى الخلْفِ دون أنْ تفارقَ الابتسامةُ شفتيْها القرْمزيّتيْن وقالتْ بدلالِ الأنْثى تضِنُّ بالجسدِ:السهْرةُ لم تبدأْ بعْدُ ..رُوَيْدك ،لا يخْدعنْك صهيلُ الريح..
كان ينقلُ بصَرَه بيْن الأطْباقِ المتنوّعة بذهولٍ..لمْ يُصدّقْ ما رآهُ..قال:بورِكتْ يداكِ ما أجْملَ هذا التقديمَ! متى أعْدَدْتِ كلّ هذا؟
ما أرقى هذا التناسقَ! كأني أمامَ لوْحةٍ فنّيَّةٍلا مائدة طعامٍ.
جلس إلى جانبها وهويتحرّقُ إلى دفْء جسدِها يلامِسُ جسَدَه..قالَتْ :سَمِّ .كلْ..نظر اليها وقد اقشعرّ بدنه..تضاحكتْ وأرْدفتْ قلْتُ سَمِّ ولمْ أقلْ" سُمّآ"،وربّتتْ على حقيبة يدها،تتعهّدها..قارورةُ المحلول العجيب تنام هناك..عليكَ أنْ تأكلَ منْ كلِّ الأطْباقِ..أنْفقْتُ فيها وقْتا كثيرا من أجْلك .. قالتْ ذلك وصورةُ ذاك المحلول العجيب وهويتغلْغَلُ في كلّ الأطباقِ ،تتراقصُ مُنْتشًيَةً أمامَ عيْنيْها ..
مدّ يدهُ.تناوَل لُقْمةً منْ هنا وقضْمةً منْ هناكَ..مدّتْ يدها شاركتْه الأكْلَ بشهًيَّةٍ وتلذّذٍ..هذا السُمّانُ المحْشوُّ عطّرتْه بالزّعْترِ،فكانتْ نُكْهتُهُ تُحرِّكُ القلْبَ لا الخَياشيمَ فحسبُ..تمازجتْ بجوْفه المكوّناتُ وتفاعلتْ فولّدتْ نتاجا ًمُتَفرّدًآ..كان يأكلُ ويستمْتعُ بالنظر إليْها..ويُثْني على ذوْقِها ومهارتها..وكانتْ تأكلُ وتتزوّدُ من ملامح الفرحِ وهْي تتمدّدُ في شرايينه وتورّدِ وجْنتيْه ..كانا يأكلانِ بصمْتٍ..المكانُ خالٍ الّا من أنْفاسهما تتردّدُ وتتلاحَقُ..هدوءٌ صاخبٌ يكْتُبُ فصولَ قصّةَ الصّفْحِ والمُصالحةِ...هلْ حقًّا سامحتْه؟...لقدْ رأتْهُ ذاتَ ظلامٍ يُدنّسُ سنواتِ عِشْرةٍ طاهرةٍ ،مقدّسةٍ مع...طردتْ المشْهدَ القاتِلَ لعُمْرها بهزّةٍ خفيفةٍ لِرأسها..كانا يأكُلانِ ويملآنِ ناظريْهما بمشْهدِ البحْر...صفْحةُ الماءِ تُرْغي وتُزْبدُ..والموْجةُ تعْلو وتُهدّدُ..تمرّ وتتراجعُ مؤجّلةً اكتساحَ الساحلِ إلى حينٍ..أما هي فكانتْ أناملُها المرْتَعِشةُ ترْسُمُ على الرّمالِ عروسيْن متقابليْن،كلّما ظنّتْ أنّها أنْهتِ اللوْحةَ هجمتْ الموْجةُ العنيدةُ..تمْحُو مَلامِحَهما وتعودُ إلى معْقلِها راضِيةً مزْهُوَّةً بالنّصْرِ.
كانتْ تسْرقُ إليْه النظرَ بيْن لُقْمةٍ وابتِلاعِها..وهو يأكلُ و يتلذّذُ كطفْلٍ يسْتمْتِعُ بقطْعةِ حَلْوَاهُ المفضّلةِ..أحسّتْ بإ برٍ كثيرةٍ تشكُّ أمْعاءها،لمْ تُبالِ..رأتْه ينْقبِضُ قليلَا..أشْفقتْ عليه ولكنّها لمْ تبْدِ حراكًا..سخرَ منْ نفسه..قال: " عزيزتي ،يبدو أنّ معِدتي أرادتْ تعْويضَ ما فاتَها منْ طبْخكِ الطيِّبِ فالْتهمتْ أكْثَرَ منْ طاقتها..اُعْذريني للعُمْرِ أحْكامه..تجمّدتْ ابتسامتُه ..آيْ ..اشتدّ المغصُ.." هكذا صرخ ،أحسّ بخَدَرِ يهْجُمُ عليْه دُفْعةً واحدةً..نوْمٌ مباغتٌ يحْتلُّ مفاصله..كأنّه لمْ ينمْ منْذُ شُهورٍ..
اُعْذريني عزيزتي، أريدُ أنْ أنامَ..آهٍ هذا المغصُ..قالتْ ارْتحْ..تمدّدْ على هذه الحصيرة..توسّدْ رُكْبتي.ولا تخفْ أنا هنا..امسكْ يدي..ستنامُ..سترْتاحُ..سيسْكُنُ المغصُ..
تمدّدَ على الترابِ امتثالا..توسّد الترابَ قبْل الوصولِ إليْها..تمدّد بهدوءٍ ..راحَ في نومٍ عميقٍ..نوْمٍ طويلٍ..
جرّتْ قدَميْها بصُعوبةٍ..ألقتْ عليْه نظرةً حانيةً..اتجهتْ نحْوَ البحْر..خطَواتُها ثقيلةٌ ..ثقيلةٌ ومتقطّعة..الرّمالُ ناعِمة كانتْ تلامسُ قدميْها ببرودةٍ غريبةٍ..ودّتْ لو تمتصّ ما بقِيَ لديْها من وهنٍ وخوْفٍ..كانتِ الأمواجُ تعْلوك الجبالِ وتقعُ محْدِثةً زمْجرةً وغضَبًا كأنّها تسْتعْجلُ وصولها..فتحتْ ذراعيْها لتضُمَّ المجهولَ..لفّتْها موْجةٌ بغلالةٍ..بيضاءَ ...ازداد جسدُها ارْتعاشا وثقلا..لكنّهاواصلتِ المشْيَ في العُمْقِ.. إلى العُمْقِ غاصَ القدمانِ ،غاصَ الجسدُ..ظلّ الرأسُ نقْطةً سوْداء تحاولُ الالْتفاتَ..هناك..حيثُ كان ذاك الجسدُ الحبيبُ مُسجّى .. يرْقُدُ..باستسلامٍ .

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...