عقدت استطالة شعرها هذا النهار بعبثية مفرطة وارتدت بنطالا مريحا إذ تفكر بقضاء كثير من الوقت باللعب مع الأطفال، ترمي لهم الكرة، وربما ينجح واحد منهم فيلتقطها، ويردها إليها ربما يمررها إلى صديقه في الصف، وتمر الكرة بسلسة كبيرة، وعلها تفلت في كثير من الوقت، فتركض خلفها محاولة إمساكها، على أنها ستترك المجال مشرعا
لطفل سيحاول تقليدها، وسيركض كما تركض فيمسك عنها الكرة وتضحك لصبي تختفي أكثر ملامحه خلف استدارة كرة.
قلبت الساعات سريعة ممتعة، تطوف بين الأطفال، تستمتع بصخبهم، بضجيجهم وشغبهم ولا تجد بين شفتيها رغبة في رسم أي كلمات حادة جافة توقف روحهم عن الشغب، فالروح لا تستيقظ في العمر مرتين، وكم تذكر في عيونهم أياما كانت فيها تلك الطفلة بشعرها البني المنفوش، والوجه الممتلئ الذي يفتر احمرارا، تركض في شوارع حارتها الضيقة، وتلعب الغميضة مع أولاد الحي، وقد كان يكفيها أن تعد للعشرة حتى تبدأ البحث عنهم في الأرجاء والزوايا الضيقة، المتوارية، لم تكن تلك إلا لعبة تسلي بها الوقت، ولا تدري كيف ظل سلام يلعب الغميضة كل هذا الوقت، ويختفي عنها تماما حد الغياب وتبحث عنه فلا تجده، يختفي حد الغياب، دون أن يترك لها تلك المساحة الضيقة، والإشارة الصغيرة فتبحث عنه، وتعرف أنه سيأتي من خلفها، يضع كفه فوق كتفها ويقول: ( لم تجديني اليوم أيضا).
كان الأطفال يقضون استراحتهم بين المراجيح والرمال، يلعبون بعفوية دون ضابط إيقاع يعدل لهم لحن اللعب والصراخ، بينما كانت تقضي مع زميلاتها بعض الوقت، وتقلب معهم بعض الأحاديث والحكايات، إذ سمعت زميلة لها تكرر ما سمعته لتوها في إذاعة إخبارية عن أنباء التحضير لاستقبال عدد من الجثامين من دولة الاحتلال مساء الغد، سألتها بلهفة عما سمعت، وكيف لها أن تجد معلومات أكثر حول الأسماء.
في طريق عودتها إلى المنزل كانت تقرأ على روحها دفء ذاكرة جمعتهما معا، وصخب شوق لا زالت تحمله له، أعدت الوقت لاستقباله في الغد، اختارت فستانا أزرق معتق، ستسير في موكبه وهي ترتديه ولن تهتم بتلك العيون التي تهتم بتلك العيون التي ستستغرب هذا اللون البارد، الذي يكشف عن امتداد ساقيها، في موكب جنائزي حار، فهي تعلم كم يحب سلام استدارة خصرها النحيل في هذا الفستان، وامتداد ساقيها الممتلئين، على أنه يحبها إذ ترتدي حذاء رياضيا مريحا ليركضا معا، وتتمكن من أن تتبع خطوه.
في الصباح أعدت نفسها للخروج، سيكون لديها متسعا من الوقت قبل أن تبدأ مراسم التشييع ظهرا، ذهبت إلى مصفف شعر جديد، ترتاد المكان للمرة الأولى، بعد أن تعذر عليها أمس الحصول على موعد مناسب في الصالون الذي تذهب إليه عادة، دخلت المكان، كان هادئا جدا، يخلو من الزبائن والعابرين سواها، في زاوية بعيدة يقف مصفف الشعر يطالع وجهه في المرآة، يهتم برتابة مظهره، يلتفت إليها وهي تتأمله باستغراب:( اليوم ليست لدي حجوزات قبل الظهر.) نظرت في عينيه مرتبكة:( لكن علي أن أكون جميلة في عينيه، كما في ذاكرته، سيسير هناك كثيرون في موكب جنائزي، وعليه أن يراني، أن يلمحني وهو ساكن في نعشه، على قلبه أن يستيقظ ويخفق لي)، قالت الكثير من الكلمات الأخرى، وهي تجمع نفسها وتغادر المكان، لكنه أوقفها: (تعالي سأسرح لك شعرك، وأزين لك وجهك، أنا أيضا انتظر سلام، ستأتي اليوم مع عدد من الجثامين.) جلست وهو يصفف شعرها ويتابع:( كنت أحب سلام، لها جمال مختلف يختفي تحت قطع الثياب الكثيرة التي تريديها، والشال الكثيف الذي يغطي شعرها، لا أعرف كيف تسللت من بين ذراعي، لا أعرف متر اختفت بعيدا، متى صار لها أذن أخرى تلقي بالا لحديث ليس همسي لها، وليس دفء كلامي، اختفت سلام بعيدا في دنيا الموت).
مضغت الوجع بين شفتيها وقالت:( سلام يحب أن يرى شعري منسدلا في حدود عنقي، أن انتظر سلام، كان يحب أن يلعب الشطرنج، ويحلم أن يصبح طيارا، ويقول: يوما ما سنعيد افتتاح المطار الذي دمر ثانية، سلام لم ينتظر موعد طائرة الإقلاع إلى دنيا الموت، غافلني ورحل بعيدا وكان جسده طائرة الغياب.)
نظر إليها، (تبدين جميلة الآن، متأكد أن للموتى عيون ستستيقظ لتتأملك.) ابتسم وتابع:( لا أعرف كيف ينادينا الموت ونحن في غمرة الحياة، كانت سلام تتسلل وترسم لنفسها مكانا بين ذراعي، وكنت اسرح شعرها، واشم عطر عنقها، وأزينها دائما، في ذلك اليوم زينتها أيضا، قالت لي أن صديقات لها سيزرنها اليوم، ولهذا أوصتني أن اهتم بزينتها أكثر لتكون أبهاهن)، تنفس وجعا خانقا في روحه وتابع:( هي المرة الأولى التي تكذب فيها سلام، فقد كانت تواعد الموت على إحدى الطرقات المتاخمة للمستوطنات، لم تواعده كثيرا، كان لقاء واحدا وحسب، عانقها واختفت بعيدا).
تأملت أحاديثه، واسترجعت صدى صوت حكايتها، بينما كان يتأمل خطوت كفيه، وفنها في وجهها وعيونها، شفاهها، شعرها قوة ثرثرة صمتهما، والتحام وجعهما، وربما احتياج كل منهما لذراع يستند إليها، ولا يفعل شيئا على أنه يروي وجعه ولا يئن، هكذا بادرها بكفه، فأسندت إليه ذراعها، وسارا معا، وهي تقول:( لنا الوجهة ذاتها هذا النهار)، تمتم مبتسما:( وربما يسمح لنا الموت فنتشارك طريق الحياة معا)
لطفل سيحاول تقليدها، وسيركض كما تركض فيمسك عنها الكرة وتضحك لصبي تختفي أكثر ملامحه خلف استدارة كرة.
قلبت الساعات سريعة ممتعة، تطوف بين الأطفال، تستمتع بصخبهم، بضجيجهم وشغبهم ولا تجد بين شفتيها رغبة في رسم أي كلمات حادة جافة توقف روحهم عن الشغب، فالروح لا تستيقظ في العمر مرتين، وكم تذكر في عيونهم أياما كانت فيها تلك الطفلة بشعرها البني المنفوش، والوجه الممتلئ الذي يفتر احمرارا، تركض في شوارع حارتها الضيقة، وتلعب الغميضة مع أولاد الحي، وقد كان يكفيها أن تعد للعشرة حتى تبدأ البحث عنهم في الأرجاء والزوايا الضيقة، المتوارية، لم تكن تلك إلا لعبة تسلي بها الوقت، ولا تدري كيف ظل سلام يلعب الغميضة كل هذا الوقت، ويختفي عنها تماما حد الغياب وتبحث عنه فلا تجده، يختفي حد الغياب، دون أن يترك لها تلك المساحة الضيقة، والإشارة الصغيرة فتبحث عنه، وتعرف أنه سيأتي من خلفها، يضع كفه فوق كتفها ويقول: ( لم تجديني اليوم أيضا).
كان الأطفال يقضون استراحتهم بين المراجيح والرمال، يلعبون بعفوية دون ضابط إيقاع يعدل لهم لحن اللعب والصراخ، بينما كانت تقضي مع زميلاتها بعض الوقت، وتقلب معهم بعض الأحاديث والحكايات، إذ سمعت زميلة لها تكرر ما سمعته لتوها في إذاعة إخبارية عن أنباء التحضير لاستقبال عدد من الجثامين من دولة الاحتلال مساء الغد، سألتها بلهفة عما سمعت، وكيف لها أن تجد معلومات أكثر حول الأسماء.
في طريق عودتها إلى المنزل كانت تقرأ على روحها دفء ذاكرة جمعتهما معا، وصخب شوق لا زالت تحمله له، أعدت الوقت لاستقباله في الغد، اختارت فستانا أزرق معتق، ستسير في موكبه وهي ترتديه ولن تهتم بتلك العيون التي تهتم بتلك العيون التي ستستغرب هذا اللون البارد، الذي يكشف عن امتداد ساقيها، في موكب جنائزي حار، فهي تعلم كم يحب سلام استدارة خصرها النحيل في هذا الفستان، وامتداد ساقيها الممتلئين، على أنه يحبها إذ ترتدي حذاء رياضيا مريحا ليركضا معا، وتتمكن من أن تتبع خطوه.
في الصباح أعدت نفسها للخروج، سيكون لديها متسعا من الوقت قبل أن تبدأ مراسم التشييع ظهرا، ذهبت إلى مصفف شعر جديد، ترتاد المكان للمرة الأولى، بعد أن تعذر عليها أمس الحصول على موعد مناسب في الصالون الذي تذهب إليه عادة، دخلت المكان، كان هادئا جدا، يخلو من الزبائن والعابرين سواها، في زاوية بعيدة يقف مصفف الشعر يطالع وجهه في المرآة، يهتم برتابة مظهره، يلتفت إليها وهي تتأمله باستغراب:( اليوم ليست لدي حجوزات قبل الظهر.) نظرت في عينيه مرتبكة:( لكن علي أن أكون جميلة في عينيه، كما في ذاكرته، سيسير هناك كثيرون في موكب جنائزي، وعليه أن يراني، أن يلمحني وهو ساكن في نعشه، على قلبه أن يستيقظ ويخفق لي)، قالت الكثير من الكلمات الأخرى، وهي تجمع نفسها وتغادر المكان، لكنه أوقفها: (تعالي سأسرح لك شعرك، وأزين لك وجهك، أنا أيضا انتظر سلام، ستأتي اليوم مع عدد من الجثامين.) جلست وهو يصفف شعرها ويتابع:( كنت أحب سلام، لها جمال مختلف يختفي تحت قطع الثياب الكثيرة التي تريديها، والشال الكثيف الذي يغطي شعرها، لا أعرف كيف تسللت من بين ذراعي، لا أعرف متر اختفت بعيدا، متى صار لها أذن أخرى تلقي بالا لحديث ليس همسي لها، وليس دفء كلامي، اختفت سلام بعيدا في دنيا الموت).
مضغت الوجع بين شفتيها وقالت:( سلام يحب أن يرى شعري منسدلا في حدود عنقي، أن انتظر سلام، كان يحب أن يلعب الشطرنج، ويحلم أن يصبح طيارا، ويقول: يوما ما سنعيد افتتاح المطار الذي دمر ثانية، سلام لم ينتظر موعد طائرة الإقلاع إلى دنيا الموت، غافلني ورحل بعيدا وكان جسده طائرة الغياب.)
نظر إليها، (تبدين جميلة الآن، متأكد أن للموتى عيون ستستيقظ لتتأملك.) ابتسم وتابع:( لا أعرف كيف ينادينا الموت ونحن في غمرة الحياة، كانت سلام تتسلل وترسم لنفسها مكانا بين ذراعي، وكنت اسرح شعرها، واشم عطر عنقها، وأزينها دائما، في ذلك اليوم زينتها أيضا، قالت لي أن صديقات لها سيزرنها اليوم، ولهذا أوصتني أن اهتم بزينتها أكثر لتكون أبهاهن)، تنفس وجعا خانقا في روحه وتابع:( هي المرة الأولى التي تكذب فيها سلام، فقد كانت تواعد الموت على إحدى الطرقات المتاخمة للمستوطنات، لم تواعده كثيرا، كان لقاء واحدا وحسب، عانقها واختفت بعيدا).
تأملت أحاديثه، واسترجعت صدى صوت حكايتها، بينما كان يتأمل خطوت كفيه، وفنها في وجهها وعيونها، شفاهها، شعرها قوة ثرثرة صمتهما، والتحام وجعهما، وربما احتياج كل منهما لذراع يستند إليها، ولا يفعل شيئا على أنه يروي وجعه ولا يئن، هكذا بادرها بكفه، فأسندت إليه ذراعها، وسارا معا، وهي تقول:( لنا الوجهة ذاتها هذا النهار)، تمتم مبتسما:( وربما يسمح لنا الموت فنتشارك طريق الحياة معا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق